الطاهر إبراهيم
24-12-2010
ومرة أخرى يضرب ’’مفلح’’ بعقل القارئ عرض الحائط! وإلا متى كانت جماعة الإخوان مدعومة من دول الغرب؟ ومتى ساند ’’العالم الحر’’ الصحوة الإسلامية، ومتى ساندته هذه في صراعه مع الشيوعية؟ وأقل ما يقال في هذا الإدعاء أنه باطل، هذا إن لم نصفه بأنه ادعاء مغرض..
بعد مقاله الذي نشرته قضايا النهار بتاريخ 28 تشرين الثاني الماضي تحت عنوان ’’الإخوان المسلمون والإرهاب والإسلام السياسي’’، وزعم فيه أن إخوان مصر كانوا على علاقة مع الإنكليز والأمريكان والملك فاروق، وقد رَدَدْتُ عليه في قضايا النهار في 30 تشرين الثاني بمقال تحت عنوان ’’حقيقة علاقة الإخوان بالأميركيين والإنكليز وفاروق’’، عاد الأستاذ ’’غسان المفلح’’ ليكتب في النهار ثانية تحت عنوان ’’الإخوان المسلمون بين الإرهاب والسلطة’’.
وإذا كنت قد فهمت من مقاله الأول أن ’’مفلح’’ أراد أن يغمز من قناة الإخوان المسلمين المصريين فزعم أنه كانت للمرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ ’’حسن البنا’’ علاقة مع الإنكليز والملك فاروق والأمريكيين، متكئا في ادعائه هذا على شهادات بحق الإخوان لا تصح، ولم يستطع أن يوثقها بشهادات مؤرخين ثقاة، إلا ما كان من مقولات كاتبٍ ليس له قدم صدق في مجال التاريخ. لكني عند قراءة مقاله الثاني ما استطعت أن أتبين ماذا أراد أن يقول؟
ومع أن الأستاذ ’’مفلح’’ كتب مقاله الثاني بلغة عربية، إلا أن المصطلحات والتعبيرات التي اعتمدها كانت غير ذات مدلول واضح من مثل قوله: (’’المفاهيم السياسية’’ ليست سوى تراكم مفردات لا قيمة لها ما لم تدخل في سياق الصراعات الأيديولوجية والسياسية، وهذا ما حاولنا تلمسه في مقال سابق حول انبثاق الظواهر السياسية الإسلامية، والمصطلحات التي عبرت عنها، وكيف تطورت في حقل الصراع والتداول الإعلامي والسياسي، التي نتج عنها معادلات غدت كلها عبارة عن مسلمات، وكأنها فكر ديني جديد!).
إذا كان من حق القارئ أن يجد كتابة متماسكة في جملها، يعتني فيها الكاتب بوضع المفردات حسب معناها، بحيث تؤدي إلى معنى واحد، لا يهمل فيها علامات الترقيم، لأن الفواصل والنقط وعلامات التعجب والاستفهام تعين القارئ على فهم مقصود الكاتب بشكل واضح لا لبس فيه، فإن من حق القارئ أيضا أن يجد أفكارا ودعاوى مبرهنا عليها بالشهود والأدلة والاستقراء الصحيح، وإلا كان كلاما منمقا مصفوفا لا روح فيه ولا معنى.
وسأضرب صفحا عن تتبع عدم الوضوح والترابط في أفكار المقال الذي نحن بصدده، مركزا على فشل الكاتب في أن يأتي بأدلة وإثباتات على ما يقول:قال ’’مفلح’’: (لا أعرف أين الحساسية إن قلنا إن الإخوان تنظيم سياسي، وله علاقات سياسية، يتبادل فيها المصالح مع أطراف سياسية أخرى، الملك المصري أو الإنكليز أو أميركا أو العراق أو غيرها أليست كلها أطرافا سياسية؟ وهل العلاقة الجيدة التي كانت تربط المرشد السابق للإخوان مع إيران هي علاقة غير سياسية؟).
وكنت لفت الانتباه في ردي على مقاله السابق أن هذا إدعاء ينقصه الإثبات. كنت أتوقع منه أن يرد علي في مقاله الحالي بالدليل والبرهان، لكنه في مقاله هذا الذي يرد فيه على ردي عليه نسي أو تناسى أولا يملك الإثبات نهائيا، مما أبقى ما ادعاه ’’مفلح’’ في مقاله السابق لا سند له ولا إثبات، وبالتالي لا قيمة له.
