إن وطناً يحكمه الإسلام قادر أن يتمتع فيه اليهود والنصارى والفرق الأخرى بحقوقهم كاملة
لا مبرر للهلع من قدوم المد الإسلامي عبر العمل السياسي السلمي فهم أشد الناس وفاءً بالمواثيق
الإسلام لا يقبل من «الآخر» الاعتداء على حرمات المسلمين والحجر على عقيدتهم
إذا رغب «الآخر» في الاستفادة من الشريعة الإسلامية فسيكونون أكثر الناس سعادة
العلمانيون تمردوا على «نهضة» تونس و«حرية وعدالة» مصر رغم نجاحهما في الانتخابات!
التعالي وإلغاء الآخر هما المركب الذي غرقت به سفينة الأنظمة العلمانية المتطرفة في الوطن العربي
مرحباً بالإسلاميين إن كان بوسعهم إقناع المواطنين بأهمية تحكيم الشريعة للدنيا والآخرة
على جماعة «الرأي الآخر» القبول بفوز الإسلاميين وألا يضيقوا بهم ذرعاً إذا حكموا
الإسلاميون في العالم العربي الأكثر رغبةً في التعاون مع كل الأطراف الإيجابية
راج مصطلح «الرأي الآخر» في الأوساط السياسة المعاصرة بدرجة أصبح فيها من المسلَّمات لدى كثير من المنظرين السياسيين، وأخذ يتنامى حتى أصبح مفضلاً لدى مستخدميه على مصطلحات التمايز بين الناس؛ بسبب عقيدةٍ أو فكرٍ أو جنسٍ أو انتماء.
والمهتمون بالشأن السياسي يخوضون في استخدام هذا المصطلح مثل غيرهم، والأحزاب السياسية العلمانية تجد فيه عاملاً فعالاً لتحقيق غايتها في توحيد الصف الوطني، مبشرةً بوطن حر، لا يؤذي فيه أحدٌ أحداً، ولا ينتقص فيه طرفٌ من حق آخر، وتتضافر فيه أيديهم لتنمية الوطن الكبير، وبسط العدالة على ربوعه، من خلال إقامة نظام سياسي يتوافق فيه المواطنون على دستور يديرون به شأنهم.. فإلى أي مدى يمكن قبول هذا المصطلح وإيحاءاته الدلالية من الناحية الشرعية، وإلى أي مدى يمكن تحقيق مقاصد هذا المصطلح من الناحية الواقعية بين الإسلاميين وغيرهم؟
هذا المقال الذي بين أيدينا يجتهد لمعالجة هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:
أولاً: تعريف مصطلح «الرأي الآخر»:
بالنظر إلى مصطلح «الرأي الآخر»، نجد أنه مركب من لفظتين؛ هما «رأي»، و«آخر» - بفتح الخاء - ولكل منهما دلالة خاصة في اللغة العربية، قبل انضمامهما وصيرورتهما اسماً ذا دلالة واحدة اصطلاحية مستحدثة، لم أجد سابقاً لها في المعاجم العربية المرجعية المعتبرة، ويشابهه في المعنى «الفكر المعارض»، و«الفهم المخالف».
وقد أطلق عليه في الفقه الإسلامي مصطلحات عدة، منها: «اختلاف الفقهاء»، و«آراء الفقهاء»، و«رأي الخصوم»، و«عقيدة أهل السنة والجماعة»، مقابل «عقيدة المعتزلة» في مسائل، و«عقيدة الخوارج» في مسائل.. للدلالة على الموقف المخالف في المسائل الفقهية والسياسية والعقدية بين المسلمين، ومصطلح «أهل الكتاب»، و«الفرق»، و«الملل والنحل» للدلالة على «الآخر» المخالف في العقيدة.
وقد ألف فيه كثيرون من علماء المسلمين، ناظرين في أسبابه ومرجحين موقفاً على موقفٍ، في كثيرٍ من مسائل الخلاف الفقهي والعقدي، وهو خلاف كان محتملاً حتى لدى أصحاب المذهب الفقهي الواحد، أو الموقف الفكري والسياسي الواحد، وبموجب هذه المقارنات كان التفريق بين مذهبٍ ومذهبٍ، وبين حزبٍ وحزبٍ، وبين ملةٍ وملةٍ.
