قراءة في التجربة السياسية للسلفيين في مملكة البحرين
عبدالرقيب العزاني
[email protected]
-خاص بالوفاق
عندما تريد رصد ملامح حركة ما أو جماعة أو اتجاه يمكنك أن تلحظه من خلال تصريحات الرموز والقيادات التي تمثل هذا الاتجاه أو ذاك، فمن خلال متابعتي لمعظم أطروحات رموز الحركة السلفية في البحرين والتي كان آخرها مقابلة أحد أكبر قياداتها وهو الشيخ عادل المعاودة عضو كتلة الأصالة في البرلمان البحريني المتميز في طرحه الوسطي والمتوازن سواء فيما يخص الاتجاه الفكري أو السياسي ففي مقابلته مع قناة الوطن في تاريخ 20/01/2010م لاحظت أن الشيخ عادل امتلك الشجاعة الكافية ليوضح المدامك الأساسية للعمل السياسي السلفي في مملكة البحرين والتي عليها تتضح الملامح الأساسية للرؤية السلفية تجاه العمل الديمقراطي والسياسي، وهذا مكسب عظيم للحركة السلفية في مملكة البحرين وفرصة تاريخية للجماعات السلفية خارجها حتى تقتدي بها وتنهض ببنيتها الفكرية وتعمل على تغيير الكثير من الرؤى المضادة تجاه الكثير من المفردات الحديثة في المجال الفكري والمعاشي والاجتماعي، ولعل في النقاط التالية يتبين للناظر مدى صحة هذا القول:
بالرجوع إلى الوراء قليلا نجد أن الحساسية المفرطة التي تميز بها بعض العاملين في حقل الدعوة السلفية تجاه بعض المصطلحات والتي من بينها مصطلح الديمقراطية والمواطنة والوطنية، فقد كانت الحساسية شديدة ومفرطة تجاهها فتكاد تخلو كل الخطابات والكتابات والأبجديات من مثل هذه المصطلحات لأن الراسخ في الذهنية المسبقة لدى التفكير الجمعي لدى هذا البعض أن هذه المصطلحات هي مرادفة لمصطلحات الوثنية والشرك وهي بالتالي تقع في النقيض من كل ما هو إسلامي وشرعي، لكن عندما أرهفت أذني لما يقوله الشيخ النائب عادل المعاودة في مقابلته مع قناة الوطن وجدت المصطلحات الآنفة الذكر تسري على لسان الشيخ دون أي تأثم أو حرج شرعي، وهذا إذا دل فإنما يدل على الشوط الكبير الذي قطعته الجماعة السلفية في النضج بقضايا الواقع وذلك من دون أي تصادم مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين.
فمصطلح الديمقراطية قد أحدث ضجة فكرية كبيرة لدى كل العلماء والفقهاء والمفكرين في الجماعات الإسلامية وانقسموا إزاءه قسمين فبعضهم يعتبره مرادفاً للشرك والكفر باعتباره منافياً لتوحيد الحاكمية الذي يعتبر من خصوصيات الله والديمقراطية تقوم بمصادرة هذه الخصوصية وعلى أساس ذلك تم الرفض مطلقاً، وآخرين حاولوا الاستفادة من الديمقراطية كآلية ومنهج بما يتوافق مع الثوابت الشرعية الإسلامية فاستطاع هؤلاء أن يحققوا كثيرا من المصالح بواسطة هذه الآلية بغض النظر عن الاسم أياً كان، فساهموا في تقديم خدمات كثيرة للمجتمع وسهلوا للمواطنين الحصول عليها، ووفق هذا المفهوم لا يُستغربُ استخدام الشيخ عادل المعاودة مصطلح الديمقراطية في خطاباته وكتاباته.
وتتضح ملامح النضج السلفي في تناوله لقضية المواطنة وذلك عندما سأله المحاور عن وجود وزيرة مسيحية وامرأة يهودية في مجلس الشورى وقد كان ذكياً في إجابته على هذا السؤال عندما قال بما معناه: إن تلك الشخصيات تظل بحرينية فهما مواطنتين لهما حقوقهما وعليهما واجبات، وتبين لي من خلال الإجابة أن مفهوم المواطنة الذي استخدمه الشيخ أكثر من مرة في حديثه لم يكن استخدامه اعتباطاً وإنما كان على علم مسبق ودراية شرعية كافية متوافقة مع الثوابت حيث يلتقي كل الذين يعيشون في وطن واحد على المصالح المشتركة وعلى الثوابت العليا وأظن أن الباحثين في الجانب الشرعي ـ والشيخ عادل من هؤلاء الباحثين ـ قد استوعبوا هذا المصلح ليصير من ضمن أبجديات الحركة السلفية في البحرين.
