مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2017/05/06 18:59
الأمومة في الإسلام

الأمومة هي العطاء الدائم بلا حدود، لذلك تترقب المرأة هذه الهِبة بكل حب وحنان، ومع كل نبض ينبض به قلبها، مهما لاقت من صعاب طول مدة حملها أو بعد وضعها فلذة كبدها، تحمله بين يديها وتحرسه عيناها وقلبها وصدرها؛ لأن الله تعالى وضع في كِيانها الرقة والحنان؛ لتسير الحياة على نظامها المعهود الذي سيَّره الله تعالى وسخَّره بمشيئته لعمار الكون.

وتبدأ لحظات الأمومة حينما تشعر الأم بنبتة الجنين في أحشائها، لذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نختار - كما ذكرنا سابقا - لنطفنا؛ أي: لأولادنا، الأب الصالح، والأم الصالحة، صحيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا بكل المقاييس الصالحة التي تكون هذا الجيل الجديد، ففي حديث روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تخيَّروا لنُطفكم، وانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم»[1].

أولاً: الأمومة ورعاية الجنين:

على الأم أن تهتم بنفسها وبجنينها، فقد اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بالإنسان بصفة عامة، لذا اهتم بالأبناء منذ كونهم أجنَّة في بطون أمهاتهم، ومنحهم حقوقًا كاملة، فحافظ على حياتهم، وحافظ أيضًا على حقوقهم في الميراث وغيره؛ سواء أكان ذكرًا أم أنثى، كل له حقوقه كاملة.

وعلى الأب ألا يبخل في الإنفاق على الأم وجنينها، وتهيئة كافة الأمور؛ ليخرج إلى نور الحياة معافى، سليمًا من العيوب، ولكي نحافظ على أبناء المستقبل، ينبغي على الأب والأم أن يحافظا على نفسيهما وصحتهما؛ ليخرج نسلهما إلى الحياة في الإطار السليم الطبيعي، فيبتعد عن كل ما يؤثر تأثيرًا ضارًّا على الصحة؛ مثل: التدخين، أو غير ذلك من الأشياء التي تضر بصحة الإنسان بصفة عامة، وكل ما نهى عنه الدين، فهو ضار بصحة الإنسان، لذا علينا جميعًا التمسك بأهداب الدين والالتزام بأوامره، والبعد عن نواهيه، حتى في الأطعمة والأشربة، وغير ذلك من الأمور

أما الأم بصفة خاصة، فعليها أن تهيِّئ لنفسها سبل الراحة المطلوبة، والغذاء، وأيضًا الرعاية الصحية مع الطبيب الخاص؛ لتهيئ نفسها لاستقبال مهام الأمومة التي هي على وشك تحمُّلها، والتي بدأت بالفعل تخطو نحوها أعتاب الطريق.

وعلى الأبوين أن يختارا الاسم الجميل للابن أو الابنة، فهي سُنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، بل كان تغيير الأسماء إلى الأحسن دائمًا - أي إلى الأسماء الجميلة - سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد اختار صلى الله عليه وسلم لكثير من الصحابة أسماءهم كما غيَّر أسماء كثيرة إلى الأحسن.

فكان يسمي (عاصية)، (جميلة)، كما كان يسمي ويختار الأسماء الحسنة لأبنائه ولأحفاده وللمسلمين بصفة عامة، فقد ورد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم عاصية، وقال: «أنت جميلة»[2].

وعند الولادة يقوم الأهل بتحنيك المولود، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحنِّك الوليد، ويدعو له، فقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ تمرات فمضغها، ثم أخذها من فيه، فجعلها في فَمِ الصبي، ثم حنَّكه، وسماه عبدالله، وكان هذا الصبي أخًا لأنس من أمه أمِّ سليم بنت ملحان[3]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحنِّك أولاد الأنصار، قال اليزيدي: التحنيك أن يمضغ التمر، ثم يدلكه بحنك الصبي داخل فمه، يقال منه: حنكته - بتخفيف وتشديد - فهو محنوك ومحنك[4].

