بقلم الطاهر إبراهيم
28-3-2011
ترجمة هذا الكلام، أن السوريين لا يمكن أن يغمضوا أعينهم عن دماء إخوانهم التي جرت في درعا والصنمين وغيرهما، وأن الذين ذبحوهم ليسوا إسرائيليين بل إخوانا لهم في الوطن قاموا بفعلتهم الشنيعة بدم بارد وعن عمد وسابق إصرار، ولا يمكن أن يكون مقبولا التعايش مع النظام الذي سمح بهذه الجريمة النكراء بعلم الرئيس بشار أو أنه كان مغلوبا على أمره، حيث يقال إن الحاكم الفعلي في سورية الآن هو شقيقه ’’ماهر أسد’’ قائد الحرس الجمهوري، كأن الأحداث قد أفرزت غرفة عمليات داخل النظام في دمشق..
في التعليق على أحداث يوم جمعة ’’العزة’’ 25 آذار ذهب المعلقون مذاهب شتى في التنظير لما حدث في مدن سورية بشكل عام، وفي درعا وبلدة الصنمين على وجه الخصوص. أدلى المراقبون كل بدلوه عما ينبغي أن يكون عليه الحل الناجع للخروج من الأزمة التي ضربت سورية من نهر الخابور في أقصى الشمال الشرقي، إلى درعا في جنوب غرب سورية.
وقد لفت انتباهي أن هناك من حاول أن يبرئ الرئيس السوري ’’بشار أسد’’ من المسئولية عما حدث، وإلقاء التبعة على فريق استئصالي في النظام وعلى الأجهزة الأمنية التي ’’أخذت حريتها’’ الكاملة بإطلاق الرصاص الحي على كل من هب ودب. لن نستعجل فنقول: الرئيس هو الذي أمر وهو الذي يستطيع أن ينهي.
لكن ما نستطيع تأكيده أن النظام بمجموعه هو مؤتمن على دماء السوريين، ومن المفترض أن يدافع عن هذه الدماء. لكن الذي حصل هو العكس، فقد أوغلت أجهزته الأمنية في إهراق دمائهم في درعا والصنمين واللاذقية وفي المعضمية، وقد جاء الدستور يؤكد تجريم سفح أي قطرة دم سوري بغير حق. فإن كانت هذه الدماء سفحت بأمر من النظام فهو متواطئ قد خان الأمانة وعلى النظام أن يرحل. وإن كانت الأجهزة الأمنية فعلت ذلك من عند أنفسها، ودون علم القيادة السورية، فالنظام عاجز وعليه أن يرحل.
الأنظمة في معظم دول العالم إما أن تكون أتت بالشرعية الدستورية بالمعنى المتعارف عليه في عرف الدول، وتسمى حكومات دستورية. أو أن تكون أتت عن غير طريق دستوري وتسمى حكومات انقلابية، أو حكومات الأمر الواقع.
حتى الأنظمة الدستورية التي تفرز حكومات منتخبة عن طريق صندوق الاقتراع كانت تدقق بمسيرتها عندما تشعر بأن هناك تذمر فتدعو إلى انتخابات قبل وقتها، وكثيرا ما كانت تخفق في الانتخابات وتنجح المعارضة. الرئيس ’’شارل ديغول’’ دعا الشعب الفرنسي للاستفتاء على مسودة إصلاحات مؤكدا انه سيستقيل من منصبه إذا لم يوافق الشعب على تلك الإصلاحات. وفعلا رفض الشعب الفرنسي الاستفتاءات، فاستقال ديغول في عام 1969.
النظام السوري الحالي، كمعظم جمهوريات الأمر الواقع العربية، لم يصل إلى الحكم بطريق الانتخاب الحر النزيه، وإنما جاء بشريعة الأمر الواقع. بعض الأنظمة جاءت بشريعة الأمر الواقع، لكنها استطاعت أن تتكيف مع مصلحة شعبها فقامت بإصلاحات جزئية، وإن لم تكن كاملة، فرضي الشعب هذه الإصلاحات ولو على مضض، على أمل أن تتحسن الأحوال أكثر لأن البديل هو الاحتراب الداخلي.
أما في سورية، وخصوصا في عهد حافظ أسد فقد كانت أحوال الشعب تسوء أكثر، خصوصا في ثمانينات القرن العشرين، لكن الشعب كان مقموعا، حتى أن معظم أفراد الشعب - إن لم نقل كله - اعتقل لسانه، وفرض عليه حصارا، فلا يتكلم إلا بأمور معيشته، بعيدا عن أي تذمر، خوفا من سوء العاقبة.
لم تتحسن الأمور كثيرا في عهد الرئيس ’’بشار أسد’’ عنها في عهد أبيه ’’حافظ أسد’’، إلا بقدر ما يعبر عنه المثل السوري ’’العمش أهون من العمى’’، ما يعني أن المواطن السوري كان يمشي ’’الحائط الحائط ويقول يا رب الستر’’.
