حفيدات رسول الله - صلى الله عليه وسلم
مهما كتبتُ عن شخصك الساحر، فلن أكفَّ عن مدحك والثناء عليك، مهما أعدتُ قراءة سيرتك الطيبة مع الله ومع صحبك وزوجك وعشيرتك، فلن أكفَّ عن الصلاة والسلام عليك.
مهما أخذت منك العِبرةَ والقدوة، يبقى الشوق لرؤياك هو المبتغى، لا أستطيع أن أُصبِّر نفسي ولو أن وقفتي عند الروضة تُطفئ لهيب شوقي، فالأمل يزداد أكثر، والسؤال يتوالى من وراء السؤال مرات ومرات في اليوم:متى ألقاك يا رسول الله؟
تعثَّرتُ في حياتي عثرات عدة، فكنت أهدئ من أساي بتذكُّر مسيرتك الشاقة والسعيدة في نفس الوقت، لا أعرف لماذا يَنهمِر دمعي كلما استمعتُ إلى نشيد يُذكَر فيه اسمُك، حقًّا هو حبك في عمق قلبي إلى آخِر نقطة من البحر.
أفهم لماذا أضعف وأنا أعدِّد ذنوبي، خاصة وأني أنتمي إلى أمَّة اسمُها الأمة المسلمة، فلِمَ كل هذا التقصير مني والرسالة بلَّغتَها يا خير الأنام برسمك لمعالم في طريق دعوتك، زيَّنتْها تضحياتك الجسام في سبيل الله؟.
ألا يَليق بمركب النقص أن أستغفر الله ليلاً ونهارًا من أني لا أشبه حفيدة من حفيداتك، لست أطلب أن أكون نموذجًا من بناتك؛ لأنهنَّ كبيرات رفيعات المستوى في الخُلُق والسماحة، فالمسافة بعيدة والمراد صعب التحقيق.
لست أتمنى سوى القليل من خصال المبدعات الخالدات، حفيداتك الجليلات، فكم تمنيت فصاحة وبلاغة أم كلثوم، وما يحلو في فكري أن أرتديه من خصالها الاعتزاز بالنفس وقوة الإيمان.
تغمرني دموع الحبِّ لبناتك ولحفيداتك يا حبيبي يا رسول الله؛ فزينب بنت علي بن أبي طالب نموذج ثانٍ لحفيداتك أتوق أن أتحلى بخِصالها، فالزينب هو في اللغة ما كان عشبًا من فصيلة النرجسيات، أزهارها جميلة بيضاء اللون فوَّاحة الرائحة.
وإعجابي منبهر في إنشادها بعد استشهاد أخيها الحسين - رضي الله عنهما - حين أنشدت باكية:
ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم
ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الأممِ
بعترتي وبأهلي بعد مُفتقدي
منهم أسارَى وقتلَى ضُرِّجوا بدمِ
ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم
أن تَخلُفوني بسوءٍ في ذوي رحمِي
|
الله الله على هذا النشيد الراقي في تشييع جثمان شهادة زيَّنها دم الرِّضا والقبول من على معارج سطور التاريخ الإسلامي.
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، حفيدة أخرى، مَن أهداها الحبيب المصطفى هدية لم يظفر بها أحد من مقربيه، فكانت قلادة النجاشي خيرَ ما زيَّنه عنُقها الكريم بعد أن ألبسها إياها جدها الرسول، فأي شرف حظيت به هذه الحفيدة وهي في سن الطفولة؟ لكنها حظوة المحبة بامتياز، وللقلب ما يريد ويحب.
كل الحفيدات بالنسبة لي أسوة ونماذج طاهرة من العَفاف والتقوى، يكفي أنهن يَنحدِرن من سلالة الرسول الكريم؛ لذلك أتصور وآنا أطالع سيرة الحفيدات الطاهرات كأنهنَّ نجوم تضيء في السماء.
وما أرجوه من جيل بنات الأمة المسلمة أن يخترن أسماء مواليدهنَّ الجدُد بأسماء حفيدات الرسول أو بناته؛ ليكون التباهي والتسامي بأسماء نساء تركْن بصماتهنَّ أحرفًا من نور، ولهنَّ من الخطى ما كان نبراسًا للنساء المسلمات.
وأيضًا أرى في عدم الاكتفاء بالتسمية فقط شغفًا من جيل الأمة المسلمة ليقرأ ويبحث ويفهم البطولات الفذَّة التي مثَّلتها حفيدات رسول الله، وهذا هو الاعتزاز بعينه، والأجمل من كل هذا هو إحياء سيرتهنَّ بالاقتداء بأعمالهنَّ ومواقفهنَّ، خاصة في مشاهد الشهادة أين تبدو القوة والصلابة والثبات لجيل سيبقى راسخًا في موسوعة التاريخ الإسلامي في معنى الحضارة الخالدة للمسلمين بإذن الله.