مهنا الحبيل
عاد الجدل مجددا حول مشروع العلاقات الأميركية الإيرانية الجديد وانعكاساته على الوضع الإقليمي في الوطن العربي والمشرق الإسلامي والعلاقات الدولية، إثر التعثر النسبي في مفاوضات المحور الغربي مع طهران في ما يتعلق بالمقابل التفاوضي لطهران في الملف النووي.
وهي مسارات تفصيلية لم يحدد بعد إطارها الكلي في حجم هذا الاتفاق على الأرض وفي المفاعلات النووية، فضلا عن خليط إعلامي ضخم يجري الدفع به عند دورات تفاوض أو تصعيد عن هذا الملف يُخفي خلفه ملفات أشد خطورة على المنطقة من المطالب العلنية لواشنطن وتل أبيب في الملف النووي، بحسب الرؤية العربية المستقلة.
وهذا لا يعني أن التخصيب النووي ومشاريعه لا تعني ملفات قلق وبطاقات تفاوض حرجة بين الفرقاء، بل له أهمية بالغة في تحديد المسارات السياسية والإستراتيجية للتعامل الدولي مع ما تسمّيه واشنطن الدول المارقة، وهو بطاقة كوريا الشمالية الوحيدة التي أخضعت الفيل الأميركي ولكن على حساب حرية الشعب ومعيشته أيضا، ولذلك فإن صناعة الممانعة السياسية أو التضخيم الدعائي المقابل عن الملف النووي يُشكّل مساحة تلاعب واسعة بين هذه الأطراف في رسائلها السياسية لشعوبها أو العالم.
وحين النظر والتأمل العميق في هذه المفاوضات النووية ودمجها مرتبة مع مجمل التقاطعات الأخيرة المهمة في علاقات واشنطن بإيران، وخاصة عبر صفقة سان بطرسبرغ، سيتضح لماذا هذا الملف فرعي في هذه المرحلة الدقيقة أمام التوافقات الأخرى، وهو كذلك يوضح أن الخلاف الذي قد يُسوّى مستقبلا أو يتعثر لا يُغير من مساحة الانعطاف الكبير الذي تعيشه المنطقة في علاقات القطبين الدولي والإقليمي ودور موسكو كقطب دولي منافس، ذلك الذي يتصاعد بشدة في المشرق الإسلامي.
إذن فهم هذه القصة ينطلق من قراءة الكتاب من أوله وصولا إلى الملف النووي وما بعده، وليس القفز عند فصل الملف النووي في الكتاب، وإلغاء ما جرى قبله من معطيات مهمة عن هذا التوافق.
إن مركزية المشروع تقوم على عنوان رئيسي وهو أن التعامل مع نووي إيران على أنه مشروع حرب عسكري موسمي يُصعد بحسب الظروف ويُسحب بحسب مصالح واشنطن، لم يعد قائما حاليا وبات تراجعه محسوسا لكل الأطراف.
والحصيلة المركزية لهذا الملف برزت في أصل فكرة الإيمان الأميركي الجديد بأن التطابق الروسي الأميركي والإيراني بشأن سوريا له واجهة رئيسية اليوم، وهو أن ثورة سوريا خصم ونظام الأسد حليف ظرفي مهم في إطاره المحلي.
وعليه فإن هذه القناعة تتطلب بصورة طبيعية أن تبني عليها شبكة تنسيق واحتواء لملفات عديدة في المنطقة، تميل فيها واشنطن إلى سحب مشاريع المواجهة لتعزيز المرحلة الانتقالية التي ستفرضها مشاريع عميقة وجراحية خطيرة لتصفية الثورة السورية، تسعى فيها واشنطن وطهران وموسكو إلى تقليل الخسائر والارتدادات التي لم تُضمن حتى اليوم، فضلا عن جدول صمود الميدان السوري.
ولذلك تلعب قضية الدفع بمؤتمر جنيف أو أي مؤتمر بديل دورا مهما للغاية لكل أطراف هذه الصفقة للاحتواء المزدوج، وهي عملية تباشرها واشنطن اليوم بتوسع بعدما أدركت كل الأطراف -وخاصة الخليجية- أن واشنطن ثابتة على هذا المسار ولا يُحركها تذمر بعض الخليج العربي ولا خلافات تل أبيب وباريس التفصيلية.
ومن المهم هنا أن نسجل أنه لا تحفّظ لدى تل أبيب ولا حتى باريس على مشروع تصفية الثورة السورية الذي أقرته واشنطن مع طهران بدعم من موسكو. الخلاف هنا في ترتيبات ما بعد مشروع التصفية واستحقاق تقاسم اللعبة الذي سيُفرض على المنطقة، وهنا تَدَاخل توتر بعض دول الخليج العربي مع الموقف الفرنسي القلق لكن في قسمه الأخير وليس الأول، رغم أن قواعد العمل -كما يُقال- تؤسَّس على البناء الأول.
