ا د. أحمد محمد المزعنن
أولاً- مائة سنة مشؤومة على وعد بلفور
أ- قبس من نور المعرفة
قبل البدء في مناقشة أبعاد العنوان نقرر بكل وضوح وبدون أي لبس أو غموض أن بريطانيا واليهود وأنصارهم وكل من يحاول أن يتزلف إليهم ويستقوي بهم ويهادنهم ويطبع معهم هم الذين يحتاجون أن يعترف بهم الشعب الفلسطيني، إن الوطن الفلسطيني هو الأصل، واستمد هذه الأصالة من القداسة التي قررها رب البشر وخالق الأكوان، ومحرك الإنسان ليعمر الكون، الوطن المقدس والأرض المباركة، أرض الإسراء والمعراج أرض محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه وتابعيه ومن تناسل منهم هي التي تعترف بالآخرين، وهي ليست في حاجة إلى الآخرين في مسألة الاعتراف، ولو كان في بقايا الأمة نخوة وشعور بالانتماء لما تجرأ الأعداء على ما أقدمت عليه رئيسة الوزراء البريطانية من تصرفات حمقاء في الذكرى المئوية لوعد بلفور.
إن فلسطين أقدم من بريطانيا وكل الأمم الأوروبية والكثير من دول العالم، وحتى الكثير من البلاد العربية التي لا تزال تمارس عمليات التنمية والعمران وتأسيس البنى التحتية بعد أن سبقتها فلسطين بمئات القرون من الحضارة الزاهرة والعمران والثقافة العريقة والبركة السماوية التي فاضت سلامًا ونعيمًا وحضارة وأمنًا على العالم أجمع.
فليفهم الجميع ذلك ولا يحاولون أن ينسوه أو يتناسوه.
ب- عندما تكون الخيانة طبعًا وجبلة
أثار الموقف الصادم والاستفزازي والمهين لرئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي في ذكرى وعد بلفور لهذا العام 2017م، والذي يصادف الذكرى المئوية لهذا الوعد المشؤوم الكثير من ردود الفعل الفلسطينية في داخل الوطن وخارجه، ونظرًا لحالة الوهن والضعف والخلاف التي تعيشها الأمة العربية فلم يصدر عن مجمل أقطارها حكومات ومسؤولين وشعوبًا رد فعل يساوي ولو جزءً بسيطًا من هذا السلوك البريطاني المستهجن، وزاد مستوى الإهانة ما تعمدته رئيسة الوزراء من الاجتماع إلى نتنياهو في لندن وما صدر عنها من أقوال وأفعال. ولذلك تفسير وحيد هو إصرار هذه الحكومة على العودة إلى الطبيعة الاستعمارية المتعالية التي لابست مسؤوليها يوم خانوا الأمانة الأممية والإنسانية فأعطوا وعودًا لليهود لتمليكهم أرض غيرهم في وطن تقرر مصيره نهائيًا بانتمائه إلى الإسلام والعروبة، وكان ذلك بداية الصراع الدموي الإجرامي الذي مارس فيه اليهود أحط الجرائم وصنوف الإرهاب بحماية بريطانيا أولاً، ثم برعاية دول الغرب وعلى رأسهم أكبر دولة عانت أكثر من غيرها من صنوف الاستعمار والاستغلال وأقصد الولايات المتحدة الأمريكية.
إن بريطانيا أكثر دول العالم انتهازية، وتتحكم فيها مركبات الحقد الثقافي الذي تكونت نتيجة لطردها من مستعمراتها التي أذلت فيها الشعوب، ونهبت ثرواتها وتصرفت في الكثير من البلاد وكأنها ملكية شخصية، وباستثناء بعض المواقف التي تمثلها شخصيات تحترم الحق كقيمة إنسانية عامة فإن الإنجليز تحديدًا مسؤولون عن كل مآسي - ليس فقط الشعب الفلسطيني- بل الكثير من شعوب آسيا وأفريقيا وحتى الجماعات التي استوطنت أمريكا الشمالية بعد اكتشافها في أواخر القرن الرابع عشر عانت من آثام الإمبراطورية البريطانية. وتدمير العراق منذ العام 2003م، وكذب توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق سيء السمعة وتوريطه لجورج بوش الابن لم يكن آخر الجرائم التي ارتكبتها الحكومات البريطانية في تاريخها، فهم يأتون الشر وكأنه طبيعة أو جبلة جبلوا عليها، ويمارسون الخديعة وكأنها هي الأصل الخُلقي للسجية الإنسانية، والقاعدة الأولى بالاتباع، وما يضادها هو الاستثناء.