كما يستحب أن يؤذن في أُذن المولود، ويُعطى له الرعاية الكاملة؛ لينشأ سليمًا صحيحًا معافًى، فقد ورد حديث أبي رافع، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة[5].

كما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل رُؤي - أو كلمة غيرها - فيكم المغربون؟» قلت: وما المغربون؟ قال: «الذين يشترك فيهم الجن»[6].

والأذان مهم في إبعاد الشيطان عن الطفل الوليد، وإبعاد سلطان الجان عنه.

كذلك على الأم - وكذا الأب - أن يحلقا شعر المولود، ويتصدقا بوزنه لوجه الله تعالى وشكرًا له على نعمائه في منحهم هذه الفلذة الطيبة، فقد كان من سنن النبي صلى الله عليه وسلم حلق شعر المولود والتصدق بوزنه فضةً، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حينما وُلِد له ابنه إبراهيم، حلق شعره في اليوم السابع لمولده وتصدَّق بوزنه فضةً، وسماه ثم أعطاه لمرضعته لتُرضعه[7].

ثانيًا: الرضاع:

من واجبات الأم المحتمة إرضاع مولودها من ثدييها لينمو، وينمو الحب بينهما، واللقاء الروحي الدائم، ولا يجوز للأم أن تمنع ثديها عن وليدها إلا عند الضرورة القصوى التي لا دخل للأم فيها، فإن إدرار اللبن من ثدي الأم موهبة ربانية يهبها الخالق للأم والطفل، وقد أثبتت الأبحاث العلمية الآن أهمية الرضاع لكل من الأم والطفل.

فالرضاعة الطبيعية تسرع بعودة أجهزة المرأة التناسلية إلى وضعها الطبيعي بعد الولادة، كما أن لبن الأم هو اللبن الوحيد الطبيعي المناسب للطفل، فقد خلقه الله تعالى من أجله، كما أن هذا اللبن معقم لا تناله الجراثيم أو الميكروبات، مما قد يؤثر تأثيرًا خطيرًا على صحة الطفل، وقد يؤدي به إلى نزلات معوية حادة أو إلى الوفاة - لا قدر الله - حينما يتناول ألبانًا طبيعية أو صناعية ملوثة.

هذا بالإضافة إلى أن الرضاعة الطبيعية تحافظ على رشاقة الأم وجمالها الأنثوي، وأيضًا لتنظيم حملها - إذا أراد الله تعالى ذلك - حتى تستطيع أن تستعيد قوتها قبل أن تتحمل مشاق الحمل التالي، وأيضًا حتى تتفرغ نسبيًّا لرعاية وليدها.

كما أن رعاية الأم لوليدها والتصاقه بها أثناء الرضاعة الطبيعية، أثبت الأطباء في عصرنا الراهن أن هذا يثمر لغة حوار مشترك بين الأم وطفلها، هذا الحوار دائم الاتصال يفهمه كل طرف منهما بغير كلمات معروفة أو لغة ناطقة، وإنما هي مشيئة الله تعالى في إيجاد هذا الحوار المشترك بلغة العيون والإحساس، والصدر الحنون الدافئ للطفل.

هذا، وقد سبق الإسلام كل هذه الدراسات الحديثة، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233].

ويقول أيضًا: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14].

والرضاع كما هو معروف في الإسلام يحرم فيه ما يحرم من النسب، وهذا يشير لأهمية الرضاع للطفل؛ نظرًا لأن دمه ولحمه وخلاله تتكون منه خلال فترة الرضاعة، لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث في هذا المضمار، منها حديث رواه ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: (لا تحل لي، يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، هي بنت أخي من الرضاعة)، وفي الحديث عند مسلم: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم)[8].

