مهنا الحبيل
مرّت علينا في السابع عشر من رمضان السابع عشر من آب أغسطس الجاري ذكرى غزوة بدر الكبرى ، وهي ملحمة إستراتيجية في تاريخ الدولة والأمة الإسلامية ، كانت تُجسد طليعة الدفاع عن الفكر التحرري الحق الذي قامت الغزوة لحمايته في سبيل تبليغ الإنسانية رسالة الحرية الكبرى وبلاغ السماء والتقدم القيمي الإنساني ، خاصة أن الغزوة مَثلت في ذلك التاريخ فكرة المقاومة الأولى لحماية ارض الحرية التي اتحد ضدها إمبراطوريات الفساد والاستبداد العربي الجاهلي والدولي ، وصحيح أن الاهتمام بالمواجهة العسكرية لتحطيم موطن الرسالة لم يكن في السنة الثانية قد تطور للمشاركة المباشرة في الهجوم على المدينة المنورة لدى الدولتين العظميين فارس والروم ، لكنهما وكما أثبتت الروايات التاريخية كانتا على اهتمام واستياء بالغ بميلاد دولة الحرية والقيم الجديدة ، وما تحمله من مشروع تقدمي تاريخي في الحياة البشرية يهديها إلى طريق الفطرة لخالقها ونبذ كل استبداد .
وهي كذلك تحمل برنامج شامل لإنقاذ الإنسانية اقتصاديا وسياسيا وقيميا ، خاصة حين نستحضر ماذا كانت تُبشر به كلتا الدولتين وترعاه من استعباد للإنسان وأخلاقيات وسلوكيات مروعة ، لم تنتهي بنكاح المحارم أو الشذوذ الجنسي ، فضلا عن حجم التخلف والانحطاط في التفكير الإنساني حين تخلّى عن خط الأنبياء وهُداهم الطاهر .
ومن هنا فان تلك اللحظة التاريخية وما تعنيه لنا من انطلاق حركة المقاومة الأولى في الدفاع عن حصون موطن الرسالة والحرية ، هي تربطنا بكل حزم في الأهداف الكبرى لمفاهيم التحرر الإسلامي ووسائله ، وهي تعيد التذكير بمنهج القائد الأول صلى الله عليه وسلم وتطبيقاته الإنسانية الشرعية في أخلاق الحروب والمقاومة التي سجلت على الإطلاق أسمى درجات الرقي الإنساني في التعامل مع أجواء الحروب وأدبيات القتال واستخلصها خليفته في وصيته الأولى لأول جيش انطلق في عهده .
فأين تقف المقاومة المعاصرة بعد رحلة تاريخية شاقّة عاشها العالم الإسلامي ، تعرض فيها للتراجع والانهيار السياسي والمعنوي ثم التفكيك الاستراتيجي له كدويلات ، وخاصة من خلال حملات التشويه التي واجه بها الغرب حملات المقاومة المدافعة عن موطنها وتشريع ثقافة الاستعمار والاستبداد التاريخي .
سايكس بيكوا
منذ أن استيقظ العالم الإسلامي على المشروع الاستعماري المركزي الذي تَمثَّل في سايكس بيكو وما شابهها من انتدابات القوة الدولية الاستعمارية في ذلك الحين ، كانت قضية المقاومة محسومة في وجدان بعض العلماء ومثقفي الوعي الإسلامي ، وكانت من ضمن أبجديات خطابهم الجماهيري خاصةً بأن حركات التحرر الإسلامية قد سبقت اتفاقية سايكس بيكو في بعض المواقع على مساحة العالم الإسلامي ، كجهاد الإمام شامل الداغستاني في القوقاز ضد روسيا القيصرية وأعمالها الإرهابية التاريخية التي ترتَّب عليها تهجير شعبي الشيشان والشركس ، مع مذابح وإبادات جماعية ومع ذلك فقد أخفاها التاريخ السياسي الاستعماري المعاصر لأهداف تخص روح الهيمنة القائمة على تجريد العالم الإسلامي من أبجديات الحقوق لشعوبه.
