مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
حتى لا تغادر بلدك هاربا: خطاب مفتوح إلى الرئيس بشار أسد
الطاهر إبراهيم
18-1-2011
لو استطردنا قليلا أيها الرئيس، فإننا نذكّر بأن كل العز الذي كان يرفل به ’’بن علي’’ كرئيس ليس يعدل ساعةً واحدة من ساعات عاشها عندما كانت طائرته تُمنع من الهبوط في مطارات أوروبية.. أتمنى أن تحصل سورية على الحرية والديمقراطية، ولكن ليس بالأسلوب الذي جرى في تونس، بل إني أتمنى أن تبادر بنفسك، فتعلن الانفتاح على الشعب السوري،

في رسالتي هذه أيها السيد الرئيس، سأكون صريحا معكم. أريد أن أقول أن رسالة الشعب التونسي قد وصلت إلى كل الشعوب العربية. كما أني متأكد أن الرسالة وصلت إلى الرؤساء العرب تماما كالرسالة التي تلقاها الرئيس التونسي المخلوع ’’زين العابدين بن علي’’. فالشعوب العربية ـ أيها الرئيس ـ أقلّها يعيش حرية منقوصة، وأكثرها ربما لا يكاد يشم رائحة الحرية، ولا ينعم بما تنعم به شعوب كثيرة غير عربية تحكمها حكومات ديمقراطية.

لو استطردنا قليلا أيها الرئيس، فإننا نذكّر بأن كل العز الذي كان يرفل به ’’بن علي’’ كرئيس، ليس يعدل ساعةً واحدة من ساعات عاشها عندما كانت طائرته تُمنع من الهبوط في مطارات أوروبية لطالما استقبله فيها رؤساء تلك الدول بالعناق والتقبيل. كما أن الاطمئنان الذي عاشه محروسا بحرسه الخاص لا يعدل ساعة خوف وهو يتسلل من قصره خائفا ليستقل الطائرة هاربا. وكان قبل ذلك تصطف له الجنود لتحييه عندما كان يغادر أو عندما كان يعود.

لا يقولنّ أحد ـ أيها الرئيس ـ أنه لم ينشغل بالكم أثناء أحداث تونس. فتجاهلُ إعلامكم لما كان يحدث في تونس يؤكد أن نظامكم كله كان يرقب الأحداث عن كثب بقلق وإشفاق. يؤكد ذلك توجيهكم بإسعاف 2 مليون مواطن سوري، كما فعلت دول عربية أخرى، بمضاعفة معونة المازوت للمواطنين الذين كانت تصطك ركبهم من البرد، لَيؤكد أن رسالة تونس وصلت.

لم أسطر ـ يا سيادة الرئيس ـ هذه الرسالة، لكي أقف فيها منك موقف الواعظ، بل لكي أقول كلمات قليلة تتردد في نفسي، وربما يود كل مواطن سوري لو يقولها لك، لكن يمنعه الخوف القاتل من الأجهزة الأمنية متعددة الأسماء والمهام، التي زرعت الرعب في قلوب السوريين.

أنا ـ أيها الرئيس ـ مواطن سوري عاش نصف عمره في سورية وعاش النصف الآخر منفيا في بلاد الغربة، ولا أدري أين يمكن أقضي ما تبقى من عمري. أنا معارض إسلامي لحكمك أيها الرئيس. وكنت من قبل تبوئك الرئاسةَ معارضا لحكم والدك الراحل حافظ أسد. غادرت بلدي سورية ’’في ليلة ما فيها ضوء قمر’’، كما يقول المثل السوري، هاربا من القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين.

هذه الديباجة ليست مقدمة لأطلب لنفسي شيئا دون باقي السوريين المنفيين، ولا حتى للمنفيين من دون المحصورين داخل سورية، بل لأمور أخرى سوف أعرضها في هذه الرسالة. ولو دعيت للانتخاب أو الاستفتاء على منصب الرئاسة، فما كنت لأنتخبك، سواء أكنت مرشحا وحيدا، أو كان معك مرشحون آخرون.

لكنك بعد أن أقسمت ـ أيها الرئيس ـ اليمين في ولايتك الثانية فإني أعتبرك رئيسا بحكم الأمر الواقع تمثل سورية في المحافل الدولية. وهذا يرتب علي وعلى غيري أن نقر بذلك، سواء أكان الانتخاب شرعيا، أو أنه تم تحت ’’كرباج’’ الأجهزة الأمنية.