وكانت قد عُرضت عليه ليتزوجها، وهي ابنة عمه حمزة بن عبدالمطلب، أما إذا اضطرت المرأة إلى الرضاعة الصناعية، أو استئجار المرضعات، فلها أن تباشر ذلك بنفسها حتى تطمئن على وليدها، فتعد طعامه وشرابه بنفسها، أو تباشر ذلك على من يقوم به؛ بحيث تتحرى النظافة التامة والتعقيم لطعامه؛ حتى لا يؤدي الإهمال فيه إلى مخاطر جسيمة قد تؤدي - لا قدر الله - إلى عواقب وخيمة.

كذلك عليها أن تعوض ذلك بوضعه في حضنها بين حين وآخر، فإن حضن الأم وتدليل الطفل بين حين وآخر، يشبع غريزة الأمومة عند الأم، كما يحيط الطفل بالحنان الدافق الذي لا يعوضه أي حنان في العالم، فإن كانت إمكانيات الأم تساعدها على استحضار مرضعات أو مربيات لطفلها، فعليها ألا تنسى أو تتناسى دورها وواجباتها كأم وهبها الله تعالى طفلًا، ينبغي عليها أن ترعاه حق رعايته، فالأمومة نعمة كبرى، وواجب عظيم جميل، عليها أداؤه على أكمل وجه تستطيعه دون إهمال أو تقصير، فهي محاسبة على هذا عند الله تعالى، وأيضًا في الدنيا؛ حيث تجني ثمرة رعايتها له بعد حين؛ إما ثمرة ناضجة حلوة ريحها طيب وطعمها طيب، وإما ثمرة فجة مُرة، لا طعم لها يستساغ، ولا رائحة لها طيبة.

ثالثًا: رعاية الأم للطفل:

هذا وينبغي أن تلاحظ الأم طفلها في كل وقت يتيح لها ذلك، بأن تفرغ وقتها كليةً لرعايته، فهي المسؤولة الأولى عنه في كل صغيرة وكبيرة، مسؤولة عن طعامه وشرابه، ونظافته وتربيته وتأديبه، واتجاهه إلى الخير أو الشر، فلا تعطيه إلا ما هو خير له من طعام وشراب وآداب وتوجيه ورعاية كاملة، فهي الحضن الذي يتربى فيه الطفل وينمو؛ ليصبح بعد ذلك عضوًا نافعًا لأسرته ومجتمعه.

وينبغي على الأم ألا تترك ابنها بين يدي الخدم أو دور الحضانة؛ لتزور معارفها وأصدقاءها، بل ينبغي أن تقوم على ما يلزمه قدر استطاعتها بنفسها، أو تشرف إشرافًا كاملًا على تربيته؛ حتى لا يُساء إليه وإلى مستقبله بصفة عامة.

فحينما يواجه الطفل مشكلة صغيرة، على الأم أن تقوم بحلِّها بنفسها، وإذا اقتضى الأمر مشاركة الأب في ذلك، فعليها أن تستدعي الأب ليشاركها؛ حتى يُقوَّم الطفل التقويم الأمثل دون تدخل أحد غيرهما (الأم، والأب)، فإن التفاهم التام في تربية الطفل بين الأبوين، يعطي في النهاية ثمرة حسنة لمجتمع طيب من أسرة طيبة ناجحة.

رابعًا: الأثر السلبي للخدم ودور الحضانة:

وهنا لا ننسى أن للخدم ودور الحضانة أدوارًا إيجابية وسلبية، أما الإيجابية فهي مساعدة الأم في تربية الطفل وتوجيهه، أما الدور الأكبر فيقع على عاتق الأم؛ لأن الطفل لا ينبغي أن يترك بين يدي الخادمات الجاهلات أو القادمات من بيئة مخالفة للبيئة الإسلامية؛ حيث يُعلِّمنَ الأطفال الانحراف في اللغة والخلق والدين، كما أن الأمومة الحقيقية هي غريزة تقتضي التضحية من الأم، وهذه التضحية تأتي بحب كبير يحتوي ابنها أو ابنتها، كما أن لذة التضحية تجدها المرأة في داخلها، فلا تشعر بأي عناء أو مشقة تجاه ذلك.