ومن منطلق اليأس من أي تحسن أو إصلاح في الموقف الرسمي الإنجليزي، وفي نفس الوقت من منطلق العراقة والقوة والأصالة والسمو الخلقي والتمسك بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني نذكر بالأصل المعرفي لكل الحقوق الفلسطينية التاريخية التي لا يمكن التنازل عنها، ولا توجد قوة على وجه الأرض يمكنها أن تتجاهلها أو تقلل من تأثيرها.
إن اليهود جماعات طارئة على فلسطين الأرض المقدسة، وهم موجة من الموجات الغازية المستعمرة المحتلة لأرض فلسطين الطاهرة، ولو تسلح كل يهودي بقنبلة نووية فلن يتمكن اليهود من البقاء في أرض طهرها الله بالإسلام من دنس الشرك والبغضاء والكراهية وجعلها أرض سلام ونماء وازدهار للإنسانية جمعاء.
ثانيًا: تعريف الفلسطيني: إشكالية حقيقية
عندما يتطلب الأمر تعريف أي إنسانٍ فإنه ينتسب إلى بلده، أو ما يعرف حاليًا بالجنسية، فالزمن زمن تعريف وتوصيف وتحديد الهُوية والماهية، ومما يجعل التعريف أمرًا في غاية الأهمية حالة الفوضى العامة التي يعيشها الجنس البشري حاليًا، ومظاهر التوجس والريبة وكثرة الجرائم، وتآكل الفوارق والحدود بين ما هو حلال وما هو حرام، وما هو إجرامي انحرافي وما هو سوي، وتآكل الحدود بين سلوكيات الدولة بالمفهوم الإنساني والقانوني العام وبين سلوك العصابات الإجرامية المتجذرة في الحياة الإنسانية، فالعصابات حاليًا أشبه بدول، وتكاد منظمة المافيا المشهورة تفقد بريقها وسمعتها التنظيمية والإدارية أمام عصابات كثيرة تدير الكثير من دول العالم، إما نيابة عن الدولة التقليدية أو بالتواطؤ معها، أو بتأكيد دورها العالمي كمكونات بشرية فرضت نفسها بقوة السلاح والإعلام القائم على المجهولية الإعلامية والتضليل والعماء المعرفي.
وقد عمل ذلك إلى جانب العوامل الوطنية في المجتمع الفلسطيني المعاصر على تقديم دور الكيان اليهودي الإجرامي كشكل من أشكال الشرعية، وتباعدت الأمور بالشعب الفلسطيني وتشتت القوى المعرفية التي حافظ بها على تماسكه، وصار تعريف الفلسطيني موضوع شكٍ في عالم عربي مضطربٍ مفككٍ تهدمت كل قلاعه، وتهاوت أعمدة شعوبه، وبالتالي فلم يعد هناك وزن أو قيمة للدور الإسنادي الذي تقوم به الدولة العربية، ولا الشعوب العربية الباحثة عمن يسندها نفسها، ويبرر وجودها، ويحمي مقومات هذا الوجود في أرضها نفسها.
ثاثًا: المعايير المختلفة التي يستند إليها تعريف الإنسان الفلسطيني:
1- التعريف حسب مكان الميلاد: تعني كلمة فلسطيني أن شخصًا ولد في منطقة جغرافية معروفة بفلسطين قبل عام 1948م، أو مواطن سابق من فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني، أو أي مؤسسة ذات علاقة بأيٍّ من ذلك، وباستخدام هذا المصطلح فإن كِلا الفلسطينيين العرب والفلسطينيين اليهود كانوا يسمون فلسطينيون.