وقد شدني في المقابلة الكياسة وحسن اللباقة التي تمتع بها الشيخ في حواره وسعة الصدر بالرأي المخالف وهذا يصحح النظرة الخاطئة عن السلفيين من أنهم يرفضون الآخر ويرفضون الحوار ويرفضون مجرد الاستماع فقد كان مقدم البرنامج أحمد الفهد يوجه الأسئلة بكل شفافية وصراحة، وكان النائب يجيب على ذلك بكل أريحية وبنفس ديمقراطي، ولعل هذه المرونة ترجع إلى اندماج الجماعة السلفية مع كل شرائح المجتمع البحريني المتنوعة طائفياً ومذهبياً وسياسياً وتكتمل دائرة المرونة تلك بالعلاقة الطيبة والمشهودة لكتلة الأصالة مع كل ألوان الطيف البحريني وقدرتها على التوفيق بين ما هو أولويّ يجب أن يُقدم وماهو ثانوي يجب أن يؤخر، وذلك فيما يعود نفعه على المجتمع فقد بين الشيخ عادل بأن هناك علاقات ممتازة حتى مع من يعتبرهم البعض أنهم خارج إطار الإسلاميين وكان القول الحق الذي نطق به الشيخ أن هؤلاء (منا وفينا)، ومما يؤكد الاندماج الذي يعيشه السلفيون الممارسين للعمل السياسي والاجتماعي رفضهم على لسان الشيخ عادل في المقابلة مصطلح (الإسلاميين) وذلك لعدة أمور منها أن هذا المصطلح ينفي عن عامة من لا ينضوون تحت الكتل التي يطلق عليها البعض هذا المصطلح صفة الإسلام وهذا يوحي لدى الشيخ برائحة تجريد الإسلام عنهم إن لم نقل تكفيرهم ضمنياً، وهو العمل الذي يهاجمه الشيخ بشدة وينقده بقوة ويعيب كل أولئك الذين يحملون منهج التكفير للمسلمين ويمارسون أعمالاً إجرامية بحق مجتمعاتهم عندما عجزوا عن الإصلاح السلمي للأوضاع، وأمر آخر أن هذا المصطلح خلق عزلة بين العاملين في الجماعات الإسلامية والتيارات الأخرى والتي هي من صلب المجتمع المسلم فحدث ما نشهده في الإعلام اليوم من عسكرة كلا الطرفين كلٌ في جهة وعمل كل فريق على تشويه الآخر وهذا خطأ يجب أن يتدارك، وفي نفس الوقت أشار الشيخ إلى استبدال ذلك المصطلح بأن نبقى على القول بأن هذا سلفي وهذا إخواني وهذا كذا ويبقى الخلاف من باب التنوع في المشاريع والبرامج والكل يتموضع في دائرة الإسلام التي تشمل الجميع.
وقابلية التعايش لدى السلفيين تصل إلى النضج الكامل عندما يصرح الشيخ عن موقفه وموقف كتلته تجاه إيران من أنه يحب أن تكون إيران عامل تكامل في المنطقة بغض النظر عن المذهب والعقيدة التي يحملونها، كما يطالب بحقوق العرب الشيعة في إيران، وهذا ينفي كل التهم التي تنال من أدبيات الجماعة السلفية، وتعطي أمكانية كبيرة في أن السلفيين قادرين لأن يكونوا مؤثرين في صناعة القرار والتعايش والانسجام مع المجتمع والدليل على ذلك التجربة السياسية في البحرين ومثيلتها في الكويت.
ومن المفاهيم التي أوضحها المعاودة مفهوم المعارضة، فالسائد لدى كل من يمارس المعارضة السياسية أنه يركز بشكل أساسي على سلبيات السلطة التنفيذية ويبرزها بعدسات مكبرة ويتعامى عن كل الإيجابيات وبالتالي يتم ممارسة التعنت في أن تحرص المعارضة على إسقاط الحكومة بأي قشة يمكن أن تقصم ظهرها، وكذلك الحكومة تمارس نفس الدور على المعارضة، فالمفهوم الصحيح للمعارضة حسب ما قاله الشيخ عادل: نحن والحكومة في مركب واحد، ولا نعمل ضد بعض، لأننا نضع البحرين في طريقنا الذي نسعى إليه، فالمعارضة هي مرآة للحكومة في العمل على تكامل العمل التنموي الذي يخدم الوطن.
