مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/02/12 21:41
مراسيم الانتصار

مراسيم الانتصار

فضلاً، زِنْ لي حجم الشكر الذي ستُقَدِّمه لي في لحظة انتصار، وفضلاً حَضِّرْ لي من الكلمات الموزونة من يبعث في قلبي نبضًا آخر، ليس نبضَ الحياة فقط، وإنما نبض الانتصار  المفعَم بحركات القلب الخافقة خفقان الموج على الصخر، بعيدًا عن كل ما سَيُعَكِّر مزاجي، فأطْلِقْ سَراحًا لثنايا ما يجول في خاطرك، فلربما هو بيت القصيد في أننا فهمنا واستوعبنا أن الله خلق كل شيء بقَدَر، ويُنَزِّل كل شيء بقدر، سبحان الله! هو انتظام الحياة في سلسلة الكواكب السَّيَّارة من حولنا، ونحن لا نفقه فقه التوازن والثبات في الكون.

 

فضلاً، قَدِّم لي كل كلمات اللغة؛ لأختار منها ما يناسب قصيدتي؛ لأني أنوي إبداعًا في الثلث الأخير من الليل؛ لأنه الوقت المناسب لخلو ذهني من شوارد اليوم، هو الوقت المستحسن لي لما أُطرقُ في قضايا كانت عالقة على كاهلي، وحَسِبْتُها دائمة التعلق على قلمي، حتى يثقل الحمل جود الفكر في الصياح أن بوادر الانتصار لها مؤشرات وملامح، فقط اترك الباب مفتوحًا لكل ضيف حتى العدو؛ لأني على عقيدة أن صبري عليه كَسَرَ طموح التمادي في الظلم، فهلاَّ رحَّبْتَ معي في صمت بكل النوازل من الناس؟ أَوَلَيْسَ تَرْحَابِي يسع الكل؛ لأنه ما ضيِّقَ مكانٌ إلا ووسعَ له المجال في القلب، وقلبي دائمًا فسيح كالغابة لمن أراد احتطاب العِبَر والمثل، ففضلاً بنظام الخلق رَتِّب مراسيم استقبال الضيوف من غير تكلُّف؛ لأني أكره تقاليد يحدوها التكلف والمبالغة في التصميم والتزيين، فقط أريده حفلاً بسيطًا، يليق بمراتب الزهاد والأتقياء، فيكفينا أن الملائكة تَحُفُّنا من كل صوب، عندما يكون في المجلس ذكر الله تعالى وحمده وشكره طويلاً مطولاً.

 

فضلاً، اصرف عني كل فوضى، نعم كل فوضى؛ فالفوضى لديَّ مُفْسِدة لبرنامج الفرحة ولَمِّ الشمل، فلا تحسبن المهمة سهلة في استقبال من آلمني يومًا ما، ولكني في تطوع لترويض تمردي في ألاَّ أغضب ولا أنفعل؛ لأن الانفعال يخلط حساباتي، ويذبذب موجات قلمي في المدح الجميل، والثناء الأجمل، ففضلاً لا تخالف قواعدي؛ ففي مخالفتها ربما حتى إلغاء لكل النوايا، ويصبح الضرر ضررين في فقد الأجر بدءًا بالنية، ووصولاً للتطبيق.

 

فضلاً، لا زلت أشعر بالتعب، بل بالأحرى لا يزال التعب يسكن مُخَيِّلتي وروحي، فلا تكثر عليَّ مراسيم يبدو لي فيها الكثير من استنزاف الجهد، فمن الكثرة ما أفقدني حكمة الإتقان في الكلام، وتبرير النقائص بحجج الحقيقة المقنعة في أن الآلام ليست بدائمة السكن في الجسد والروح، بل هي مهاجرة يومًا ما بإذن من المولى، وبسبب من الأسباب، فقط اتركني في هدوئي، حتى أعيَ ثقافة المخلص من شباك العقد المفبركة، فبعضها بإرادة البشر، وبعضها بغموض الزمن في أنه لا يقر بالحقائق وقت الآلام أبدًا حتى يصل الإنسان إلى درجة التفقُّه في ثقافة الابتلاء، والتي هي واسعة الفهم من كتب المخلدين من الحكماء على شتى الفترات من العقود، ففضلاً ليَكُنْ مجلسي على تواضع المقعد، فكلما كان مجلسي متواضعًا وبسيطًا كان الإبداع فنًّا راقيًا، فلا تعرض عليَّ مفاخر في الاستقبال؛ لأني حتمًا سأصرف نظري إلى مكان سكن روحي في بساطة المحمل، وروعة المنظر، إذًا هي معاييري، وضعْتُها لمراسيم الانتصار، وكل شيء مرتَّب بحسَب وقع النبأ على مسامعي، وأظنها كذلك على مسامع كل البسطاء.

 

بالأمس كانت لي ملامات كثيرة، لست لها بمترجِمَة اليوم؛ لأن ردَّ الاعتبار هو من سيرُدُّ على كل ما قد يطرح تناقضًا على الفهم، هو قصور التدين ليس إلاَّ؛ لأن من المؤمنين من جادت ضمائرهم بالورع، فطلَّقوا الدنيا ثلاثًا إلى غير عودة من تفسير الخطب فيها؛ لأنهم أدرَكوا أن كمال الإيمان هو في التخلي عن نواقض الإيمان، ومستنزفات الدنيا وملذاتها ومجالسها وجالسيها، فهي في غيبة المقصد من غير رجعة إلى جادة الحق.

 

ففضلاً، هو صرح روحي، أريد أن أُقِيم له بناءً صغيرًا، فيه الكثير من ملامح التخلي عن منهكات الوقت وأوجاعه، حتى يقال لي من الحضور: إنَّ قليلك يكفينا، ولكن قليلك لا يُقال له قليل، حينما يوزن بميزان القناعة والرضا.

 

وبما أن الحضور على حضورٍ الآن، فافتح لهم أبواب الاستقبال؛ لأرى ملامح الانتصار أولاً عبر نسمات الفجر الهادئة، والغنية بالبركة والخير، وعبر ميعاد استقبال الضيوف حتى تنتهي صلاة الضحى؛ لأكون قد رتَّبْتُ نفسي جيدًا، أكون مستعدة لتناول وجبة الفضل مع أهل الفضل، هكذا هي مجالس الخير مع أهل الخير، ولأجل دوام الخير؛ لأن ما بدأ بالبسملة في كل شيء، وخُتِم بالحمد، كان منه في نفس الوقت سؤال تمديد البركة بأن نحمده تعالى على أنْ رَزَقَنَا هذا الخير من غير حول منا ولا قوة.

 

فضلاً، إن سألوك عن أهل البيت، فقل لهم: هم أهل... كالعصافير المسخر من هذا الأنام، فلست أبغي إلا صفاء القلوب في عبادة لله الواحد، بصدق الرجوع إليه، بعد طول ضياع بسبب قصور الإدراك في عقول تاهت في دنيا الهوان بقصد أو بغير قصد.




أضافة تعليق