مرة ثانية يتساءل ’’مفلح’’: (ما الذي جرى الآن، هل تحول الإخوان المسلمون إلى تيار نقيض للعالم الحر وقيمه؟ يجد القارئ الآن، و-قد- رمي كل ما تكدس من كتب عن تاريخ الإخوان في المرحلة السابقة بصفتها قوى رجعية لأنها قوى سياسية مدعومة من دول الغرب، أو هي قوى سياسية مؤمنة بقيم العالم الحر الذي ساند ما سمّاه آنذاك الصحوة الإسلامية تسانده في صراعه مع الشيوعية).
ومرة أخرى يضرب ’’مفلح’’ بعقل القارئ عرضَ الحائط! وإلا متى كانت جماعة الإخوان مدعومة من دول الغرب؟ ومتى ساند ’’العالم الحر’’ الصحوة الإسلامية؟ بل ومتى ساندته هذه الصحوة في صراعه مع الشيوعية؟ وأقلّ ما يقال في هذا الإدعاء أنه باطل، هذا إن لم نصفْه بأنه ادعاء مغرض. والصحيح أن الإخوان المسلمين في معظم الأقطار العربية كانوا عرضة لتسلط الأنظمة التي نصّبها أو دعمها الغرب عموما وأمريكا خصوصا لقمع الشعوب.
في آخر المقال يقول ’’مفلح’’: (مطلوب من الإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية تبن حقيقي للنظام الديمقراطي، ولدولة القانون والمواطنة وحرية الرأي والمعتقد. بهذا فقط يسحبون ورقة ضغط من السلطات ومن الغرب ويخدمون مجتمعهم).
والعجيب الغريب أن ’’مفلح’’ يعرف أكثر من غيره أن’’الإخوان المسلمين’’ السوريين تبنوا هذا الطرح في مشروعهم السياسي الذي اعتمدوه في مؤتمر لندن في كانون أول من عام 2004. وقد حضر المؤتمر لفيفٌ من المعارضين السوريين اليساريين والأكراد والإسلاميين. وكان الإخوان قبل ذلك قد ضمّنوا رؤيتهم هذه في ’’ميثاق الشرف’’ الذي صدر في أيار 2001، ووزع على كل الجرائد.
وقد نشرت النهار وغيرها في حينه عدة مقالات ناقشت ميثاق الشرف هذا. ويمكن اختصار ما جاء في المشروع السياسي للإخوان وفي ميثاق الشرف أن الإخوان يسعون إلى أن تكون الدولة السورية: (دولةَ مواطنة، تعاقدية، تمثيلية، تعددية، تداولية، مؤسساتية، قانونية). أليست هذه هي أهم مظاهر الديمقراطية، بل يندر أن تكون هناك دولة غربية تتمتع بهذه المقومات.أخيرا: لا بد من التنبيه إلى أن عنوان مقال الأستاذ مفلح: ’’الإخوان المسلمون بين الإرهاب والسلطة’’ هو عنوان ’’موهم’’.
لأن أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ أن ’’مفلح’’ أراد أن يقول أن الإخوان المسلمين يؤيدون الإرهاب للوصول إلى السلطة. هذا المعنى أكد خلافه ’’مفلح’’ في مقاله عندما يقول عن الإخوان المسلمين: (لا بل يصرون على نبذ العنف بكل أشكاله، ماعدا نشاط حركة ’’حماس’’، وبعض أطراف ما يسمى بالمقاومة العراقية وليس كلها، لهذا تجدهم يسارعون إلى إدانة مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد بكل تنظيماتهم تقريبا).
بل إني أزيد على استشهاد ’’مفلح’’ بأن الشيخ ’’يوسف القرضاوي’’ الذي يعتبر الزعيم الروحي للإخوان، كثيرا ما كان يندد بالعنف الذي كان يضرب في العراق وينسب للقاعدة. بل إنه ندد بأحداث 11 سبتمبر التي ضربت في نيويورك عندما نسبت إلى القاعدة.هناك الكثير مما ورد في مقال ’’غسان مفلح’’ الذي رد فيه علي، مما يحتاج إلى تفنيد. لكني تجاوزته خشية الإطالة.
