بقلم: د. فؤاد بكرين الصوفي*
كانت الأزمة اليمنية بين النظام السابق والمعارضة اليمنية قد بلغت أوجَّها فاند لعت الثورة الشبابية السلمية التي ضده في فبراير 2011م فتدخلت الأطراف الدولية والجوار الخليجي بإيجاد مبادرة تعمل على لم الشمل فتم التوافق على ما سمي بالمبادرة الخليجية؛ والتي قضت بإزاحة الرئيس السابق علي عبد الله صالح من سدة الحكم وانتخاب شخصية توافقية لتحل محله لفترة انتقالية وذلك في فبراير2012م، ثم انطلق مؤتمر الحوار الوطني وشارك فيه جميع المكونات السياسية، وبدأ أعماله في 18 مارس2013م وسط آمال كبيرة في أن يكون الحوار مخرجا توافقيا ليمن جديد يرسم مستقبله جميع أبنائه. واليمن هو البلد الوحيد من بلدان الربيع العربي الذي خرج من ثورته بتوافق سياسي ، لتتجلى فيه من خلال مؤتمر الحوار الحكمة اليمانية والتفاهمات التشاورية لحل النزاع السياسي في اليمن.
واليوم ونحن أمام الحفل الختامي لمؤتمر الحوار بعد ذهاب المخاوف التي راودت كل مهتم بالشأن اليمني من فشله أو إفشاله واندلاع حرب أهلية يشعلها النظام السابق أو تخطط لها أطراف محلية أو خارجية؛ وصلت اليمن أو تكاد أن تصل إلى شاطئ الأمان بالتوافق اليمني التي كللته - بعد توفيق الله- الحكمة اليمانية والجهود الخليجية والدولية، وعبر مؤتمر الحوار بين الأطياف اليمنية الذي انتهى في 25يناير2014م. مع تخوف من قبل بعض العلماء من بعض بنوده التي قد تعمل على إقصاء الشريعة أو قد يسفر عنها نزاع مستمر بين الأقاليم المقترحة.
لكن هذا الشاطئ سيبقى نقيًّا وآمنا إن أخلص أطراف اللعبة السياسية وتجاوزوا المرحلة الانتقالية وقبلوا بمخرجات الحوار (ولوكان بعضها على مضض)، وتوجهوا بإخلاص وتفان وتناسوا أخطاء الماضي، وشعروا بحساسية المرحلة وتحملوا المسئولية تجاه الشعب والوطن ومستقبل الأجيال ، وطهَّروا أيديهم من الأموال النجسة التي تُبث اليوم لإعادة أقبح أنواع الاستبداد.
كما لن يتم هذا الأمر ما لم يُظْهِر الجميع صدق النوايا وتُغْلَق الأبواب في وجوه العابثين وتُهْتك أستار من يحمل أجندة الخارج وينتزع خنجره من صدر الوطن وأطرافه، وتُعلن الأسباب الرئيسية في الحروب الماضية ومن كان يقتات منها، وتُفضَح الرموز التي كانت سببا في اشعال الحروب المتعددة طوال الفترة الماضية.
وأن يجَرَّدَ المتعطشون للحروب من مناصبهم حتى تحقن الدماء اليمنية و يأمن الناس في سربهم و في مهاجعهم ويزول شبح الحرب من أخيلة أطفالنا، ومظاهر التسلح العشوائية في مجتمعاتنا.
والطرف الإسلامي معنيٌّ بأن يلعب دورا ملموساً يسهم في رسم خريطةٍ لليمن الجديد باعتباره الطرف الأقوى سياسيا وايدلوجيا و تنظيميا. كما يلزمه تطمين الطرف الخارجي والمحلي من عدم الإقصاء و ايضاح الرؤية السياسية نحو العلاقات الدولية ، وأن يبرهن على نقل العمل الإسلامي من مشروع الحزب إلى مشروع الدولة ويؤكد بُعْده عن التشدد والقدرة على الانفتاح على الآخر المحلي و الدولي، والإسلاميون في اليمن يمتلكون القدرة على ذلك بكفاءة وجدارة.