وفي كل الأحوال مثلت قواعد التوافق الأخير صدمة عنيفة لقراءات المنطقة إيجابيا لأنصار إيران وفكرة التوافق الغربي مع الشريك القوي في الخليج أو سلبيا مع دول الخليج العربي، وهنا الدول أي الشعوب والجغرافيا التاريخية، لأن الأنظمة السياسية في الخليج العربي ليست على موقف واحد من الصفقة، بل إن دولتين منه شاركتا في التأهيل للصفقة والبناء الإستراتيجي عليها.
ومؤخرا دُفع بتقارير استخبارية متعددة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الغربية وتم تسريب كم هائل من المعلومات ووصف تفصيلي يدرك الباحث أنها صياغة استخبارية،..هذه المعلومات تُساق بتَداخل أو تَدخل ليخدم هذا الطرف أو ذاك في ظل الصراع الخليجي المتأثر سلبا أو إيجابا -حسب تقديراته- من صفقة سان بطرسبرغ.
ولذلك فإن مؤسَسات الثورة السورية والرأي العام الوطني في الخليج العربي الذي لا يخضع لأمزجة مؤسسات الحكم ومواسم الرضى أو التذمر الأميركي، يجب أن تحذر من هذه التسريبات وإدارتها التي يتورط في التعاطي معها الكثيرون ويقعون في ذات الفخ أو الفكرة التي سعت لها هذه المخابرات أو تلك.
وإن مركزية الموقف العام من الصفقة وأمن المنطقة بشعوبها وحريتها ونجاة الشعب السوري من أم المذابح التي تُحضّر له، يقوم على الإيمان بأن الخلاص في وحدة القاعدة الصلبة للثوار في الجيش السوري الحر المستقل عن ارتباط وارتباكات الائتلاف والفصائل الإسلامية الحليفة له، وبناء سيناريو التحالف العسكري الدقيق مع بقية الفصائل التي تؤمن بحرية الشعب وثورته.
وهذا يحتاج إلى كتلة صلبة لا تستوعب الجميع في انطلاقتها الأولى، وتسعى لاحتوائهم في صعودها المتدرج للعودة لأخذ زمام المبادرة، وهذا الخط الدقيق يجب أن لا تختطفه مواسم الضجيج الاستخباراتي أو العاطفة الإعلامية والأيدولوجية السطحية التي تُسعّر وتُسخّر لتلك المواسم، بل يأخذ ما يستطيع من هذا الطرف أو ذاك ولا يُسلّمه قيادته ولا مشروعه حتى تحرير أرضه.
وهذا الصعود الميداني حين يتحقق على الأرض فإن ركام ذلك الضجيج المخابراتي والإعلامي سيذهب أدراج الرياح، شريطة أن يَثبت الميدان بكتلته الإسلامية الوطنية الصلبة لا عبر الجماعات العابرة وأرضها المحروقة.. عندها تتغير موازين التقييم وتَفرض الإرادة الشعبية جدولها عبر ثورتها، لكن كل ذلك لن يتم دون صمود الميدان واجتماع الكتلة الصلبة للفصائل السورية، التي تحتاج بالضرورة إلى وحدة ميدانية بعيدة عن التدخل الخليجي الرسمي والشعبي والاستفادة من دعمهم لا تدخّل قراراتهم.
وما جرى من جدل عاصف واحتدام سياسي في المنطقة أمرٌ طبيعي، كمؤشر للتغييرات الكُبرى التي ستشهدها المنطقة وبالذات في الخليج العربي، خاصةً بعد نجاح واشنطن في إدارة محور خليجي كامل ساند موقفها من صفقة سان بطرسبرغ، وأيد شراكة إستراتيجية مع طهران ورفض الموقف الخليجي المعارض، وهي ارتدادات لم تصل إلى مداها ولا تزال تعصف بالمنطقة.
ومؤخرا باتت واشنطن تتعامل بجدية مع الضعف السياسي لهذه الدول من منظور الإصلاح الديمقراطي وحريات الشعوب الذي يغيب عنه الحد الأدنى ويتنافس في مطاردة الإصلاحيين، ليس غيرة على هذه الشعوب ولكن لكون هذا المستوى من التوتر لا يُساعد على بناء إستراتيجي مستقر في ظل لعبة الأمم الكبرى، التي قد تقود إلى شرق أوسطٍ جديد لكن بعد الانفجار الكبير.