انكسار واضطراب
لقد تعرَّض مفهوم المقاومة إلى حملة منظَّمة عنيفة حتى قبل الحادي عشر من أيلول ، وهو ما تسبَّب في ارتباك داخلي في الرأي العام الإسلامي ونخبته العلمية والثقافية ، حيث استثنيت مناطق العالم الإسلامي المعروفة أنها أُخضعت بقوة السلاح والاحتلال الأجنبي من حق الردع وتم إزالة العمق الوطني الأصلي الذي يُمثل المسلمون قاعدته من المشهد السياسي كُليَّاً في هذه المناطق المُستهدفة ، ثم أُدخلت مناطق الاستهداف للقوى الدولية أو الإقليمية ككشمير وغيرها في ملف الخلاف السياسي بين أقليات دينية متشددة بحسب التعريف الاستعماري وبين الدولة المركزية التي في أصلها قامت على مشروع احتلال تمدد إلى هذه المناطق الإسلامية فاستباح الأرض وقتل الإنسان وشرَّد الشعب ، وكان أنموذجه الصارخ في فلسطين المحتلة .
هذا الاستثناء المقصود غيَّر معالم تقييم حالة المقاومة في التاريخ الإنساني ، التي لا تزال أوروبا تفتخر بها في أنموذج الثورة الفرنسية بل والولايات المتحدة الأمريكية في صراعها مع التاج البريطاني ، إلى آخر حركات التحرر المعروفة قبل قيام أوروبا الحديثة ، وصولاً إلى شرعنة هذه الحركات المقاومة إذا كانت تنتمي إلى خارج العالم الإسلامي ، أو تستهدف جزءاً من أراضيه كقضية تيمور الشرقية في حين تتعامل حركات التحرر الإسلامي على النقيض.
غياب المنهج الفقهي الراشد
ومن الأسباب التي أدَّت إلى حالة الاضطراب في تعريف المقاومة وجدولتها في برنامج المشروع الإسلامي المعاصر حالتين سلبيتين ، الأولى ما طرأ على ساحة الجهاد والمقاومة من دخول جماعات واسعة الانتشار في بعض المناطق وانتقالها إلى مواقع الصراع ونقل رؤيتها العقدية والفقهية ذات التصادم الحاد مع مدرسة أهل السنة الكبرى ، وإشعال هذه القضية كمطلب مركزي تسعى هذه الجماعات لتحقيقه ولو بالمواجهة العسكرية أو التوتر الأمني لمصلحة قوى الاحتلال من أي طرف كان وبالتالي يصبح أهل هذه المناطق الذين يعيشون أزمة الاحتلال في مواجهة المُحتل ومن جانب آخر الجماعات التي جاءت تحت شعار النصرة ولكن بشرط فرض مفهومها الفقهي السياسي والطائفي على أهل هذه البلاد السطحي والعنيف ، والحالة الثانية هو شعار المقاومة تحت جناح مشروع طائفي مقسّم للأمة بل مستهدف لها كما هو في نموذج حزب الله اللبناني ، الذي انكشف مشروعه الحقيقي في سوريا مؤخراً وقبل ذلك في العراق وتحوّله لقوة عسكرية طائفية ليس ضد الداخل اللبناني فقط بل ضد الشعوب وقوة الأمة المركزية.
المقاومة الراشدة
هذا الوضع حمل بعض الجماعات والشخصيات على استغلال كل ما جرى للاحتجاج على التخلي عن دعم المقاومة حتى معنويا وسياسيا ، والحقيقة المؤكدة أن المقاومة الحقيقية في نماذجها الشريفة كالمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس تُعيد وهج المشروع الإسلامي وإعادة إحياء روح الممانعة في وجه الغرب الاستعماري وأهدافه في ابتلاع الأرض ومصالح الإنسان في العالم الثالث للتوجه نحو الهدف المقدس لغزوة بدر وهي حماية الحق الإنساني المطلق ضد الطغاة المستبدين .
