مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
الأخوة منحة ربانية لحماية الصف
لأخوة في الله هي منحة قدسية وإشراقة ربانية ونعمة إلهية يقذفها الله عزَّ وجل في قلوب المخلصين من عباده الأصفياء من الأخوة-الإيمانية أوليائه والأتقياء من خلقه، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.............
من لوازم النجاح للعمل الإسلامي ( 5 )
بقلم الدكتور عامر البو سلامة. 3- التخطيط الدقيق، منهج سلامة، وبرهان جد، ودليل خير: تمهيد : في هذه العجالة، نلفت الأنظار إلى أهمية التخطيط، وجعله في ( أجندات العمل الإسلامي )، وليس الغرض من هذه المقالة، الحديث التفصيلي عن التخطيط، فهذا يحتاج إلى متخصصين به، وله رواده، وتصنع دورات خاصة لهذا الغرض، وسنتكلم عن ضرورة التخطيط من خلال النقاط الآتية : أ - الارتجال من أكبر المصائب، وأكثر ما يؤتى منه الفرد والجماعة. التصرفات غير المدروسة، تسبب لنا كثيراً من المشكلات، الرؤى الضبابية، تقود نحو المجهول، المضي بلا خريطة، تيه في صحراء العمل، وضياع في بحار التخبط الحياتي، ودهليز نلج منه إلى مسارب الشرود، ودروب التسكع السياسي والاجتماعي. العفوية قد تكون آمنة أحياناً، ولكنها في الغالب الأعم، تشكل حالة نكسة، في عوالم البحث عن الغاية. العبث عكس التخطيط، حالة تسوق نحو الضياع، وبرهان أكيد على الفشل، لأن القضية، مقدمات تترتب عليها نتائج، وفي المثل الدارج ( المكتوب مبين من عنوانه ) . الفوضى، تلك التي تكون سبباً من أسباب الفشل، بل هي أساسه، وسداه ولحمته، لذلك لا يوجد في أدبياتنا مصطلح ( فوضى خلاقة) لأن الفوضى لا تأتي بخير، ولا تثمر سوى الحنظل، ولا تؤدي إلاَ إلى مزيد من الفوضى، والفوضى هدم وتخريب، وعار ودمار، ولا يجوز أن نسميها بغير اسمها، أما التخطيط حضارة ورقي، صلاح وفضيلة، بناء ومجد، فخر وعزة، قوة ومنعة. العشوائية، غير مقبولة في أي شعبة أو مسار، صغر أم كبر، كما يتحدثون عن المباني العشوائية، والحارات التي بنيت من غير خطط مدائنية، وفق المقاييس والمعايير المتبعة، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها، لأن لهذا من المفاسد ما لا يعلمه إلاَ الله، فمن باب أولى أن يكون هذا الأمر في غيره، لأنه قد يترتب عليه دماء وأشلاء، ومصائب وكوارث، وآثار وتداعيات، وخراب البصرة. التخطيط، صورة من صور الشهود الإيجابي، الذي قامت عليه معالم ثقافتنا الإسلامية، وأبدعت به ذلك الإبداع الرائع، الذي جعلها في مصاف أرقى ما عرف في عالم الجد والهمة، حيث خططوا للدولة والمجتمع والفرد، والعمران، والعسكرة، والعلم والمعرفة، وكل شعب الحياة، ومناحي الدنيا. أولائك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع ب – من تعريفات التخطيط : بأنه «التدبير الذي يرمي إلى مواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفاً لتحقيق أهداف محددة»، فالتخطيط : دليل قيادة ناجحة، وبرهان على وعي وتميز. التخطيط : معرفة بالأهداف، وإدراك لها، واستيعاب لمفهومها الدقيق. التخطيط : رسم لسياسات العمل، واستثمار واقعي، للوسائل الممكنة، والامكانيات المتاحة. بالتخطيط : تصل إلى أهدافك بأمان، كل ذلك بتوفيق من الله وتوكل عليه، وكيف لا يكون ذلك كذلك، والتخطيط عبادة، في عالم الأخذ بالسبب، أما التواكل هو الذي يدفع نحو إهمال النظر في عالم الأسباب، وهذا أمر مرذول شرعاً، ومدمر للحياة واقعاً، فما أروع التوكل، وما أقبح التواكل. حيث يقول حبيبنا المصطفى – صلى الله عليه وآله وصحبه وأزواجه وسلم - : ( إعقلها وتوكل ). فالتخطيط حالة صحية من حالات التوكل على الله – عز وجل - ، أما ترك الأمور تجري، على أعنتها، من غير قيد وربط ولا ضبط، هذا لا يقول به عاقل، وعانى الفكر الإسلامي، في فترة من فترات التاريخ من بروز ظواهر وعقائد، كانت تمجد مثل هذا الأمر الظاهر الاختلال، مثل ( الجبرية ) ، وفي لون من ألوان طيفها ( الملامتية ). والله تعالى، يريدها لنا ربانية إيمانية عملية، قائمة على الخير، التخطيط : توظيف للطاقات بشكل صحيح، واستثمار للجهود بصورة مركزة. التخطيط : يعينك على ترتيب الأولويات، وتحديد مراتب الأعمال. التخطيط : يعني تكامل الجهود وتنسيقها، حتى لا نكرر ما لا ينبغي أن يكرر، وحتى لا يتركم العمل في زاوية، ونهمل زوايا العمل الأخرى، فالبتخطيط، يكون التوزيع العادل للمهام، والإنتاج المتوازن للأعمال. التخطيط : أن تعرف أين أنت، وماذا تريد، وإلى أين تريد أن تصل، والمساحات التي تريد زراعتها، والمسافات التي تبغي قطعها، وكيف تحقق ذلك. التخطيط : توازن دقيق بين ما تملك من أدوات، وما بيدك من وسائل، وما تحت تصرفك من ماديات، وبين أهدافك التي تريد الوصول لها. التخطيط: يجعلك واقعياً تخطط على الأرض، وتعمل بالسنن الكونية، مستعيناً بالله تعالى، مستمداً العون منه، فلا تحرث في الهواء، ولا تكتب على الماء، ولا تحلق في طائرات أحلام الفلاسفة. التخطيط: يحميك من الذين يخططون ضدك، ويعملون على إفشالك، وكما يقول القائل: خطط لنفسك، خطط لجماعتك، خطط لمؤسستك، خطط لكل أعمالك، قبل أن تصبح من مخططات الآخرين. التخطيط : صحوة في العمل، وبرهان على اليقظة، ومؤشر على الفهم، ونبذ لقوانين الإهمال، وتأكيد على المسار المبصر . التخطيط : دليل جد، وعنوان اجتهاد صادق، وبرهان على إرادة النجاح، ورد على الذين يتصورون أن النجاح، وتحقيق الطموحات، يمكن أن تكون ( بكبسة زر )، أو بإضاءة مصباح، العمل والنجاح، يحتاج إلى تخطيط، بحسب مستواه، قصيراً متوسطاً طويلاً، وكل هذا يحتاج إلى نفس طويل، ومكث على رأس العمل، وصبر في نيل المراد. ألا ترى معي أن من أسباب إحباط بعض الناس، وتركهم للعمل، أنهم ظنوا أن طريق الدعوة، مفروش بالورود، وممتلأ بالدوائر الحدائقية، ومحفوف بالأزهار البرامجية، فلما ينزلون إلى الواقع، ويتلمسون المشكلات، وتعترضهم العقبات، يقعون في الذي أشرنا له. الطريق صبر ومصابرة، عمل ومكابدة، جهد وجهاد، تضحية وفداء، تخطيط وتحمل للمشاق، وهذه هي سنة الله تعالى الكونية والشرعية، تؤكد هذا المعنى. ج – من ينعم النظر في قوانين القرآن الكريم، وقواعد النظر فيه، يجد أن مساحة لا يستهان بها، تؤصل لقضية التخطيط، وتتكلم عن نظم التعامل معه، مع السير في الأرض وأخذ العبر والعظات والدروس، التي تعطيك منهجية التخطيط، تاريخاً حاضراً مستقبلاً، وهو ما يعرف باستشراف المستقبل. كما أن من أصول التمكين في القرآن الكريم، العمل الدؤوب، ولا ينال إلا بالتخطيط، كركيزة من ركائزه، فلا يمكن – حسب قوانين البشر التي وضعها الله فيهم – أن يمكن للكسالى والغافلين واللاهين والعابثين. من هنا أدعو طلاب العلم، والدراسات العليا، أن يكتبوا رسالة عن ( التخطيط في القرآن الكريم ). د – ومن يقرأ جوانب التخطيط والتدبير، والحكمة وحسن السياسة، في سيرة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين – سيقف على حقائق، سبقت هؤلاء الذين يتكلمون اليوم عن التخطيط، وستلاحظ – من خلال القراءة المتأنية العميقة للسيرة – أن التخطيط أصل في حياة النبي – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – وركن ركين في مسيرته، فلا يعمل عملاً إلاَ إذا خطط له، سواء كان هذا الأمر صغيراً أم كبيراً، وهو نبي الله ورسوله، والموحى إليه من الله. تشاهد هذا في التخطيط للغزوات، حتى التي كانت طارئة، ولم يكن قد خطط لها، لأنه لما خرج ، خرج لغيرها، كما كان يوم بدر، ولكن رغم هذا إن من يتابع البناء التخطيطي بكل جوانبه ومستوياته، لمواجهة هذا الحدث الطاريء، يدرك تماماً حقيقة ما ندندن حوله. وهنا ألفت نظر طلاب الدراسات العليا، أن يتخذوا من سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – مادة علمية، لبحث هذا الجانب المهم، ولكم سرني أني وقفت على كتاب لباحث بعنوان ( التخطيط للهجرة ) يشرح فيه كيف خطط النبي – عليه الصلاة والسلام – للهجرة. وفي الختام ملاحظات : 1- أنصح العاملين للإسلام، من القادة، أن يعتنوا بهذا الجانب، ويدربوا أبناء العمل الإسلامي عليه، من خلال دورات تخصصية، وبصورة مستمرة، فسيكون له أكبر الأثر، على جودة العمل، وحسن الأداء. 2- التخطيط لا يعني الجمود، بل لا بد في الخطط أن تكون فيها مساحات مرونة، وليست قوالب جامدة، تعطل الإبداع، وتقلل من فرص الاستثمار الأمثل للعمل، فلا تخافوا من هذا. 3- التخطيط لا يلغي ولا يعطل، ما يعرف ( بالتخطيط بالسيناريو )، بل هو يسنده ويقويه، فلا تتهيبوا من الأمر. 4- اعلموا أن قاعدة العلماء الذهبية، تنص على أن ( ما لا يتم الواجب إلاَ به، فهو واجب)، فكونوا على مستوى هذا الحكم تخطيطاً وتفكيراً وتدبيراً.