مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
قصّة الشعار من طهران إلى مرّان.. (الحلقة الثامنة)
قصّة الشعار من طهران إلى مرّان.. (الحلقة الثامنة)
د. أحمد محمّد الدغشي

للمرء أن يتوقف طويلاً أمام قصة الشعار (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، واختيار المساجد الجامعة لترديده، واستبسال حسين الحوثي وأتباعه في سبيله، إذ يتعرّضون للسجن المديد، والملاحقات الأمنية، ويرفضون أيّة تعهدات منهم، لإخلاء سبيلهم بعد فترة احتجاز بعضها طويل.

وفي تقرير مقدّم إلى بعض إصدارات الأمم المتحدة أفاد مصدر وُصِف بذي الاطلاع في صعدة أنه كان ’’قد التف حول الحوثي عدد كبير من الشباب في صنعاء، وبدأوا يرددون شعاري ’’الموت لأمريكا’’ و’’الموت لإسرائيل’’ في المسجد الكبير بالمدينة بعد صلاة الجمعة، مما أربك الحكومة وأثار قلقها’’. ووفقا للمصدر ذاته ’’ألقت الحكومة القبض في عام 2004 على 800 شخص من أنصار الحوثي في صنعاء، كانوا قد رفضوا التوقف عن ترديد الشعارات’’. حيث يقول المصدر إن ’’إصرارهم على ترديد الشعارات جذب إليهم انتباه السلطات وزاد من مخاوفها وقلقها حيال مدى تأثير التيار الحوثي. حيث اعتقدت السلطات الأمنية أن ترديد أنصار الحوثي شعار، الموت لأمريكا، سيشجعهم في ما بعد على ترديد شعار، الموت للرئيس’’ (راجع تقرير اليمن: النزاع في محافظة صعدة – الخلفية والتطور صنعاء، 27/7/2008م، موقع أرابيك إيري نيوز).

تعود قصة هذا الشعار إلى بداية الثورة الإسلامية في طهران 1979م حين رفع الإمام الخميني ذلك الشعار في وجه الشاه، وصار أتباعه يردّدونه في حماسة لافتة، وكان له- أي للشعار- دويّه المؤثّر في النفوس، لذلك ظل مصاحباً لعمر الثورة، ولا يزال يردّد في المساجد ونحوها، وانتقل إلى لبنان، بحكم الوجود الشيعي هناك.

وفي 1712002م أطلق حسين الحوثي هذا الشعار من قاعة مدرسة الإمام الهادي في مَرَّان ـ صعدة، وطلب من الحضور أن يردّدوه، وسط مطالبة عاطفية عاصفة بعمل شيء في وجه الاستكبار الأمريكي (ملزمة الصرخة في وجه المستكبرين، مرجع سابق، ص9 (الهامش1).

وقبل أن يدعو الحضور إلى الصرخة بالشعار قال لهم: ’’نعود من جديد أمام هذه الأحداث لنقول: هل نحن مستعدون أن لا نعمل شيئاً؟ [ هكذا ولعله يقصد أن نعمل شيئاً]. ثم إذا قلنا نحن مستعدون أن نعمل شيئاً فما هو الجواب على من يقول (ماذا نعمل؟).

أقول لكم أيها الإخوة: اصرخوا، ألستم تملكون صرخة أن تنادوا: [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

أليست هذه صرخة يمكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟. بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة، وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد - بإذن الله - ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم - إن شاء الله - في مناطق أخرى: [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]، هذه الصرخة أليست سهلة، كل واحد بإمكانه أن يعملها وأن يقولها؟. إنها من وجهة نظر الأمريكيين - اليهود والنصارى - تشكل خطورة بالغة عليهم...’’ (راجع: المرجع السابق، ص 9-10). ومنذ ذلك الحين صار الشعار جزءاً من المراسيم الحوثية الأساسية في أية فعالية ثقافية، إذ تتخلّل المحاضرات والدروس، وقد تأتي في نهايتها، أو تعقب صلاة الجمعة.