*المصريون
مرّت علينا في السابع عشر من رمضان السابع عشر من آب أغسطس الجاري ذكرى غزوة بدر الكبرى ، وهي ملحمة إستراتيجية في تاريخ الدولة والأمة الإسلامية ، كانت تُجسد طليعة الدفاع عن الفكر التحرري الحق الذي قامت الغزوة لحمايته في سبيل تبليغ الإنسانية رسالة الحرية الكبرى وبلاغ السماء والتقدم القيمي الإنساني ، خاصة أن الغزوة مَثلت في ذلك التاريخ فكرة المقاومة الأولى لحماية ارض الحرية التي اتحد ضدها إمبراطوريات الفساد والاستبداد العربي الجاهلي والدولي ، وصحيح أن الاهتمام بالمواجهة العسكرية لتحطيم موطن الرسالة لم يكن في السنة الثانية قد تطور للمشاركة المباشرة في الهجوم على المدينة المنورة لدى الدولتين العظميين فارس والروم ، لكنهما وكما أثبتت الروايات التاريخية كانتا على اهتمام واستياء بالغ بميلاد دولة الحرية والقيم الجديدة ، وما تحمله من مشروع تقدمي تاريخي في الحياة البشرية يهديها إلى طريق الفطرة لخالقها ونبذ كل استبداد .
وهي كذلك تحمل برنامج شامل لإنقاذ الإنسانية اقتصاديا وسياسيا وقيميا ، خاصة حين نستحضر ماذا كانت تُبشر به كلتا الدولتين وترعاه من استعباد للإنسان وأخلاقيات وسلوكيات مروعة ، لم تنتهي بنكاح المحارم أو الشذوذ الجنسي ، فضلا عن حجم التخلف والانحطاط في التفكير الإنساني حين تخلّى عن خط الأنبياء وهُداهم الطاهر .
ومن هنا فان تلك اللحظة التاريخية وما تعنيه لنا من انطلاق حركة المقاومة الأولى في الدفاع عن حصون موطن الرسالة والحرية ، هي تربطنا بكل حزم في الأهداف الكبرى لمفاهيم التحرر الإسلامي ووسائله ، وهي تعيد التذكير بمنهج القائد الأول صلى الله عليه وسلم وتطبيقاته الإنسانية الشرعية في أخلاق الحروب والمقاومة التي سجلت على الإطلاق أسمى درجات الرقي الإنساني في التعامل مع أجواء الحروب وأدبيات القتال واستخلصها خليفته في وصيته الأولى لأول جيش انطلق في عهده .
فأين تقف المقاومة المعاصرة بعد رحلة تاريخية شاقّة عاشها العالم الإسلامي ، تعرض فيها للتراجع والانهيار السياسي والمعنوي ثم التفكيك الاستراتيجي له كدويلات ، وخاصة من خلال حملات التشويه التي واجه بها الغرب حملات المقاومة المدافعة عن موطنها وتشريع ثقافة الاستعمار والاستبداد التاريخي .
سايكس بيكوا
منذ أن استيقظ العالم الإسلامي على المشروع الاستعماري المركزي الذي تَمثَّل في سايكس بيكو وما شابهها من انتدابات القوة الدولية الاستعمارية في ذلك الحين ، كانت قضية المقاومة محسومة في وجدان بعض العلماء ومثقفي الوعي الإسلامي ، وكانت من ضمن أبجديات خطابهم الجماهيري خاصةً بأن حركات التحرر الإسلامية قد سبقت اتفاقية سايكس بيكو في بعض المواقع على مساحة العالم الإسلامي ، كجهاد الإمام شامل الداغستاني في القوقاز ضد روسيا القيصرية وأعمالها الإرهابية التاريخية التي ترتَّب عليها تهجير شعبي الشيشان والشركس ، مع مذابح وإبادات جماعية ومع ذلك فقد أخفاها التاريخ السياسي الاستعماري المعاصر لأهداف تخص روح الهيمنة القائمة على تجريد العالم الإسلامي من أبجديات الحقوق لشعوبه.
