د. هناء محمد الحنيطي
الفصل الأول
مفهوم بيع العينة وأحكامها .
المبحث الأول : مفهوم بيع العينة لغة واصطلاحا.
المطلب الأول : العينة لغة .
المطلب الثاني : العينة اصطلاحا .
المبحث الثاني : صور العينة وحكمها عند الفقهاء .
المطلب الأول : صور العينة وحكمها عند الحنفية .
المطلب الثاني : صور العينة وحكمها عند الشافعية .
المطلب الثالث : صور العينة وحكمها عند الحنابلة .
المطلب الرابع : صور العينة وحكمها عند المالكية
المطلب الخامس : عكس مسألة العينة وحكمها عند الفقهاء.
المبحث الثالث : أراء الفقهاء في بيع العينة وشروطها .
المطلب الأول : الأدلة الشرعية لتحريم بيع العينة .
المطلب الثاني : الأدلة الشرعية لجواز بيع العينة .
المطلب الثالث : المناقشة والترجيح .
المطلب الرابع : شروط تحريم بيع العينة .
المطلب الخامس : حيل باطلة لتجويز بيع العينة .
الفصل الأول
مفهوم بيع العينة وأحكامها وتطبيقاتها
تعتبر مسألة بيع العينة من المسائل القديمة – الحديثه فقد برزت كحيلة من الحيل الربوية في معاملات كثير
من التجار للحصول على مكاسب مالية . وبرزت كذلك في معاملات المصارف تحت مسميات عديدة وبصور مختلفة.
’’ وأعلم أن المسألة تارة تفرض في الصرف فلا يتصور دخول الأجل فيها، وتارة تفرض في غير الصرف، فتقع تارة بدون الأجل وتارة بالأجل وتفرض تارة في باب الرجل يبيع الشيء بأجل ثم يشتريه بأقل من الثمن وتفرض في باب البيع الفاسد وبيوع الأجال وباب البيع بالنسيئة وباب الكفالة والوكالة’’.
إن مسألة العينة من المسائل التي أختلف فيها الفقهاء لتعدد صورها فاختلُف في حكمها.
لذلك سنبين معنى العينة وأراء الفقهاء في مشروعيتها وصورها عندهم وحكمها وتطبيقاتها المعاصرة .
المبحث الأول
مفهوم بيع العينة لغة واصطلاحا.
المطلب الأول : العينة لغة .
العينة : ’’خيار الشيء جمعها عَين، العينة : بكسر العين : السلف، واْعتانَ الرجلُ إذا اشترى الشيء بنسيئة، وعَينةُ الخيل : جيادُها، وعْينُ الشيء : نفسه وشخصه وأصله، والجمع أعْيانٌ، وَعْينُ الشيء : نفسه وحاضره وشاهده’’.
والعينةُ : ’’بالكسر : السَّلَفُ، وخيارُ المالِ، ومادَّةُ الحرُوب’’.
العِينَة : ’’بالكسر السَّلَف . و(أعتَانَ ) الرَّجُلُ أشتَرَى بنَسيئةِ’’.
’’سميت عينة لإعانة أهلها للمظطر على تحصيل مطلوبه على وجه التحيل بدفع قليل في كثير’’.
’’العينة (بكسر العين) : مشتقة من العون، لأن البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده، وقيل : إنها مشتقة من العين وحاجة الرجل إليها، فيشتري السلعة ليبيعها بالعين التي يحتاجها، وليس به إلى السلعة حاجة’’.
’’وأصل العينة عونة، وقعت الواو ساكنة بعد كسرة فقلبت ياء من العون، كأن البائع أعان المشتري بتحصيل مراده’’.
’’وبيع العينة بكسر العين المهملة وهي السلف، يقال باعه بعينه : أي نسيئة وقيل لهذا البيع عينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقداً حاضراً’’.
المطلب الثاني : العينة اصطلاحا.
بيع العينة هو محل خلاف بين الفقهاء. ويمكن أن يكون أصل الاختلاف هو الصورالتي تندرج تحت العينة.
العينة عند الحنفية :
’’العينة بكسر العين المهملة وهي السلف يقال باعه بعينه أي نسيئة وقيل لهذا البيع عينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا’’.
العينة عند الحنابلة :
’’ قال ابن قدامة : العينة ان يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة. فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس وقال : أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد وقال : إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا. فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل،ويجوز أن تكون العينة اسماً لهذه المسألة وللبيع بنسيئة جميعاً . لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم أتفاقاً ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره. (ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به) وجملة ذلك : أن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه لم يجز في قول أكثر أهل العلم . وصورتها : إن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة: لا يجوز ذلك إلا أن يغير السلعة . لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا’’.
العينة عند الشافعية : جاء في فتح العزيز : ’’بيع العينة ، وهي أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك نقداً، وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقداً ويشتري بأكثر منه إلى أجل، سواء قبض الثمن الأول أو لم يقبضه’’.