2- وقبل إنشاء (إسرائيل) عام 1947م، فإن الكلمة (فلسطيني) لم تكن تميز مجموعات عرقية، وإنما كانت ترجع لأي شيء مرتبط بالمنطقة المعروفة بفلسطين، والتي حسب مصطلح الانتداب البريطاني على فلسطين Mandate for Palestine British من قِبل عصبة الأمم التي كانت موجودة قبل الأمم المتحدة كانت تتضمن باختصار المنطقة التي تعرف هذه الأيام بالأردن.
3- وحتى إنشاء دولة الأردن (التي عرفت أولاً بإمارة شرق الأردن Trans Jordan أو عبر نهر الأردن) وذلك في عام 1922م التي أعقبت اتفاقية فيصل بن الشريف حسين (شريف مكة) وحاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية آذاك، وأول رئيس لدولة ما سمي فيما بعد دولة إسرائيل، فإن المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن تم تعيينها لتكون دولة لليهود، بينما المنطقة الواقعة شرق النهر خصصت لعرب فلسطين.
4- توجد أدلة كثيرة على وجود فلسطين ككيان ثابت ومن ذلك: أن الصحيفة المحلية المعروفة بالعبرية جرشون أجرون Gershon Agron والتي أنشئت عام 1932م عُرفت إذاك ﺑPalestine Post، وفي عام 1950 م بعد قيام دولة إسرائيل بثلاث سنوات تغير اسمها لتصبح صحيفة يهودية باسم The Jerusalem Post؛ وفي عام 1932م أنشأ رجل يهودي اسمه بنحاس روتنبرج Pinhas Rutenberg شركة كهرباء فلسطين المحدودة Palestine Electric Company، Ltd والتي عرفت فيما بعد بهيئة كهرباء إسرائيل المحدودة Israel Electric Corporation، Ltd وفي الحرب العالمية الثانية شكلت بريطانيا الفيلق اليهودي لمحاربة دول المحور والذي عرف بفوج فلسطين.
5- ومنذ إنشاء (ما يسمى بإسرائيل) عام 1947م فإن مواطني الدولة الجديدة عرفوا بالإسرائيليين، بينما مصطلح فلسطيني يعود إلى الفلسطينيين العرب.
6- تعريف الفلسطيني زمن الانتداب البريطاني لفلسطين: استخدم البريطانيون زمن الانتداب البريطاني على فلسطين مصطلح فلسطيني ليدل على جميع الأشخاص المقيمين بطريق شرعي أو ولدوا في حدود فلسطين تحت الانتداب دون اعتبار للعرق أو الدين أو المكان أو الأصل.
7- تعريف الفلسطيني حسب مكان الأصل: استخدم مصطلح "فلسطيني" أحيانًا ليدل على الشخص الذي كان جدوده في الأصل من المنطقة التي تعتبر من فلسطين تحت الانتداب (والتي هي الآن إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة) ويتضمن هذا المصطلح سكان الضفة الغربية بمن فيهم (سكان ما يعرف بيهودا والسامرة) وسكان قطاع غزة، والمواطنون العرب في إسرائيل بما فيهم الدروز والبدو، والإسرائيليون اليهود الذين كان جدودهم يعيشون هناك قبل الهجرات الصهيونية والمعروفين بالياشوف القدماء (the Old Yishuv) والإثنيات اليهودية في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط الذين تعود جذورهم في الغالب إلى الفلسطينيين مثل (الإشكنزم والسفردم والمزراحيم والإتلكيم والرومانيوتسAshkenazim، Sephardim، Mizrahim، Italqim، and Romaniotes) وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين حول العالم.
