عبد العزيز كحيل
عندما شنقوا سيّد قطب يوم 29- 8 – 1966 غيّبوا جسده وأمدّوا فكرته بالحياة. فقد عاش في كنف الدعوة يحطّم الطواغيت بقلمه السيّال، وكان في يده كالسوط، لا يخطىء متجبّرا على الله ولا معتديا على شرعه ولا ظالما لعباده ، طارد الطواغيت في عالم الأفكار والضمائر والواقع ، مقتديا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وعرّاهم من كلّ امتياز، وبيّن أنهم يمثّلون الجاهلية بجميع مميّزاتها ، و الجاهلية ليست فترة تاريخية إنما هي "حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله، و وضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله". وسخّر حياته الدعوية لمكافحة الظلم بكلّ أنواعه ، حرّض ضدّ قوى البغي ورموزه وجعل ذلك من مقتضيات الإسلام ، ووقف مع المظلومين وقفة قوية ثابتة ، وطرح عن دين الله تصوّرا حيّا يستقطب القلوب المؤمنة بقدر ما يزعج أنصار الاسم الأمريكاني – كما أطلق عليه في مطلع الخمسينيات – وأهال التراب على إسلام الدروشة والخرافة الذي تحبه الجاهلية القديمة والحديثة ، ليبرز إسلام الحرية والقوة والتمكين الذي لا يؤمن بأنصاف الحلول مع الجاهلية وإنما هو بناء شامل متكامل وتصوّر واضح جليّ للكون والدين والإنسان والحياة لا يسع الناسَ إلا أن يقبلوه كاملا أو يعرضوا عنه ، من العقيدة الكامنة في الضمير إلى الشريعة التي تحكم الحياة كلّها ، وهكذا ينبغي التعريف بالإسلام بعيدا عن التشويهات التي علقت به منذ عصور الانحطاط وحصرته في تديّن فردي عند بعضهم ومظاهر أقرب إلى الفلكلور عند آخرين وتناول انتقائي مصلحي عند صنف ثالث ، ممّا ذهب ببهائه وحجب حقائقه عن البشرية – بل عن المسلمين أنفسهم – وعند تصحيح الرؤية سيعلم الجميع أننا حين ندعو إلى استئناف الحياة الاسلامية وإقامة المجتمع الاسلامي فإننا ندعو إلى عالم أفضل ، وأننا ندعو الناس إلى الاسلام لأننا نحبهم ، نحب لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة كما نحبّ ذلك لأنفسنا ، ونريد أن ننتقل معهم من الهدم إلى البناء من أجل عالم تتعايش فيه بسلام جميع الأجناس والعقائد واللغات ، وهو ما يتيحه النظام الاسلامي المستمدّ من القرآن والسنة والذي يخلق مقوّمات شعورية واجتماعية واقتصادية خاصة تحكمها القيم الربانية وشريعة العدل. كم حارب الشهيد مناهج التخدير والتدجين والدجل باسم الاسلام ، وكم عرّى من أسماهم " رجال الدين " الذين يرتدون لباس الخدم ويقومون على أبواب الكبراء ينتظرون إشاراتهم لِلَحْس الأحذية في انحناء وخضوع ومباركة الانحرافات المختلفة وإصدار فتاوى على المقاس وكأنّ الدين في أيديهم عجينة طريّة يصنعون منهم ما يشاؤون لإرضاء أصحاب السلطة والمال والجاه والشكيمة ، ولا يزعجهم الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو رائد الاشتراكية اليوم ونبيّ الليبرالية غدا ، والإسلام دين المَلَكية هنا ودين الجمهورية هناك ، كم حذّر سيد قطب من هؤلاء لخطرهم على الاسلام ، لأنهم مجرّد تجار لا تعنيهم نوعية السوق ولا البضاعة ، يبيعون دينهن بدنيا غيرهم ، يباركون الظلمة ويلعنون المظلومين ... اتّخذ منهم ذلك الموقف وهو يرى عبثهم في ظلّ القصر الملكي والنظام العسكري الذي تلاه ، فهاله انتسابهم للعلم والفقه ...فكيف لو عاش إلى اليوم ورأى ماذا يفعل شيخ الأزهر وزملاؤه في مصر ، وكثير ممّن يحملون لقب المفتي في البلاد العربية من ليّ لأعناق النصوص الشرعية وتجاوز لمحكمات الاسلام لإرضاء أولياء نعمتهم من العسكر المتسلّطين والملوك والأمراء ، ولا يخشون الله في إضفاء الشرعية على أعمالهم ومواقفهم التي تنضح طغيانا وبغيا وإضرارا بمصالح الأمة ؟ وقد أبدأ وأعاد في ضريبة الذلّ التي يدفعها الأذلاء وهي أفدح من تكاليف الكرامة والشرف ، يحنون رؤوسهم لغير الله ويمضون في قافلة الرقيق لا يحسّ بهم أحد حتى الجلاّد نفسه ، وسخِر من العبيد الذين لم تُلجئهم الأوضاع إلى الرقّ وإنما يتهافتون عليه طائعين لأنهم في حاجة ماسّة إلى العبودية ، و هم أصحاب قصور وضياع وأموال وأقلام ومعرفة دينية ، لأن نفوسهم لم تزكّها عبادة ولا صقلتها أخلاق ، ومع هذا هم جبارون في الأرض غلاظ على ألأحرار، وقافلة الرقيق تحاول دائما اعتراض موكب الحرية...تماما كما يحدث الآن في العالم العربي. وكحادٍ لقافلة المؤمنين الأحرار شنّ هجوما لا هوادة فيه على أدب الانحلال ومواكب الفارغات ، فحاكم إلى ثقافة الاسلام أوساطَ الفنّ الهابط والطرب والرقص واللعب وما فيها من فجور وانتهاك لكرامة الانسان. وقد شغلته مبكّرا قضية فلسطين وعدّها القضية القومية والإسلامية الأولى وكتب المقلات وألف الكتب يضع اليد على دسائس الأمريكان والغربيين عامة ، ويحلّل نفسيات اليهود وخططهم كما ذكرها القرآن الكريم وكما ينطق يها الواقع ، وحذّر " النائمين في العالم الاسلامي " من ذلك ، ولفت الانتباه إلى سلبية غلاة القوميّين والعلمانيّين وتخاذلهم عن القضية بل وتآمرهم عليها ، وحمل بشدّة على الاستعمار الغربي وسخر من " مبادئ العالم الحرّ " ، كما سخر من " فرنسا أمّ الحرية " التي تحتلّ بلادا شتى على رأسها المغرب العربي ، وتشنّ آنذاك حرب إبادة على الشعب الجزائري ، وكتب عن " جراحات الوطن الاسلامي " . في كلّ هذه المحاور كان سيد قطب يواجه الجاهلية ، جاهلية الحكم بغير ما أنزل الله وجاهلية القصور وجاهلية الفنّ المنحرف وجاهلية " الرجل الأبيض " وجاهلية رجال الدين المنحرفين ، فلا غرابة بعد ذلك أن يحبّه أبناء الحركة الاسلامية في العالم كلّه وكذلك كلّ مسلم له فهم دقيق لدينه ، وان يبالغ في بغضه – وهو ميّت - اللادينيون الذين تسيّرهم المادة والأهواء وأيضا غلاة الوهابيّين من الجامية والمدخلية ، لأنهم جميعا يكرهون الحرية ولا يفهمون الاسلام ، فهم أنصار الجاهلية التي واجهها طول حياته.
عندما شنقوا سيّد قطب يوم 29- 8 – 1966 غيّبوا جسده وأمدّوا فكرته بالحياة. فقد عاش في كنف الدعوة يحطّم الطواغيت بقلمه السيّال، وكان في يده كالسوط، لا يخطىء متجبّرا على الله ولا معتديا على شرعه ولا ظالما لعباده ، طارد الطواغيت في عالم الأفكار والضمائر والواقع ، مقتديا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وعرّاهم من كلّ امتياز، وبيّن أنهم يمثّلون الجاهلية بجميع مميّزاتها ، و الجاهلية ليست فترة تاريخية إنما هي "حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله، و وضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله". وسخّر حياته الدعوية لمكافحة الظلم بكلّ أنواعه ، حرّض ضدّ قوى البغي ورموزه وجعل ذلك من مقتضيات الإسلام ، ووقف مع المظلومين وقفة قوية ثابتة ، وطرح عن دين الله تصوّرا حيّا يستقطب القلوب المؤمنة بقدر ما يزعج أنصار الاسم الأمريكاني – كما أطلق عليه في مطلع الخمسينيات – وأهال التراب على إسلام الدروشة والخرافة الذي تحبه الجاهلية القديمة والحديثة ، ليبرز إسلام الحرية والقوة والتمكين الذي لا يؤمن بأنصاف الحلول مع الجاهلية وإنما هو بناء شامل متكامل وتصوّر واضح جليّ للكون والدين والإنسان والحياة لا يسع الناسَ إلا أن يقبلوه كاملا أو يعرضوا عنه ، من العقيدة الكامنة في الضمير إلى الشريعة التي تحكم الحياة كلّها ، وهكذا ينبغي التعريف بالإسلام بعيدا عن التشويهات التي علقت به منذ عصور الانحطاط وحصرته في تديّن فردي عند بعضهم ومظاهر أقرب إلى الفلكلور عند آخرين وتناول انتقائي مصلحي عند صنف ثالث ، ممّا ذهب ببهائه وحجب حقائقه عن البشرية – بل عن المسلمين أنفسهم – وعند تصحيح الرؤية سيعلم الجميع أننا حين ندعو إلى استئناف الحياة الاسلامية وإقامة المجتمع الاسلامي فإننا ندعو إلى عالم أفضل ، وأننا ندعو الناس إلى الاسلام لأننا نحبهم ، نحب لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة كما نحبّ ذلك لأنفسنا ، ونريد أن ننتقل معهم من الهدم إلى البناء من أجل عالم تتعايش فيه بسلام جميع الأجناس والعقائد واللغات ، وهو ما يتيحه النظام الاسلامي المستمدّ من القرآن والسنة والذي يخلق مقوّمات شعورية واجتماعية واقتصادية خاصة تحكمها القيم الربانية وشريعة العدل. كم حارب الشهيد مناهج التخدير والتدجين والدجل باسم الاسلام ، وكم عرّى من أسماهم " رجال الدين " الذين يرتدون لباس الخدم ويقومون على أبواب الكبراء ينتظرون إشاراتهم لِلَحْس الأحذية في انحناء وخضوع ومباركة الانحرافات المختلفة وإصدار فتاوى على المقاس وكأنّ الدين في أيديهم عجينة طريّة يصنعون منهم ما يشاؤون لإرضاء أصحاب السلطة والمال والجاه والشكيمة ، ولا يزعجهم الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو رائد الاشتراكية اليوم ونبيّ الليبرالية غدا ، والإسلام دين المَلَكية هنا ودين الجمهورية هناك ، كم حذّر سيد قطب من هؤلاء لخطرهم على الاسلام ، لأنهم مجرّد تجار لا تعنيهم نوعية السوق ولا البضاعة ، يبيعون دينهن بدنيا غيرهم ، يباركون الظلمة ويلعنون المظلومين ... اتّخذ منهم ذلك الموقف وهو يرى عبثهم في ظلّ القصر الملكي والنظام العسكري الذي تلاه ، فهاله انتسابهم للعلم والفقه ...فكيف لو عاش إلى اليوم ورأى ماذا يفعل شيخ الأزهر وزملاؤه في مصر ، وكثير ممّن يحملون لقب المفتي في البلاد العربية من ليّ لأعناق النصوص الشرعية وتجاوز لمحكمات الاسلام لإرضاء أولياء نعمتهم من العسكر المتسلّطين والملوك والأمراء ، ولا يخشون الله في إضفاء الشرعية على أعمالهم ومواقفهم التي تنضح طغيانا وبغيا وإضرارا بمصالح الأمة ؟ وقد أبدأ وأعاد في ضريبة الذلّ التي يدفعها الأذلاء وهي أفدح من تكاليف الكرامة والشرف ، يحنون رؤوسهم لغير الله ويمضون في قافلة الرقيق لا يحسّ بهم أحد حتى الجلاّد نفسه ، وسخِر من العبيد الذين لم تُلجئهم الأوضاع إلى الرقّ وإنما يتهافتون عليه طائعين لأنهم في حاجة ماسّة إلى العبودية ، و هم أصحاب قصور وضياع وأموال وأقلام ومعرفة دينية ، لأن نفوسهم لم تزكّها عبادة ولا صقلتها أخلاق ، ومع هذا هم جبارون في الأرض غلاظ على ألأحرار، وقافلة الرقيق تحاول دائما اعتراض موكب الحرية...تماما كما يحدث الآن في العالم العربي. وكحادٍ لقافلة المؤمنين الأحرار شنّ هجوما لا هوادة فيه على أدب الانحلال ومواكب الفارغات ، فحاكم إلى ثقافة الاسلام أوساطَ الفنّ الهابط والطرب والرقص واللعب وما فيها من فجور وانتهاك لكرامة الانسان. وقد شغلته مبكّرا قضية فلسطين وعدّها القضية القومية والإسلامية الأولى وكتب المقلات وألف الكتب يضع اليد على دسائس الأمريكان والغربيين عامة ، ويحلّل نفسيات اليهود وخططهم كما ذكرها القرآن الكريم وكما ينطق يها الواقع ، وحذّر " النائمين في العالم الاسلامي " من ذلك ، ولفت الانتباه إلى سلبية غلاة القوميّين والعلمانيّين وتخاذلهم عن القضية بل وتآمرهم عليها ، وحمل بشدّة على الاستعمار الغربي وسخر من " مبادئ العالم الحرّ " ، كما سخر من " فرنسا أمّ الحرية " التي تحتلّ بلادا شتى على رأسها المغرب العربي ، وتشنّ آنذاك حرب إبادة على الشعب الجزائري ، وكتب عن " جراحات الوطن الاسلامي " . في كلّ هذه المحاور كان سيد قطب يواجه الجاهلية ، جاهلية الحكم بغير ما أنزل الله وجاهلية القصور وجاهلية الفنّ المنحرف وجاهلية " الرجل الأبيض " وجاهلية رجال الدين المنحرفين ، فلا غرابة بعد ذلك أن يحبّه أبناء الحركة الاسلامية في العالم كلّه وكذلك كلّ مسلم له فهم دقيق لدينه ، وان يبالغ في بغضه – وهو ميّت - اللادينيون الذين تسيّرهم المادة والأهواء وأيضا غلاة الوهابيّين من الجامية والمدخلية ، لأنهم جميعا يكرهون الحرية ولا يفهمون الاسلام ، فهم أنصار الجاهلية التي واجهها طول حياته.