مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
في تجديد الفكر الإسلامي (1)
في تجديد الفكر الإسلامي (1)
عبدالله الصنعاني:
تجديد الفكر الإسلامي واحد من أكثر وأخطر القضايا إثارة وأهمية في الوقت ذاته، فقد بات (التجديد) شعارا شائعا يرفعه وينادي به ويدعو إليه الكثير من الكتاب والباحثين في الفقه الإسلامي، وتحت هذا الشعار يأتون بآراء وأفكار ومطالب لتحقيق ’’التجديد’’ الذي يدعون إليه.
فالفكر الإسلامي هو الذي يحمل معاني ومفاهيم الإسلام، وبدون ذلك لا يوصف الفكر بالإسلامي.

في البدء نقف على تعريف التجديد في الإسلام، أستاذ الدراسات الإسلامية، د. عبد الكريم زيدان، بيّن التأصيل الشرعي، حيث يشير إلى أن لفظ التجديد في الإسلام ورد في الحديث النبوي الشريف أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها}، المراد من التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما. فالتجديد في الإسلام لا يعني تغيير الإسلام، وإنما يعني العودة إليه بالعمل بما جاء في الكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما، وإزالة ما علق أو يعلق بهما مما ليس فيهما، وبهذا يتحقق التجديد بمفهومه في الإسلام. ويدلل على ذلك بالقول: ’’إن الله يختار من يرسله إلى الأمة لتجديد دينها الذي اختاره لها ولا يعقل أن يكون مبعوث الله تعالى الذي يرسله إلى الأمة يرسله لغرض تغيير دينها الذي ارتضاه لها’’. كما أن تغيير الإسلام يعني نسخه، أو تقديم بديل عنه، وهذا غير ممكن؛ لأن القاعدة الشرعية في النسخ أن يكون الناسخ بقوة المنسوخ، وحيث أن الإسلام وهو دين من عند الله تعالى، فلا يمكن نسخه إلا بدين جديد من عند الله تعالى، وهذا يستلزم أن يبعث الله رسولا يأتي بهذا الدين الجديد، وهذا غير ممكن مطلقا؛ فلا نبي بعد نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) فلا يجوز شرعا القول إن ’’التجديد’’ في الإسلام يعني تغييره أو إمكان هذا التغيير.

