مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أين إسرائيل من كل ما يحصل في سورية؟
الطاهر إبراهيم

عندما يقول البعض إن إسرائيل ليست بعيدة عما يحصل في سورية، وهناك شكوك قوية حول تزويد إسرائيل للنظام السوري بصواريخ توجه عن بعد لاصطياد ناشطين سوريين في مخابئهم في حمص وفي غيرها، كما كانت تفعل إسرائيل بناشطين فلسطينيين في غزة.

لكن هناك من يفند هذا القول ويرى أصحابه من مسوقي نظرية المؤامرة. لنستقرئ تاريخ حافظ أسد وابنه بشار أسد لننظر إن كانت هذه المقولة مؤامرة أم أنها الحقيقة بعينها؟

فخلال أربعة عقود من حكم حافظ أسد وابنه بشار بعد توقيع اتفاقية فك الارتباط عام 1974، كانت الحدود بين سورية وإسرائيل هادئة تماما. حتى في العمق السوري، كانت الطائرات الإسرائيلية تخترق حاجز الصوت فوق سورية وتمر من فوق قصر الرئيس في اللاذقية، ويكون الجواب في كل مرة بأن يعلن الناطق السوري أن سورية سوف ترد في الوقت المناسب، لكن هذا الوقت المناسب لم يأت حتى الآن، بل إن طائرات إسرائيلية قصفت موقع ’’الكبر’’ في شمال دير الزور على الحدود التركية عام 2007، فهدد نظام بشار أسد وتوعد، لكنه لم يفعل شيئا ولم يحرك ساكنا.

وخلافا لما كان يزعمه إعلام حافظ أسد، ومن بعده إعلام بشار أسد، لم يكن الشعب السوري يصدق رواية هذا الإعلام عن مقاومة حافظ أسد وممانعة بشار أسد من بعده، حيث لم تطلق رصاصة واحدة عبر الحدود مع إسرائيل خلال 40 عاما. ومع أن حدود إسرائيل مع كل من مصر والأردن كانت لا تخلو من مناوشات رغم اتفاقيتي السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، فقد كان الهدوء يعم منطقة الحدود بين إسرائيل وسورية على مدى أربعين عاما من حكم الأب والابن، مع أنه لم تكن هناك اتفاقية سلام بين سورية وإسرائيل.

اليوم بعد أكثر من سنة على بدء الثورة السورية لم يعد سرا، والعالم كله يعرف، بأن إسرائيل لا تريد رحيل بشار أسد ونظامه، وهذا ما أثر في سياسة الرئيس الأمريكي ’’باراك أوباما’’ الذي يخضع لابتزاز يهود أمريكا في سنة انتخابية للتجديد له مرة ثانية. لن نلجأ إلى التخمين ولا إلى كلام الصحف الإسرائيلية، بل سنعتمد على ما هو ملموس أمامنا.

فعلى الصعيد السوري، معروف أن اتفاقية فك الارتباط عام 1974 برعاية ’’هنري كيسنجر’’ بين سورية وإسرائيل، نصت على التزام الجيش السوري بشريط عرضه 20 كيلومترا داخل الحدود السورية المحاذية لإسرائيل، ويمنع فيه منعا باتا تحرك دبابات سورية على جنازيرها . وإذا كان ولا بد، فعلى حاملات الدبابات.

ما حصل خلال قمع المتظاهرين أن الدبابات السورية كانت تهاجم ’’درعا’’ وبلدات محيطة بها وكلها تقع ضمن الشريط المحظور فيه تحرك الدبابات السورية، بل إن ’’الحارة’’ التي لا تبعد إلا كيلومتر واحد عن الحدود، لم تحرك إسرائيل ساكنا وهي ترى دبابات ماهر أسد تتحرك على جنازيرها وتقصف، ولم ترسل ولو برقية احتجاج واحدة إلى لجنة الهدنة التي ترابط داخل الحدود السورية.