انكسار واضطراب
لقد تعرَّض مفهوم المقاومة إلى حملة منظَّمة عنيفة حتى قبل الحادي عشر من أيلول ، وهو ما تسبَّب في ارتباك داخلي في الرأي العام الإسلامي ونخبته العلمية والثقافية ، حيث استثنيت مناطق العالم الإسلامي المعروفة أنها أُخضعت بقوة السلاح والاحتلال الأجنبي من حق الردع وتم إزالة العمق الوطني الأصلي الذي يُمثل المسلمون قاعدته من المشهد السياسي كُليَّاً في هذه المناطق المُستهدفة ، ثم أُدخلت مناطق الاستهداف للقوى الدولية أو الإقليمية ككشمير وغيرها في ملف الخلاف السياسي بين أقليات دينية متشددة بحسب التعريف الاستعماري وبين الدولة المركزية التي في أصلها قامت على مشروع احتلال تمدد إلى هذه المناطق الإسلامية فاستباح الأرض وقتل الإنسان وشرَّد الشعب ، وكان أنموذجه الصارخ في فلسطين المحتلة .
هذا الاستثناء المقصود غيَّر معالم تقييم حالة المقاومة في التاريخ الإنساني ، التي لا تزال أوروبا تفتخر بها في أنموذج الثورة الفرنسية بل والولايات المتحدة الأمريكية في صراعها مع التاج البريطاني ، إلى آخر حركات التحرر المعروفة قبل قيام أوروبا الحديثة ، وصولاً إلى شرعنة هذه الحركات المقاومة إذا كانت تنتمي إلى خارج العالم الإسلامي ، أو تستهدف جزءاً من أراضيه كقضية تيمور الشرقية في حين تتعامل حركات التحرر الإسلامي على النقيض.
غياب المنهج الفقهي الراشد
ومن الأسباب التي أدَّت إلى حالة الاضطراب في تعريف المقاومة وجدولتها في برنامج المشروع الإسلامي المعاصر حالتين سلبيتين ، الأولى ما طرأ على ساحة الجهاد والمقاومة من دخول جماعات واسعة الانتشار في بعض المناطق وانتقالها إلى مواقع الصراع ونقل رؤيتها العقدية والفقهية ذات التصادم الحاد مع مدرسة أهل السنة الكبرى ، وإشعال هذه القضية كمطلب مركزي تسعى هذه الجماعات لتحقيقه ولو بالمواجهة العسكرية أو التوتر الأمني لمصلحة قوى الاحتلال من أي طرف كان وبالتالي يصبح أهل هذه المناطق الذين يعيشون أزمة الاحتلال في مواجهة المُحتل ومن جانب آخر الجماعات التي جاءت تحت شعار النصرة ولكن بشرط فرض مفهومها الفقهي السياسي والطائفي على أهل هذه البلاد السطحي والعنيف ، والحالة الثانية هو شعار المقاومة تحت جناح مشروع طائفي مقسّم للأمة بل مستهدف لها كما هو في نموذج حزب الله اللبناني ، الذي انكشف مشروعه الحقيقي في سوريا مؤخراً وقبل ذلك في العراق وتحوّله لقوة عسكرية طائفية ليس ضد الداخل اللبناني فقط بل ضد الشعوب وقوة الأمة المركزية.
المقاومة الراشدة
هذا الوضع حمل بعض الجماعات والشخصيات على استغلال كل ما جرى للاحتجاج على التخلي عن دعم المقاومة حتى معنويا وسياسيا ، والحقيقة المؤكدة أن المقاومة الحقيقية في نماذجها الشريفة كالمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس تُعيد وهج المشروع الإسلامي وإعادة إحياء روح الممانعة في وجه الغرب الاستعماري وأهدافه في ابتلاع الأرض ومصالح الإنسان في العالم الثالث للتوجه نحو الهدف المقدس لغزوة بدر وهي حماية الحق الإنساني المطلق ضد الطغاة المستبدين .
*المصريون