تصحيح الخلل
ويلفت د. زيدان إلى أن التجديد في الإسلام يشمل كل ما يعتبر خللا في موقف المسلم من الإسلام، أي مخالفا لأحكام الإسلام ومفاهيمه، معددا منها: الخلل في مرجعية المسلمين وفي موقفهم من الدنيا والآخرة وفي مفاهيمهم.
أما عن الخلل في مرجعية المسلمين فيقول ’’إن المرجعية هي الجهة التي يرجع إليها المسلمون لمعرفة الحُكم الشرعي؛ لما يريدون فعله أو تركه، هذه الجهة هي الإسلام بجميع أحكامه ومفاهيمه، وخصائص هذه المرجعية: الشمول، ونعني به أن كل ما يتعلق بالمسلمين باعتبارهم أمة واحدة أو أفرادا أو جماعات أو أحزابا من أفعال أو تُروك، يخضع لأحكام الإسلام الذي هو مرجعية المسلمين وعليهم أن يرجعوا إليه ليعرفوا الحكم الشرعي لما يريدون فعله أو تركه، ومما يدل على شمول الإسلام أن أحكامه الواردة في القرآن والسنة غير مقصورة على أمور العبادات بل شاملة للعبادات ولسائر أفعالهم وتُروكهم وغيرها من شؤونهم. ويترتب على خصيصة الشمول: حُرمة التفلّت من وجوب الرجوع إلى المرجعية في الأمور الدينية والدنيوية، ومن لا يلتزم بوجوب هذا الرجوع فإنه يرتكب إثما عظيما. كما يجب الرجوع إليها في أي نزاع واختلاف يقع بين المسلمين، أكان موضوعه دينيا أم دنيويا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}’’.
ويلفت إلى أوجه الخلل في مرجعية المسلمين في الوقت الحاضر بالقول: ’’قصر مرجعية الإسلام على بعض شؤونهم وليس على جميعها، وهذا قول خطير جدا يناقض شمولية الإسلام، وبالتالي مرجعية المسلمين، بل وجدنا هذا الخلل العظيم في المرجعية يأخذ طريقه في كثير من البلاد الإسلامية إلى تشريعه وجعله قانونا واجب التطبيق، ومن ذلك إباحة الربا في المعاملات المالية، وفي ما يسمونه بمسائل الأحوال الشخصية، وكذلك الرجوع المتأخر إلى الإسلام، أي أن يقوم المسلمون بفعل ما يريدون فعله أو تركه ثم يرجعون إلى الإسلام ليجدوا المبرر الشرعي لما فعلوه أو تركوه، وقد يحملهم هذا إلى تقويل الإسلام ما لم يقله، ويزعمون أنهم ملتزمون بوجوب الرجوع إلى مرجعيتهم، وفاتهم أن الرجوع إلى مرجعيتهم الوحيدة (الإسلام) يجب أن يكون سابقا لما يريدون فعله أو تركه، لاحقا لفعلهم أو تركهم’’.
ويرى د. زيدان أن من أولويات عمل المجددين؛ العمل على إزالة هذا الخلل الواقع بين المسلمين، والدعوة إلى التخلي عنه وعدم السكوت عنه أو الرضا به والاستسلام له.
أما الخلل في موقف المسلمين من الدنيا والآخرة فيتجلى في الاغترار بالدنيا والغفلة عن الآخرة.
والاغترار بالحياة الدنيا هو: أن ينشغل المسلم بأمور الدنيا، بحيث يكون أكبر همه الحصول على ما فيها من متع ولذات، ويتصرف كأنه خالد فيها لا يموت، مع إيمانه بأن مقامه في الدنيا قليل، وأن لا بُد من الرحيل عنها إلى حيث مستقره الدائم في الدار الآخرة.
ومن هنا فقد حذّر القرآن من الاغترار بالحياة الدنيا كما أن ما يقضي به العقل السليم هو أن نعيم الآخرة أفضل من نعيم الدنيا، ويستحق تقديمه عليه، كما أن هذه الأفضلية لنعيم الآخرة على نعيم الدنيا توجب على من عقلها أن يسارع في العمل الصالح الذي أمر الله به، وترك ما نهى عنه، وألاّ يغفل عن الآخرة ويتذكرها، ولا يعني ذلك أنه يترك العمل في الدنيا إنما يبتغي بعمله الدار الآخرة، فقد يكون عمله واجبا عليه أو مندوبا إذا كان وسيلة لكفاية نفسه أو من تلزمه نفقته كالزوجة والوالدين وأولاده الصغار، فحقيقة نصيب الإنسان من الدنيا هو الذي يعمل به لآخرته.
ويواصل أستاذ الدراسات الإسلامية: ’’وإذا تزاحمت الدنيا والآخرة، فالقاعدة في هذا التزاحم ترجيح ما يقتضيه العمل للآخرة على ما سواه من أعمال الدنيا، حتى ولو كانت هذه الأعمال بذاتها مباحة، ولكن يقابلها ما يقتضيه العمل للآخرة، استنادا إلى قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
فهذه الأشياء الثمانية هي مما يحبها الإنسان بفطرته وغريزته، والإسلام يراعي في تشريعاته فطرة الإنسان، ولا يعني أن الإسلام يقف منها موقف المراعي لها والمعترف بها فقط، ولكن مع مراقبته لها لمنع جموحها وخروجها عن الحد الذي يستحق المراعاة’’.
ثم يلفت د. زيدان إلى الخلل في مفاهيم المسلمين، مبينا ذلك أن لكل إنسان في حياته مفهومَهُ عن السعادة والشقاء، والفوز والفلاح، والربح والخسارة، في أعماله وما يحرص عليه، ويكون هو الغاية في حياته، وفيما يسره أو يحزنه، وفيما يهمه وما لا يهمه، والمسلم له مفاهيمه عن هذه الأمور التي تشغل بال كل إنسان.
ولكن مفاهيم المسلم عن هذه الأمور يجب أن تكون في ضوء وبموجب ما قرره الإسلام بشأنها من مفاهيم لا أن تكون مفاهيمه في ضوء أو بموجب شيء آخر غير الإسلام.
مؤكدا على أهمية تصحيح مفاهيم المسلمين عن طريق إزالة ما طرأ عليها من خلل؛ كونها مرتبطة بالتصرفات.

أمة مجددة
وعن التأصيل الشرعي للتجديد يوضح د. زيدان عددا من أدلة مشروعيته، ومنها: الحديث النبوي الشريف الذي ورد فيه التجديد، والذي يقول فيه الرسول الله (صلى الله عليه وسلم): {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها}، فالتجديد يعني إحياء ما تُرِكَ من العمل بالكتاب والسنة، وأن هذا الترك يعتبر منكرا والمنكر تجب إزالته، قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. ’’وثمة دليل آخر وهو النجاة من العقاب الجماعي إذ أن التجديد بمفهومه الذي بيّناه يعتبر من أهم الوسائل الواقية للمجتمع من العقاب الجماعي، إذا بقي المجتمع على صدوده عن الكتاب والسنة وعدم العمل بموجبهما، قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. قال ابن عباس (رضي الله عنه) في هذه الآية: إن الله أمر المؤمنين أن لا يُقروا المنكر فيما بينهم فيعمهم العذاب.
فهذا يدل على أن القيام بمقتضى التجديد وهو إحياء ما تركه المسلمون من العمل بموجب الكتاب والسنة في إزالة معصيتهم بترك العمل بالكتاب والسنة، وإن لم يفعلوا ذلك يوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده يعم الجميع؛ لأن ظلم الظالم من أعظم المنكرات فتركه على ظلمه تقصير من المسلمين، فيأتي المجدد فيذكّرهم بواجبهم نحو ذلك، وهو إيقاف الظالم عن ظلمه وعدم تركه مستمرا على ظلمه لئلا يصيب الجميع عقاب الله تعالى، وفي صحيح البخاري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: {مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا (اقترعوا) على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا}.
.السياسية
أضافة تعليق