العينة عند المالكية :
نجد مسمى العينة عند المالكية ضمن بيوع الآجال وتعريفهم لها هو أن العينة: هي بيع من ( طلبت منه سلعة ) للشراء (وليس عنده) أي البائع (لطالبها) المشتري متعلق ببيع (بعد شرائها) لنفسه من آخر (جائزة) بمعنى خلاف الأول. فأهل العينة قوم نصبوا أنفسهم لطلب شراء السلع منهم، وليست عندهم فيذهبون إلى التجار ليشتروها بثمن ليبيعوها للطالب، وسواء باعها لطالبها بثمن حالّ أو مؤجل، أو بَعضه مؤجل.
’’العينَةُ بْيعُ من طُلبَتْ منه سلعةُ وليست عنده، فإن لَم يتراضيَا على ثمنٍ فجائز، إلا إن قال : اشترهَا بعشرةٍ نقداً وأشتريها باثنْى عشرَ إلى أجلٍ، فإن قال : ’’لي’’ لزِمتِ الطالبَ بعشرة،وإن لم يقل مَضى الثاني على الأرجح. أو يقول : اشترها لي بعشرةٍ، وللمطلوب الأقَلُّ من الدِّرهمين أو أجر مثله’’.
’’العينة بكسر العين وهو فعلة من العون لأن البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده وقيل من الضاء وهو تجشم المشقة وقال عياض في كتاب الصرف سميت بذلك لحصول العين وهو النقد لبائعها وقد باعها لتأخير’’.
وتميل الباحثة إلى تعريف ابن تيمية لبيع العينة حيث يقول في الفتاوى الكبرى : ’’العينة هي : أن يبيع سلعة من غيره بثمن مؤجل،ويسلمها للمشتري، ثم يشتريها منه نقداً بأقل من ذلك الثمن،ليسلم من الربا ظاهراً.وهذا العقد حيلة لأن ظاهره البيع المشروع وحقيقته الربا،وهو المقصود للمتبايعين، فرتب الشارع الحكم على الحقيقة، ولم يلتفت إلى الظاهر’’.
فالعينة قرض بصورة بيع والبيع حيلة لاستحلال الربا فهي شراء ما باع بأقل مما باع .
المبحث الثاني
صور العينة عند الفقهاء.
المطلب الأول : صور العينة وحكمها عند الحنفية.
هناك عدة صور لبيع العينة عند الحنفية وأهمها :
’’بيع سلعة بثمن مؤجل ثم شراؤها بأقل من ذلك الثمن حالاً’’ .
هذه الصورة عند الحنفية أن البائع الأول هو المشتري الثاني، ’’إذا باع رجل شيئاً نقداً أو نسيئة وقبضه المشتري ولم ينقد ثمنه أنه لا يجوز لبائعه أن يشتريه بأقل من ثمنه الذي باعه منه’’.
’’لو اشترى ما باع بمثل ما باع قبل نقد الثمن جاز بالاجماع لإنعدام الشبهة وكذا لو اشتراه بأكثر مما باع قبل نقد الثمن ولأن فساد العقد معدول به عن القياس وأنما عرفناه بالأثر والأثر جاء في الشراء بأقل من الثمن الأول فبقي ما وراءه على أصل القياس هذا إذا اشتراه بجنس الثمن الأول فإن اشتراه بخلاف الجنس جاز لأن الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس إلا في الدراهم والدنانير خاصة استحسانا والقياس أنه لا يجوز لأنهما جنسان مختلفان حقيقة فالتحقق بسائر الأجناس المختلفة (الاستحسان أنهما في الثمنية كجنس واحد فيتحقق بمجموع العقدين فكان في العقد الثاني شبهة الربا وهي الربا من وجه ولو تعيب المبيع في يد المشتري فباعه من بائعه بأقل مما باعه جاز لأن نقصان الثمن يكون بمقابلة نقصان العيب فيلتحق النقصان بالعدم كأنه باعه بمثل ما اشتراه فلا يتحقق شبهة الربا ولو خرج المبيع من ملك المشتري فاشتراه البائع من المالك الثاني بأقل مما باعه قبل نقد الثمن جاز لأن اختلاف الملك بمنزلة اختلاف العين فيمنع تحقق الربا’’.
