مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أعتز بمنهجنا السلفي، لكنا نفتقر إلى الوعي السياسي

كثر الجدل الذي يدور اليوم حول قضايا سياسية بين الاتجاه السلفي و اتجاهات أخرى تتقاطع في أمور و تتنافر في أكثر، و ما دار مؤخرا في صحيفة الأهالي من صراع ُمملٍّ تجاوز فيه بعض الصحفيين على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم و هو ما لا نقره جميعا، ولكن الأمر الذي لا يستطيع أحد مصادرته هو الحق في الاختلاف حول الفهم لدلائل تلك النصوص عند اكتمال الآلة المُمَكّنة من التعامل مع نصوص الشرع المقدس، و لا أجد في نفسي حساسية البتة من سماع أيِّ قولٍ مخالف لي ما دام هذا القول لا يصادر الرأي الذي أؤمن به، وأريد أن ألخص ما دار من نقاش حول صفحات الأهالي و غيرها و أجملها في الآتي: قضية الخروج على الحاكم.قضية الديمقراطية.الموقف من اللقاء المشترك.الموقف من الحراك السلمي في الجنوب.
و هي كلها قضايا سياسية تناولها الجميع مع الاحتجاج بالنصوص الشرعية، و هنا نورد سؤالا عاما مفاده الآتي: هل السياسة في الرؤية الإسلامية السنية تدخل في أمهات العقائد أم لا؟
و الجواب على ذلك ما قاله العالم الدكتور محمد عمارة :السياسة في الرؤية الإسلامية ليست من أمهات العقائد الدينية، وإنما هي من الفروع و الفقهيات، أجمع على ذلك أئمة الفكر السياسي السني عبر تاريخ الإسلام، ولذلك فإن الاختلاف في السياسة معاييره ’’الخطأ..و الصواب’’ و ’’ النفع.. و الضرر’’، وليس ’’الكفر..و الإيمان’’.(ينظر:عصمة الأمة :معنى مدينة الدولةالإسلامية، مجلة الدوحة العدد(21) يوليو 2009م)
وقد لاحظت أن الكثير منا معشر السلفيين يخلط بين أصول قضايا الاعتقاد الإسلامي التي هي محل هدى وضلال، وبين قضايا السياسة التي ترجع إلى قاعدة عريضة عرفها الكثير من أهل العلم و هي قاعدة المصالح و المفاسد، ولذلك من الخطأ في المنهج العلمي و العملي قول البعض: من معتقد أهل السنة والجماعة عدم الخروج على ولي الأمر الظالم، أو من معتقدأهل السنة و الجماعة أن يبقى الحاكم الصالح طيلة حياته في الحكم بحجة أننا أمرنا ألا ننازع الأمر أهله.
فهل الإيمان ببقاء الحاكم الصالح غير الظالم في الحكم طوال حياته على سدة الحكم من عقيدة السلف رضوان الله عليهم؟ فهذا ما لايمكن استساغته.
فمن المعلوم أن فترة الحاكم في الحكم لم يرد فيها نص شرعي مما يجعلنا نفهم ـ إن كنا نفهم ـ أن قضية فترة بقاء الحاكم خاضعة للمتغيرات الزمانية والمكانية، وفي العصر الحديث صار الحكم عقد اجتماعي بين حاكم و محكوم فعلى الحاكم واجبات و له حقوق بموجب القانون المُتوَاضعِ عليه سياسيا وفق أصول الشريعة المجمع عليها، وكذلك على المحكوم واجبات و له حقوق، فواقعنا اليوم يثبت أن سياسة (حاكم حتى الموت) تُصَادر في ظلها الحريات و الحقوق، ولا تشهد البلد تطورا إلا في تخزين الأسلحة و تشييد السجون، فالحاكم عندما يحكم ثلاثة إلى أربعة إلى خمسة أجيال تشهد مرحلته العديد من الاضطرابات لأن قدراته الإبداعية في القيادة تنتهي في فترة محددة تقدر بثمان سنوات كما هو المعمول به في الحكومات الديمقراطية الراقية، كما أن الحاكم عندما يحدد له الدستور فترة معينة تنقسم إلى فترتين يعلم أن الأمر مجرد عقد تعاقد به مع الشعب فلا بد من الوفاء به.