8- تُعَرِّف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأنروا UNRWA اللاجئين الفلسطينيين بأنهم: أولئك الذين كان مكان إقامتهم العادي في المدة الواقعة بين حزيران (يونيو) 1946 م وأيار (مايو) 1948م، وهي الأرض التي تعرف الآن (بإسرائيل)، ولكنهم خرجوا منها أو أُخْرِجوا منها خلال حرب عام 1948م، وعلى أي حال فإن الأنروا تقدم المساعدة للاجئين الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم هذا التعريف، وإضافة إلى نسل هؤلاء الفلسطينيين، ولا تعرف الأنروا اللاجئين الفلسطينيين لكي يتضمنوا نسل اللاجئين.
9- المكتبة الواقعية اليهودية The Jewish Virtual Library تستخدم تعريفًا مشابهًا ولكنه أضيق قليلاً: "على الرغم من أن أي واحد له جذور في الأرض التي هي الآن (إسرائيل)، فإن الضفة الغربية وغزة هما من الناحية الإثنية فلسطينيتان، ومن الشائع أن يستخدم المصطلح حاليًا ليدل على العرب غير اليهود الذين يملكون تلك الجذور... ويتركز معظم سكان العالم الفلسطينيين في (إسرائيل) والضفة الغربية وقطاع غزة والأردن، على الرغم من أن الكثير من الفلسطينيين يعيشون في لبنان وسوريا وبلاد عربية أخرى.
10- تعريف الفلسطيني حسب الأصل أو العرق: حسب الثقافة الفرعية العربية لبلاد الشام الجنوبية the Arab subculture of the southern Levant، إن الكلمة (فلسطيني) تستخدم أحيانًا من الإثنوغرافيين واللغويين للدلالة على ثقافة عربية فرعية معينة من بلاد الشام الجنوبية، ولا تشمل فقط المواطنين العرب في فلسطين تحت الانتداب، ولكن أيضًا سكان الأردن الذين يرجعون في أصولهم إلى فلسطين، والدروز، بينما يستثنون كلاً من البدو الذين يعتبرون مجموعة تعود لغويًا وثقافيًا إلى شبه الجزيرة العربية، والأقليات العرقية كالدومريين أو الغجر Dom والسوماريين Samaritans، وعلى أي حال فإن بعض هذا التعريف غير مقبول، فالسومريون الموجودون في الضفة الغربية غالبًا يرجعون في الغالب إلى الفلسطينيين.
11- اليهود كعرق أكثر منه سياق ديني: استخدِم المصطلح (فلسطيني) لكي يدل على اليهود في أوروبا الذين اعتبروا عادة وجودًا أجنبيًا بالنظر إلى أصولهم العرقية في بلاد الشام، على سبيل المثال: أشار الفيلسوف الألماني عمانويل كانت (1724م - 1804م) ليهود أوروبا باسم: "الفلسطينيون الذين يعيشون بيننا". على الرغم من إعادة التأكيد من قبل العديد من الدراسات الجينية على اليهود خلال العقد الماضي، والكثير من العرب الفلسطينيين، والحركات المناهضة للصهيونية بشكل عام لا تزال ترفض هذا التعيين ولأسباب سياسية عادةً.
12- الاستخدام الشائع لاسم فلسطيني: Common usage
بالنظر إلى الخلاف على استخدام مصطلح "يهودي فلسطيني". فإن مصطلح "الفلسطينيين" والذي يستخدم بشكل أساسي كمختصر للشعب الفلسطيني، يعرف كمعادل للعرب الفلسطينيين، وهو الشخص الناطق بالعربية الذي تناسل من الشعب الذي عاش في فلسطين على مر العصور، وقد يكون القصد من هذا الاستخدام لمصطلح فلسطيني أن الذين سكنوا فلسطين (تاريخيًا أو غير ذلك) تحديدًا اليهود الفلسطينيون هم ليسوا فلسطينيين.