وسبب التسمية ببيع العينة ’’قيل لهذا البيع عينة لاّن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عيناً : أي : نقداً حاضراً : أي أشتر من الناس نوعاً من الأقمشة ثم بعه فما ربحه البائع منك وخسرته أنت فعليّ فيأتي إلى التاجر فيطلب منه القرض ويطلب التاجر منه الربح ويخاف من الربا فيبيعه التاجر ثوباً يساوي عشرة مثلاً بخمسة عشر نسيئة فيبيعه هو في السوق بعشرة فيحصل له العشرة ويجب عليه للبائع خمسة عشر إلى أجل، أو يقرضه خمسة عشر درهماً ثم يبيعه المقرض ثوباً يساوي عشرة بخمسة عشر فيأخذ الدراهم التي أقرضه على أنها ثمن الثوب فيبقى عليه الخمسة عشر قرضاً. ومن صورها : أن يعود الثوب إليه كما إذا اشتراه التاجر في الصورة الأولى من المشتري الثاني ودفع الثمن إليه ليدفعه إلى المشتري الأول، وأنما لم يشتره من المشتري الأول تحرزاً عن شراء مَا باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن. قوله : (أي بيع العين بالربح): أي: بثمن زائد نسيئة : أي : إلى أجل. وهذا تفسير للمراد من بيع العينة في العرف بالنظر إلى جانب البائع، (وهو مكروه) عند محمد وبه جزم في الهداية قال في الفتح: وقال أبو يوسف : لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك ولم يعدوه من الربا وقال محمد: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا، وقد ذمّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وأتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء، فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم) وقيل إياك والعينة فإنها لعينة’’.
وجاء في الفتاوى الهندية لأبن الهمام : صورة من صور بيع العينة وهي : ’’أن يبيع المقرض من المستقرض سلعة بثمن مؤجل ويدفع السلعة إلى المستقرض ثم أن المستقرض يبيعها من غيره بأقل مما أشترى،ثم ذلك الغير يبيعها من المقرض بما اشترى لتصل السلعة إليه بعينها ويأخذ الثمن ويدفعه إلى المستقرض فيصل المستقرض إلى القرض ويحصل الربح للمقرض وهذه الحيلة هي العينة، عن ابي يوسف أنه قال العينة جائزة مأجورة’’ .
حكمها عند الحنفية : اختلفوا في حكم هذه الصور من العينة، وقد نسبوا إلى أبي يوسف القول بجوازها وأن فاعلها مأجور إذا قصد الفرار من الحرام، ونسبوا إلى محمد بن الحسن القول بكراهة هذه البيوع وذمها حيث قال: ’’هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم، اخترعه آكلة الربا، وقد ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم’’.
والذي يناسب هذا التشديد أن تكون الكراهة هنا كراهة تحريم كما نص على ذلك ابن عابدين، ولكن الملاحظ أن بعض فقهاء الحنفية ذكر قولاً واحداً في حكم هذه البيوع هو الكراهة ولم يشر إلى أبي يوسف مما يعني أنه يرجح قول محمد بن الحسن فيها.
فما محل الكراهة ؟ وما محل الجواز المنسوب إلى أبي يوسف ؟
قال أبن الهمام : ’’ثم الذي يقع في قلبي أن ما يخرجه الدافع إن فعلت صورة يعود فيها إليه هو أو بعضه كعود الثوب أو الحرير وكعود العشرة في صورة إقراض الخمسة عشر فمكروه، وإلا فلا كراهة’’ .
أما صاحب الهداية لا يذكر إلا القول بالكراهة في بيوع العينة، وكذلك قال صاحب الدر المختار: ’’اخترعه أكلة الربا وهو مكروه مذموم شرعاً لما فيه من الإعراض عن مبرة الإقراض’’ .
فالحنفية قالوا بفساد صورة العينة المشهورة وهي من صور ’’مسألة ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن’’ فبيوع العينة عند الحنفية فاسدة إذا كان البيع الثاني مشروطاً في البيع الأول لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد العاقدين فهو شرط فاسد مفسد للعقد الأول فلم يقل الحنفية ببطلان هذا البيع إذا وقع لأنهم، يُجرون العقود على ظواهرها إذا استوفت أركانها وشروط صحتها، وهذه صورة بيع صحيح هنا فلم يبطلوه.
المطلب الثاني : صور العينة وحكمها عند الشافعية .
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ’’ومن باع سلعة من السّلع إلى أجل من الآجال وقبضها المشتري، فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراها بأقل من الثمن، وزعم أنَّ القياس في ذلك جائز، ولكنه زعم تبع الأثر ومحمود منه أن يتبع الأثر الصّحيح، فلما سأل عن الأثر إذا هو أبو اسحاق عن أمرأته عالية بنت أنفع أنها دخلت مع أمرأة أبي السفر على عائشة رضي الله عنها فذكرت لعائشة أن زيد بن أرقم باع شيئاً إلى العطاء، ثم اشتراه بأقلَّ مما باعه له، فقالت عائشة أخبري زيد بن أرقم أنَّ الله قد أبطلَ جهاده مَع رسول الله إلا أن يتوب’’.
وجاء في الأم : ’’إذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقد أقل أو أكثر مما أشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوي، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل’’.