وهناك قضايا في السياسة ليست متعلقة تماما بالمعتقد، فطريقة تولّي أبي بكر للخلافة تختلف عن طريقة تولّي عمر و كذلك عثمان و علي رضي الله عنهم، فالطرق التي تولّى بها الخلفاء الأربعة ليست ثابتا من ثوابت الدين بل هو عكس ذلك تماما، إذ من الممكن ظهور أكثر من وسيلة مادام أن الأمر دائر بالتراضي بين الشعب الذي هو صاحب الحق و الحاكم، و يكون هذا التراضي تحت سقف الشريعة(و التي يمثلها اليوم الدستور)، واليوم يضمن هذا الدستور الحق لما يسمى بالتعددية السياسية في عرض البرامج و الخطط للنهوض بالبلاد و هذا التنافس والتدافع فى المصالح والأمور السياسية بين هذه الأحزاب تحت مسمى حزب حاكم و معارضة لا يعنى بالضرورة تصارعا وقتالا، إنما يعتبر ذلك من سنن الحياة التى تحقق التوازن والتداول السلمي للسلطة فى إطار الفهم السليم لمقاصد الشريعة.
و طريقة هذا التداول السلمي للسلطة يسمى الشورى أو التشاور كماهو المصطلح الشرعي،قال الله تعالى:( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : 159]، و اليوم تسمى الديمقراطية، لكننا سنسمع عن البعض قوله: إن الديمقراطية مفهوم غربي كافر ملعون يقع في قرارة الزندقة و الإلحاد، فيُقال لهم: هذه الديمقراطية الغربية حتى و إن كان فيها ما فيها فليست كلها شر مطلق بل فيها خير يمكن الاستفادة منه، ثم إن الديمقراطية التي نقصدها و يقصدها المتعاملون بها هي الديمقراطية التي تحت سقف الدستور الذي تُجمع أغلب الجماعات والفصائل الإسلامية ـ والسلفيون جزء منهم ـ بأنه إسلامي ومنه يستمد الحاكم شرعيته، وبالتالي تصبح الديمقراطية أصلا في العمل السياسي، أمر آخر أن في يومنا هذا أصبح في العالم ديمقراطيات متنوعة بحسب الثقافة و الإيديولوجيا التي تحل فيها، فالديمقراطية الهندية مثلا غير الديمقراطية الأمريكية أو الأروبية أو الروسية...فالديمقراطية كآلية أصبحت تنصبغ بكل ثقافة وديانة تحل بها.
و مما ينبغي التأكيد عليه أن القيادة العليا في الفكر الإسلامي هي قيادة جماعية و الدليل على ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء : 59]، يقول الدكتور عماره حفظه الله:المؤسسة مبدأ عريق في الدولة الإسلامية تستدعيه وتؤكد عليه التعقيدات التي طرأت على نظم الحكم في العصر الحديث...ولهذه الحكمة السامية لم يرد في القرآن الكريم مصطلح(ولي الأمر) ـ بصيغة المفرد ـ و إنما ورد بصيغة الجمع ـ أولي الأمر ـ ...فالطاعة للسلطة الجماعية . والرد إلى المرجعية الدينية ـ عند التنازع ـ لسلطة الاجتهاد والتشريع الجماعية.(ينظر:عصمة الأمة :معنى مدينة الدولةالإسلامية، مجلة الدوحة العدد(21) يوليو 2009م).
وعلى هذا يمكننا النظر إلى ما جاء في الأحاديث النبوية من طاعة الحاكم الظالم الذي إن جلد ظهرك و أخذ مالك بأنها خاصة في الحاكم الشمولي الذي ألغى جميع مؤسسات الدولة و حضر كل أشكال العمل السياسي المعارض، وكمم الأفواه و صادر الحريات، فإن كانت الأمة قادرة على خلعه مع وجود مصالح أكبر و مفاسد أصغر فهذا أمر لا نزاع فيه، و مثل هذا ما حصل في إيران إبان ثورة الخميني على شاه إيران، و إن كان عقلاء الأمة يقدرون أن المفاسد التي ستعقب هذا التغيير أشد من الفساد الحالي فهنا يأتي تنزيل أحاديث الصبر على جلد الظهر و أخذ المال لتحقيق المصلحة العامة مع وجوب العمل على تغيير الوضع و الأخذ بالأسباب حتى تشتد الشوكة، و مما ينبغي علمه أن معنى أحاديث السمع والطاعة للحاكم المغتصب لحق الأمة لا يدل على شرعيته لأنه مغتصب لحق للأمة، و لكن لما كان الأمر سيسبب مفسدة عظمى و جب الصبر حتى يتم التمكين و يُرد الحق للأمة في تعيين من ترتضيه لدينها ودنياها عبر انتخابات شفافة تمثل إرادتها.
