مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/02/13 17:02
عندما يمر موكب الحق على جسر المهابة

عندما يمر موكب الحق على جسر المهابة

 

طال ظلامُكِ أمَّتي، ولم يتحرَّك المغوار فيكِ ليمجد لك تاريخك عبرَ قطرات دماء الشهداء، طال الليل ولم يَنجلِ ليكتب الصبحُ قصيدةَ الغضب، طال صمتُك أمَّتي ولم أفرح بعدُ بهنائكِ، ما الخَطب في تعداد المليار من أكتاف وأجيال تلَتها أجيال ولم يُسمعني أحدٌ دويَّ النَّصر من داخل باحة الأقصى؟ ما فائدة شعوب بتعداد قطرات البَحار ولم تحرِّك ساكنًا؟! هل كُتب على جبينك أمَّتي أن يستمرَّ وديان دماء أبنائك جريانًا ولن يندمل جرحك؟ هل مكتوب عليك أن ترتدي رداء الأحزان للأبد أسود ينفِّر عنك كل محاولة للخلاص، هوِّني عليك ولا تجزعي؛ فالحقُّ سيصدح مِن فوق أرض معذِّبيك وماء القوة سينهَمِر من وديان طلاقتك، وذرَّات النَّدى ستزيِّن مدنك عبرَ سمائك اللامعة.

 

انتبهي أمَّتي؛ فهناك من الأحرار من يمنحون جيلك القادم أشلاءهم وإن تناثرَت ليصنعوا منه جسرًا باتجاه أفق الغروب؛ حيث الطير والفراشات يصنعان تمثالَ الحريَّة نصيبًا لك تستحقِّينه من غير ثَناء من أحد، فصبرك طال وامتدَّ ظلُّه ليكتب في سجلِّ الظلام أن قهرني الزَّمنُ يا عرب، هو القلق مَن يحرِّك فيك تمرُّدًا جديدًا لن يكفيك الهدوء ليستقرَّ لكِ بال وأنت بعد لم تنتصري، أقولها بصوت ليس حزينًا، ولكنه واثِق النوتات في سؤال منِّي: مَن سيزيح عنك الهمَّ لأفرح ويفرح العطشَى للحرية والسلام؟ فبالأمس فقط أطلقتُ حمام السلام ليعمَّ فضاء سمائك، واليوم أطلقها صيحةً تكفي تردد الصدى لأبعد نُقطة من قتلاكِ وجرحاك من سوريا والعراق واليمن وغيرها من بلدانٍ تعبَت ووهنَت وانكسرَت اليوم أكثر من البارحة، فإلى من لا يملِك الشجاعة أن يفسح الطريقَ لموكب الحقِّ ليمرَّ بأشلائه وهي ملثمة بدمائها، اتركوا سربَ الحق لينطلق عاليًا، سيفرُّ الخوَنةُ حتمًا، فكلَّما مشى موكب الحقِّ في تقدم نحو قبَّة الصخرة تلتهب نيران العدوِّ احتقانًا خوفًا من النصر، إنَّه قرار لا رَجعة فيه، أردتِه يا أمَّتي تدميرًا وخرابًا لقِلاع من كذَّب ونِفاق بني صهيون، رددوه دعاءً صبحيًّا واختموه ترتيلاً أبديًّا من كتاب الله وعزَّ من قال: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

 

هو الوعد الحقُّ من الله تعالى أنَّه ناصر المظلومين والمسجونين والمقهورِين، فلِم تسدُّون الطريق أمام أحرارٍ ربَّاهم الحرمان أن يعشقوا الشهادةَ فأحبوا أوطانهم بجنون؟ ويحًا لجُبنِكم الذي أصبح كاللعبة في يَد الأطفال يتسلَّون بها، وبالمثل هي شجاعة الأبطال من ترمي بمناشفكم على أرضكم المدنَّسة بعد أن مَسحوا بها نِعالَهم ليستمرَّ موكب الحقِّ في الزحف رويدًا رويدًا، سيُشاع أنَّهم منكبون للانتحار، هو تحليلكم الجبان، لكنَّه قرار الواثقين المدركين لفعلهم الموزون، برغبة أكيدة في تَحرير الأطفال والمحرومين والمعذَّبين على الأرض، تعب أهلهم الأحياء ومَن بقي فيه صوتُ الإصرار وزلزلَت الأرض رفضًا قاطعا لموتٍ لم يكن أبدًا مسجًّى على حرير الشهادة.

 

مهلاً إن لم ترتِّبوا بعدُ أقلامَكم لتكتبوا مآثركم، فالتاريخ يَرقب ويَشهد على كلِّ شيء، فلا داعي لأن تَحملوا يا أبطال هَمَّ التوثيق؛ فالدمع والدَّم يمتزجان ليسكُبا شرابَ الحياة الذي حقَّقتُموه بأياديكم، فيما بعد النَّصر الأكيد، هي العِزَّة، من تريد لها ثوب العرس لتحتفل بمناسبة التحرُّر يومًا قريبًا، فليخسأ كلُّ من ظنَّ أنَّ جيلاً من الأشلاء لن يمد المدد للجيل القادِم، فبقلمي أكتبها للعَلن: هاكم أشلائي جسرًا ليعبر عليه جيلُ الغد، مَن سيختاره الله للمهمَّة النبيلة التي ليس يضاهيها أيُّ مهمَّة أخرى، إنها مهمة مهمَّة تحرير القدس من لَوعة وشوق أكيدَين لحمامة الحريَّة تطير فوق رؤوس الحمقى، ليس لديَّ ما أبكي عليه، فأنا اليوم حرَّة وحرة وحرَّة ما دام حلم القدس في قَلبي شُعلة لم تَنطفئ ولن تُطفَأ حتى النَّصر.

 

فصبرًا قدسي، فيومك مِيعاد قريب سينبتُ فيه الزرعُ والورد والشجر وتنطفئ فيه مَصابيح العدو إن هي أرادَت أن ترقب فيك لَمعان النَّصر في حلَّته التي لبستِها ليلةَ فرحك، ولن ينال مِنك سوى قبضة من أبناء الجيل الأكيد من سيحاصرونَك حتى لا تتأذَّي من أحد، التقطي أنفاسكِ يا قدس، وارقبي ضربةً قاضية مع آذان الفَجر كميعاد يختاره الأحرارُ لتتويج النصر فيك، فالكلُّ يردِّد إلى أن ملَّ من الكلمات البرَّاقة التي لم تُسكت فيهم جوعَ الأمان، وبكوا من فطام العقيم لابنها المشرَّد من غير أن تربِّيه لأجلك يا قدس، بقلمي الحر أقولها للعلن: أنتِ حرَّة اليوم يا قدس أكثر من أيِّ يومٍ مضى، فارقبي موكبَ الحقِّ قادمًا نحوك ليزيح عنك همَّ قرن من الزمن، واطلبي من إماء فلسطين أن يزغرِدنَ أن ماتَ الأحرار شهداء في سبيل تحريرك.

 

أضافة تعليق