ترى الباحثة أن الإمام الشافعي يجيز بيع العينة دون التفريق بين كون المشتري ثانياً هو البائع اولاً أو لا،وهذا يتفق مع منهج الإمام الشافعي الذي بينه في إجازة العقود بناءً على صحة الظاهر وأنه لا يبطل العقد بتهمة ولا عادة بين المتبايعين، ولكن لا يغيب عنا قول الشافعي : ’’وأكره لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد البيع’’، بمعنى أنه إذا ظهر في العقد ما يشير إلى قصد التحايل على الربا فإن الشافعي يبطل البيع، وإذا لم يظهر القصد ولكنه موجود فهو يفيد الكراهة، جاء في كتاب المجموع : ’’اشتر لي سلعة كذا وكذا وأربحك فيها كذا إلى أجل كذا، فهو مكروه’’.
وقد نقل الرافعي خلافاً في مراعاة العادة الغالبة فقال : ’’ولا فرق بين أن يصير بيع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور، وأفتى الأستاذ ابو اسحق والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة صار البيع الثاني كالمشروط في الأول فيبطلان جميعاً ولهذا نظائر... ’’.
المطلب الثالث : صور العينة وحكمها عند الحنابلة .
جاء في المغنى : ’’إن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقداً لم يجز في قول أكثر أهل العلم، ولأن ذلك ذريعة إلى الربا فأنه يدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل معلوم،روي عن أبن عباس في مثل هذه المسئلة أنه قال : أرى مائة بخمسين بينهما حريرة يعني خرقة حريرة جعلاها في بيعها والذرائع معتبرة، فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فَيجوز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إذا كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فأن نقصت مثل أن هزل العبد أو نسي صناعة، أو تخرق الثوب أو بلي جاز له شراؤها بما شاء لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا، وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها، وأن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز وبه قال أبو حنيفة ولا يعلم فيه خلافا لأن التحريم انما كان لشبهة الربا ولا ربا بين الأثمان والعروض، فأما إن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر مثل أن يبيعها بمائتي درهم ثم اشتراها بعشرة دنانير فقال أصحابنا يجوز لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما فجاز كما لو اشتراها بعرض أو بمثل الثمن، وأن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه لا يجوز ذلك إلا أن يغير السلعة لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا، فأن اشتراها بنقد آخر أو بسلعة أخرى أو بأقل من ثمنها نسيئة جاز ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه إلا أن يكون ذلك عن مواطأة أو حيلة فلا يجوز، وإن وقع ذلك اتفاقا من غير قصد جاز لأن الأصل حل البيع، وإنما حرم في مسئلة العينة بالأثر الوارد فيه وليس هذا في معناه ولأن التوسل بذلك أكثر فلا يلتحق به ما دونه والله أعلم’’.
توصلت الباحثة من خلال ما تقدم ذكره أن حكم العينة عند الحنابلة هو التحريم، وأنها ذريعة إلى الربا فتحرم لأنها تعتبر حيلة ربوية.
المطلب الرابع : صور العينة وحكمها عند المالكية .
ذكر المالكية عدة صور لبيع العينة ولكل منها حكم مختلف. والعينة إذا ما أطلقت أريد بها المحظور عند المالكية. يقول الحطاب العينة : ’’أن يبيع الرجل الرجل السلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن أو يشتريها بحضرته من أجنبي يبيعها من طالب العينة بثمن أكثر مما أشتراها به إلى أجل ثم يبيعها هذا المشتري الأخير من البائع الأول نقداً بأقل مما اشتراها به وخفف هذا الوجه بعضهم ورآه أخف من الأول وقال أبن عرفة بيع أهل العينة هو البيع المتحيل به على دفع عين في أكثر منها وقسم أبن رشد في رسم حلف أن لا يبيع من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال أو في سماع سحنون من كتاب البضائع والوكالات وفي كتاب بيوع الآجال من المقدمات العينة إلى ثلاثة أقسام جائز ومكروه وممنوع، وجعلها صاحب التنبيهات في كتاب الصرف أربعة أقسام وزاد وجها رابعا مختلفا فيه وتبعهم المصنف فأشار إلى الجائز بقوله جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بمال وفي بعض النسخ بنماء أي بزيادة وهو أحسن وأن هذا هو المقصود من العينة. الجائز أن يمر الرجل بالرجل من أهل العينة فيقول هل عندك سلعة كذا وكذا أبتاعها منك (تبيعها مني بدين) فيقول لا فينقلب عنه على غير مراوضة ولا مواعدة فيشتري المسؤل تلك السلعة التي سأله عنها ثم يلقاه فيخبره أنه أشترى السلعة التي سأله عنها فيبيعها منه بما شاء من نقد أو نسيئة. فالجائز لمن لم يتواعد على شيء ولا يتراوض مع المشتري كالرجل يقول للرجل أعندك سلعة كذا فيقول لا فينقلب على غير مواعدة ويشتريها ثم يلقاه صاحبه فيقول تلك السلعة عندي فهذا جائز أن يبيعها منه بما شاء من نقد، ولو كان مشتري السلعة يريد بيعها ساعتئذ فلا خير فيه ولا ينظر إلى البائع كان من أهل العينة أم لا. فيلحق هذا الوجه بهذه الصورة على قوله بالمكروه، والمكروه أن يقول أعندك كذا وكذا تبيعه مني بدين فيقول لا فيقول ابتع ذلك وأنا أبتاعه منك بدين وأربحك فيه فيشتري ذلك ثم يبيعه منه على ما تواعدا عليه. والمكروهة أن يقول اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا مع قوله من غير أن يراوضه على الربح والصواب اسقاط كذا وكذا. فالمكروه أن يقول اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها وأشتريها منك من غير مراوضة ولا تسمية ربح ولا يصرح بذلك ولكن يعرّض به لذلك كرهوا أن يقول له لا أحل أن أعطيك ثمانيين في مائة ولكن هذه السلعة قيمتها ثمانون خذها بمائة والمحظور أن يراوضه على الربح فيقول اشتر سلعة كذا بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وأبتاعها منك بكذا. والحرام الذي هو ربا صراح أن يراوض الرجل الرجل على ثمن السلعة التي يساومه فيها ليبيعها منه إلى أجل ثم على ثمنه الذي يشتريها له من غيره فيقول أنا أشتريها على أن تربحني فيها كذا أو للعشرة كذا فهذه حرام ولو قال اشترها لي وأنا أربحك وأن لم يسم ثمنا قال وذلك كله ربا، يعني أنه إذا قال اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا آخذها منك باثنى عشر لآجل فذلك حرام ولا يجوز لأنه من رجل ازداد في سلفه فان وقع لزمت السلعة الآمر لأن الشراء كان له وأنما أسلفه المأمور ثمنا ليأخذ منه أكثر منه إلى أجل فيعطيه العشرة معجلة ويطوع عنه ما أربى.
يعني اذا قال اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وانا اخذها منك او اشتريها منك او ابتاعها منك باثني عشر نقدا قال في البيان رجع الامر فيه الى ان الامر استاجر المأمور على شراء السلعة بدينارين،لأنه انما اشتراها له وقوله وأنا أشتريها منك لغو لا معنى لأن العقد له وبأمره فان كان النقد من عنده فهي اجارة وسلف يكون للمأمور إجارة مثله إلا أن يكون أكثر من الدينارين و الأصح أن لا تكون له أجرة لأنا إن أعطيناه الأجرة كان ثمناًَ للسلف فكان ذلك تقيماً حين عقدا عليه.
تبين للباحثة أن حكم العينة عند المالكية يأخذ ثلاثة صور ولكل صوره حكم خاص بها هي :
1- جائزة وصورته :
أن يطلب شخص من آخر سلعة فلا يجدها وينفصلا من غير مواعده،فيشتري المطلوب منه تلك السلعة من غير أمر طالبها،ثم يلقاه فيخبره أنه قد اشترى السلعة التي سأله عنها فيبيعها منه بما شاء من نقد أو نسيئة.
2- مكروه وصورته :
أن يطلب شخص من آخر أن يشتري له السلعة بكذا وكذا،ويربحه بها من غير أن يفاصله على الربح (دون أن ينص على قدر الربح) .
3- محرم وصورته :
أن يطلب شخص من آخر أن يشتري له سلعة بعشرة دراهم نقداً، ويأخذها منه بخمسة عشر إلى أجل معلوم، (نص على قدر الربح)، يحرم لما فيه من سلف جر نفعاً.
وخلاصة صور وحكم بيع العينة عند الفقهاء ما قاله ابن القيم تعليقاً على الخلاف في مسألة العينة بكل صورها وبيان علله وأسبابه : ’’وإنما تردد من الأصحاب الحنابلة في العقد الأول في مسألة العينة، لأن هذه المسألة إنما ينسب الخلاف فيها إالى العقد الثاني بناء على أن الأول صحيح،فليست من مسائل الحيل، وإنما هي من مسائل الذرائع،ولها مأخذ اخر يقتضي التحريم عند أبي حنيفة وأصحابه، فإنهم لا يحرمون الحيل ويحرمون مسألة العينة،وهو أن الثمن إذا لم يستوف لم يتم العقد الأول، فيصير الثاني مبنياً عليه، وهو تعليل خارج قاعدة الحيل والذرائع،فصار للمسألة ثلاثة مآخذ . فأبو حنيفة يحرم مسألة العينة، والشافعي يبيح أما مالك رحمه الله،فيمنع العينة بناء على عدم القبض في البيعة الأولى أو القبض الصوري الذي يتخذ وسيلة وذريعة الى الربا، وقد سد مالك باب الذرائع سدّاً محكماً – وقد عقد لها باباً في ’’الموطأ’’ بعنوان : ’’العينة وما يشبهها’’ وأبطل كل صورها.
المطلب الخامس:عكس مسألة العينة وحكمها عند الفقهاء.
ذكر معظم الفقهاء عكس مسألة العينة كصورة من صور العينة والحقوها في حكمها.
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند الحنفية :
صورتها : (ما لو باع سلعة بألف درهم حالَّة، ثم اشتراها بألف درهم مؤجلة). وكذا (لو باع بألف مؤجلة، ثم اشتراه بألف مؤجلة إلى أبعد من ذلك الأجل)
حكمها : ’’لا تجوز لأنها في معنى ’’ اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن’’.
فصورة عكس العينة عند الحنفية يتساوى فيها الثمنان،ومع ذلك ألحقوها بحكم بيع العينة، لأن مجرد الأجل زيادة جرها السلف، فامتنعت.
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند الحنابلة :
صورتها جاء في المغني : ’’وإن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة لا يجوز ذلك إلا أن يغير السلعة لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا فأشبه مسئلة العينة’’.
أما حكمها : ففيه خلاف يقول المرداوي : ’’عكس العينة : مثلها في الحكم (أي مسألة العينة فعلُها محرم) وهي أن يبيع السلعة بثمن حال ثم يشتريها بأكثر نسيئة على الصحيح من المذهب نص عليه ’’. ونقل أبو داود : يجوز بلا حيلة.
وجاء في شرح زاد المستنقع : ’’وأما عكس مسألة العينة بأن باع السلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة أنها مثل مسألة العينة’’.
وقد ذكر البهوتي عكس مسألة العينة ’’وهو أن يبيع السلعة أولاً بنقد يقبضه، ثم يشتريها من مشتريها بأكثر من الأول من جنسه نسيئة، أو لم يقبض ( مثلها ) في الحكم، لأنه يتخذ وسيلة إلى الربا’’.
جاء في الفروع : ’’ وعكس العينة مثلُها، نقله حرب، ونقل أبو داود : يجوز بلا حيلة، ونقل المروذي فيمن يبيع الشيء ثم يجده يباع : أيشتريه بأقل مما باعه بالنقد ؟ قال : لا، ولكن بأكثر لا بأس’’.
فالحجة للمانعين : أنها وسيلة إلى الربا، كالعينة، فتلحق بحكمها .
قال المصنف : ’’ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه، إذا لم تكن مواطأة، ولا حيلة . بل وقع اتفاقاً من غير قصد’’.
فحجة المجيزين : أصل حلّ البيع، خرجت منه العينة، لإفضائها إلى الربا، فلا يلحق بها ما دونها، لأن التوسل به إلى الربا دونها.
فمصطلح عكس مسألة العينة لم يذكر إلا عند الحنابلة .
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند الشافعية :
صورتها : ’’أن يبيع سلعة بنقد، ثم يشتريها بأكثر منه نسيئة’’ .
حكمها : وهذه الصورة يوردها الشافعية مثلاً للعينة، ولها حكمها عندهم
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند المالكية :
المالكية يذكرون عكس العينة في كتاب الآجال كصورة من صور بيع العينة وهي : ’’إذا باع الرجل السلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها منه بأكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل تفسخ البيعتان’’.
حكمها : أنها لا تجوز وتفسخ البيعتان.
وجه الشبه بين صورة عكس العينة عند المالكية وصورتها عند الحنابلة والشافعية هو : أن الذي تعجَّل الأقل هو البائع الأول، فهو في حكم المستقرض، بخلاف مسألة العينة إذ البائع الثاني هو الذي تعجَّل الأقل، فهو في حكم المستقرض.
أما الفرق بينهما فهو : أن الثمنين في صورة المالكية مؤجلان وأجل الثمن الأكثر الثاني أبعد من أجل الثمن الأقل الأول، أما صورة الحنابلة والشافعية فالثمن الأول الأقل نقداً، والثمن الثاني الأكثر مؤجلاً .
جاء في القواعد النورانية : ’’ ولو كانت عكس مسألة العينة من غير تواطؤ : ففيه روايتان عن أحمد، وهو أن يبيعه حالاً، ثم يبتاع منه بأكثر مؤجلاً، وأما مع التواطؤ فرباً محتال عليه’’.
وجاء في تهذيب السنن : ’’فإن قيل : فما تقولون فيمن باع سلعة بنقد، ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة ؟ قلنا : قد نص أحمد، في رواية، حرب، على أنه لا يجوز، إلا أن تتغير السلعة، لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا، فهو كمسألة العينة سواء، وهي عكسها صورة، وفي الصورتين : قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقداً، لكن في إحدى الصورتين : البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصورة الأخرى : المشتري هو الذي اشتغلت ذمته، فلا فرق بينهما’’.
بناء على ما تم ذكره تميل الباحثة إلى أن حكم مسألة عكس العينة هو نفس حكم العينة يقول ابن تيمية : ’’... عكس مسائل العينة وهي في ربا النسأ أن يبيع ربوياً بنسيئة ثم يشتري بثمنه ما لا يباع به نسيئة وهذه المسألة مما عدها من الربا الفقهاء السبعة وأكثر العلماء مثل مالك وأحمد وغيرهما. وأظنه مأثور عن ابن عمر وغيره ففي هذين الموضعين قد عاد الثمن إلى المشتري وأفضى إلى ربا الفضل أو ربا النسأ،وفي مسائل العينة قد عاد المبيع إلى البائع وأفضى إلى ربا الفضل والنسأ جميعاً’’.
أهم الفروقات الرئيسة بين العينة وعكس مسألة العينة تتمثل بما يلي :
ا ) في مسألة عكس العينة يكون المشتري (من هو بحاجة للنقد) هو مالك السلعة،أما في مسألة العينة يكون المحتاج للنقد لا يملك السلعة.
ب ) الثمن في البيع الأول في عكس العينة يكون حالاً، أما في العينة يكون مؤجلاً.
جـ ) الثمن في البيع الثاني في عكس العينة يكون مؤجلاً، أما مسألة العينة يكون حالاً.
د ) الثمن المؤجل في البيع الثاني أكثر من الثمن الحال في البيع الأول في عكس العينة، أما مسألة العينة يكون الثمن الحال أقل من الثمن المؤجل في البيع الأول.
المبحث الثالث
حكم الفقهاء في بيع العينة وشروطها
أختلف الفقهاء في الحكم على العقد الثاني على فريقين في بيوع العينة فريق يرى أن العينة تتخذ حيلة للوصول إلى الربا واتفق الجمهور على تحريم بيوع العينة، أما الفريق الآخر وهم الشافعية وقول أبي يوسف فقد أجازوا بيوع العينة.
أما أدلة الفريقين فنوجزها بما يلي :
المطلب الأول : الأدلة الشرعية لتحريم بيع العينة.
تحريم هذا البيع مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، ومالك وأحمد ومحمد بن الحسن من الحنفية. وذهب ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والاوزراعي وإسحاق إلى تحريم بيع العينة.
أدلة التحريم :
استدل القائلون بحرمة بيع العينة بعدد من الأدلة منها :
الدليل الأول :
ما روى عطاء عن ابن عمر – رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ’’إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء، فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم’’.
وجه دلالة الحديث:
إن في هذا الحديث وعيداً شديدً من رسول لله صلى الله عليه وسلم لمن ارتكب الخصال التي ورد ذكرها في الحديث ومنها بيع العينة، وفيه زجر بليغ لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين،وأن الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه، فدل هذا الوعيد على تحريم هذا النوع من البيع، وإلا لما أدخله صلى الله عليه وسلم في جملة ما استحقوا به العقوبة.
نوقش هذا الدليل بما يلي :
1- الحديث روي بعدة روايات وبعدة طرق، ولكن ضُعِّف بتضعيف أحد رجاله، أسحق بن أسيد (أبا عبدالرحمن) الخرساني- نزيل مصر - وفيه عطاء الخراساني وفيه ايضاً مقال.
وأجيب : فقد أختُلِف في اسحق بن أسيد يقول الزيلعي في نصب الراية : ’’قال البزاز : وأبو عبد الرحمن هذا هو عندي إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة،وهو لين الحديث، قال أبن القطان في’’كتابه’’ وهذا وهم من البزاز،وإنما إسم هذا الرجل إسحاق بن أسيد أبو عبدالرحمن الخراساني، يروى عن عطاء،روى عنه حيوة بن شريح، وهو يروى عنه هذا الخبر،وبهذا ذكره ابن أبي حاتم، وليس هذا بإسحاق بن أبي فروة، ذاك مديني ويكنى أبا سليمان، وهذا خراساني، ويكنى أبا عبدالرحمن، وأيهما كان فالحديث من أجله لا يصح،ولكن للحديث طريق أحسن من هذا، رواه الامام أحمد في ’’كتاب الزهد’’ حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر، قال: أتى علينا زمان، وما يرى أحدنا أنه احق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، ثم أصبح الدينار والدرهم أحب الى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :’’إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعواأذناب البقر،وتركوا الجهاد في سبيل الله،أنزل الله بهم ذلاً،فلم يرفعه عنهم حتى يرجعوا دينهم ’’ قال : وهذا حديث صحيح، ورجاله تقات.
ويقول إبن تيمية : ’’وهذان إسنادان حسنان،أحدهما يشد الآخر ويقويه فأما رجال الأول فأئمة مشاهير لكن نخاف رواية الأعمش عن عطاء أن لا يكون الأعمش سمعه عن عطاء، أو أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر.