أما في الدولة التي تزعم أنها دولة مؤسسات و هذه المؤسسات يحتكم إليها الحاكم و المحكوم فهنا يكون الخروج على الحاكم خروجا سلميا بحسب القوانين الدستورية التي تحتكم إليهادولة المؤسسات، وهنا يأتي دور المعارضة المتمثلة في الأحزاب السياسية التي تعمل على الخروج السلمي الهادف إلى تصحيح وضع الأمة من خلال وسائل الإعلام و الحراك السلمي و ممارسة جميع أشكال التظاهر و الاعتصامات و الإضرابات و غيرذلك من أجل أن ينال الشعبُ حقوقه، وهذه هي النقطة التي حدث فيها الخلاف بيننا معشر السلفيين وبين الكُتَّاب في صحيفة الأهالي وغيرها، و تحرير محل النزاع يمكن التعبير عنه بما يأتي: الخروج السلمي الدستوري على الحاكم في ظل دولة المؤسسات هل يطاله مفهوم النصوص الشرعية التي تُحرم الخروج على الحاكم الظالم و إن أخذ مالك و جلد ظهرك؟!!!.
و هذا ما نريد تفصيله شرعيا من أصحاب الفقه السياسي الشرعي الذين يدركون واقعهم جيدا و ليس من أصحاب فقه الذين يقفون عند سطح المتون و الحواشي، فالفقه هو إحداث انسجام بين النص و الواقع لأنه كما قال ابن القيم أينما كانت المصلحة فثمة شرع الله، فالبعض يسرد مئة حديث في طاعة الحاكم لكنه لا يستطيع إحداث هذا الفقه في واحد منها.
و تزداد عجبا عندما تسمع البعض يقول: أن كلّ أشكال الخروج السلمي كالمظاهرات السلمية و الاعتصامات و التنديد فيها بسياسات النظام تعتبر خروجا عن الحاكم و بالتالي فممارسة هذه الأشكال تعتبر خروجا عن منهجية أهل السنة و بدعة تخالف منهج السلف، وهذا من الغلط و الخطأ بمكان، وهذا ماحدث في موقف بعضنا من الحراك الجنوبي، فبدل أن نقف مع أصحاب الحقوق و نقوم بترشيدهم و نسحب البساط على الذين يتربصون بوحدة اليمن وقفنا ضدهم باعتبارهم مأجورين و عملاء لبريطانيا و الصهيونية العالمية، ومما زاد الطين بلّة مصادرة البعض الإيمان بالله عن أحزاب سياسية أتباعها مسلمون غير مدرك ذلك البعض أن تغيرات حدثت في المصطلحات و المفاهيم والبرامج في عصرنا الحاضر فلجأ إلى مفاهيم تم صياغتها في إبان ظهور الثورة البلشفية الروسية في بدايات القرن العشرين و نسي أن المفاهيم الاشتراكية قد نُسفَ أكثرُها في موطنها الأصلي و ماعادت الإشتراكية نظرية إلحادية فالاشتراكيون الفرنسيون و الإنجليز و اليهود يؤمنون بالله على طريقتهم النصرانية و اليهودية،فلا يصح أن ننفي إيمانهم بوجود الله.
أمر آخر أننا إذا أردنا أن نحاكم هؤلاء فعلينا أن ننظر في برامجهم الحزبية(و أنا أقصد بذلك برامج الحزب الاشتراكي و الناصري و البعثي في اليمن) التي يقدمونها للشعب فلو فعلنا ذلك فسنجدهم يقرون بسيادة الشريعة الإسلامية و يؤمنون بها ويصلون معنا ويفعلون الكثير من الشعائر الإسلامية، فكيف نقول: إنهم لايؤمنون بالله، فالخوارج الحقيقون ليس هم الذين يخرجون على الحاكم الظالم خروجا سلميا و إنما الخوارج هم الذين يخرجون على الأمة بالتكفير لأن التكفير ليس من منهج أهل السنة والجماعة كما قال بذلك الشيخ فضل مراد في مقالة سابقة في صحيفة الأهالي عنوانها(استووا).