الفلسطينيون هم آخر وضع للسلالات العربية الضاربة بجذورها في التاريخ القديم والوسيط والحديث في منطقة شرق البحر المتوسط، وهم أكثر شعوب هذه المنطقة أصالة، وبلادهم تحتل أطول شاطئٍ على هذا البحر وقد أعطوا هذه الشواطئ والمناطق الشرقية الخلفية الرديفة لها هم وأبناء عمومتهم الفنيقيون أو أهل النخيل من الشعبة الآرامية العظمى التي نزحت من الجزيرة العربية واستعمرت أولاً منطقة الخليج العربي بجزره وخلجانه من عُمان حتى جزيرة فيلكه ووربة وبوبيان في الكويت العالية، وقد شاهدت بنفسي عام 1965م قبورهم وبقايا آثارهم في جزيرة تاروت في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية.
رابعًا: ثقافة الشعب الفلسطيني
أ- الشعب الفلسطيني:
1- التعريف الوارد في الموسوعة الحرة (ويكبيديا) للشعب الفلسطيني مقبولٌ موضوعيًا وعلميًا وواقعيًا، وحسب ما ورد في هذا المصدر الثقافي العلمي المعاصر فإن (الشعب الفلسطيني هو شعب يعيش أو كان يعيش في فلسطين التاريخية (الضفة الغربية، قطاع غزة و(إسرائيل) بشكل طبيعي قبل بدء الهجرات الصهيونية الحديثة، وجميع نسله من بعده).
2- وهو جزءٌ ممن يُطلق عليهم تسمية "شوام"، حيث تشكل فلسطين الجزء الجنوبي من بلاد الشام. بلغ التعداد العالمي للفلسطينيين في نهاية عام 2013 ما يقارب 11.8 مليون نسمة، أكثر من نصفهم بقليل يعيش كلاجئ خارج حدود فلسطين التاريخية، أما الجزء الآخر فهم يعيشون داخل حدودها، ولكن ليس بالضرورة في بلداتهم الأصلية، فنسبة كبيرة منهم أيضاً لاجئون.
3- تعود الإشارة إلى الشعب الفلسطيني لأول مرة كشعب إلى ما قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى؛ حيث طالب المؤتمر السوري الفلسطيني المُنعقد في 21 سبتمبر 1921 بالاستقلال، وأصبح مصطلح الشعب الفلسطيني بعد الهجرة التي تمت بعد حرب 1948، وفي أعقاب إعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، وكذلك الهجرة الثانية بعد حرب 1967، لا يشير فقط إلى البلد الأصلي، بل أيضًا إلى الإدراك لماضٍ مشترك ودولة فلسطينية مشتركة.
4- تأسست منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 لتقوم بتمثيل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، كما تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية بالإدارة المدنية لبعض مناطق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد تأسست الأخيرة سنة 1993 بعد توقيع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على اتفاقية أوسلو، واتخذت من مدينة رام الله مركزًا لها.
5- يأتي في أول المواد من الميثاق الوطني الفلسطيني تعريفٌ للشعب الفلسطيني:
(الشعب الفلسطيني هو جزءٌ من الأمةِ العربية، وهم المواطنون العرب الذين يقيمون إقامةً عادية في فلسطين حتى عام 1947م سواء من أُخرج منها أو بقي فيها، وكل مَنْ وُلد لأبٍ عربيٍّ فلسطينيٍّ بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها فهو فلسطينيٌّ).
ب- ثقافة الشعب الفلسطيني:
* ثقافة أي شعب هي أوضح عنوان للتعريف بهذا الشعب، وعناصرها ومكوناتها هي أكثر العوامل حيوية في تشكيل شخصية أفراده وجماعاته، الوضع الراهن في ثقافة الشعب الفلسطيني وفي غياب المكون الوطني الموحد، والكيان السياسي الوطني الذي يتبع سياسة وطنية واضحة ذات أهداف عليا تجسد أمل أفراده في الانعتاق والحرية تتعدد الهويات الثقافية، وينحو كل مكون جزئي تحت الشعور بالتهديد والصراع مع المكونات الأخرى ليبرز ما يظن أنه تمثيلاً صحيحًا وفهما واضحًا للنهج السلوكي لأفراده.