وهذا ما شاهده العالم كله، ويشهد على رضا إسرائيل بما يفعله النظام ضد المتظاهرين السوريين قريبا من حدودها. فما هو موقف قادة إسرائيل من كل ما يحصل على الساحة السورية من قتل وتنكيل للمتظاهرين؟

نقتبس للقارئ الكريم بعض ما جاء في محضر اجتماع لباحثين إسرائيليين مع نظراء لهم من الأوروبيين في لقاء شبه رسمي انعقد في أوروبا لبحث المسألة السورية الراهنة:

قال المندوب الإسرائيلي: (إن القيادة الإسرائيلية تعمل على حسابات أن عدو عدوي قد يكون عدوي كذلك. ولا تؤمن بقدسية القول الشائع إن عدو عدوي صديقي). يشرح المندوب فَهْم القيادة الإسرائيلية هذا بالقول: (إن أمن وسلامة إسرائيل هو المعيار الوحيد الذي يؤسس عليه القرار الإسرائيلي، ففي حسابات الخسارة والربح يُعَدُّ سقوط النظام السوري القائم تطورا سلبيا خطرا على أمن إسرائيل ولا تجد أي منفعة أو مصلحة في إسقاط النظام السوري القائم).

يستطرد المندوب الإسرائيلي: (وقد برز سؤالان تقليديان أمام صناع القـرار، الأول: هل توجد مصلحة إسرائيلية في دعم عملية إسقاط النظام؟ والثاني: ما البديلُ المحـتمل، وما مواقفه وسياساته المحتملة تجاه أمن ومصالح إسرائيل؟).

حول الجواب عن السؤال الأول: (أكد المندوب الإسرائيلي: أن إجابة المخابرات الإسرائيلية عن السؤال الأول كانت محددة وغير قابلة للجدل، إذ تم التأكيد على أن إسرائيل لا تجد أي منفعة أو مصلحة بإسقاط النظام السوري القائم).

فالنظام السوري: (تمكن من إدراك وقبول قواعد اللعبة مع إسرائيل، ويتفهم ويحترم الخطوط الحمر لصُنَّاع القرار الإسرائيلي. فخلال 40 عاما الماضية، برز عامل الثقة غير المعلنة بين الطرفين. وعلى رغم أن النظام السوري سعى لفتح جبهات خارجية ضد إسرائيل، فلم يفكر بفتح الجبهة السورية، برغم احتلال إسرائيل المستمر للأراضي السورية، وعلى رغم قيام الطائرات الإسرائيلية بمهاجمة أهداف ضمن الأراضي السورية بين فترة وأخزى، كان آخرها عام 2007، حين هاجمت الطائرات الإسرائيلية –موقع الكبر باعتباره- موقعا نوويا مفترضا في عمق الأراضي السورية).

وحول الجواب عن السؤال الثاني أكد المندوب الإسرائيلي أن: (النظام البديل لنظام الأسد سيكون ذا صبغة إسلامية أو وطنية أو قومية تضعه تلقائيا في خانة معاداة إسرائيل. وأن الافتراض بأن النظام البديل في سورية سيكون معاديا لإيران أو لحزب الله لا يعني شيئا كثيرا بالنسبة لأمن الدولة الإسرائيلية، لأن هذا النظام البديل سيكون، في الوقت نفسه، معاديا لإسرائيل لذا فإن القيادة الإسرائيلية في قرارها بتبني موقف معارض لتوفير الدعم للثورة السورية استندت إلى قاعدة :عدو ـ عدوي = عدوي). ويخلص المندوب الإسرائيلي إلى نتيجة هامة اعتمدتها إسرائيل:

(وكنتيجة لتبني هذا الموقف قررت الحكومة الإسرائيلية وضع ’’فيتو’’ واضح وقاطع على أي جهود خارجية، إقليمية أو دولية، لتوفير الدعم للثورة السورية وتم إعلام الأطراف الدولية بنية إسرائيل بالعمل على إعاقة أي مشاريع لتوفير الحماية الدولية للثورة السورية، أو تقديم أي إسناد سياسي أو عسكري قد يساعد الثورة في تحقيق الانتصار). (الاقتباس هو من مقال للباحث العراقي مصطفى العاني، وقد كان شاهدا على تلك المباحثات).

هذا اعتراف صريح من إسرائيلي من مركز بحث معتمد. ورأي المراكز البحثية في إسرائيل مثلها مثل المراكز البحثية في أمريكا وأوروبا لا ترمى في سلة المهملات كما يفعل في كثير من الدول العربية، بل إنها يؤخذ بها وتدخل في صلب السياسة الإسرائيلية.

ويبقى السؤال: إذا كانت هذه قناعات الإسرائيلية، فهل تبقى هذه القناعات ضمن التمنيات وما تحبذه إسرائيل، أم أن ذلك يتعداه إلى مد يد المساعدة للنظام في قمعه الشعب السوري؟ نحن نعتقد أن إسرائيل ضالعة حتى العظم في مساعدة النظام السوري.
*العصر
أضافة تعليق