كما لم يجد الشيخ عادل حرجاً في أن يُقوِّم العملية النيابية في الكويت برغم ريادتها وسابقتها في العمل الديمقراطي خاصة مع ما حدث من تغييرات مفاجئة بسبب كثرة الاستجوابات التي تقوم بها الكتل في مجلس الأمة وأوصى الطرفين حكومة ومعارضة بالتعاون والتكامل.
وكان الفهم الشمولي متجلياً في الفهم السلفي فيما عبر عنه المعاودة بأن الوطن والمجتمع المسلم لن يستطيع أن ينهض به فصيل واحد أو جماعة واحدة وإنما هو عمل تكاملي ينهض به كل المنتمين إلى هذا الوطن والمحبين له فالاستقرار عامل أساسي للبناء لدى الحاملين لهذا الفكر الوسطي.
وبهذا أظن أن التجربة السياسية للسلفيين في مملكة البحرين رغم حداثتها تستحق من نظرائهم في العالم العربي والإسلامي النظر والتأمل ولعل البعض قد يقول أن هناك استعجال في تقييم التجربة بسبب حداثتها لكنني أقول إن التجربة تستحق الدراسة كونها نشأت في تعقيدات مذهبية ودينية متشابكة في الساحة البحرينية واستطاعت بذلك أن تعيش دورتين ناجحتين وهي الآن توشك الدخول في الدورة الثالثة وبقوة.
وأخيراً أقول عندما نخص التجربة السياسية للسلفيين في البحرين من خلال ما يطرحه رمز من رموزها لا يعني أبدا أنها النموذج المثالي ولكنها تجربة شجاعة ورائدة تستحق منا الوقوف عندها طويلاً فقد آن لكل المنتمين للدعوة السلفية النظر والتأسيس لأساس متوازن ومنطقي متوافق مع الشريعة الإسلامية لأن البعض حينما يُقال له لا بد من وجود مرونة في الواقع يتبادر إلى ذهنه التفلت من كل القيود الشرعية والدينية وهذا خطأ كبير يعلق في تفكير البعض يجب أن نتخلص منه، فالحركة السلفية في اليمن مثلا وأنا أتحدث عنها كوني تربيت في أحضانها فهي لا تزال ترقب العمل السياسي عموما وبالذات مشاركة الجماعات السلفية في الخليج العربي بحذر شديد ولا زال لديها خوف شديد من المشاركة وقد يكون السبب في هذا الخوف هو انعدام المناخ الذي توفّر لغيرهم ولم يتوفر لهم أو قد يعود للاضطراب الفكري الذي يعيشونه أو يعود للمحذورات الوهمية التي لا تزال تعشعش لدى البعض، والذي أظنه سبباً رئيساً يضاف إلى ما سبق بحسب وجهة نظري المتواضعة هو انعدام القيادة الشجاعة للسلفيين في اليمن ولذلك ترى فصائلهم كل واحدٍ منهم له وجهة هو موليها،وعلى هذا يمكننا أن نرجع حكم أحد كبار رجالات الدعوة السلفية في اليمن وهو الشيخ الدكتور عقيل المقطري في مقابلةٍ معه أجراها الصحفي والكاتب نبيل البكيري في موقع الإسلام اليوم حيث قال: (وأرى أن السلفيين في اليمن بجميع فصائلهم يحتاجون إلى عقود من الزمن؛ حتى يصلوا إلى ما وصل إليه السلفيون في الدول العربية والإسلامية الأخرى) أفسر كلام الشيخ بمعنى آخر: إن عقوداً قادمة قد تكون كفيلة بأن تُخرج قيادات تستطيع تقود العمل السلفي وفق متطلبات الواقع الذي تعيشه، ولا أزيد على هذا الاستنتاج حتى لا يضعني البعض تحت سيف النقد الشّطط.
مع أن في اليمن قامات علمية كبيرة قد يكونون أكثر من أولئك الذين في مملكة البحرين لكن ما تتميز به الجماعة السلفية في البحرين وجود قيادات شجاعة تقودها مدعومة بمرجعية علمية معتبرة، وهذا ما يعزز فكرة أن القيادة ليس بالضروري أن تكون في يد العلماء والفقهاء فقط وإنما قد تنفصل بتوضيحٍ أكثر أنهما لا يتحققان في شخصٍ واحد، وإنما المتعارف عليه غالباً أن القائد والعالم يكونان متكاملان في أداء الدور.