* نحن أمام وضع شاذ من الثقافات التعددية التي تتبع الأهواء السياسية، وليس العكس عندما يوجد كيان سياسي وطني واحد تنبثق منه أنماط السلوك التي تنحاز إلى ثقافة الوطن أكثر من انحيازها إلى ثقافة الحزب أو الحركة أو المنظمة أو الجماعة الفرعية.
* منذ العام 2007م وطوال عقد من الزمن أدارت منظمة حماس قطاع غزة عن طريق ما عرف باللجنة الإدارية، واقتصرت سلطة رام الله على بعض الأطر النظامية والقانونية العامة التي تمثل الكيان الفلسطيني حسب نصوص اتفاقية أوسلو 1993م وملحقاتها السرية والعلنية، وقد عملت تلك الحالة على تكريس وضع جديد على الحالة الفلسطينية المعقدة، وأخيرًا بدأت إجراءات المصالحة والعودة إلى ما قبل 2007م عن طريق إدارة مصر للملف الفلسطيني، وعودة الزخم إلى تلك الحالة تمهيدًا كما يقال لاستئناف المفاوضات مع الكيان اليهودي، يجري ذلك وتعريف الشعب الفلسطيني يمر بأزمة معرفية حقيقية تعرض فيها الشعب لعمليات تهجير قسري، وتجري عملية متزامنة من التضيق الممنهج على مكوناته في مناطق تواجده على بعض أرض وطنه وأرض أمته التي ينتمي إليها، ففي غزة تمارس ضده وبتنسيق مع كل من يتربص بالقضية ومصير شعبها صنوفًا من الحصار المعيشي الذي ينعكس على المدى القريب والبعيد على الروح المعنوية للشعب، وعلى استجاباته لمتطلبات نضاله من أجل الانعتاق والحرية التي تمثل أبسط حقوق الإنسان، وتمارس عليه تلك السياسات الظالمة باعتبارها نوعًا من الإدارة اليومية للحياة الفردية والجمعية.
* تناقلت وكالات الأخبار اليوم 22 نوفمبر 2017م أخبار دعوة مصر لمكونات الشعب الفلسطيني إلى اجتماعات الحوار الوطني التي ستجري في القاهرة، وفي انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة تظل العيون متطلعة إلى هذا الحوار وما سيسفر عنه من نتائج تقرر مصير الشعب في الداخل والخارج، وترسم ملامح مرحلة جديدة من الحياة الفلسطينية.
ج- الوضع الراهن:
* الوضع الراهن مؤشر على نكبة ثقافية حقيقية يتشبث فيها الشعب الفلسطيني بما يتذكره من تراث الآباء والأجداد في الفنون وعادات الزواج والأفراح والمناسبات، ويؤسس لروابط المخاتير وجمعيات ما يعرف بالمجتمع المدني، وبعد تدمير اليهود للزراعة والصناعة ومنع الصيد البحري، وحرمان الشعب في غزة والضفة من ممارسة الحرف والمهن العريقة بحرية، والتنسيق الكامل بين الكيان اليهودي الغريب وسلطة أوسلو فإن فرصة تميز ثقافة وطنية واحدة وموحدة يبدو كسراب في صحراء ممتدة إلى ما لا نهاية.
* الخوف حاليًا من استثمار جواسيس أوسلو في قطاع غزة والضفة للحالة التي نتجت عن تسليم حماس شؤون غزة لحكومتهم، وتفسير النفوس المريضة والضمائر الخربة وفئات الجهلة والمنتفعين والمطبلين والمزمير الملولحين بالكوفية بأن ما حدث بوساطة مصرية بأنه انتصار لنهج العملاء والجواسيس والمفرطين المنسقين حلفاء اليهود قادة الخذلان، وأنه هزيمة لفصائل المقاومة فيولد ذلك ثقافة غوغائية تفرغ المصالحة من مضمونها، وكان افتعال مناسبة وفاة (محمد عبد الرؤوف القدروة) المعروف بياسر عرفات في غزة والضفة أول المؤشرات لصدق هذا التحليل، وإذا صح ذلك فالوطن مقدم على نكبة ثقافية حقيقية.
