و لا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون
في زمن التكالب الخارجي والداخلي الواسع النطاق والمتعدّد الأشكال على الاسلام لا يسع المسلمين إلا أن يزدادوا استمساكا واعيا بصيرا بدينهم على مستوى العقائد والعبادات والشرائع والأخلاق والقيم والسلوك ، لا يخافون في الله لومة لائم ، هذا الثبات هو الحصن الأقوى الذي يقينا الضربات الفكرية والإعلامية والسلوكية التي تسهدفنا بضراوة ، كما أنه العامل الحاسم في رفع تحدّي العولمة الطاغية والغزو الثقافي والسياسي ، ذلك أن الثغرة الأولى التي قد تحدث في كياننا ، والتي يسعى إليها أعداء الاسلام ، هي أن نتعقّد من ديننا وانتمائنا ونخجل من بعض أحكامه ونتنازل عن بعض ما أنزل الله إلينا ، وهو ما أصاب بعض المسلمين فانخرطوا في سعي خطير يحمل أسماء تجديد الخطاب الديني وتغيير المناهج التربوية ونحو ذلك ، قال تعالى " واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " – سورة المائدة 49
هذا الفهم نستقيه من قول الله تعالى " ولا تموتُنّ إلا وانتم مسلمون " – سورة آل عمران 102 ، فحتى يموت المسلمون على الاسلام يجب أن يعيشوه طول حياتهم ، مستسلمين لأمر الله متّبعين لمنهجه محتكمين لشريعته معتزّين به مهما تلوّنت سبل الحياة وتشعّبت ، ذلك أن لدى أعدائه حرصا كبيرا متواصلا على صدّ المسلمين عنه لأنه صخرة النجاة وخطّ الدفاع ومصدر القوة الدافعة ، ويبذلون في سبيل ذلك كلّ أنواع الحيل والمكر ، يحاربون الاسلام ظاهرين فإن أعجزهم ذلك دسّوا له ماكرين ، يحاربونه وحدهم ومستعينين بأتباعهم التغريبيّين الذين يتحرّكون من الداخل يخذّلون ويثبّطون بواسطة الاشاعات والشبهات ، وفينا سمّاعون لهم ، لأن بأيديهم غيرَ قليل من وسائل التأثير القوية التي استأثروا بها ، يزيّنون بها مفاسد الغرب ويقبّحون محاسن الاسلام لينتكس بعض أهل الإيمان ويسلكوا سبل الضلال بعد أن نعموا بالإيمان ، وإنما تبدأ الهزيمة النفسية بتراجع الضمير الديني وقبول المناهج والأوضاع الغربية التي تنافي ثوابت الإسلام ، والتي تمّ تسويقها بلافتات براقة كالحداثة والإنسانية والعولمة المحتومة ، لذلك نجد المسلم الواعي لا يتمسّك بمقتضيات الدين فحسب بل يعتزّ اعتزازا يفوق أي انتساب ، لأنه ليس دينا بالمعنى اللاهوتي الذي يحصره في الطقوس إنما هو هوية المسلم وشخصيته وجنسيته ، قال تعالى " ومن أحسن قولا ممّن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " – سورة فصلت 33 ، فهو لا يتعقد من نسبه الرباني بل يجهر به ويفاخر ويعتزّ.
وبالمناسبة يحسن أن نذكّر بأن الاسلام هو نسب جميع الأنبياء والصالحين من أول الزمان وليس دين العرب وحدهم ولا هو دين فترة من الفترات كما يشيع أعداؤه :
e="color:#000; background-color:#fff; font-family:HelveticaNeue, Helvetica Neue, Helvetica, Arial, Lucida Grande, sans-serif;font-size:18px">