أما الوسطاء الدوليين فمعنيون بإكمال جهودهم بنجاح ، ومن مصلحتهم أن يستقر اليمن وألا تُكَرَّر خسارة الصومال التي أفضت إلى إنهاك الشعب ووصوله إلى حافة الهاوية وإلى القرصنة التي أدت إلى إنهاك المجتمع الدولي نفسه! فرضخ مؤخراً لخيار الشعب الصومالي واتاح الفرصة أمام الأمن والاستقرار فيه ، لكن ذلك ينبغي أن يكون مشروطا بعدم التدخل في رسم مستقبل يقصي طرفا على سبيل طرف آخر.
و الأطراف الإقليمية عليها ان تدرك أن اليمن لن يكون كمصر في ظل دعم أي توجه استفزازي متهوِّر يعمل على وأد فريق ضد آخر، وأنه حين يستقر ويمتلك حريته ويختار قيادته السياسية ويسود فيه الأمن والاستقرار سيكون صمام أمانٍ لدول الجوار، ورافدا للمجتمع الدولي بمقدراته البشرية والطبيعية و بثقافته الوسطية وحكمته اليمانية وسيخيب آمال من يفكر في العبث بأمنه واستقراره، وما قد يوجد هنا أو هنالك من فتن زُرِعتْ ماهي إلا من قبل بعض أهل النفوذ السابقين ليتم عيشهم بذلك و بعيدا عن الدخان بعد اشعاله.
و أخيرا فإن القيادة اليمنية بمنظومتها التوافقية والثورية ملزمة بإبراز الحكمة اليمانية وبإيجاد حلول توافقية توقف من التدخل الخارجي في كل التفاصيل في الواقع اليمني وجعل استقرار البلد مقبوضاً بأيديهم وإبقاء التدخل الأممي مفتوحا.!
*المشرف العام على موقع الوفاق الإنمائي للدراسات والبحوثwefaqdev.net
-سبق أن نشرهذا المقال عند الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار
كانت الأزمة اليمنية بين النظام السابق والمعارضة اليمنية قد بلغت أوجَّها فاند لعت الثورة الشبابية السلمية التي ضده في فبراير 2011م فتدخلت الأطراف الدولية والجوار الخليجي بإيجاد مبادرة تعمل على لم الشمل فتم التوافق على ما سمي بالمبادرة الخليجية؛ والتي قضت بإزاحة الرئيس السابق علي عبد الله صالح من سدة الحكم وانتخاب شخصية توافقية لتحل محله لفترة انتقالية وذلك في فبراير2012م، ثم انطلق مؤتمر الحوار الوطني وشارك فيه جميع المكونات السياسية، وبدأ أعماله في 18 مارس2013م وسط آمال كبيرة في أن يكون الحوار مخرجا توافقيا ليمن جديد يرسم مستقبله جميع أبنائه. واليمن هو البلد الوحيد من بلدان الربيع العربي الذي خرج من ثورته بتوافق سياسي ، لتتجلى فيه من خلال مؤتمر الحوار الحكمة اليمانية والتفاهمات التشاورية لحل النزاع السياسي في اليمن.
واليوم ونحن أمام الحفل الختامي لمؤتمر الحوار بعد ذهاب المخاوف التي راودت كل مهتم بالشأن اليمني من فشله أو إفشاله واندلاع حرب أهلية يشعلها النظام السابق أو تخطط لها أطراف محلية أو خارجية؛ وصلت اليمن أو تكاد أن تصل إلى شاطئ الأمان بالتوافق اليمني التي كللته - بعد توفيق الله- الحكمة اليمانية والجهود الخليجية والدولية، وعبر مؤتمر الحوار بين الأطياف اليمنية الذي انتهى في 25يناير2014م. مع تخوف من قبل بعض العلماء من بعض بنوده التي قد تعمل على إقصاء الشريعة أو قد يسفر عنها نزاع مستمر بين الأقاليم المقترحة.