* والأمر يشتد غرابة في بلاد المهاجر والشتات حيث يتم حاليًا انتزاع الجيل الشاب من الشعب الفلسطيني وبتخطيط في غاية المكر والكيد من مساقط رؤوسهم ومواطن نشأتهم والقذف بهم في المنافي الاختيارية، وربما كان ذلك استثمارًا للحالة التي خلقتها الحالة العراقية والأزمة السورية في الهجرة والتهجير والتشريد وتدمير الأوطان، تلك الحالة الت اشترك فيها العالم كله على درجات متفاوتة.
* غزة والضفة تنتظران مرحلة إعادة الروابط الوطنية ووشائج الاتصالات المنسقة لمواجهة مرحلة ألقت فيها مصر بثقلها للتوصل إلى تسوية مشرفة يتم فيها احترام الاتفاقات والقرارات ومخرجات المفاوضات واللقاءات، تريدان إدارة شؤون الوطن في الداخل بالحكمة والتوازن والعدل والواقعية بعيدًا عن الصدام والتوتر، واستثمار مناخ المصالحة لتحقيق وحدة شعبية حقيقية بغض النظر عن الانتماء الفصائلي أو المصلحي أو العشائري، جميع الناس يستشعرون عظم المسؤولية، فقد يكون الوضع الراهن آخر فرصة لمن يزعمون أنهم أصحاب مشروع وطني، وآخر مناسبة يغسلون آثامهم التي صاحبت سنوات طويلة من التنسيق مع اليهود، والقيود التي كبلوا بها نفوسهم بمواثيق تنازلوا فيها عن أرض الوطن.
* وما يريده الشعب في الشتات والمنافي أخطر بكثير مما تريده الضفة والقطاع في ظل التحديات الجديدة التي يعيشها الشعب في بعض أقطار المنافي والشتات، إن استئثار سلطة أوسلو بإدارة السفارات في تلك الأقطار وإشغالها انتقائيًا بالأوسلويين أدعياء الانتماء إلى منظمة فتح أوجد فجوة كبيرة بين تلك السفارات وعامة الشعب في أقطار العالم المختلفة، فهؤلاء يشعرون أنهم نزلوا من السماء كمنقذين للشعب الذي ابتلاه الله بهم وبسلطة أوسلو المشؤومة، ولا دور لهم في مواجهة ما يعانيه الشعب في تلك الأقطار، وتتزايد أعداد الشعب سنة وراء أخرى وتتراكم المشكلات والمعاناة، وإذا ما حاول إنسان منصف أن يضعهم أمام مسؤولياتهم تذمروا وتحصنوا بمتطلبات المنصب، وتذرعوا بقصر الذراع وفقدان الحية وضعف الوسيلة.
* في عام 2006 م فازت حماس في الانتخابات النيابية الحرة والديموقراطية بطريقة بهرت العالم، وحازت على إعجاب واحترام أشد الناس عداوة وعنصرية، ولكن سلطة أوسلو لم تستوعب تلك الحالة وأوصلت الشعب إلى حالة الصدام والقطيعة، وما تلا ذلك كان مأساة حقيقية تعرض فيها قطاع غزة لثلاث حروب مدمرة، وحالة حصار ليس لها مثيل في التاريخ واجهها الشعب بالبطولة والصبر.
تسساؤول:
هل سلطة أوسلو وكوادر ما يدعون أنه فتح الخدعة لديهم استعداد لقبول نتيجة مضمونة مماثلة لانتخابات جديدة تفاجئهم فيها فتح الأبطال والوطنية الصادقة وحماس وجماهيرها وحلفاؤها من أبطال منظمات المقاومة الصادقين المتمسكين بوطنهم ولا يعترفون باليهود ملاكًا لذرة تراب منه؟
وحينئذ ماذا يصنعون وقد عادت مصر العروبة لتمسك بخيوط التسوية المشرفة التي تلزم اليهود فيها باحترام المواثيق والاتفاقيات بما يناقض الطبيعة اليهودية؟
هذا والله أعلى وأعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(... وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.) (سورة يوسف 21)