وكانت الخلاصة أن بعض المذاهب الإسلامية أو بعض الطوائف السياسية أو العقدية من طوائف المسلمين أقرب إلى الحق من غيرها، وأن بعض الملل أقرب إلى المسلمين من بعضها الآخر، كما دل على هذه الحقيقة قوله تعإلى: {لّتّجٌدّنَّ أّشّدَّ پنَّاسٌ عّدّاوّةْ لٌَلَّذٌينّ آمّنٍوا پًيّهٍودّ $ّالَّذٌينّ أّشًرّكٍوا $ّلّتّجٌدّنَّ أّقًرّبّهٍم مَّوّدَّةْ لٌَلَّذٌينّ آمّنٍوا پَّذٌينّ قّالٍوا إنَّا نّصّارّى ذّلٌكّ بٌأّنَّ مٌنًهٍمً قٌسٌَيسٌينّ $ّرٍهًبّانْا $ّأّنَّهٍمً لا يّسًتّكًبٌرٍونّ >82<}(المائدة).
أما الآن فقد أصبح المصطلح علماً مركباً، ذا دلالة واحدة، ولهذا يمكن تعريفه إصطلاحاً: بأنه «إيجاد صيغة تصالحية بين الناس المتعارضين عقدياً أو سياسياً أو أخلاقياً، يتعايشون من خلالها بسلامٍ وتعاونٍ، مروضين أنفسهم على تقبل هذا التعايش، رغم ما لديهم من خصوصيات التباين ومبرراته».
ثانياً: ثورة أصحاب المصطلح:
أُلِّفَت لترسيخ هذا المصطلح ودعمه كتبٌ كثيرة، وفي محاضرة بعنوان «احترام الآخر»، نشرتها شبكة «راصد»، قال د. سعد البازعي، أكاديمي سعودي درس في أمريكا، متخصص في الأدب الإنجليزي: «إن ولادة مصطلح الآخر دليل على نضج التفكير، فهو مصطلح حيادي وليس هجومياً مثل «العلوج - الكفار..»، وقال: «تحدثت في الغرب عن مصطلح الآخر أكثر من مائتي كتاب». انتهى.
يأمل هذا المصطلح أن يجد قبولاً لدى الجميع، ورضاً على ادعاء أنه فكر وسطي مسالم، غيرُ مستفزٍ، فهل هو كذلك؟
نرى بعضَ معتنقيه يجعلون منه ديناً، يسمح لنفسه بالتسلط والاعتداء على مخالفيه، على النحو الذي ذهب إليه د. أحمد صبحي منصور، أزهري متخصص في التاريخ الإسلامي، من مؤسسي المدرسة القرآنية التي تنكر السُّنة النبوية، خالف العلماء في مسائل شتى من أمر الدين، وفصل من جامعة الأزهر بسبب شذوذ أفكاره، فقد كتب مقالاً تحت عنوان «من هو الآخر في الاسلام؟»، جاء فيه:
«السائد في الفقه التراثي، ولدى المتطرفين تقسيم العالم إلى معسكرين متصارعين: معسكر الإيمان والسلام والإسلام، وهو دار الإسلام، وخصمه وهو الغرب؛ معسكر الكفر ويسمونه دار الحرب.. وفي هذا التقسيم يوضع غير المسلمين من الأقليات الدينية موضع الشبهة والاضطهاد، ويُنظر إليهم باعتبارهم خونة ينتمون للعدو الخارجي في معسكر الأعداء أو دار الحرب».
وأخذ منصور يتهجم على الإسلام، ويفسره تفسيرات غير مقبولة شرعاً وواقعاً، فقال: «معظم المسلمين في تدينهم الواقعي يؤلهون محمداً، يعتقدون بحياته الأزلية في قبره، ويحجون إليه، ويصلون له «السنن»، ويعتقدون أنه سيشفع فيهم ويدخلهم الجنة، ومع أن شهادة الاسلام واحدة، هي «لا إله إلا الله»، يقول تعالى لخاتم النبيين محمد [: {فّاعًلّمً أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ پلَّهٍ $ّاسًتّغًفٌرً لٌذّنًبٌكّ $ّلٌلًمٍؤًمٌنٌينّ $ّالًمٍؤًمٌنّاتٌ $ّاللَّهٍ يّعًلّمٍ مٍتّقّلَّبّكٍمً $ّمّثًوّاكٍمً >19<}(محمد)، إلا أن المسلمين جعلوا شهادة الإسلام الواحدة شهادتين، لا تتم الأولى بدون الثانية، فيقولون أيضاً: محمد رسول الله»!
ومثل هذه المغالطات الباطلة يرددها كثيرون من خصوم الإسلام والمسلمين، وهي تأتي على سبيل التشويه والتشهير والإساءة والاستعداء، وتكون عادة مقدمات تحريشية، تحرض السلطان العلماني المحلي والأجنبي على البطش والعدوان بالمسلمين، وحركاتهم السياسية العاملة، ودعاتهم وعلمائهم وقادتهم ومفكريهم.