*العصر
24-12-2010
ومرة أخرى يضرب ’’مفلح’’ بعقل القارئ عرض الحائط! وإلا متى كانت جماعة الإخوان مدعومة من دول الغرب؟ ومتى ساند ’’العالم الحر’’ الصحوة الإسلامية، ومتى ساندته هذه في صراعه مع الشيوعية؟ وأقل ما يقال في هذا الإدعاء أنه باطل، هذا إن لم نصفه بأنه ادعاء مغرض..
بعد مقاله الذي نشرته قضايا النهار بتاريخ 28 تشرين الثاني الماضي تحت عنوان ’’الإخوان المسلمون والإرهاب والإسلام السياسي’’، وزعم فيه أن إخوان مصر كانوا على علاقة مع الإنكليز والأمريكان والملك فاروق، وقد رَدَدْتُ عليه في قضايا النهار في 30 تشرين الثاني بمقال تحت عنوان ’’حقيقة علاقة الإخوان بالأميركيين والإنكليز وفاروق’’، عاد الأستاذ ’’غسان المفلح’’ ليكتب في النهار ثانية تحت عنوان ’’الإخوان المسلمون بين الإرهاب والسلطة’’.
وإذا كنت قد فهمت من مقاله الأول أن ’’مفلح’’ أراد أن يغمز من قناة الإخوان المسلمين المصريين فزعم أنه كانت للمرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ ’’حسن البنا’’ علاقة مع الإنكليز والملك فاروق والأمريكيين، متكئا في ادعائه هذا على شهادات بحق الإخوان لا تصح، ولم يستطع أن يوثقها بشهادات مؤرخين ثقاة، إلا ما كان من مقولات كاتبٍ ليس له قدم صدق في مجال التاريخ. لكني عند قراءة مقاله الثاني ما استطعت أن أتبين ماذا أراد أن يقول؟
ومع أن الأستاذ ’’مفلح’’ كتب مقاله الثاني بلغة عربية، إلا أن المصطلحات والتعبيرات التي اعتمدها كانت غير ذات مدلول واضح من مثل قوله: (’’المفاهيم السياسية’’ ليست سوى تراكم مفردات لا قيمة لها ما لم تدخل في سياق الصراعات الأيديولوجية والسياسية، وهذا ما حاولنا تلمسه في مقال سابق حول انبثاق الظواهر السياسية الإسلامية، والمصطلحات التي عبرت عنها، وكيف تطورت في حقل الصراع والتداول الإعلامي والسياسي، التي نتج عنها معادلات غدت كلها عبارة عن مسلمات، وكأنها فكر ديني جديد!).
إذا كان من حق القارئ أن يجد كتابة متماسكة في جملها، يعتني فيها الكاتب بوضع المفردات حسب معناها، بحيث تؤدي إلى معنى واحد، لا يهمل فيها علامات الترقيم، لأن الفواصل والنقط وعلامات التعجب والاستفهام تعين القارئ على فهم مقصود الكاتب بشكل واضح لا لبس فيه، فإن من حق القارئ أيضا أن يجد أفكارا ودعاوى مبرهنا عليها بالشهود والأدلة والاستقراء الصحيح، وإلا كان كلاما منمقا مصفوفا لا روح فيه ولا معنى.
وسأضرب صفحا عن تتبع عدم الوضوح والترابط في أفكار المقال الذي نحن بصدده، مركزا على فشل الكاتب في أن يأتي بأدلة وإثباتات على ما يقول:قال ’’مفلح’’: (لا أعرف أين الحساسية إن قلنا إن الإخوان تنظيم سياسي، وله علاقات سياسية، يتبادل فيها المصالح مع أطراف سياسية أخرى، الملك المصري أو الإنكليز أو أميركا أو العراق أو غيرها أليست كلها أطرافا سياسية؟ وهل العلاقة الجيدة التي كانت تربط المرشد السابق للإخوان مع إيران هي علاقة غير سياسية؟).
وكنت لفت الانتباه في ردي على مقاله السابق أن هذا إدعاء ينقصه الإثبات. كنت أتوقع منه أن يرد علي في مقاله الحالي بالدليل والبرهان، لكنه في مقاله هذا الذي يرد فيه على ردي عليه نسي أو تناسى أولا يملك الإثبات نهائيا، مما أبقى ما ادعاه ’’مفلح’’ في مقاله السابق لا سند له ولا إثبات، وبالتالي لا قيمة له.