شعار مقدّس:

وبعد اندلاع شرارة المواجهات بين الجيش والحوثيين، وبعد مرور شهر تماماً على إعلان الحرب تحدّث حسين الحوثي إلى بعض الإذاعات الناطقة بالعربية عن الحرب وأسبابها مقرّاً أن الشعار هو العنوان الأبرز لذلك، ومشيراً إلى أن الرئيس كان قد أرسل إليه قبل اندلاع المواجهات بنحو شهرين من يطلب منه التوقف عن الشعار، لكنه علّل عدم الاستجابة بالوعد والوعيد اللذين صاحبا هذا الإنذار، أما بعد الحرب فجاءه رسل ليسلّم نفسه،فرفض ذلك، وأضاف أنه مهما كان هناك من محاولة لتضليل الرأي العام حول الذي يجري فإن: الناس في اليمن يعرفون أن عملنا ليس جديداً، منذ حوالي سنتين ونصف’’ (حوار حسين الحوثي مع إذاعة لندن، في 1972004م).

وفي حوار كامل مخصّص للشعار وتداعياته يقرّ عبد الملك الحوثي الشقيق الأصغر لحسين ضمناً أن الشعار هو السبب المباشر في كل التداعيات اللاحقة، لكنه أشار في معرض إجابته أن اتفاق الحرب الأولى لم يكن من بنوده الامتناع عن رفع الشعار أو ترديده، وبرّر ما حدث من قبلهم بأنه دفاع عن النفس في وجه القوات الحكومية. كما سعى لتبرير بقاء الشعار، مهما كلّف الأمر، بوصف ذلك حقّاً مكفولاً لأي مواطن، معلّلاً شرعية الاستمرار في رفع الشعار بأن: ’’لدينا شرعية إلهية قرآنية ضدّ أي معتدٍ، ولو كانت الدولة ذاتها، يقول الله تعالى:{ ولمن انتصر بعد ظلم فأولئك ما عليهم من سبيل}، مضيفاً - في سياق سؤال عن كون الشعار كان سبب تأجيج الفتنة فكيف سيصبح حلاً؟ أو سينصر مظلوماً؟- بأن ’’الشعار هو أقل ما يمكن فعله في مواجهة الحملة الأمريكية الصليبية على العالم الإسلامي ممثلة في الأمريكان وإسرائيل...’’ (راجع نص حوار عبد الملك الحوثي حول الشعار والسلاح والعنف مع موقع ’’نيوزيمن’’ في 952005م (لم يذكر المحاوِر) في: عادل الأحمدي،(ملحق)، مرجع سابق، ص 307-309 ).

ويرجع الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب المؤمن محمد سالم عِزّان فكرة الشعار إلى حسين الحوثي، حين سئل الأول عن الشعار المسببّ للحرب فقال: ’’حسين هو صاحب الفكرة، لأنه كان يحبّ أن يجمع الناس تحت شعار معيّن، من اجل أن يقول للناس شيئاً، لأن الناس عندهم مشاكل وجهل...فطرحوا قضية الشعار، وقلنا ربما إنها مناسبة لتلك الأحداث، التي حدثت يومها، وإذا بها تتحول من مسألة عاديّة إلى مسألة دينية كالصلاة، وأصدرت فتاوى بها والتأكيد عليها، حتى وصلت إلى المواجهات’’ (راجع حوار محمّد سالم عزان، مع صحيفة الوسط، مرجع سابق). ويؤكِّد حديث عزان المتعلّق بكون صاحب الفكرة حسين ما صرّح به المرجع الزيدي بدر الدين الحوثي والد حسين إذ أبى – في حديث له بهذا الشأن- أن يقرّ أنه مرجع الشباب المؤمن، مسنداً ذلك إلى حسين، الذي أكّد أنه (أي بدر الدين) ’’مرجعية الدين والمذهب، وقد كانت قبلاً، أما مرجعية هذه القضية فهو الولد حسين’’ . وقال إنه – أي حسين- ’’يدعو المسلمين إلى الثبات على الإسلام، وإلى الحذر من تدخّل أمريكا في الإسلام، وتغييرها له، والثبات أمام ذلك، بإعلان الشعار الإسلامي، حتى يكون حاجزاً ما بينهم وبين أمريكا، لكي لا تدخل عليهم بأي طريقة، وحينما ثبتوا على الشعار ضدّ أمريكا طاردتهم’’. وحين سئل: ’’هل يستأهل النداء بهذا الشعار أن تراق دماء المسلمين من أجله أجاب: ’’الحفاظ على الإسلام يستحق، لأن الله قال:{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. فسئل: ’’ألم يكن من الأولى التنازل عن هذا الشعار حفظاً لدماء المسلمين؟’’ فأجاب: ’’نعم، لكن ما هو فِعْلنا [أي ليس عَمَلَنا] ونحن لم نقف إلا وقفة دفاع فقط؟ ولم يكن موقفنا هو موقف الابتداء لنقاتل’’، (راجع حوار بدر الدين الحوثي مع صحيفة الوسط، مرجع سابق).

كما يؤكّد حديث عزّان المتعلّق بالمبالغة في الحفاوة بالشعار وإصدار الفتاوى إزاءه؛ ما صدر عن حسين الحوثي من فتوى تقدّمت بها مجموعة من أتباعه تسأله حول مدى جواز إقامة صلاة الجمعة مستقلة، نتيجة معارضة بعض المصلين لترديدهم ذلك الشعار عقب الصلاة في المسجد الجامع، فأجاز لهم ذلك (راجع السؤال والإفادة بإجازة حسين الحوثي لذلك في: عادل الأحمدي مرجع سابق (وثيقة)، ص 357). لكن بعضهم أراد أن يستوثق لفتواه أكثر، فقدّم سؤالاً حول ذلك، إلى المرجع الأكبر بدر الدين الحوثي (الأب)، مشيرين إلى أن حسين الحوثي قد أجاز لهم ذلك، بيد أن هنالك من يقول: إن في ذلك تشتيتاً للشمل، وتفريقاً لعصى المسلمين، مما جعل بعض أتباع الحوثي يساورهم الشك في صحّة الصلاة، غير أن بدر الدين أفتاهم بعدم جواز ذلك، داعياً لهم إلى ترديد الشعار، وعادّاً الصلاة التي فيها الشك، صلاة من يخالف الاجتماع مع ترديد الشعار، حيث أجاب بالقول: ’’الجمعة تقام لرفع كلمة الحق، فيجب الاجتماع لرفع الشعار والخطبة المفيدة، لرفع راية الحق، والجهاد في سبيل الله، فما خالف ذلك فهو المشاق، وصلاته فيها شك، لأن الحقّ ليس معه، بل عليه أن يصلّي مع أهل الحق، ويترك الشقاق، ويرفع الشعار’’، (راجع السؤال والفتوى من قبل بدر الدين الحوثي في المرجع السابق، ص 357). ويبرّر محمّد بدر الدين الحوثي الشقيق الأكبر لحسين الاستمرار في رفع الشعار رغم ما خلّف من ’’هذه التداعيات الغامضة’’ فقال: ’’دعوتنا إنما هي إلى ثقافة قرآنية، وهي لا تحمل أي طابع عدواني، إنما لنحيي ما أحياه القرآن، ونميت ما أماته القرآن، وأمريكا هي حاضرة في كل مكان، ولو لم تكن حاضرة في بلادنا لما شنّت علينا هذه الحروب، لأننا هتفنا بالموت لها، وهذه فلسفة القضية فلا غموض إذاً’’، (راجع حوار محمّد بدر الدين الحوثي مع صحيفة الديار، مرجع سابق، ص 13).

وواضح مما تقدّم أن الشعار قد أخذ لبّ تفكير حسين الحوثي بل آل الحوثي وأتباعهم وجلّ اهتمامهم، بحيث أضحى هدفاً تسيل دونه الدماء، وربما يقتل في سبيله الأبرياء، كما يؤذى آخرون ويعتقلون بسببه، وكأنه صار هدفاً بحدّ ذاته، حتى بلغ الانشغال بهذا الشعار والاحتفاء به أن جعله الحوثيون جزءاً من الذهنية المدرسية للطالب، إذ صار يغطي جزءاً لافتاً من بعض اللوازم المدرسية، كجدول الحصص اليومي، فتراه موزّع المفردات عن يمين الجدول وشماله، ومن أعلى ومن أسفل، كما أن ملصقات مقاطعة البضائع الأمريكية مغطاة بالشعار ذاته! (يمكن التأكّد من بعض هذه الصور للجداول والملصقات على بعض منشورات الشباب المؤمن التي لا تزال بحوزة بعضهم، أو مما تم توزيعه عبر المنشورات المختلفة).
.ناس برس
أضافة تعليق