ثالثاً: التخوف المشروع:
ومن هنا تتمدد علة أصحاب «الرأي الآخر» القاتلة، وتكون مبرراً للتخوف المشروع من طرف الإسلاميين، والحذر الواجب عند التعامل مع هذه العلة، فإن أتى من يرغب أن يفسر لنا الإسلام مثل هذا التفسير الباغي، وعزز موقفه بالقهر والاعتداء، مثل الذي يفعله قديماً وحديثاً متطرفو العلمانية في الوطن العربي، من سجن الدعاة وتعذيبهم، أو طردهم من أوطانهم، أو منع أنشطتهم السياسية والدعوية والاجتماعية، أو الحيلولة دون وصولهم إلى مقاليد الحكم، أو الشغب الدائم على من فاز منهم في الانتخابات، فليس أمام المسلمين غير مجاهدة هذا الاتجاه التسلطي القمعي، كما جاهدوا غيره من المعتدين، بكل الوسائل المشروعة، وأعظمها تأثيراً الجهاد السلمي بوسائطه المختلفة.
وإني لأخشى أن تتحول جماعات «الرأي الآخر» في الوطن العربي، إلى كيانات وجماعات مستبدة تحمل السلاح، لكبت مخالفيها، والتعالي على صف الوحدة الوطنية، التي يشارك فيها الإسلاميون مع غيرهم من الوطنين، وفرض خيارين ضيقين: عليهم أن يتنازلوا عن تمايزهم العقدي والأخلاقي والسياسي، أو أن يعتزلوا الصف الوطني الموحد، ويتركوه لجماعة «الرأي الآخر»، وهما خياران مرفوضان من طرف الإسلاميين، الذين لن يقبلوا بتجريدهم عن مبادئهم، وإقصائهم عن العمل السياسي الإيجابي الذين هم رواده.
لهذا تبطل المصطلحات المستحدثة مثل: «قبول الرأي الآخر واحترامه والتضحية من أجل انتصاره وتمكينه، وعدم إقصاء الآخر، أو عدم إلغاء الآخر، أو التعايش مع الآخر..»، إذا كانت مصرة على إجبار المسلمين على التنازل عن مبادئ وأخلاق وواجبات شريعتهم، كالجهاد في سبيل الله، والحكم بما أنزل الله، والعمل من إجل إرساء القيم الفاضلة، وإقامة فرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
كما يبطل موقف التنظيمات السياسية العلمانية المتطرفة، التي تتعالى على الجميع، وترفض الانضمام إلى الآخرين، بزعم أنها أكثر فهماً وإدراكاً لفقه «الرأي الآخر»، ومصطلح «الديمقراطية» المعاصر، وبناء على ذلك ترغب أن يأتي إليها «الآخرون» متتلمذين لا شركاء نضال أو مصالح. وإن هذا التعالي وإلغاء الآخرين هو المركب نفسه الذي غرقت به سفينة الأنظمة العلمانية المتطرفة في الوطن العربي، فقد تهاوت أصنامها أمام حركة الشعوب، على الرغم من الدعم الكبير الذي كانت تحظى به من دول الغرب والمؤسسات الصليبية والدولية، المناصرة للعلمانية العسكرية المستبدة في الوطن العربي.
رابعاً: تحقيق مصالح الجميع:
إن الصيغة الممكنة للتعاون بين الإسلاميين وبين جماعات «الرأي الآخر» يمكن حصرها في صورتين:
أ- زمن التمكين الإسلامي: الذي يخاطب المسلمين الحاكمين أن يتيحوا الحرية العقدية والفكرية لمخالفيهم مصداقاً لقوله تعالى: {لا إكًرّاهّ فٌي پدٌَينٌ قّد تَّبّيَّنّ پرٍَشًدٍ مٌنّ پًغّيٌَ فّمّن يّكًفٍرً بٌالطَّاغٍوتٌ $ّيٍؤًمٌنً بٌاللَّهٌ فّقّدٌ \سًتّمًسّكّ بٌالًعٍرًوّةٌ پًوٍثًقّى» لا \نفٌصّامّ لّهّا $ّاللَّهٍ سّمٌيعِ عّلٌيمِ >256<}(البقرة)، وأن يأمن مخالفهم من اعتدائهم، وأن يكونوا مع (الآخر - أهل الكتاب أو أصحاب الآراء السياسية الاجتهادية) أمة واحدة، تتعاون في المعروف، وتحقق المصالح المشتركة، كما دل عليه قوله تعالى: {لا يّنًهّاكٍمٍ پلَّهٍ عّنٌ پَّذٌينّ لّمً يٍقّاتٌلٍوكٍمً فٌي پدٌٌَينٌ $ّلّمً يٍخًرٌجٍوكٍم مٌَن دٌيّارٌكٍمً أّن تّبّرٍَوهٍمً $ّتٍقًسٌطٍوا إلّيًهٌمً إنَّ پلَّهّ يٍحٌبٍَ پًمٍقًسٌطٌينّ (8)}(الممتحنة).