لكن هذا الشاطئ سيبقى نقيًّا وآمنا إن أخلص أطراف اللعبة السياسية وتجاوزوا المرحلة الانتقالية وقبلوا بمخرجات الحوار (ولوكان بعضها على مضض)، وتوجهوا بإخلاص وتفان وتناسوا أخطاء الماضي، وشعروا بحساسية المرحلة وتحملوا المسئولية تجاه الشعب والوطن ومستقبل الأجيال ، وطهَّروا أيديهم من الأموال النجسة التي تُبث اليوم لإعادة أقبح أنواع الاستبداد.
كما لن يتم هذا الأمر ما لم يُظْهِر الجميع صدق النوايا وتُغْلَق الأبواب في وجوه العابثين وتُهْتك أستار من يحمل أجندة الخارج وينتزع خنجره من صدر الوطن وأطرافه، وتُعلن الأسباب الرئيسية في الحروب الماضية ومن كان يقتات منها، وتُفضَح الرموز التي كانت سببا في اشعال الحروب المتعددة طوال الفترة الماضية.
وأن يجَرَّدَ المتعطشون للحروب من مناصبهم حتى تحقن الدماء اليمنية و يأمن الناس في سربهم و في مهاجعهم ويزول شبح الحرب من أخيلة أطفالنا، ومظاهر التسلح العشوائية في مجتمعاتنا.
والطرف الإسلامي معنيٌّ بأن يلعب دورا ملموساً يسهم في رسم خريطةٍ لليمن الجديد باعتباره الطرف الأقوى سياسيا وايدلوجيا و تنظيميا. كما يلزمه تطمين الطرف الخارجي والمحلي من عدم الإقصاء و ايضاح الرؤية السياسية نحو العلاقات الدولية ، وأن يبرهن على نقل العمل الإسلامي من مشروع الحزب إلى مشروع الدولة ويؤكد بُعْده عن التشدد والقدرة على الانفتاح على الآخر المحلي و الدولي، والإسلاميون في اليمن يمتلكون القدرة على ذلك بكفاءة وجدارة.
أما الوسطاء الدوليين فمعنيون بإكمال جهودهم بنجاح ، ومن مصلحتهم أن يستقر اليمن وألا تُكَرَّر خسارة الصومال التي أفضت إلى إنهاك الشعب ووصوله إلى حافة الهاوية وإلى القرصنة التي أدت إلى إنهاك المجتمع الدولي نفسه! فرضخ مؤخراً لخيار الشعب الصومالي واتاح الفرصة أمام الأمن والاستقرار فيه ، لكن ذلك ينبغي أن يكون مشروطا بعدم التدخل في رسم مستقبل يقصي طرفا على سبيل طرف آخر.
و الأطراف الإقليمية عليها ان تدرك أن اليمن لن يكون كمصر في ظل دعم أي توجه استفزازي متهوِّر يعمل على وأد فريق ضد آخر، وأنه حين يستقر ويمتلك حريته ويختار قيادته السياسية ويسود فيه الأمن والاستقرار سيكون صمام أمانٍ لدول الجوار، ورافدا للمجتمع الدولي بمقدراته البشرية والطبيعية و بثقافته الوسطية وحكمته اليمانية وسيخيب آمال من يفكر في العبث بأمنه واستقراره، وما قد يوجد هنا أو هنالك من فتن زُرِعتْ ماهي إلا من قبل بعض أهل النفوذ السابقين ليتم عيشهم بذلك و بعيدا عن الدخان بعد اشعاله.
و أخيرا فإن القيادة اليمنية بمنظومتها التوافقية والثورية ملزمة بإبراز الحكمة اليمانية وبإيجاد حلول توافقية توقف من التدخل الخارجي في كل التفاصيل في الواقع اليمني وجعل استقرار البلد مقبوضاً بأيديهم وإبقاء التدخل الأممي مفتوحا.!
*المشرف العام على موقع الوفاق الإنمائي للدراسات والبحوثwefaqdev.net
-سبق أن نشرهذا المقال عند الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار