دراسة موضوعية
بحث مقدم من الطالبة: غصون إبراهيم عياض
إلى مجلس كلية التربية للبنات، وهو جزء من متطلبات نيل شهادة البكالوريوس
بإشراف الدكتور: قتيبة عباس
2014م - 1435هـ
قال تعالى:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]
الإهداء |
.
* إلى من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة: إلى نبي الرحمة، ونور العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
* إلى كل من ساندني في هذا البحث المتواضع ووقف بجانبي.
* إلى زوجي العزيز، الذي ساندني للوصول إلى هذه المرحلة، وإلى بناتي أهدي هذا البحث.
* إلى كل من يطَّلع على هذا البحث، أهدي هذا البحث إليكم جميعًا!
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]
كل الحمد وجميل الثناء والشكر أُقدمه للمولى جل جلاله، ملء السموات والأرض وما فيهن، الذي أعانني ومنحني القوة والوقت والمدد، ولولاه لما تحرك متحرك، ولا سكن ساكن.
وأشكر نبيِّي محمدًا صلى الله عليه وسلم، الذي هدانا للإسلام من بعدِ الله عز وجل.
في هذه اللحظات التي أضع فيها اللمسات الأخيرة لهذه الدراسة أرى واجبًا عليَّ، ووفاءً مني، أن أقدم كثير شكري، ووافر امتناني إلى:
أستاذي الدكتور قتيبة عباس، وأشكر لكل من ساعدني في هذا البحث المتواضع.
بسم الله الرحمن الرحيم
|
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين.
الله - تبارك وتعالى - أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وقد منَّ الله على رسوله بالرحمة؛ فأَلانَ جانبه لأصحابه، وخفض لهم جناحه، ورقَّق لهم قلبه، وحسَّن لهم أخلاقه؛ فاجتمعوا عليه، وأحبُّوه، وامتثلوا أمره.
فالقلب إذا أشرق فيه نورُ الإيمان واليقين بالوعد، وامتلأ من محبة الله وإجلاله، رقَّ وصارت فيه الرأفة والرحمة، فتراه رحيمًا، رقيقَ القلب بكل ذي قربى، وبكل مسلم، وبكل مخلوق، يرحم الطير في وكره، والنملة في جحرها، فضلاً عن بني جنسه؛ فهذا أقرب القلوب من الله سبحانه وتعالى.
والله عز وجل هو الربُّ الرؤوف الرحيم، وأقرب الخَلق إليه أعظمهم رأفةً ورحمة، وأبعدهم منه مَن اتصف بضد ذلك.
ومِن رحمته سبحانه أنه يفرح بتوبة العبد - إذا تاب - أعظمَ فرحٍ وأكملَه، ومن كمال رحمته أنه يدعو مَن كفر به، وفتَن أولياءه، وأحرَقهم بالنار - إلى التوبة.
سبب اختيار الموضوع:
كان سبب اختياري لهذا الموضوع: (موجبات رحمة الله سبحانه وتعالى):
أن الرحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يُسكنهم دارَ ثوابه، وبها رزَقهم، وعافاهم، وأنعم عليهم.
وأن فيها:
* تحقيق الولاء والبراء.
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر.
* وطاعة الله ورسوله.
هداية الناس إلى الطريق المستقيم، وتثبيتهم على الحق، والالتزام بشرائع الله سبحانه وتعالى.
أهمية الموضوع:
الرحمةُ التي هي قيمة لقائنا اليوم مِن أكبرِ وأعظَمِ القِيَم التي يجب أن تسود حياتنا، وتكون هي سِمَة تعاملنا، ولقد وردت كلمة (الرحمة) ومشتقاتها الوصفية والعملية ثلاثمائة وأربعين مرة في القرآن الكريم، وهي بهذا الكمِّ الهائل من صور التعبير القرآني عنها: تؤكد حقيقة أنها قيمة سامية وجليلة.
ويكفي الرحمة تقديرًا وإعلاء وأهمية أنها من الصِّفات التي وصف الله تعالى نفسه بها، وأوجب علينا البدء بها في كل عمل، وكل حديث، بل وكل صلاة وقراءة للقرآن.
(بسم الله الرحمن الرحيم)، والرحمة هي الخير والنِّعمة، شاملة كل ما يتصل وينتج عن ذلك.
وقد اعتمدت على عدة مصادر معتمدة، أهمها:
تفسير ابن كثير.
تفسير الطبري.
المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل.
تفسير الراغب الأصفهاني.
وقد اقتضت طبيعةُ البحث أن يقسم إلى ثلاثة مباحث، ومقدمة، وخاتمة.
وكان المبحث الأول بعنوان: رحمة الله سبحانه وتعالى.
والمبحث الثاني بعنوان: الرحمة في الإسلام.
والمبحث الثالث: موجبات رحمة الله سبحانه وتعالى.
المبحث الأول: رحمة الله سبحانه وتعالى
المطلب الأول: تعريف الرحمة لغة واصطلاحًا:
1- تعريف الرحمة لغة:
قيل: إنها الرِّقة والتعطف، و(المَرْحَمة) مثله، وقد (رَحِمَه) بالكسر (رَحمة) و(مرحمة) أيضًا، و(ترحَّم) عليه.
و(تراحم) القوم (رَحِمَ) بعضهم بعضًا، و(الرحموت) من الرحمة، (الرحِمُ) القرابة، والرِّحْم أيضًا بوزن الجسم مثله، و(الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة، ونظيرهما نديم وندمان، وهما بمعنى، ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التأكيد، كما يقال فلان جادٌّ مجدٌّ، إلا أن الرحمن اسم مختص بالله تعالى، لا يجوز أن يسمى به غيره، ألا ترى أنه سبحانه وتعالى قال: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110]، فعادل به الاسم الذي لا يشرَكُه فيه غيرُه.
و (الرحيم) قد يكون بمعنى المرحوم، كما يكون بمعنى الراحم.
و (الرُّحْم) بالضم: الرحمة؛ قال الله تعالى: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 81]، و(الرُّحُمُ) بضمتين مثله[1].
2- تعريف الرحمة اصطلاحًا:
قيل: إنها إرادة إيصال الخير[2].
وقيل: هي رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجددة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة، نحو: رحمَ الله فلانًا.
وإذا وصف بها الباري يراد بها وصف يليق به سبحانه، ومن الآدميين رقَّة وتعطف، وعلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرًا عن ربه أنه لما خلقَ الرحم قال: ((أنا الرحمن، وأنت الرحم، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلكِ وصلتُه، ومن قطعكِ قطعتُه))[3].
فذلك إشارة إلى ما تقدم، وهو أن الرحمة منطوية على معنيين:
الرقة والإحسان، فركَز تعالى في طبائع الناس الرقة، وتفرد بالإحسان، كما أن لفظ الرحم من الرحمة، فمعناه الموجود في الناس من المعنى الموجود لله تعالى، فتناسب معناهما تناسب لفظيهما.
ولا يطلق الرحمن إلا على الله تعالى، من حيث إن معناه لا يصح إلا له؛ إذ هو الذي وسع كل شيء رحمة، والرحيم يستعمل في غيره، وهو الذي كثُرت رحمته.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 182].
وقال في صفة النبيِّ صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
وقيل: إن الله تعالى هو رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة؛ وذلك لأن إحسانه في الدنيا يعمُّ المؤمنين والكافرين، وفي الآخرة يختص بالمؤمنين؛ يقول سبحانه وتعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156] تنبيهًا أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين، وفي الآخرة مختصة بالمؤمنين[4].
المطلب الثاني: أنواع الرحمة
لقد جعل الله العباد يتعلقون به سبحانه، ويطلبون رحمته في الدنيا والآخرة؛ فهم لا غنى لهم عن رحمة الله، ولن يدخل أحد الجنة بعمله، إلا أن يرحمه الله؛ يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا حتى يتغمَّدني الله برحمته))[5].
وهذا فيه دلالة أننا جميعًا بحاجة إلى هذه الرحمة؛ ولذا كان لزامًا أن نتعرف على بعض أنواع رحمة الله سبحانه؛ ليتسنى لنا وللقارئ الكريم أن يكون على بينة من هذا الأمر العظيم، وكيف أن الله سبحانه نشر رحمته لجميع خَلْقه، فمن هذه الأنواع:
أولاً: رحمة الله في الدنيا:
من رحمة الله سبحانه أنه رحمنا بأمور جعلها لنا في الدنيا، فضلاً عن رحمته في الآخرة، وفي هذا فضل كبير لله سبحانه على مخلوقاته، فمن تلك الأمور التي رحمنا الله بها في الدنيا:
1- إرسال الأنبياء والرسل في الدنيا:
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
قال ابن كثير في تفسيره: إن الله تعالى يخبر أنه جعل محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالَمين؛ أي: أرسَله رحمة لهم كلهم، فمن قبِل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعِد في الدنيا والآخرة، ومن ردَّها وجحدها، خسِر في الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم: 28، 29]، قال تعالى في صفة القرآن: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].
عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادعُ على المشركين قال: ((إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بعثت رحمة))؛ انفرد بإخراجه مسلم.
وفي الحديث الآخر: ((إنما أنا رحمةٌ مهداة))؛ رواه عبدالله بن أبي عوانة، وغيره، عن وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال إبراهيم الحربي. وقد رواه غيره عن وكيع فلم يذكر أبا هريرة. وكذا قال البخاري وقد سئل عن هذا الحديث، فقال: كان عند حفصِ بن غِياث مرسَلاً[6].
2 - تنزيل القرآن الكريم:
وأيضًا من رحمة الله سبحانه وتعالى لنا في هذه الحياة الدنيا أنه أنزل القرآنَ الكريم لنا هداية وتعليمًا، وشفاء ورحمة؛ يقول سبحانه وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].
قيل في تفسير هذه الآية الكريمة: إن الله تعالى يقول: وننزل عليك يا محمد من القرآن ما هو شفاء، يستشفى به من الجهل من الضلالة، ويبصر به من العمى للمؤمنين، ورحمة لهم دون الكافرين به؛، لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله، ويحلُّون حلاله، ويحرِّمون حرامه، فيدخلهم بذلك الجنَّة، وينجيهم من عذابه؛ فهو لهم رحمة ونعمة من الله، أنعم بها عليهم، ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا، يقول: ولا يزيد هذا الذي ننزل عليك من القرآن الكافرين به إلا خسارًا، يقول: إهلاكًا؛ لأنهم كلما نزل فيه أمر من الله تعالى بشيء أو نهى عن شيء، كفروا به، فلم يأتمروا لأمره، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه، فزادهم ذلك خسارًا إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخسار، ورِجسًا إلى رِجسهم قبلُ، كما جاء عن قتادة قوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} إذا سمِعه المؤمن انتفع به، وحفِظه ووعاه، ولا يزيد الظالمين به إلا خَسارًا أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، وأن الله جعل هذا القرآن شفاءً ورحمةً للمؤمنين[7].
وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل هذا القرآن هداية للمؤمنين، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 77].
أي: إنه هدى من الضلالة، ورحمة للمؤمنين من العذاب[8].
والقرآن هدى ورحمة لمن آمن بالله وتابَع رسوله صلى الله عليه وسلم، وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون به، ومن جملتهم مَن آمن من بني إسرائيل[9].
وقيل: إنه لهدًى (من الضلالة والغي والشُّبَه)، ورحمة تثلج له صدورهم، وتستقيم به أمورهم الدينية والدنيوية (للمؤمنين) به المصدقين له، المتلقِّين له بالقَبول، المقبِلين على تدبُّره، المتفكِّرين في معانيه؛ فهؤلاء تحصل لهم به الهداية إلى الصراط المستقيم، والرحمة المتضمنة للسعادة، والفوز والفلاح[10].
قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52].
قيل في تأويل هذه الآية الكريمة: إن الله تعالى يقول: أقسم يا محمد، لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب، يعني القرآن الذي أنزلته إليهم، يقول: لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن مفصلاً مبينًا فيه الحق من الباطل، على علم: يقول: على علم منَّا بحق ما فصل فيه من الباطل، الذي ميز فيه بينه وبين الحق، هدى ورحمة: يقول: بيَّناه ليهتدي ويرحم به قوم يصدقون به، وبما فيه من أمر الله ونهيه، وإخباره ووعده ووعيده، فيُنقذهم به من الضلالة إلى الهدى، وهذه الآية مردودةٌ على قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2].
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ}، والهدى في موضع نصب على القطع من الهاء التي في قوله (فصلناه)، ولو نصب على فعل فصلناه، فيكون المعنى: فصلنا الكتاب كذلك، كان صحيحًا، ولو قرئ (هدى ورحمةٍ) كان في الإعراب فصيحًا، وكان خفض ذلك بالردِّ على الكتاب[11].
وهذه الآيات التي ذكرت تدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يرحمنا ويهدينا ويعلمنا ويشفينا، فأنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم القرآنَ الكريم، فينبغي على كل مسلم أن يأخذ به؛ تلاوة وحفظًا وعملاً به، وأن يتعلمه ويعلمه لغيره؛ لما فيه من الرحمة والهداية والبركة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلمه))[12].
ب - رحمة الله للتائبين:
تكرم الله سبحانه وتعالى وتفضَّل على عباده الذين عصَوه، ولكنهم رجعوا إليه فتابوا، فشملتهم رحمة الله سبحانه وتعالى، ونهاهم عن القنوط، وأنهم مهما فعلوا من ذنوب ومعاص، فإن الله سبحانه سيتوب عليهم إن أخلصوا التوبة والعودة إلى الله سبحانه؛ ولهذا فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:
{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
أمهل الله تعالى عباده تفضلاً منه إلى آخر نفس، فقال لهم:
(لا تقنطوا من رحمتي، فلو رجعتم إليَّ في آخر نفس قبلتكم)، وهذه أبلغ آية في الإشفاق من الله تعالى على عباده؛ لعلمه بأنه ما حرمهم من تفضل به على غيرهم، فرحمهم حتى أدخلهم في عين الكرم بالذكر القديم لهم، وقد حكي عن جبريل عليه الصلاة والسلام أنه سمع إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: يا كريم العفو، فقال له جبريل عليه السلام: يا إبراهيم، أتدري ما كرم عفوه؟ قال: لا يا جبريل، قال: إذا عفا عن سيئة جعَلها حسنة[13].
وقيل في تفسير هذه الآية: إن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن هذه الآية نزلت في وحشيٍّ وأصحابه الذين قتلوا حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من المسلمين، أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً يطلبون التوبة، فأنزل هذه الآية، ومعنى هذه الآية:
قل: يا عبادي الذين جاوزوا الحد في المعاصي بالكفر والزنا والقتل ونحوها، لا تيئسوا من رحمة الله، وإن الله يغفر الذنوب جميعًا (أي الصغائر والكبائر)، {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ} لِمَن تابَ وآمَنَ، {الرَّحِيمُ} بمَن ماتَ على التوبةِ)[14].
ج - تنزيل بركات الله سبحانه وتعالى على أهل الأرض:
وكذلك من آثار رحمة الله سبحانه وتعالى على أهل الأرض أنه ينزل لهم من السماء ما يفتح عليهم من الرزق؛ يقول سبحانه وتعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].
قيل: ما يفتح الله للناس؛ أي: الموسَّع عليه رزقُه، لا يضيق عليه غيرُ الله، والمحروم لا يوسِّع عليه غير الله.
ويقال: ما يلج في القلوب من العارفين من أنوار التحقيق لا سحاب يستره، ولا ضياء يقهره.
ويقال: ما يلزم قلوب أوليائه من اليقين فلا مزيل له، وما يغلق على قلوب الأعداء من أبواب الذِّكر فلا فاتح له غيره سبحانه، ويقال: الذي يقرنه بقلوب أوليائه وأحوالهم من التيسير فلا ممسك له، والذي يمنعه عن أعدائه - بما يلقيهم فيه من انغلاق الأمور واستصعابها - فلا ميسر له من دونه[15].
وقيل: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ}؛ أي: رزقٍ ومطر، فلا يقدر أحد أن يمسكه، والذي يمسك لا يرسله أحد[16].
وقيل: أي من عافية {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}؛ أي: لا حابس لها، وقوله: {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: ما يمنع فلا مرسل له من بعد الله؛ أي: سوى الله.
وقد ثبت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول عقيب صلاة الفريضة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ))، وثبت أنه قال هذه اللفظة في القيام بين الركوع والسجود، وقوله: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ أي: الغالب في مُلكه، الحكيم في تدبير خَلْقه)[17].
المبحث الثاني: الرحمة في الإسلام
قضت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يشرف أُمتنا برسالة الإسلام؛ حيث انطلق هذا الدين العظيم من جزيرة العرب نورًا وعلمًا، وتسامحًا وخيرًا للناس أجمعين.
والإسلام إنما جاء هدى ورحمة للعالمين من يوم نزوله إلى أن تقوم الساعة، وهو لمن استظل تحت رايته، أو سالَمه وسالَم أهله هدًى ونور.
فقد جاء الإسلام ليهدي الضالِّين؛ ليتمكنوا بحججه وبيناته من التفريق بين الحق والباطل؛ كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
والآن سنتطرَّقُ إلى بعض معاني الرَّحمة في القرآن الكريم وأهميَّتِها للعباد.
المطلب الأول: معاني الرحمة في القرآن الكريم
1- الرحمة صفةٌ من صفات الله سبحانه وتعالى؛ قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، تعني الآية الكريمة أنَّ مَن دخل في رحمة الله تعالى لم تعجِزْ عنه.
وقيل: وسعت كلَّ شيء من الخَلْق، حتى إن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها[18].
وقيل: إن الله تعالى قال: إن الزلزلة والرجفة كانتا عذابي، وأنا أنزلتها، وأنا أصيب بالعذاب من أشاء، وما سئلتُ من الغفران فمن رحمتي، ورحمتي وسعت كلَّ شيء مَن كان أهلاً لها، ويقال: لكلِّ شيء حظ من رحمتي.
وروى عبدالرزَّاق، عن مَعْمَر، عن الزُّهري، عن قتادة والحسن قالا: ورحمتي التي وسعت كلَّ شيء، يعني: وسعت في الدنيا البَرَّ والفاجر، وفي يوم القيامة للذين اتَّقَوا خاصة.
ويقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} يعني: طمع كل قوم برحمتي، وأنا أوجبتُها للمؤمنين، وهم أُمَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذين يتَّقون الشِّرك، ويؤتون الزكاة، والذين هم بآياتنا يؤمنون، يعني: يصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن[19].
وعندما كتب الله سبحانه وتعالى الرحمةَ على نفسه، جعَل العباد يتعلقون به، رغبةً في رحمته، وخوفًا من عذابه؛ فهم يطمعون أن تنالَهم رحمةُ الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، ويوم القيامة؛ لأن الناسَ في ذلك اليوم أكثر ما يكونون حاجة إلى تلك الرحمة، التي من نالها فقد فاز فوزًا عظيمًا.
قال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58].
لَمَّا أخبر الله تعالى عن القوم الذين حتم بكفرهم، أنهم لا يهتدون أبدًا، عقَّب ذلك بأنه للمؤمنين، الغفورُ ذو الرحمة، ويتحصل للكفار من صفته تعالى بالغفران والرحمة ترك المعاجلة[20].
وقيل: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]؛ أي: الغفور البليغ المغفرة، وهو إشارة إلى دفع المضارِّ، {ذُو الرَّحْمَةِ}: الموصوف بالمرحمة، وإنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة لا في الرحمة؛ لأن المغفرة ترك الإضرار، وهو تعالى قد ترك مضارَّ لا نهاية لها، مع كونه قادرًا عليها، أما فعل الرحمة فهو متناهٍ؛ لأن ترك ما لا نهاية له فممكن، أما فِعل ما لا نهاية له فمحال[21].
ويمكن أن يقال: المراد أنه يغفر كثيرًا؛ لأنه ذو الرَّحمة، ولا حاجة به إليها[22].
2- الرحمة بمعنى الجنة:
قال تعالى: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218].
إن رحمة الله للمؤمنين مستحقة، ففيه جوابان:
أحدهما: أنهم لما لم يعلَموا حالهم في المستقبل، جاز أن يرجوا الرحمة، خوفًا أن يحدُثَ من مستقبل أمورهم ما لا يستوجبونها معه.
الثاني: أنهم إنما رجَوُا الرحمة؛ لأنهم لم يتيقَّنوها بتأدية كلِّ ما أوجبه الله تعالى عليهم[23].
فالجهاد في سبيل الله تعالى هو باب الجنة، وهو رهبانيَّة هذه الأمة؛ فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((رهبانيَّةُ هذه الأمَّة في الجهاد في سبيل الله عز وجل))[24].
فبيَّن الله سبحانه جزاءهم فقال: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218]؛ أي: إن أولئك المتَّصفين بالجهاد ليس من شأنهم أن يخافوا العذاب لخطأٍ غير مقصود في الجهاد، بل إنهم يرجون الرحمةَ والثواب، ومن رجا طلب، ومن خاف هرب، فلا تخافوا في الجهاد إلا الله، ومن أخطأ فله أجر[25].
3- الرحمة بمعنى النُّبوَّة:
قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156].
في هذه الآية الكريمة يدعو موسى ربَّه أن يكتب له ولقومه في هذه الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة؛ أي: يجعل لهم حظًّا من رحمته في الدنيا والآخرة بعد أن تابوا إليه، وقالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156]؛ أي: رجَعْنا إليك بعد أن فارقناك بعبادة غيرك، والمراد بالحسنة في الدنيا: النِّعم، وسَعة الرِّزق، وعبر عنها بالحسنة؛ لأنها مما يحسُن وقعُه وأثرُه في النفوس.
فرحمةُ الله سبحانه وتعالى هي عامَّة شاملة، تسَعُ الوجود كله، وهي - على سَعتها وعمومها وشمولها - لا ينالها إلا أهل طاعته، الذين آمنوا واتَّقَوا.
والذي ينبغي الالتفاتُ إليه هو أن اللهَ سبحانه وتعالى لم يستجِبْ لموسى ما سأل في قومه أن يكتب لهم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة؛ إذ كان قولُ الله لموسى: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] حُكمًا عامًّا، يقع على الناس جميعًا، لا يتعلق بهذا الدعاء الذي دعا به موسى ربَّه.
وفي هذا ما يدل على أن الله سبحانه لم يشمل بني إسرائيل بتحقيق هذا الدعاء فيهم، بل وضعهم جميعًا تحت الحُكم العام الذي يأخذ الله به عباده، وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى يعلم مِن هؤلاء القوم أنهم لن يستأهلوا هذه النعمة التي لو استجاب الله لموسى فيها، لكانت بركة تحفُّ بهم إلى يوم القيامة؛ ذلك أن القوم قد مستهم لعنةُ الله قبل ذلك، وتنزَّل بهم غضبه، فكان ذلك هو الثوب الذي يلبسونه وتلبسه أجيالهم المتتابعة أبد الدهر.
وانظر كيف أن الله تعالى استجاب لجميع أنبيائه فيما سألوه لأقوامهم من خير أو شرٍّ، أما هنا إذ يدعو موسى ربَّه له ولأخيه ولقومه، فلا يقبل الله هذا الدعاء على إطلاقه، بل يقبَلُه في المؤمنين الذين يستقيمون على طريقِ الإيمان والخير[26].
4- الرحمة بمعنى الرِّزق:
قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100].
إن المراد بقوله تعالى: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}؛ أي: خزائن المال والنِّعم التي تصرف في الأرزاق، والإنفاق المعروف: هو إذهاب المال، وهو مؤدٍّ إلى الفقر.
فكأن المعنى: تبخلون خشية عاقبة الإنفاق، وكان طبع الإنسان ومنتهى نظره أن الأشياء تتناهى وتفنى، فلو ملَك خزائن رحمة الله لأمسكَ؛ خشيةَ الفقر[27].
وهذا من فضل الله أنْ جعل خزائن الرحمة من المال والأرزاق عنده؛ إذ لو كانت عند الإنسان المخلوق لأمسكها.
5- الرحمة بمعنى المغفرة والعفو للمذنبين:
قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].
قُلْ يا محمد مبلِّغًا عن ربك: يا عبادي الذين أكثروا على أنفسهم من المعاصي، لا تيئسوا من رحمة الله، إن الله سبحانه يتجاوز عن الذنوب جميعًا، إنه هو وحده العظيم في مغفرته ورحمته[28].
وقيل: إن الله تعالى يدعو العصاة والكفرةَ والمسرفين على أنفسهم بتجاوزِ حدود ما شرع الله إلى التوبة والإنابة إليه تعالى، ويخبرهم بأنه يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب وأناب، ورجع عما كان فيه من الكفر والعصيان والإسراف في الأمر، إلى الإيمان والطاعة؛ لأن الله تعالى هو الغفور، وهو الرحيم.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لو لم تُذنبوا لجاء الله تعالى بقومٍ يُذنبون فيغفر لهم))؛ أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وجاء في الحديث: ((كفارة الذنوب النَّدامة))[29].
المطلب الثاني: أهمية رحمة الله سبحانه وتعالى للعباد
إن لرحمة الله سبحانه وتعالى فوائد عظيمة بالنسبة للعباد، تتمثل في أن العبد عندما يريد هذه الرحمة إنما يقترب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات، واجتناب ما نهى اللهُ عنه ورسولُه.
وسنتكلم في هذا المطلب عن أهمية رحمة الله سبحانه للعباد من خلال بعض الآيات الكريمة:
* زيادة الإيمان بالله والتعلق به:
قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
معنى قانت: هو خاضع أو خاشع أو طائع.
ففي هذه الآية تساؤل عما إذا لم يكن الأفضل هو الخاضع لله وحده العابد له، آناء الليل وأطراف النهار، والذاكر له وقت الشدة والرخاء معًا، يحسب حساب الآخرة وأهوالها، ويرجو من ربه أن يشمَلَه برحمته.
وأمر ربَّاني للنبي صلى الله عليه وسلم بالتساؤل ثانية عما إذا كان يصحُّ أن يسوى بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، أو أن يكون الفريقانِ في مقام واحد.
وتقرير بأن أرباب العقول الراجحة السليمة هم فقط الذين يتذكَّرون ويُدركون حقائق الأمور.
فهنا تؤكد الآية الكريمة أن العبد يرجو رحمةَ الله سبحانه وتعالى من خلال قيامه الليل، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات.
ولقد روى البغويُّ عن عطاء أن الآيةَ نزلت في أبي بكر، وعن الضحاك أنها نزلت في أبي بكر وعمرَ رضي الله عنهم جميعًا[30]، وليس ذلك واردًا[31].
تجعل العبد لا يقنط من رحمة الله سبحانه:
قال تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53].
إن هذه الآية الكريمة أعظمُ بشرى للمؤمنين؛ فهي دعوة صريحة في الله لنا إلى التوبة، ووعد بالعفو والصَّفح عن كل ذنب مهما كبر وعظم، وقد ترك الله تعالى بابه مفتوحًا للرجوع إليه أمام من يريد أن يُكفِّر عن سيئاته، ويُصلِح ما أفسد من نفسه.
فمن أبَى هذا التفضُّل العظيم والعطاء الجسيم، وجعل يقنِّط الناس، وتزمَّت مِثل كثير من وعَّاظ زماننا، وبعض فئات المتدينين على جهل، فقد ركِب أعظم الشَّطط، فبشِّروا أيها الناس ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا، واغتنموا هذه الفرصة ولا تضيِّعوها أيها الناس، وتوبوا إلى بارئكم[32].
ففي الآية الكريمة إشارة تربوية واضحة، على العباد أن يغتنموها، ولا سيما أصحاب الذنوب، وهي أن باب التوبة إلى الله والعودة إلية ما زال مفتوحًا، ومهما بلغت ذنوب العبد إذا ما تاب فالله يغفرها برحمته وغفرانه، يقول الله في الحديث الذي يرويه لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يا بن آدم، لو آتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تشركُ بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة)).
* السعي المستمر والدَّؤوب للظَّفَر برحمة الله والفوز بجنَّته:
قال تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الأنعام: 16].
قوله: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ}؛ أي: العذاب يوم القيامة فقد رحمه، وأوجب الله له الرحمة لا محالة[33].
وقيل: من يصرف العذابُ عنه يومئذ فقد رحمه الحق له، وحققه بمقام الكشف والشهود، وذلك التحقق والانكشاف هو الفوز المبين لأهل العناية والوصول[34].
فإذا ما أحسن الإنسان أعماله، وأطاع الله سبحانه وتعالى، واجتنب معصيتَه، فإنه سيظفر برحمة الله، وفي هذا دافعٌ للإنسان أن يعمل بالطاعات والأعمال الصالحة.
* التربية الصحيحة على الأخلاق الحميدة:
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
يقول الحق - جل جلاله -: فبرحمة من الله ونعمة كنتَ سهلاً لينًا رفيقًا، فحين عصَوْا أمرك، وفرُّوا عنك، ألنتَ لهم جانبك، ورفقتَ بهم، بل اغتمَمْتَ من أجلهم مما أصابهم، ولو كنت فظًّا جافيًا سيئ الخُلق غليظ القلب، لانفضوا من حولك؛ أي: لتفرَّقوا عنك، ولم يسكنوا إليك، فاعف عنهم فيما يختص بك، واستغفر لهم في حق ربك، حتى يشفعك فيهم، وشاوِرْهم في الأمر الذي يصحُّ أن يشاور فيه؛ تطييبًا لخاطرهم، ورفعًا لأقدارهم، واستخراجًا وتمهيدًا لسنَّة المشاورة لغيرهم، وخصوصًا الأمراء.
فإذا عزمتَ على شيء بعد الشورى، فتوكَّل على الله؛ أي: ثِقْ به وكيلاً؛ إن الله يحب المتوكلين فينصرهم ويهديهم إلى ما فيه صلاحُهم[35].
المبحث الثالث: موجبات رحمة الله سبحانه وتعالى
رحمة الله وسِعَت كل شيء، حتى أولئك الذين يعاقبهم الله عز وجل في العاجل على ذنوب ارتكبوها، يكون عقابهم في الدنيا رحمة بهم نسبة إلى عذاب الآخرة الذي لا تطيقه نفس.
فعقابه في الدنيا يسقط عنه عقاب الآخرة، أو يخفف عليهم ذلك العقاب؛ لذا فإن عقاب الدنيا هو رحمة بالعباد؛ لأنه يخفف عنهم عذاب الآخرة، فضلاً عن أنه قد يعظهم، ويكون السبب في هدايتهم ورشادهم، لكن لماذا لا بد أن نتعرض إلى عقاب الله ما دامت لدينا القدرة في التعرض لرحمته؟
فطريق الرحمة ليس مغلقًا على أحد، وليس هناك من بشر مطرود من رحمة الله.
لكن من أجل المسير في هذا الدرب سنتعرف على موجبات رحمة الله، والذين يستحقون الرحمة الإلهية.
أولاً: المؤمنون:
إن الله تبارك وتعالى - فضلاً منه وكرمًا - جعل رحمته في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين، وجعلها خاصة في الآخرة بالمؤمنين دون الكافرين، عدلاً منه؛ لأنه تبارك وتعالى يريد أن يعدل ويحكم بين الناس بالحق والعدل.
وسنتناول بعض الآيات التي تدل على رحمة الله للمؤمنين.
* قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157].
جاء في تفسير هذه الآية الكريمة: الصلاة وإن كانت في الأصل الدعاء، فهي من الله البركة على وجه، والمغفرة على وجه، وهي الرحمة، وإن كانتا متلازمتين فهما مفترقتان في الحقيقة، وإنما قال: {صَلَوَاتٌ} على الجمع؛ تنبيهًا على كثرتها منه، وأنها حاصلة في الدنيا توفيقًا وإرشادًا، وفي الآخرة ثوابًا ومغفرة، ثم بيَّن أن من كان كذلك، فهو المهتدي؛ تنبيهًا على ملازمة هذه المعاني الصبر[36].
* قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} مِنْ في قوله تعالى {مِنَ الْقُرْآنِ}؛ لبيان الجنس والمعنى:
ننزِّل من هذا الجنس الذي هو القرآن ما هو شفاءٌ؛ أي: بيان من الضلالة والجهالة، يتبيَّن به المختلف فيه، ويتَّضح به المشكِل، ويُستشفى به من الشُّبهة، ويُهتدى به من الحَيرة، وهو شفاء القلوب بزوال الجهل عنها.
وهو شفاءٌ للأمراض الباطنة والظاهرة؛ وذلك لأنها تنقسم إلى نوعين:
أحدهما: الاعتقادات الباطلة.
الثاني: الأخلاق المذمومة.
{وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} لما كان القرآن شفاءً للأمراض الباطنة والظاهرة، فهو جدير بأن يكون رحمة للمؤمنين؛ لأن المؤمن ينتفع به، أما الظالم فلا ينتفع به[37].
* قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض بالنُّصرة والمعونة، والمساعدة في السَّراء والضراء، والوقوف بجانب بعض في الشدائد والمكروه، بعضهم أولياء بعض ولايةَ أخوَّة ومودة ومحبَّة وصداقة؛ فنبيهم صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم كمَثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحمَّى))[38].
فهذا هو أساسُ الإيمان، وطبعًا لا فرقَ بين ذكَر وأنثى، فكان في العصر الأول النساء يقُمْنَ بالمعونة والنُّصرة في الحروب وغيرها على قدر طاقتهن، مع التجمُّل بالأدب والحياء، ولُبس لباس الدِّين والعفاف، وإقامة الصلاة؛ أي: إتيانها مقومة كاملة تامة الأركان والشروط، فيها الخضوع الكامل والخشوع لله، ومراقبته وذكره، وإتيان الزكاة دليلُ كمال الإيمان والخشية من الله، والأمل في رضائه ورضوانه، وخُصَّ هذان الركنان بالذكر لأنهما علاج الهلَع والجزع، والبخل والخور؛ فهذه أمراض تدفع صاحبَها إلى الإحجام عن الدفاع عن الحق، وإعلاء كلمة الله، وتدفع إلى الشُّح الصَّادِّ عن الإنفاق في سبيل الله.
وقد جعَل الله هذه الأربع: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، أساسَ النجاح في الدنيا، ووسيلة العمران، وإقامة الدولة المسلمة الصالحة للتَّمكين في الأرض.
والمؤمنون والمؤمنات من صفاتهم أنهم يطيعون اللهَ ورسوله؛ بامتثال الأمر، واجتناب النَّهي.
أُولئك سيرحمهم الله ويدخلهم في رحمته الواسعة التي كتبها لهم رحمة خالصة من شوائب الكدر والشقاء، إن الله عزيز لا يُغلَب، حكيم في كل صنع، وهذا تدليل مناسبٌ لهذا العطاء الكبير للمؤمنين[39].
ثانيًا: التائبون:
لقد جعل باب التوبة مفتوحًا لمن تاب، ويفرح بمن رجع إليه وأناب؛ ولهذا فقد كتب على نفسه أن يغفر ذنبَ كل من عمل سوءًا بجهالة ثم تاب من ذلك السوء أو الذنب؛ قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54].
اختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فمنهم من قال: إنها نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيَّه عن طردهم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام[40].
ومنهم من قال: إنها نزلت في أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة رضي الله عنهم أجمعين.
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}؛ أي: قضى على نفسه الرحمة، أنه من عمل منكم سوءًا بجهالة.
قال مجاهد: لا يعلَمُ حلالاً من حرام؛ فمن جهالته ركِبَ الذَّنب.
وقيل: جهالته من حيث إنه آثر المعصيةَ على الطاعة، والعاجل القليل على الآجل الكثير، ثم تاب من بعده، ورجع عن ذنبه، وأصلح عمله.
وقيل: أخلص توبته؛ فأنه غفور رحيم[41].
وأيضًا قال تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56].
جاء القنوط هنا بمعنى الآيسين من الولد؛ فإن الله تعالى قادرٌ على أن يخلُقَ بشرًا من غير أبوين، فكيف من شيخ وعجوز عاقر، وكان استعجاب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة؛ ولذلك قال: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]؛ أي: الخاطئون طريق المعرفة، فلا يعرفون سَعةَ رحمة الله تعالى، وكمالَ عِلمه وقدرته[42].
ولذلك فإن الفائدةَ التربوية المتوخاة من هذه الآية الكريمة أنَّ كل من عمل سوءًا أو ذَنْبًا أو معصية عليه ألا يقنَط من رحمة الله؛ ذلك أنه يغفر جميع الذنوب والخطايا لمن تاب وآمن وعمل صالحًا.
ثالثًا: لأجل الهداية:
الهداية إلى الصراط المستقيم أجلٌ مطلوب، وأعظم مسؤول، ونيله أشرف المواهب، وهي أكبر نعمة يُنعِم بها الهادي سبحانه على من يشاء من عباده؛ فعلى العبد أن يسألَ الله تعالى الهدايةَ إلى الصراط المستقيم.
ولهذا فإن العبد يسأل اللهَ تعالى الهداية في اليوم والليلة؛ كما في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6].
وسأذكر لك بعض الآيات التي تبين الهداية إلى الصراط المستقيم.
* قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 43].
جاء في الآية الكريمة الإخبار بأن الله سبحانه وتعالى أنزل التوراة على موسى بعد هلاك فرعون وقومه والأمم الأخرى من عاد وثمود وقرية قوم لوط وغيرها.
والقصد بهذا الإخبار التمثيل لقريش بما تقدم في غيرها من الأمم.
وقيل: إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على موسى هو بعد أن رفع اللهُ تعالى عذاب الأمم، فلم تعذَّب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مُسِخت قِرَدة فيما روي.
وقوله: {بَصَائِرَ} نصب على الحال؛ أي: طرائق هادية، وقوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}؛ أي: على ترجي البشر وما يعطيه تأميل من أمَّل الأمر.
ورُوي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: ما أهلك الله تعالى أمَّةً بعذاب منذ أنزل إلى الأرض، غير القرية التي مُسِخت قِردة، وهم الذين تعدَّوا في السبت.
وهذا التعذيب من سبب شرع موسى، فكأنه لا ينقص فضيلة التوراة برفع العذاب عن الأرض[43].
فاستشعار رحمة الله سببٌ لهداية العبد وعودته إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات وفِعل الحسنات.
* وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 46].
وما كنت بجانب الطور؛ أي: بناحية الجبل الذي كُلِّم عليه موسى إذ نادينا موسى وكلَّمناه، وهذا قول الأكثرين.
وقال أبو هريرة: كان هذا النداء: يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأستجيب لكم قبل أن تدعوني.
وقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، قال الزجاج: معناها لم تشاهد قصصَ الأنبياء، ولكنا أوحيناها إليك، وقصصناها عليك، رحمةً من ربك، {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ} مصيبة، جواب (لولا) محذوف، تقديره: لولا أنهم يحتجُّون بتَرْك الإرسال إليهم، لعالجناهم بالعقوبة.
وقيل: لولا ذلك لم نحتَجْ إلى إرسال الرسل ومؤاثرة الاحتجاج[44].
* وقوله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية: 20].
المعنى هنا أن هذا القرآن بيانٌ للناس، وهدًى من الضلالة، ورحمة من العذاب، لقوم يُصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن[45].
وقيل: {هَذَا}؛ أي: الوحي المنزَّل الذي جعله نفس البصيرة، كما جعله رُوحًا، فقال: {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ}؛ أي: الذين هم في أدنى المراتب، يبصِّرهم بما يضرُّهم وما ينفعهم.
و{هُدًى}؛ أي: قائد إلى كل خير، مانع من كل زيغ و{وَرَحْمَةٌ}؛ أي: كرامة وفوز ونعمة {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}؛ أي: ناس فيهم قوة القيام بالوصول إلى العلم الثابت، وتجديد الترقي في درجاته إلى ما لا نهاية له أبدًا[46].
* وأيضًا قوله تعالى: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17].
{وَمِنْ قَبْلِهِ}؛ أي: من قبلِ القرآن، وهو خبر لقوله تعالى: {كِتَابُ مُوسَى}، قيل: والجملة حالية أو مستأنَفة.
{إِمَامًا وَرَحْمَةً}؛ أي: إمامًا يقتدى به في دين الله تعالى وشرائعه، كما يقتدى بالإمام، ورحمة من الله تعالى لمن آمن به، وعمل بموجبه.
(وهذا): الذي يقولون في حقِّه ما يقولون.
(كتاب): عظيم الشأن (مصدقًا): أي لكتاب موسى، الذي هو إمام ورحمة، أو لما بين يديه من جميع الكتب الإلهية.
(لسانًا عربيًا): حال من ضمير الكتاب في مصدق، أو من نفسه؛ لتخصصه بالصفة وعاملها، ومعنى الإشارة وعلى الأول مصدق، وقيل: مفعول لمصدق؛ أي يصدق ذا لسان عربي.
(لينذر الذين ظلموا): متعلق بمصدق، وفيه ضمير الكتاب، أو الله سبحانه، أو الرسول صلى الله عليه وسلم.
(وبشرى للمحسنين): في محل النصب عطفًا على محل لينذرَ، وقيل: في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر؛ أي: وبشرى، وقيل: على أنه عطف على مصدق[47].
رابعًا: للمحتاجين الذين يدعون الله سبحانه:
إن الله سبحانه وتعالى كتب على نفسه الرحمة بعباده فقال تعالى: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الأنعام: 12]؛ فهو رحيم بعباده، ورحمته تفيض بهم.
وسنتناول بعض الآيات التي تبين رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده المحتاجين.
* قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84].
أي: استجابة الله تعالى لدعاء أيوب، وما امتنَّ عليه به في رفع البلاء، وما ضاعف له بعد صبره من النعماء؛ لتعلَمَ أن النَّصر مع الصبر، إن عاقبة العسر اليسر، وأن ذلك الأسوة بمثل هذا النبي الصبور فيما ينزل بك أحيانًا، وأن البلاء لم ينجُ منه الأنبياء، بل هم أشد الناس ابتلاء؛ كما في الحديث: ((أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل))[48].
وأن من أسباب الفرج دعاءَه تعالى، والابتهال إليه، والتضرُّع له، وأن السعادة والشَّقاء في هذا العالم لا يترتَّبان على صالح الأعمال وسيِّئها؛ لأن الدنيا ليست دارَ جزاء، وأن عاقبة الصدق في الصبر هي توفيةُ الأجر، ومضاعفة البِر.
وقد روي أن أيوب عليه السلام لما امتُحن بما فقد معه أرزاقه، وهلك به جميع آل بيته، وصبر وشكَر، رحمه مولاه، فعادت له صحتُه، وأوتي أضعاف ما فقده {ذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84]؛ أي: تذكرة لغيره من العابدين، ليصبروا كما صبر؛ حتى يُثابوا كما أثيب، في الدنيا والآخرة، وبالجملة هو تثبيت قلوب المؤمنين[49].
* وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم: 33].
أي: إذا أصاب كفَّارَ مكة شدةٌ، دعَوْا ربهم ليرفع الشدة، مقبلين إليه بالدعاء، ثم إذا أذاقهم منه - أي من الضر - رحمةً؛ أي: خلاصًا، إذا فريق منهم - أي الكفَّار - بربِّهم يشركون[50].
ولما أرشد سبحانه إلى التوحيد وأقام الأدلة عليه، وضرب له المَثَل، أعقبه بذِكْر حال المشركين، يعرفون بها، وسيماءَ لا ينكرونها، وهي أنهم حين الشدة يتضرَّعون إلى ربهم، ويُنِيبون إليه، فإذا خلصوا منها، رجعوا إلى نشأتهم الأولى، وأشركوا به الأوثان والأصنام.
فليضلوا ما شاؤوا؛ فإن لهم يومًا يرجعون فيه إلى ربهم، فيحاسبهم على ما اجترحوا من السيئات.
والخلاصة أنهم حين الضرر يدعون الله وحده، وإذا أسبغ عليهم نِعَمه، إذا فريقٌ منهم يشركون به سواه، ويعبدون معه غيره[51].
خامسًا: لرفع معنويات المؤمنين التائبين على طريق الحق:
إن المواصلةَ وعدم القعود بالرغم من حجم المصيبة ترفع المعنوياتِ؛ فإن الله تعالى واسع كل شيء في رحمته.
وهناك بعض الآيات الكريمة التي تفسِّر لنا هذه الرحمة، فسنتناول منها:
* قال تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147].
في قوله - سبحانه وتعالى - التفات إلى النبي الكريم، وتلقين له بكلمات الله التي يردُّ بها على اليهود، الذين يكذِّبون بما أخبر القرآن الكريم من تحريمِ ما حرم الله عليهم من طيِّبات.
{رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}: في هذا وعيد لليهود، وأنهم مع سَعة رحمة الله لا ينالون هذه الرحمة، ولا يدخلون فيمن يرحمهم الله من عباده؛ لأنهم جحدوا حق الله تعالى.
يلاحظ أن الآية الكريمة لم تلقَهم بالتحريم لقاءً مباشرًا، بل جاء الحُكم على المجرمين حكمًا عامًّا، يشملهم ويشمل غيرهم من المجرمين؛ وذلك أن الآية والسورة كلها مكية، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد التقى باليهود مباشرة، وإنما هذه الإشارات البعيدة هي إرهاص بما سيكون بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم من لقاء مباشر، وأنهم لن يلقَوُا الرسولَ عليه الصلاة والسلام بالسلام والتسليم، بل سيلقَوْنه بما عُرِف عنهم، بالبُهت والتكذيب[52].
* قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 49].
{أَهَؤُلَاءِ}: إشارة إلى قوم من أهل الجنة، كانوا مستضعفين في الدنيا، ومحقَّرين عند المشركين، بقرينة قوله: {الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}، وقوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}.
قال المفسِّرون: هؤلاء مثل سَلْمان وبلال وخبَّاب وصُهَيب من ضعفاء المؤمنين، فإما أن يكونوا حينئذ قد استقروا في الجنة، فجلاَّهم الله لأهل الأعراف وللرِّجال الذين خاطبوهم، وإما أن يكون ذلك الحوار قد وقَع قبل إدخالهم الجنة.
إن بشاراتِ القرآن أولئك الضعفاءَ، ووعدَه إياهم بالجنة، وثناءه عليهم، نزل منزلة كلام يقول: إن الله ينالهم برحمة؛ أي: بأنْ جعَل إيواء الله إياهم بدار رحمته - أي الجنة - بمنزلة النَّيْل، وهو حصولُ الأمر المحبوب المبحوث عنه في قوله: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الأعراف: 37][53].
وهنا تتنزل رحمة الله على الذين كانوا مستضعفين في الحياة الدنيا، وأنهم سيدخلون الجنة برحمة الله عز وجل، وأن الظالمين والجبابرة سينالون جزاءَهم لقاءَ ما فعلوه بالمستضعفين.
* وقوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 72].
{فَأَنْجَيْنَاهُ}؛ أي: أنجينا هودًا والذين معه برحمةٍ منا، بأن حققناهم بلُطفنا الخفيِّ، وأنجيناهم من عذاب بئيس، لا ينزل إلا بأمرنا، ولا يدفع إلا برحمتنا.
{وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الدَّابر: الأصل؛ أي: استأصلناهم فلم نُبقِ منهم أحدًا[54].
يقول تعالى في الآية الكريمة: أنجينا نوحًا والذين معه من أتباعه على الإيمان به والتصديق به وبما دعا إليه من توحيد الله، وهجرِ الآلهة والأوثان، وأهلكنا الذين كذَّبوا من قوم هودٍ بحُجَجِنا جميعًا عن آخرهم، فلم نُبقِ منهم أحدًا {وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}؛ أي: لم يكونوا مصدِّقين بالله ولا برسوله هود[55].
الخاتمة
وبعد أن تمت كتابة البحث توصلت الباحثة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات:
أولاً: النتائج:
* لا يطلق اسمُ الرحمن إلا على الله سبحانه؛ ذلك أن معناه لا يصحُّ إلا له.
* أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل لنا القرآن الكريم رحمةً لنا في الحياة الدنيا، كونه كتاب هداية وشفاء ورحمة.
* ينبغي أن يعلمَ جميعُ المسلمين أن باب التوبة مفتوح، وألا يقنطوا من رحمة الله مهما أسرفوا على أنفسهم، ما لم يمُتِ العبد.
* أن رحمة الله سبحانه وتعالى هي صفةٌ من صفاته العليا.
* عندما كتب الله سبحانه وتعالى الرحمة على نفسه، جعَل العباد يتعلَّقون به؛ رغبة في رحمته، وخوفًا من عذابه.
* إن من أسباب هدايةِ العباد وعودتهم إلى الله سبحانه وتعالى رحمة الله سبحانه وتعالى، وعودة العبد إليه بفعل الطاعات والحسنات، واجتناب السيئات.
* أن الله سبحانه جعل الرحمة لعباده لرفع معنوياتهم، وليبقوا ثابتين على طريق الحق مهما بلغت المصائب.
ثانيًا: التوصيات:
1- زيادة البحوث والمقالات التي تتكلَّمُ عن مفهوم الرحمة لبيان أوسعَ وأشمل له.
2- دعوة الأساتذة والمربِّين أن يتكلموا في هذا المفهوم، ويبيِّنوا فوائدَه وأهميته بالنسبة للمجتمع؛ أفرادًا وجماعات.
3- إنشاء مجموعات تربوية وعلمية وثقافية على مواقع التواصل الاجتماعي تعنى ببيان هذا المفهوم.
والحمد لله رب العالمين...
المصادر
* القرآن الكريم:
-
إعراب القرآن، أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي، (ت: 338هـ)، وضع حواشيه وعلق عليه: عبدالمنعم خليل إبراهيم، الناشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1421هـ.
-
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي، (ت: 1224هـ)، المحقق: أحمد عبدالله القرشي رسلان، الناشر: د. حسن عباس زكي - القاهرة، الطبعة 1419 هـ.
-
التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، (ت: 1393هـ)، الناشر: الدار التونسية للنشر - تونس، سنة النشر: 1984هـ.
-
التفسير الحديث (مرتب حسب ترتيب النزول)، دروزة محمد عزت، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - القاهرة، الطبعة، 1383هـ.
-
التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم يونس الخطيب، (المتوفى بعد 1390هـ)، الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة.
-
التفسير الواضح، محمد محمود الحجازي، دار الجيل الجديد - بيروت، الطبعة العاشرة، 1413هـ.
-
التفسير الوسيط للزحيلي، د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، الناشر: دار الفكر - دمشق، الطبعة الأولى، 1422هـ، عدد الأجزاء 3 مجلدات.
-
الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية، نعمة الله بن محمود النخجواني ويعرف بالشيخ علوان، (ت: 920هـ)، الناشر: دار ركابي للنشر - الغورية - مصر، الطبعة الأولى.
-
المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي، (ت: 542هـ)، المحقق: عبدالسلام عبدالشافعي محمد، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ.
-
المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر، الناشر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر، طبع مؤسسة الأهرام، الطبعة الثامنة عشرة، 1416هـ - 1995م.
-
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري الشافعي، (ت: 468هـ)، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار النشر: دار القلم، الدار الشامية - دمشق - بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ.
-
الوجيز للواحدي.
-
أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي، (ت: 685هـ)، المحقق: محمد عبدالرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث - بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ.
-
أوضح التفاسير، محمد محمد عبداللطيف بن الخطيب، (ت: 1402هـ)، الناشر: المطبعة المصرية ومكتبتها، الطبعة السادسة، 1383هـ.
-
أيسر التفاسير، أسعد حومد.
-
بحر العلوم، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، (ت: 373هـ).
-
تفسير أبو السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى، (ت: 982هـ)، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
-
تفسير التستري، أبو محمد سهل بن عبدالله بن يونس بن رفيع التستري، (ت: 283هـ)، جمعها أبو بكر محمد البلدي، المحقق: محمد باسل عيون السود، الطبعة الأولى، 1423هـ، الناشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية - بيروت.
-
تفسير الجلالين، جلال الدين محمد بن أحمد المحلي، (ت: 864هـ)، وجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، (ت: 911هـ)، الناشر: دار الحديث - القاهرة، الطبعة الأولى.
-
تفسير الخازن.
-
تفسير الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت: 502هـ)، تحقيق: محمد عبدالعزيز بسيوني، الناشر: كلية الآداب - جامعة طنطا، الطبعة الأولى، 1420هـ - 1999م.
-
تفسير الزمخشري.
-
تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن غالب الآملي، (أبو جعفر الطبري)، (ت: 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000م، عدد الأجزاء 24.
-
تفسير القرآن العظيم، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، (260 - 360) من الهجرة، تحقيق: هشام البدراني، الناشر: دار الكتاب الثقافي - الأردن، مكان الطبع: أربد.
-
تفسير القرآن، أبو المظفر منصور بن محمد بن عبدالجبار بن أحمد المروزي السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي، (ت: 489هـ)، المحقق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، الناشر: دار الوطن - الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1418هـ - 1997م.
-
تفسير الماوردي = النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، (ت: 450ه)، المحقق: السيد بن عبدالمقصود بن عبدالرحيم، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان، عدد الأجزاء 6.
-
تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي، (ت: 1371هـ)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الأولى، 1365هـ - 1946م.
-
تنوير المقباس في تفسير ابن عباس، عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (ت: 68هـ)، جمعه: مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، (ت: 817هـ)، دار الكتب العلمية - لبنان.
-
تيسير التفسير، إبراهيم القطان، (ت: 1404هـ).
-
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي، (ت: 1376هـ)، المحقق: عبدالرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420هـ - 2000م.
-
جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، (أبو جعفر الطبري)، (ت: 310هـ)، المحقق: محمود محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420هـ - 2000م.
-
زاد المسير في علم التفسير، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي، (ت: 597هـ)، المحقق: عبدالرزاق المهدي، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ.
-
زهرة التفاسير، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد، المعروف بأبي زهرة، ت: 1394هـ، دار النشر: دار الفكر العربي.
-
شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1410هـ، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول.
-
صحيح البخاري.
-
صحيح مسلم.
-
فتح القدير، محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني اليمني، (ت: 1250هـ)، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق - بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ.
-
لباب التأويل في معاني التنزيل، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي، أبو الحسن، المعروف بالخازن، (ت: 741هـ)، تحقيق وتصحيح: عبدالسلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ.
-
لطائف الإشارات = تفسير القشيري، عبدالكريم بن هوازن بن عبدالملك القشيري (ت: 465هـ)، المحقق: إبراهيم المسيوني، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر، الطبعة الثالثة.
-
مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي الحنفي، توفي بعد سنة 660هـ، طبعة جديدة أعدَّها وقدم لها: محمد حلاق.
-
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليمًا، التنازي بلدًا (ت: 1316هـ)، المحقق: محمد أمين الصناوي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ.
-
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي الشافعي، (ت: 510هـ)، المحقق: عبدالرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ.
-
معجم التعريفات، علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، (816هـ - 1413م).
-
مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، الملقَّب بفخر الدين الرازي، خطيب الرَّيِّ، (ت: 606ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الثالثة، 1420هـ.
-
مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داودي، الناشر: دار القلم - دمشق.
-
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي، (ت: 885هـ)، الناشر: دار الكتاب الإسلامي - القاهرة.
الموضوعات |
الصفحة |
المقدمة |
1 - 2 |
المبحث الأول: رحمة الله سبحانه وتعالى |
3 |
المطلب الأول: تعريف الرحمة لغة واصطلاحًا |
4 - 5 |
المطلب الثاني: أنواع الرحمة |
6 - 7 - 8 - 9 - 10 |
المبحث الثاني: الرحمة في الإسلام |
11 - 12 |
المطلب الأول: معاني الرحمة في القرآن الكريم |
13 - 14 - 15 - 16 |
المطلب الثاني: أهمية رحمة الله سبحانه وتعالى |
17 - 18 - 19 |
المبحث الثالث: موجبات رحمة الله سبحانه وتعالى |
20 - 31 |
الخاتمة والنتائج |
|
المصادر |
|