و أقول مصارحا نفسي وإخواني: إننا نحن معشر السلفيين و أنا واحد منهم أعتز بمنهجية السلف رضي الله عنهم كما يعتز بها كل العاملين في الجماعات السلفية لا يوجد عند بعضنا وعي سياسي و لاثقافة سياسية و لا كياسة دبلوماسية، وعندما يدخل بعضنا إلى الخطاب السياسي فتجد هذا البعض منا يقول(وهذا طبعا للتمثيل فقط) إن المانع لنا من تشكيل حزب سياسي هو قانون الأحزاب و التنظيمات السياسية حيث ينص على الآتي: ’’عدم قيام الحزب أو التنظيم السياسي ... على أساس تكفير الأحزاب أو التنظيمات السياسية الأخرى أو المجتمع وأفراده أو الادعاء بالتفرد بتمثيل الدين أو الوطنية أو القومية أو الثورة’’ فهذا القانون يمنعنا من تكفير من كفرَ بالله من الأحزاب العلمانية و اليسارية،و يجعلنا نعمل معهم و نتعايش معهم،و نسو على فرضية أنهم كفار أن الله تعالى قال: ’’وتعاونوا على البر و التقوى ’’ و هي آية تدعو الكل مؤمنا وكافرا لعمل البر، ونسوا المادة التي تلزم الأحزاب بالإقرار بشريعة الدين الحنيف و هي مادة تأتي في بداية قانون الأحزاب.
و ما سبق هو تمثيل لما يعانيه هذا البعض من غياب للفقه السياسي، و أنا أظن لو أننابقينا خارج السياسة لكان أفضل للدعوة و العمل الخيري، لأن السلفيين المعتدلين و الوسطيين(جمعية الحكمة وجمعية الإحسان و أبو الحسن المأربي مؤخرا) يعتقدون أن الجماعات الإسلامية جماعات تكاملية و على هذا فإن الواجب السياسي الشرعي(الكفائي) يسقط بظهور حزب إسلامي هو حزب التجمع اليمني للإصلاح عملا بالقاعدة الشرعية إذا قام بالواجب البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود، و على الجماعات السلفية أن تتصالح مع هذا الحزب الإسلامي العريض ذي التجربة السياسية الكبيرة و على الإصلاح أن يستوعب إخوانه السلفيين خاصة منهم المعتدلين و أن يشكل لذلك لجانا حوارية خاصة أن شخصية كبيرة مثل الشيخ أبي الحسن المأربي قد عبر عن إمكانية إحداث تعاون مع بقية الجماعات الإسلامية في مقابلته الأخيرة مع صحيفة الناس، و هنا تتوجه هذه الجماعات لإصلاح المجتمع في الجانب التربوي و العقدي و تقوم بتقديم الأعمال الخيرية و المساعدات الإنسانية و إذا ما فكر أحد قيادات هذه الجماعات السلفية بالعمل السياسي و استوهته قبة البرلمان عليه أن يدخل تحت مظلة حزب التجمع اليمني للإصلاح، أما أن يخلطوا بين العمل الخيري و العمل السياسي فهذا ما لايجوز، فممارسة السياسة أو أي شكل من أشكالها تحت مسمى العمل الخيري يضر ولا ينفع و إنما تكون تحت مسميات أخرى يحددها القانون و الدستور.
و أنا أنقل للقارئ الكريم أن الجماعات السلفية تغلي كالمرجل في أوساطها نتيجة لهذا الخلل المنهجي الذي يعانيه البعض،و اختلافهم الحاصل في الملتقى السلفي أكبر دليل، أفرادها يشهدون جدلا قويا في كثير من القضايا السياسية و قريبا ستشهد الساحة تطورات للجماعات السلفية إما أن تحدث تباينات تعمق الشرخ و هذا ما لانتمناه، ونعتقد أن مشايخنا الكريم في مختلف فصائل سوف يحولون دون حدوثها، و إما أن تحدث اتفاقا على خيار واحد يحدد موقفها من جميع ما سبق.
و في الأخير أحب أن أنبه إلى أن الدعوة السلفية دعوة مباركة لا يجوز بحال الانتقاص منها كما عبر بذلك بعض الصحفيين بأنها(ذيل بغلة السلطان) و أنا أدعو الإخوة الصحفيين أن يدرسوا السلفية كمصطلح يرادف مصطلح السنة و هو المنهج الذي يعتقده عموم الشعب اليمني فالمساس بثوابتها مساس بثوابت هوية الشعب.

أضافة تعليق