المراقب العربي يعتقد أن ’’محمد البوعزيزي’’ من بلدة ’’سيدي بو زيد’’ الصغيرة عندما أحرق نفسه إنما كان ’’الشعرة التي قصمت ظهر البعير’’. ولم يكن هذا احتجاجا منه، وهو كذلك، وإنما كان ذلك منه ردة فعل لا شعورية في ساعة انغلاق نفسي رهيبة. ثم كان ما كان مما عرفه الناس في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن، ثم أخيرا في سورية.
لن يغير من الأمر كثيرا إن كان الرئيس بشار في صورة ما حصل في درعا يوم الأربعاء الدامي من استشهاد أكثر من 50 مواطنا ما بين طفل وامرأة ورجل، أو أن الأجهزة الأمنية تصرفت من عند أنفسها، فإن النتيجة واحدة وهي أن الدم السوري أُهريق بغير حق بل ظلما وعدوانا، و’’إن سورية بعد أحداث درعا هي غير سورية التي كانت قبلها’’.
ترجمة هذا الكلام، أن السوريين لا يمكن أن يغمضوا أعينهم عن دماء إخوانهم التي جرت في درعا والصنمين وغيرهما، وأن الذين ذبحوهم ليسوا إسرائيليين بل إخوانا لهم في الوطن قاموا بفعلتهم الشنيعة بدم بارد وعن عمد وسابق إصرار، ولا يمكن أن يكون مقبولا التعايش مع النظام الذي سمح بهذه الجريمة النكراء بعلم الرئيس بشار أو أنه كان مغلوبا على أمره، حيث يقال إن الحاكم الفعلي في سورية الآن هو شقيقه ’’ماهر أسد’’ قائد الحرس الجمهوري، كأن الأحداث قد أفرزت غرفة عمليات داخل النظام في دمشق يقودها ’’ماهر أسد’’ ومجموعة من الضباط يأتمرون بأمره. وسواء أصح ذلك أم لا، فإن على النظام أن يرحل.
يبقى أن ننوه بأن مدينة اللاذقية ذات الخصوصية المذهبية، حيث يتقاسم العيش فيها أهل السنة والعلويون والمسيحيون، قام فيها من يسمون ’’الشبّيحة’’ بالقنص على بعض المواطنين في الشوارع فقتل أكثر من 12 مواطنا، وأن النظام سكت عما حدث، بل إنه على ما يظهر أن النظام عاجز عن إيقافهم عند حدهم.
*العصر
28-3-2011
ترجمة هذا الكلام، أن السوريين لا يمكن أن يغمضوا أعينهم عن دماء إخوانهم التي جرت في درعا والصنمين وغيرهما، وأن الذين ذبحوهم ليسوا إسرائيليين بل إخوانا لهم في الوطن قاموا بفعلتهم الشنيعة بدم بارد وعن عمد وسابق إصرار، ولا يمكن أن يكون مقبولا التعايش مع النظام الذي سمح بهذه الجريمة النكراء بعلم الرئيس بشار أو أنه كان مغلوبا على أمره، حيث يقال إن الحاكم الفعلي في سورية الآن هو شقيقه ’’ماهر أسد’’ قائد الحرس الجمهوري، كأن الأحداث قد أفرزت غرفة عمليات داخل النظام في دمشق..
في التعليق على أحداث يوم جمعة ’’العزة’’ 25 آذار ذهب المعلقون مذاهب شتى في التنظير لما حدث في مدن سورية بشكل عام، وفي درعا وبلدة الصنمين على وجه الخصوص. أدلى المراقبون كل بدلوه عما ينبغي أن يكون عليه الحل الناجع للخروج من الأزمة التي ضربت سورية من نهر الخابور في أقصى الشمال الشرقي، إلى درعا في جنوب غرب سورية.
وقد لفت انتباهي أن هناك من حاول أن يبرئ الرئيس السوري ’’بشار أسد’’ من المسئولية عما حدث، وإلقاء التبعة على فريق استئصالي في النظام وعلى الأجهزة الأمنية التي ’’أخذت حريتها’’ الكاملة بإطلاق الرصاص الحي على كل من هب ودب. لن نستعجل فنقول: الرئيس هو الذي أمر وهو الذي يستطيع أن ينهي.
لكن ما نستطيع تأكيده أن النظام بمجموعه هو مؤتمن على دماء السوريين، ومن المفترض أن يدافع عن هذه الدماء. لكن الذي حصل هو العكس، فقد أوغلت أجهزته الأمنية في إهراق دمائهم في درعا والصنمين واللاذقية وفي المعضمية، وقد جاء الدستور يؤكد تجريم سفح أي قطرة دم سوري بغير حق. فإن كانت هذه الدماء سفحت بأمر من النظام فهو متواطئ قد خان الأمانة وعلى النظام أن يرحل. وإن كانت الأجهزة الأمنية فعلت ذلك من عند أنفسها، ودون علم القيادة السورية، فالنظام عاجز وعليه أن يرحل.