*الجزيرة نت
عاد الجدل مجددا حول مشروع العلاقات الأميركية الإيرانية الجديد وانعكاساته على الوضع الإقليمي في الوطن العربي والمشرق الإسلامي والعلاقات الدولية، إثر التعثر النسبي في مفاوضات المحور الغربي مع طهران في ما يتعلق بالمقابل التفاوضي لطهران في الملف النووي.
وهي مسارات تفصيلية لم يحدد بعد إطارها الكلي في حجم هذا الاتفاق على الأرض وفي المفاعلات النووية، فضلا عن خليط إعلامي ضخم يجري الدفع به عند دورات تفاوض أو تصعيد عن هذا الملف يُخفي خلفه ملفات أشد خطورة على المنطقة من المطالب العلنية لواشنطن وتل أبيب في الملف النووي، بحسب الرؤية العربية المستقلة.
وهذا لا يعني أن التخصيب النووي ومشاريعه لا تعني ملفات قلق وبطاقات تفاوض حرجة بين الفرقاء، بل له أهمية بالغة في تحديد المسارات السياسية والإستراتيجية للتعامل الدولي مع ما تسمّيه واشنطن الدول المارقة، وهو بطاقة كوريا الشمالية الوحيدة التي أخضعت الفيل الأميركي ولكن على حساب حرية الشعب ومعيشته أيضا، ولذلك فإن صناعة الممانعة السياسية أو التضخيم الدعائي المقابل عن الملف النووي يُشكّل مساحة تلاعب واسعة بين هذه الأطراف في رسائلها السياسية لشعوبها أو العالم.
وحين النظر والتأمل العميق في هذه المفاوضات النووية ودمجها مرتبة مع مجمل التقاطعات الأخيرة المهمة في علاقات واشنطن بإيران، وخاصة عبر صفقة سان بطرسبرغ، سيتضح لماذا هذا الملف فرعي في هذه المرحلة الدقيقة أمام التوافقات الأخرى، وهو كذلك يوضح أن الخلاف الذي قد يُسوّى مستقبلا أو يتعثر لا يُغير من مساحة الانعطاف الكبير الذي تعيشه المنطقة في علاقات القطبين الدولي والإقليمي ودور موسكو كقطب دولي منافس، ذلك الذي يتصاعد بشدة في المشرق الإسلامي.
إذن فهم هذه القصة ينطلق من قراءة الكتاب من أوله وصولا إلى الملف النووي وما بعده، وليس القفز عند فصل الملف النووي في الكتاب، وإلغاء ما جرى قبله من معطيات مهمة عن هذا التوافق.
إن مركزية المشروع تقوم على عنوان رئيسي وهو أن التعامل مع نووي إيران على أنه مشروع حرب عسكري موسمي يُصعد بحسب الظروف ويُسحب بحسب مصالح واشنطن، لم يعد قائما حاليا وبات تراجعه محسوسا لكل الأطراف.
والحصيلة المركزية لهذا الملف برزت في أصل فكرة الإيمان الأميركي الجديد بأن التطابق الروسي الأميركي والإيراني بشأن سوريا له واجهة رئيسية اليوم، وهو أن ثورة سوريا خصم ونظام الأسد حليف ظرفي مهم في إطاره المحلي.
وعليه فإن هذه القناعة تتطلب بصورة طبيعية أن تبني عليها شبكة تنسيق واحتواء لملفات عديدة في المنطقة، تميل فيها واشنطن إلى سحب مشاريع المواجهة لتعزيز المرحلة الانتقالية التي ستفرضها مشاريع عميقة وجراحية خطيرة لتصفية الثورة السورية، تسعى فيها واشنطن وطهران وموسكو إلى تقليل الخسائر والارتدادات التي لم تُضمن حتى اليوم، فضلا عن جدول صمود الميدان السوري.
ولذلك تلعب قضية الدفع بمؤتمر جنيف أو أي مؤتمر بديل دورا مهما للغاية لكل أطراف هذه الصفقة للاحتواء المزدوج، وهي عملية تباشرها واشنطن اليوم بتوسع بعدما أدركت كل الأطراف -وخاصة الخليجية- أن واشنطن ثابتة على هذا المسار ولا يُحركها تذمر بعض الخليج العربي ولا خلافات تل أبيب وباريس التفصيلية.
ومن المهم هنا أن نسجل أنه لا تحفّظ لدى تل أبيب ولا حتى باريس على مشروع تصفية الثورة السورية الذي أقرته واشنطن مع طهران بدعم من موسكو. الخلاف هنا في ترتيبات ما بعد مشروع التصفية واستحقاق تقاسم اللعبة الذي سيُفرض على المنطقة، وهنا تَدَاخل توتر بعض دول الخليج العربي مع الموقف الفرنسي القلق لكن في قسمه الأخير وليس الأول، رغم أن قواعد العمل -كما يُقال- تؤسَّس على البناء الأول.