 

ودُور الحضانة قد تعلِّم الطفل أيضًا - رغم وجود الرقابة عليها - من غيره من الأطفال من بيئات مختلفة سلوكًا قويمًا ومنافعَ عديدة، إلا أنه يتعلم أيضًا بجوار ذلك السلوك المعيب من بعض هؤلاء الأطفال الذين يأتون من بيئات مختلفة قد تكون بعيدة عن أخلاق الإسلام، كما أن حرمان الطفل من أمه لفترات طويلة قد يدفع به إلى السلوك العدواني الذي يؤثر على تصرفاته مع أسرته وإخوانه، وأيضًا يؤثر على مستقبله بصفة عامة لحرمانه من حنان الأمومة الدافق والأمان الذي يحتويه، بالإضافة إلى حرمانه من التقويم التربوي المفروض في هذه الفترة المبكرة من حياته، لذلك ينبغي على الأم ألا تترك طفلها بين يدي الخدم أو في دور الحضانة إلا للضرورة القصوى ولفترات قصيرة؛ حفظًا له ولها ولأسرتها، وأيضًا للمجتمع الذي سوف يكون عضوًا فيه، والذي سوف تنعكس كل هذه الأمور عليه فيما بعدُ.



[1] سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، باب الأكفاء، حديث رقم (1968) ج 2 ص 473 - 474.

[2] انظر: ما سيأتي في الباب الثاني - الفصل الأول - عن حقوق الأولاد، وانظر أيضًا: صحيح مسلم، كتاب الأدب، باب تسمية المولود، وباب تغيير الاسم إلى أحسن منه حديث رقم (2139) ج 3 ص 1686، ط القاهرة، دار الحديث، وانظر مختصر صحيح مسلم، اختصار محمد بن ياسين بن عبدالله، كتاب الآداب، باب الأسماء المكروهة، حديث رقم (2139)، مج 2 ص 222 - ص 223 مكة المكرمة، المكتبة التجارية، وانظر أيضًا سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء، وباب في تغيير الاسم القبيح حديث رقم (4952) مج 2، ج 4 ص 288.

[3] انظر صحيح البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه، حديث رقم (5470)، ج 6 ص 565 - 566، وصحيح مسلم: كتاب الآداب، باب تحنيك المولود، حديث رقم (2144)، ج 3 ص 1689، وانظر أيضًا: مختصر صحيح مسلم للإمام مسلم، اختصار الحافظ زكي الدين عبدالعظيم المنذري الدمشقي؛ تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، طبعة أسيوط، لجنة إحياء السنة: كتاب الأدب، باب تسمية المولود: عبد الله، ومسحه والصلاة عليه، ص 371.

[4] انظر: مادة حنك في غريب الحديث؛ لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، دار الكتاب بيروت العربي، ج 1، ص 170 ط 1396هـ - 1976م.

[5] سنن أبي داود: كتاب الأدب، باب في الصبي يولد فيؤذن في أذنه (حديث رقم 5105)، مج 2 ج 4 ص 328.

[6] سنن أبي داود: نفس المصدر (حديث رقم 5107)، مج 2 ج 4 ص 328.

[7] انظر: طبقات ابن سعد ج 8 ص 153 - 156، وأسد الغابة ج 1 ص 49 - 51، وانظر أيضًا ترجمة مارية القبطية ضمن سلسلة نساء مؤمنات للمؤلفة (الكتاب الخامس) ص 26 - 27، وأمهات المؤمنين والقرشيات للمؤلفة ص 111.

[8] صحيح البخاري: كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض، حديث رقم (2645)، مج 2 جـ 3 ص 206، وشرح صحيح مسلم؛ للإمام النووي في كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، حديث رقم (1447)، ج 10 ص 277.
*الألوكة

 

من اعمال الباحث
أضافة تعليق
آخر مقالات