وإذا كانت معظم الشعوب العربية تتوق أن يحصل فيها كما حدث في تونس، فيهرب الرئيس فيها أو يعتقل أو يقتل، فأنا أتمنى أن تحصل سورية على الحرية والديمقراطية، ولكن ليس بالأسلوب الذي جرى في تونس.

بل إني أتمنى أن تبادر بنفسك يا سيادة الرئيس، فتعلن الانفتاح على الشعب السوري، وتلغي القوانين سيئة السمعة، وفي مقدمتها قانون الطوارئ والقانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل منتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين. وتلغي المحاكم الاستثنائية ومحاكم أمن الدولة. وتأمر بتعليق العمل بالدستور الحالي الذي يقسّم المواطنين إلى ’’أبناء ست وأبناء جارية’’، كما جاء بالمادة 8 من الدستور: ’’إن حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة’’. ويعاد العمل بدستور سورية عام 1949 الذي ألغاه العسكر عقب انقلاب آذار عام 1963.

لن أستطيع أن أحصر في هذا الخطاب كل ما يود المواطن تحقيقه، وما أتمنى أن يحصل في سورية، بعد أن عشعش الفساد في مفاصل الحكم، وصارت وزارات الدولة ’’كنتونات’’ يحكمها متنفذون وفاسدون، لكن لا بأس أن أحدد هنا بعض الخطوات الأساسية:

لعل أول ما يعيد الأمل إلى نفس المواطن السوري المُحْبَط أن تعلن ـ يا سيادة الرئيس ـ من على شاشة التلفاز السوري: أنك قررت أن تكتفي بما تبقى من مدة ولايتك الرئاسية الثانية، وأن تقوم بحل مجلس الشعب الحالي، وإقالة الحكومة الحالية، واستدعاء رؤساء الأحزاب المسموح بها والمحظورة لتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات نيابية شفافة وأن تشكل لجنة حقوقية مختصة لتنقية الدستور والقوانين، وهذه خطوة أولى لا بد منها.

ربما الخطوة الثانية هي إحالة عناصر الأجهزة الأمنية والحزبية على التقاعد. والاكتفاء بالشرطة المدنية لمنع المجرمين القضائيين من العبث بأمن المواطن وممتلكاته. وفتح الفضاء السوري على الإعلام المنفتح، وإلغاء القانون الذي أصدره والدك وجعل فيه مجالس النقابات المهنية تتم بالتعيين عقب مجزرة النقابات في عام 1980.

وأن يطلق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وفتح منافذ سورية لعودة المنفيين إلى وطنهم، والتعويض على كل الذين أعدموا أو اعتقلوا أو شردوا بسبب انتمائهم السياسي. وأن يعلم أهالي الذين اختفوا في المعتقل بما آل إليه أمرهم، وإغلاق هذا الجرح النازف.

وحتى يغلق ملف الخصومات والأحقاد والعداوات، يتم الإعلان عن مصالحة وطنية شاملة بين اتجاهات المجتمع السوري، وأن يوقع رؤساء الأحزاب على ميثاق ’’شرف وطني’’ يتنازل فيها الجميع عن ضغائنهم، والاكتفاء بالتعويضات التي تعطى لكل متضرر خلال المدة من تاريخ 8 آذار 1963 وحتى تاريخ هذا الإعلان.

لن أتكلم عن إصلاح الجيش السوري، لأن هذا سيكون مهمة الحكومة التي ينتخبها المجلس النيابي. لعل هذه الخطوة ستعيد الأمل إلى المواطنين بأن يفرغ الجيش السوري للمهمة التي من أجلها تنشأ الجيوش في العالم، وهي حماية الوطن وتسطير البطولات في جبهة القتال، وتستعمل الأسلحة ضد العدو الصهيوني ـ لا في الانقلابات العسكرية ـ كما حصل خلال حرب فلسطين وفي الأعوام التي سبقت انقلاب آذار عام 1963.

أنا على كامل الثقة أيها الرئيس أنك إذا ما عملت ما هو مأمول من الرئيس الذي يعمل في مصلحة الوطن والمواطن، وقد ذكرت بعضه في هذا الخطاب، فإنه لن تأتي نهاية ولايتك الثانية، إلا وقد أحبك المواطن السوري. وإلا تفعلْ، فعزائي أني أديت واجب النصيحة. ولا يغرنكم نصيحة من حولكم بأن هناك عشرات الآلاف من عناصر الأمن وأمثالهم من الجيش الذين لا مهمة لهم إلا الحفاظ على أمن الحاكم، فإنهم أول من يفر عندما تحق الحقيقة. والسلام على من اتبع الهدى.
أضافة تعليق