إن وطناً يحكمه الإسلام قادر أن يتمتع فيه اليهود والنصارى والفرق الأخرى بحقوقهم كاملة؛ ماداموا خاضعين لحكم القانون، غير ناكثين للمواثيق بينهم وبين الدولة، قائمين بما عليهم من واجب المواطنة، وهذه الصيغة الإسلامية للتعاون مع «الآخر» لا تتخاصم مع المفاهيم السياسية المعتدلة المعاصرة، التي تتيح للأحزاب أن تتنافس في كسب الأمة، فما من حزب استطاع أن يطرح برنامجاً سياسياً وأن يقنع به، سواداً من المواطنين غالباً، فله أن يحكم ببرنامجه الانتخابي بعد التمكين وفق القانون.
وعلى جماعة «الرأي الآخر» أن يتقبلوا هذا الفوز الإسلامي الحاكم، خضوعاً للقانون والعهود والمواثيق، وألا يضيقوا به ذرعاً، كما فعلت ديمقراطيات العالم المعاصر، فها هي تشاغب في تونس على «النهضة»، وفي مصر على «الحرية والعدالة»، وقد قمعت في الجزائر حركة «عباسي مدني»، و«علي بلحاج» الإسلامية، على الرغم من نجاحها في الانتخابات.
ب- أما في زمن انكسار واستضعاف المسلمين: وحينما لا يقوون على إقناع الناخب ببرنامجهم، في ظل المنافسة السلمية على السلطة، فإن الإسلام نفسه يجيز لهم السعي في صيغة مغايرة للتعامل مع «الآخر»، وذلك لتحقيق غايتين؛ إحداهما: خدمة الأهداف والمصالح المشتركة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وثانيتهما: دفع العدوان والاعتداء على جميع المواطنين ومكتسبات الوطن.
وهذه من إيجابيات هذا الدين الحنيف لكونه يسعى دوماً للحصول على عوامل مقربة بين الناس، بهدف تحقيق مصلحة عامة، فـ«حلف الفضول» أسس في الجاهلية لكنه حظي بمشاركة رسول الله [ حماية للضعفاء من تسلط الأقوياء الجبارين، فإذا وجد مسلم غير مُمَكن - تنظيماً كان أو حزباً أو شخصاً - في مجتمع يغايره عقيدةً وأخلاقاً يمكن تسميته بـ«الآخر» فحينئذٍ يجوز له إقامة روابط وصلات سياسية واجتماعية واقتصادية وتحالفات خدمة للمصلحة العامة.
وانطلاقاً من هذه المفاهيم الشرعية نجد الإسلاميين يتعانقون مع غيرهم من تيارات العمل السياسي العلماني المعارض، ويصلون معها إلى مواثيق عمل مشتركة، قد يعد مؤشراً مناسباً للاطمئنان على موقفهم الإيجابي من «الآخر» بعد التمكين.
خامساً: حدود التعاون مع الآخر:
قد تصل هذه الصلات الإسلامية مع «الآخر» إلى حد المشاركة في السلطة، بقانون يتفق عليه الجميع، يحمي الحريات، ويبسط العدل، ويمنح الحقوق، وذلك من منطلق أن الإسلام يأمر معتنقيه أن يقوموا بالمعروف بالقدر المتيسر لهم، فإن تيسر لهم مع «الآخر» حماية خصوصياتهم من عقيدة وخلق وتعليم وتربية ومعيشة فهذا قدر سعى إليه أصحاب الرسول [، المهاجرون (رضي الله عنهم) إلى الحبشة النصرانية، وإن تيسر لهم أن يكونوا سلطة تحقق عبرها العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فهذا موجب للتعاون مع «الآخر» لتحقيق هذه المقاصد شرعاً، وهو قدر مهم من الغايات القصوى التي يريدها الإسلام من المسلمين في حالة التمكين الكامل.
وأخيراً: المفاصلة الواجبة:
إن الذي لا يقبله الإسلام من «الآخر» أن يصدر منه اعتداء على حرمات المسلمين، وحجر على عقيدتهم، واستهداف لأخلاق أبنائهم، وتفسير خاطئ لدينهم ومصادر تشريعهم، مثلما يروجه الأمريكيون حالياً ومناصروهم في العالم الإسلامي، من تقسيم المسلمين إلى إرهابيين ومعتدلين، والسعي إلى تغييب أو حذف النصوص الشرعية التي تدعو إلى الجهاد، أو الولاء والبراء، فعندئذ لن يتعايش الإسلاميون مع من يكن لهم الحقد والحرب، ويخفي لهم سيف الغدر، ويجب عليهم المفاصلة الواضحة، في قوله تعالى: {لّكٍمً دٌينٍكٍمً $ّلٌيّ دٌين(6)}(الكافرون).
وقطع كل حبال التعاون والتسامح، وهو ما دل عليه قوله تعإلى: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا لا تّتَّخٌذٍوا عّدٍوٌَي $ّعّدٍوَّكٍمً أّوًلٌيّاءّ تٍلًقٍونّ إلّيًهٌم بٌالًمّوّدَّةٌ $ّقّدً كّفّرٍوا بٌمّا جّاءّكٍم مٌَنّ پًحّقٌَ}(الممتحنة:1)، وقوله أيضاً: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا لا تّتَّخٌذٍوا پَّذٌينّ \تَّخّذٍوا دٌينّكٍمً هٍزٍوْا $ّلّعٌبْا مٌَنّ پَّذٌينّ أٍوتٍوا پًكٌتّابّ مٌن قّبًلٌكٍمً $ّالًكٍفَّارّ أّوًلٌيّاءّ}(المائدة:57)، فلا تنتظر جماعة «الرأي الآخر» أن يجدوا من الإسلاميين تنازلات يأباها دينهم وأخلاقهم، وإنما سيجدون الإسلام يأمر أتباعه أن يكونوا مع «الآخر» أمة واحدة، موفين بالعهود والمواثيق، خدمة للمصالح المشتركة، ودفعاً للعدوان المشترك، مادام هذا الآخر راغباً في أداء هذا الواجب، مخلصاً متعاوناً مأمون الغدر والخيانة.
فإن كانت الأطراف العلمانية التي يمكن إدراجها في قائمة «الآخر» تسعى لترويض الإسلاميين حتى تصنع منهم أدوات لتحقيق مآربها، فإن تلك خدعة، قد نجحت في فترات من عمر النضال، أصبح فيها من لا خلاق لهم من العلمانيين والشيوعيين والصليبيين رواد الأمة إلى الضلال، عقيدةً وخلقاً وسياسةَ، لكنها ليست من السهولة بمكان أن تنجح حالياً في أمة تخرج أبناؤها في جامعاتها لا في جامعات فرنسا وبريطانيا، وذاقت مرارة المحن من أجل استراداد حقوقها، والدفاع عن حرماتها ومقدساتها، وتمرست في العمل السياسي إلى درجة أصبحت فيها قادرة أن تقود نفسها والآخرين بهدى الإسلام الرائد.>
والخلاصة:
إن موقف الإسلاميين إيجابي تجاه «الآخر»، سواء كانوا في حالة التمكين أم في حالة الجهاد والسعي إليه، فتمكينهم عدلٌ، وأمنٌ، ورحمةٌ، ووفاءٌ، ورخاءُ اقتصاد، وتصاعدُ تنمية، لكل المواطنين حتى تصل مستوى لا يجد الحاكم فيه من يقبل صدقة بيت المال، دون تفريق بين دينٍ ودين، أو جنس وجنس، أو لغة ولغة.. وفي حالة الجهاد هم متعانون مع كل موقف إيجابي، يسعى لتحقيق الأهداف العامة للوطن والمواطنين حماية للعرض والنفس والعقل والأرض والدين.
فإن كان «الآخر» راغباً في الاستفادة من هذه الفرص، التي تتيحها شريعة الإسلام وأخلاق الإسلاميين فهم أشد سعادةً بمثل هذا التلاقي والتعاون في المعروف، وإن انطوى «الآخر» على خدعة تسعى لترويض الإسلاميين ليكونوا سِلماً للوصول، فإن الإسلاميين الآن في وضع من العلم والخبرة وحسن البلاء ما يجعلهم يميزون ما ينفعهم وما يضرهم من مواقف «الآخرين»، فلهذا لا ينتظر منهم أن ينقادوا أذلاء أمام ذئب يريد افتراسهم، أو أن يتحلوا بالصبر الجميل أمام نار تريد إحراق أخضرهم ويابسهم، فهل لدى «جماعة الرأي الآخر» استعداد للتعامل مع الإسلاميين وفق هذه المفاهيم الشرعية الواقعية؟
*المجتمع