مرة ثانية يتساءل ’’مفلح’’: (ما الذي جرى الآن، هل تحول الإخوان المسلمون إلى تيار نقيض للعالم الحر وقيمه؟ يجد القارئ الآن، و-قد- رمي كل ما تكدس من كتب عن تاريخ الإخوان في المرحلة السابقة بصفتها قوى رجعية لأنها قوى سياسية مدعومة من دول الغرب، أو هي قوى سياسية مؤمنة بقيم العالم الحر الذي ساند ما سمّاه آنذاك الصحوة الإسلامية تسانده في صراعه مع الشيوعية).
ومرة أخرى يضرب ’’مفلح’’ بعقل القارئ عرضَ الحائط! وإلا متى كانت جماعة الإخوان مدعومة من دول الغرب؟ ومتى ساند ’’العالم الحر’’ الصحوة الإسلامية؟ بل ومتى ساندته هذه الصحوة في صراعه مع الشيوعية؟ وأقلّ ما يقال في هذا الإدعاء أنه باطل، هذا إن لم نصفْه بأنه ادعاء مغرض. والصحيح أن الإخوان المسلمين في معظم الأقطار العربية كانوا عرضة لتسلط الأنظمة التي نصّبها أو دعمها الغرب عموما وأمريكا خصوصا لقمع الشعوب.
في آخر المقال يقول ’’مفلح’’: (مطلوب من الإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية تبن حقيقي للنظام الديمقراطي، ولدولة القانون والمواطنة وحرية الرأي والمعتقد. بهذا فقط يسحبون ورقة ضغط من السلطات ومن الغرب ويخدمون مجتمعهم).
والعجيب الغريب أن ’’مفلح’’ يعرف أكثر من غيره أن’’الإخوان المسلمين’’ السوريين تبنوا هذا الطرح في مشروعهم السياسي الذي اعتمدوه في مؤتمر لندن في كانون أول من عام 2004. وقد حضر المؤتمر لفيفٌ من المعارضين السوريين اليساريين والأكراد والإسلاميين. وكان الإخوان قبل ذلك قد ضمّنوا رؤيتهم هذه في ’’ميثاق الشرف’’ الذي صدر في أيار 2001، ووزع على كل الجرائد.
وقد نشرت النهار وغيرها في حينه عدة مقالات ناقشت ميثاق الشرف هذا. ويمكن اختصار ما جاء في المشروع السياسي للإخوان وفي ميثاق الشرف أن الإخوان يسعون إلى أن تكون الدولة السورية: (دولةَ مواطنة، تعاقدية، تمثيلية، تعددية، تداولية، مؤسساتية، قانونية). أليست هذه هي أهم مظاهر الديمقراطية، بل يندر أن تكون هناك دولة غربية تتمتع بهذه المقومات.أخيرا: لا بد من التنبيه إلى أن عنوان مقال الأستاذ مفلح: ’’الإخوان المسلمون بين الإرهاب والسلطة’’ هو عنوان ’’موهم’’.
لأن أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ أن ’’مفلح’’ أراد أن يقول أن الإخوان المسلمين يؤيدون الإرهاب للوصول إلى السلطة. هذا المعنى أكد خلافه ’’مفلح’’ في مقاله عندما يقول عن الإخوان المسلمين: (لا بل يصرون على نبذ العنف بكل أشكاله، ماعدا نشاط حركة ’’حماس’’، وبعض أطراف ما يسمى بالمقاومة العراقية وليس كلها، لهذا تجدهم يسارعون إلى إدانة مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد بكل تنظيماتهم تقريبا).
بل إني أزيد على استشهاد ’’مفلح’’ بأن الشيخ ’’يوسف القرضاوي’’ الذي يعتبر الزعيم الروحي للإخوان، كثيرا ما كان يندد بالعنف الذي كان يضرب في العراق وينسب للقاعدة. بل إنه ندد بأحداث 11 سبتمبر التي ضربت في نيويورك عندما نسبت إلى القاعدة.هناك الكثير مما ورد في مقال ’’غسان مفلح’’ الذي رد فيه علي، مما يحتاج إلى تفنيد. لكني تجاوزته خشية الإطالة.
*العصر