الأنظمة في معظم دول العالم إما أن تكون أتت بالشرعية الدستورية بالمعنى المتعارف عليه في عرف الدول، وتسمى حكومات دستورية. أو أن تكون أتت عن غير طريق دستوري وتسمى حكومات انقلابية، أو حكومات الأمر الواقع.
حتى الأنظمة الدستورية التي تفرز حكومات منتخبة عن طريق صندوق الاقتراع كانت تدقق بمسيرتها عندما تشعر بأن هناك تذمر فتدعو إلى انتخابات قبل وقتها، وكثيرا ما كانت تخفق في الانتخابات وتنجح المعارضة. الرئيس ’’شارل ديغول’’ دعا الشعب الفرنسي للاستفتاء على مسودة إصلاحات مؤكدا انه سيستقيل من منصبه إذا لم يوافق الشعب على تلك الإصلاحات. وفعلا رفض الشعب الفرنسي الاستفتاءات، فاستقال ديغول في عام 1969.
النظام السوري الحالي، كمعظم جمهوريات الأمر الواقع العربية، لم يصل إلى الحكم بطريق الانتخاب الحر النزيه، وإنما جاء بشريعة الأمر الواقع. بعض الأنظمة جاءت بشريعة الأمر الواقع، لكنها استطاعت أن تتكيف مع مصلحة شعبها فقامت بإصلاحات جزئية، وإن لم تكن كاملة، فرضي الشعب هذه الإصلاحات ولو على مضض، على أمل أن تتحسن الأحوال أكثر لأن البديل هو الاحتراب الداخلي.
أما في سورية، وخصوصا في عهد حافظ أسد فقد كانت أحوال الشعب تسوء أكثر، خصوصا في ثمانينات القرن العشرين، لكن الشعب كان مقموعا، حتى أن معظم أفراد الشعب - إن لم نقل كله - اعتقل لسانه، وفرض عليه حصارا، فلا يتكلم إلا بأمور معيشته، بعيدا عن أي تذمر، خوفا من سوء العاقبة.
لم تتحسن الأمور كثيرا في عهد الرئيس ’’بشار أسد’’ عنها في عهد أبيه ’’حافظ أسد’’، إلا بقدر ما يعبر عنه المثل السوري ’’العمش أهون من العمى’’، ما يعني أن المواطن السوري كان يمشي ’’الحائط الحائط ويقول يا رب الستر’’.
المراقب العربي يعتقد أن ’’محمد البوعزيزي’’ من بلدة ’’سيدي بو زيد’’ الصغيرة عندما أحرق نفسه إنما كان ’’الشعرة التي قصمت ظهر البعير’’. ولم يكن هذا احتجاجا منه، وهو كذلك، وإنما كان ذلك منه ردة فعل لا شعورية في ساعة انغلاق نفسي رهيبة. ثم كان ما كان مما عرفه الناس في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن، ثم أخيرا في سورية.
لن يغير من الأمر كثيرا إن كان الرئيس بشار في صورة ما حصل في درعا يوم الأربعاء الدامي من استشهاد أكثر من 50 مواطنا ما بين طفل وامرأة ورجل، أو أن الأجهزة الأمنية تصرفت من عند أنفسها، فإن النتيجة واحدة وهي أن الدم السوري أُهريق بغير حق بل ظلما وعدوانا، و’’إن سورية بعد أحداث درعا هي غير سورية التي كانت قبلها’’.
ترجمة هذا الكلام، أن السوريين لا يمكن أن يغمضوا أعينهم عن دماء إخوانهم التي جرت في درعا والصنمين وغيرهما، وأن الذين ذبحوهم ليسوا إسرائيليين بل إخوانا لهم في الوطن قاموا بفعلتهم الشنيعة بدم بارد وعن عمد وسابق إصرار، ولا يمكن أن يكون مقبولا التعايش مع النظام الذي سمح بهذه الجريمة النكراء بعلم الرئيس بشار أو أنه كان مغلوبا على أمره، حيث يقال إن الحاكم الفعلي في سورية الآن هو شقيقه ’’ماهر أسد’’ قائد الحرس الجمهوري، كأن الأحداث قد أفرزت غرفة عمليات داخل النظام في دمشق يقودها ’’ماهر أسد’’ ومجموعة من الضباط يأتمرون بأمره. وسواء أصح ذلك أم لا، فإن على النظام أن يرحل.
يبقى أن ننوه بأن مدينة اللاذقية ذات الخصوصية المذهبية، حيث يتقاسم العيش فيها أهل السنة والعلويون والمسيحيون، قام فيها من يسمون ’’الشبّيحة’’ بالقنص على بعض المواطنين في الشوارع فقتل أكثر من 12 مواطنا، وأن النظام سكت عما حدث، بل إنه على ما يظهر أن النظام عاجز عن إيقافهم عند حدهم.
*العصر