وفي كل الأحوال مثلت قواعد التوافق الأخير صدمة عنيفة لقراءات المنطقة إيجابيا لأنصار إيران وفكرة التوافق الغربي مع الشريك القوي في الخليج أو سلبيا مع دول الخليج العربي، وهنا الدول أي الشعوب والجغرافيا التاريخية، لأن الأنظمة السياسية في الخليج العربي ليست على موقف واحد من الصفقة، بل إن دولتين منه شاركتا في التأهيل للصفقة والبناء الإستراتيجي عليها.
ومؤخرا دُفع بتقارير استخبارية متعددة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الغربية وتم تسريب كم هائل من المعلومات ووصف تفصيلي يدرك الباحث أنها صياغة استخبارية،..هذه المعلومات تُساق بتَداخل أو تَدخل ليخدم هذا الطرف أو ذاك في ظل الصراع الخليجي المتأثر سلبا أو إيجابا -حسب تقديراته- من صفقة سان بطرسبرغ.
ولذلك فإن مؤسَسات الثورة السورية والرأي العام الوطني في الخليج العربي الذي لا يخضع لأمزجة مؤسسات الحكم ومواسم الرضى أو التذمر الأميركي، يجب أن تحذر من هذه التسريبات وإدارتها التي يتورط في التعاطي معها الكثيرون ويقعون في ذات الفخ أو الفكرة التي سعت لها هذه المخابرات أو تلك.
وإن مركزية الموقف العام من الصفقة وأمن المنطقة بشعوبها وحريتها ونجاة الشعب السوري من أم المذابح التي تُحضّر له، يقوم على الإيمان بأن الخلاص في وحدة القاعدة الصلبة للثوار في الجيش السوري الحر المستقل عن ارتباط وارتباكات الائتلاف والفصائل الإسلامية الحليفة له، وبناء سيناريو التحالف العسكري الدقيق مع بقية الفصائل التي تؤمن بحرية الشعب وثورته.
وهذا يحتاج إلى كتلة صلبة لا تستوعب الجميع في انطلاقتها الأولى، وتسعى لاحتوائهم في صعودها المتدرج للعودة لأخذ زمام المبادرة، وهذا الخط الدقيق يجب أن لا تختطفه مواسم الضجيج الاستخباراتي أو العاطفة الإعلامية والأيدولوجية السطحية التي تُسعّر وتُسخّر لتلك المواسم، بل يأخذ ما يستطيع من هذا الطرف أو ذاك ولا يُسلّمه قيادته ولا مشروعه حتى تحرير أرضه.
وهذا الصعود الميداني حين يتحقق على الأرض فإن ركام ذلك الضجيج المخابراتي والإعلامي سيذهب أدراج الرياح، شريطة أن يَثبت الميدان بكتلته الإسلامية الوطنية الصلبة لا عبر الجماعات العابرة وأرضها المحروقة.. عندها تتغير موازين التقييم وتَفرض الإرادة الشعبية جدولها عبر ثورتها، لكن كل ذلك لن يتم دون صمود الميدان واجتماع الكتلة الصلبة للفصائل السورية، التي تحتاج بالضرورة إلى وحدة ميدانية بعيدة عن التدخل الخليجي الرسمي والشعبي والاستفادة من دعمهم لا تدخّل قراراتهم.
وما جرى من جدل عاصف واحتدام سياسي في المنطقة أمرٌ طبيعي، كمؤشر للتغييرات الكُبرى التي ستشهدها المنطقة وبالذات في الخليج العربي، خاصةً بعد نجاح واشنطن في إدارة محور خليجي كامل ساند موقفها من صفقة سان بطرسبرغ، وأيد شراكة إستراتيجية مع طهران ورفض الموقف الخليجي المعارض، وهي ارتدادات لم تصل إلى مداها ولا تزال تعصف بالمنطقة.
ومؤخرا باتت واشنطن تتعامل بجدية مع الضعف السياسي لهذه الدول من منظور الإصلاح الديمقراطي وحريات الشعوب الذي يغيب عنه الحد الأدنى ويتنافس في مطاردة الإصلاحيين، ليس غيرة على هذه الشعوب ولكن لكون هذا المستوى من التوتر لا يُساعد على بناء إستراتيجي مستقر في ظل لعبة الأمم الكبرى، التي قد تقود إلى شرق أوسطٍ جديد لكن بعد الانفجار الكبير.
*الجزيرة نت