2014-9- | الطاهر إبراهيم
*العصر
هل تذكرون احتلال الشباب الإيراني الثوري السفارة الأمريكية في طهران بعد استيلاء الإمام الخميني على الحكم في إيران عام 1979؟ يومها كانت هذه السفارة تضم ما يقرب من 500 أمريكي ما بين دبلوماسي وعسكري ورجل أمن وكافة الاختصاصات الذين يشكلون نواة دولة داخل دولة.
رغم الأهمية الكبيرة لهؤلاء، كان بإمكانها إيجاد العذر لشن هجوم على إيران المضعضعة بعد رحيل الشاه. كل ما فعلته هو إرسال رجال كوماندوس من المارينز على متن طائرات لتحرير الرهائن. وقيل يومها أنها فشلت فشلا ذريعا. فلمَ لم تشن واشنطن حربا على إيران لتخليصهم من أسر الحرس الثوري الإيراني، رغم أنه لا تنقصها الحجج؟
اليوم عرف العالم السبب؛ فقد كان ملالي الثورة الإسلامية في إيران يخططون لتوسيع مذهبهم الشيعي ليضم في المرحلة الأولى إيران والعراق وسورية ولبنان. كان ذلك المخطط يلتقي مع مخطط أمريكا لاحتواء ما يسمى "الإسلام السني" الذي عملت واشنطن على تنصيب حكام مستبدين طغاة يصدرون عن رأيها في المنطقة.
ودعمت انقلابات متتالية في المنطقة، ابتداء من انقلاب حسني الزعيم في سورية في آذار 1949 ثم بانقلاب يوليو 1952 بمصر ثم انقلاب 14 تموز 1958 في العراق ثم انقلابي حزب البعث في العراق في 8 شباط 1963 و8 آذار عام 1963 بسورية، ثم باستيلاء حافظ أسد على الحكم في سورية في تشرين ثاني عام 1970.
ننتقل وبسرعة هذه الأيام إلى حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الخلافة، وقام بما قام به من استيلاء على مساحات شاسعة من العراق وكدس ترسانة ضخمة من أسلحة اكتسبها من الجيش العراقي المنتشر في الموصل وما جاورها، وأصبح بمقدوره لو أمن طهران، أن يسقط حكومة المالكي في بغداد.
لا أقول إن واشنطن هي من دعم تنظيم الدولة "داعش" ابتداء. لكنها أغمضت عينيها عنه بعد أن قرأت رغبة جامحة عند زعيم تنظيم الدولة بأن يكون له شأن بالمنطقة وأن يشكل نظام حكم إسلامي يسيء أول ما يسيء إلى الإسلام نفسه، بقيامه بقتل مسلمين سنة بطريقة تتناقض مع هدي الإسلام، قبل أن يقوم بقتل أمريكيين بطريقة فظيعة،وينشر ذلك على وسائط التواصل الاجتماعي، ما جعل الناس: يتساءلون أهذا هو الإسلام؟
وهاهي واشنطن تدعو اليوم لقيام تحالف لمحاربة تنظيم الدولة. وكانت الأمم المتحدة قد وثقت مقتل مائة وتسعين ألف سوري وفيهم مسيحيون وأمريكيون قتلهم بشار أسد، فلم تتحرك شعرة في رأس أوباما.
وقد ذكرت بعض المصادر إن نظام بشار أسد سلم "جيمس فولي" إلى داعش يوم أن كانت العلاقة بين الطرفين سمنا وعسلا، يوم أن كان بشار يقصف الجيش الحر وجبهة النصرة، ويتجنب مواقع داعش.
كان لافتا إن الرئيس "باراك أوباما"أعلن أنه يريد احتواء تنظيم الدولة لا أن ينهيه من الوجود، كما فعل جورج بوش وطوني بلير عندما أسقطا نظام صدام حسين وأخرجا جيش العراق من المعادلة. كما كان لافتا أن أوباما لم يتطرق إلى تنظيم الدولة في سورية، ما يظهر نيته في إبقاء هذا التنظيم كي يقاتل الفصائل المقاتلة من أهل السنة.
وتصبح المسألة هكذا: سكتت واشنطن عن تنظيم الدولة عندما كان يقوم بإرسال السيارات كي تفجر الأحياء فتقتل من المسلمين السنة أكثر مما تقتل من الشيعة.وسكتت عنه يوم أن كان يقوم بذبح مقاتلين سنة من جبهة النصرة وغيرها، فلم تعلن شجبها له.
وعلى العكس من ذلك، كانت تندد بجبهة النصرة، حتى بعد أن أفرجت هذه عن الصحفي الأمريكي "ثيو كيرتس" قبل عدة أيام. واشنطن ستقوم بقصف مواقع داعش في العراق فتقتل من المسلمين السنة المدنيين أكثر مما تقتل من رجال داعش، وتكون مناسبة لزيادة القتلى في صفوف السنة.