مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
'خيانة' الحرية
وهكذا هي طبائع المدمنين، الذين يخونون الحرية في اليوم أكثر من ألف مرة، يقدسون صاحب الشوكة في حياته، ويلعنونه بعد موته، إذا أُمروا باللعن، وأقل منهم سوءا، لكنهم في حقيقة الأمر، أكبر جرما، باعتبارهم من النخب المثقفة، أهل التكيف مع وضع البؤس، لا يجارون التيار ولا يعاكسونه، في مهمة ’’مثالية’’، مصنوعة من مواقف هلامية فضفاضة عائمة... وأكبر همهم كيف ’’يستمتعون’’ بالمتاح وتوظيفه، حتى وإن كان المتاح خدعة وتضليلا وتمويها واستنزافا وتمييعا ومصادرة..

بقلم خالد حسن
ماذا لو زارتنا الحرية فجأة، ربما تجدنا متلبسين بخيانتها، في اليوم ألف مرة. أخشى أن كثيرين منا تكيفوا مع أوضاع البؤس السائدة، لذا استعذبوا ’’خيانة’’ الحرية..


تحل بنا الكوارث وتطاردنا الفضائح يمنة ويسرة، ويظل حديثنا، مثقفين وكتابا وأهل علم ورأي، بعيدا عن أصل البلاء..


لماذا الحماس المصطنع عن أوهام، لماذا الدفاع المتزلف عن العجز والاستبداد والتخلف والاستعباد.. لماذا الإدمان على الاستبداد وما يبعد الشعوب عن قضاياها المصيرية.. لماذا ندافع عن الاضطهاد والتشريد والإبعاد والنفي الذي يستهدف الفكر النقدي..


من يستطيع تغيير نظامنا الاجتماعي والسياسي، هل نظن أن شخصا ما، أيا كان، بإمكانه ذلك، يعني أننا ننسب إليه قوى خارقة لا يمكن تصديقها.. ؟ وأذكر المتملقين والمدمنين، بالسهولة ’’المدهشة’’ التي تحولت بها ’’عبادة’’ ستالين إلى منكر، وهو ما يكشف الهشاشة الذي اتسم بها ’’بناؤه الضخم’’، وكذا كل بناء قائم على القهر والاستعباد وإدمان الاستبداد..


لقد أبان خروتشوف في ليلة 24 ـ 25 فبراير 1956م، أن انتقام السكرتير الجديد من السكرتير القديم (ستالين)، يمكن أن يكون أرهب من انتقام التاريخ، ليتحول ’’الرجل العظيم’’، ستالين، (أب الشعوب) إلى جثة منبوذة، بعد وفاته بقليل، لعنت ’’إنجازاته’’ وحُمل مسؤولية انهيار الفكر الماركسي. وهكذا هي طبائع المدمنين، الذين يخونون الحرية في اليوم أكثر من ألف مرة، يقدسون صاحب الشوكة في حياته، ويلعنونه بعد موته، إذا أُمروا باللعن، وأقل منهم سوءا، لكنهم في حقيقة الأمر، أكبر جرما، باعتبارهم من النخب المثقفة، أهل التكيف مع وضع البؤس، لا يجارون التيار ولا يعاكسونه، في مهمة ’’مثالية’’، مصنوعة من مواقف هلامية فضفاضة عائمة... وأكبر همهم كيف ’’يستمتعون’’ بالمتاح وتوظيفه، حتى وإن كان المتاح خدعة وتضليلا وتمويها واستنزافا وتمييعا ومصادرة..


شدني كثيرا مشروع خط أنابيب النفط باكو- تبليسي- جيهان، خاصة الخريطة الجغرافية السياسية التي سلكها، ربما يختصر قصتنا مع ’’خيانة الحرية’’، يمر هذا الخط عبر المناطق الفقيرة، والبعيدة عن بؤر الصراع والمناطق الساخنة، في كل من أذربيجان وجورجيا وحتى تركيا (حماية له وتجنبا لإثارة الزوابع ضده)، حيث يعطى للمزارعين، دراهم معدودة، تعويضا على مرور الأنابيب المعدنية عبر أراضيهم، لا يهم السكان ماذا يمر ولماذا، وإنما كل الذي يعنيهم أن يُرمى لهم بعض الفتات ليكملوا به حياة البؤس والفاقة التي يحيونها في قراهم، تنهب ثرواتهم وتسرق عبر أنابيب معدنية، وتمر السرقات على أراضيهم، ويحصلون مقابل صمتهم، أو بالأحرى مقابل ابتهاجهم بمرور نهب عليهم ـ إشعارا لهم بأنهم على قيد الحياة ـ على دولارات تعيسة، وهكذا مدمنو التسلط عندنا، لا يعنيهم كثيرا خراب البلد وطوفان الطغيان الذي يهدد بنيان بلداننا الهشة، وإنما كل الذي يعنيهم، الهامش المتاح لهم، وأن يعترف لهم بأنهم أحياء، حتى وإن غرقوا في الأوحال..
أضافة تعليق