والإسناد الثاني (رواية أبي داود عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر) يبين أن للحديث أصلاً محفوظاً عن ابن عمر، فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور، وحيوة بن شريخ كذلك وأفضل،وأما إسحاق بن عبد الرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصرين مثل حيوة بن شريح، والليث بن سعد وغيرهم ’’ وقال إبن تيمية أن للحديث طريقاً ثالثاً في حديث السري بن سهل الجنيد سابوري بإسناد مشهور عالية، عن ليث عن عطاء،عن ابن عمر وقال يبين أن للحديث أصلاًعن عطاء’’.
2- أنه لا يخفى ما في دلالة الإقتران من الضعف،ولا نسلم أن التوعد بالذل لا يدل على التحريم،لأن طلب أسباب العزّة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن،وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء،وهو لا يكون إلا لذنب شديد،وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتدّ على عقبه.
أجيب :
- أن التبايع بالعينة والاشتغال بالحرث والزرع وترك الجهاد سبب للذل والبلاء،وسبب هذا الذل أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الاسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه. وهو إنزال الذلة بهم،فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعزّ مكان.(قوله حتى ترجعوا الى دينكم) فيه زجر بليغ لانه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين، وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة،وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء،وهو لا يكون إلا لذنب شديد، وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتدّ على عقبه.
الدليل الثاني :
الحديث الذي رواه هشيم،عن عباد بن راشد، عن سعيد بن أبي خيرة،عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ’’يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا’’.
وجه دلالة الحديث :
هذا الحديث وإن كان مرسلاً يصلح الاعتضاد به والاستشهاد وله من المسند ما يشهد له،وهي الأحاديث، الدالة على تحريم بيع العينة. وهذا المرسل بين في تحريم هذه المعاملات التي تسمى بيعاً في الظاهر وحقيقتها ومقصودها حقيقة الربا، فإنه من المعلوم أن العينة عند من يستعلمها إنما يسميها بيعا، وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة، وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة، وإنما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعالى.
فالحديث فبه إخبار،عما تكون عليه الأمة من تحليل الربا المحرّم وإتخاذ بيع العينة حيلة لإستباحة المحرم.
الدليل الثالث :
الأثار التي رويت عن بعض الصحابة والتابعين تفيد بتحريم بيع العينة من ذلك :
1- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن العينة فقال : ’’دراهم بدراهم وبينهما حريرة’’.
2- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ’’اتقوا هذه العينة، لا تبع دراهم بدراهم وبينهما حريرة’’.
3- روى محمد ابن عبد الله الحافظ المعروف بمطين في كتاب البيوع له عن أنس أنه سئل عن العينة، فقال : إن الله لا يخُدع، هذا مما حرم الله ورسوله.
وجه دلالة هذه الأثار :
تفيد هذه الأثار تحريم بيع العينة، والرجوع إلى فهم الصحابة في معاني الألفاظ متعين ويفيد الحكم بتحريم بيع العينة.
الدليل الرابع :
حديث ما روى عن غندر عن شعبة عن ابي اسحاق السبيعي عن امرأته بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت : دخلت أنا وأم زيد بن أرقم وأمرأته على عائشة رضي الله عنها، فقالت أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، ابلغي زيد ابن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. فقالت المرأة لعائشة : أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل، فقالت : (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف).
وجه دلالة الحديث :
1) أن السيدة عائشة رضي الله عنها لا تقول مثل ذلك إلا توقياً، ولأنه ذريعة إلى الربا،والذرائع معتبرة في الشرع،وإن قصد بالعقد الأول العقد الثاني بطلا أي العقدان.
2) أن عائشة لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم – فجرى مجرى روايتها ذلك عنه.
3) أن عائشة جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – ولولا أن عند أم المؤمنين علماً من رسول الله صلى عليه وسلم – أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد. ولما أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها، لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة، واستحلال الربا ردة.
4) لو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد وحكمة الشريعة تحريمها أعظم من تحريم الربا،فإنها ربا مستحل بأدنى الحيل. ثم أن آثار الصحابة كما تقدم (الدليل الثالث) موافقة لهذا الحديث، مشتقة منه، مفسّرة له .
5) كيف يليق بالشريعة الكاملة التي لعنت آكل الربا ومُوكله، وبالغت في تحريمه، وآذنتْ صاحبه بحرب من الله ورسوله، أن تبيحه بأدنى الحيّل مع استواء المفسدة ؟ ولولا أن عند أم المؤمنين رضي الله عنها علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستريب فيه ولا تشك بتحريم مسألة العينة لما أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها، لا سيما أن قصدت أن العمل يبطل بالردة، واستحلال الربا ردة، ولكن عذر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرم.
6) أن في قولها : ’’بئسما شريت وما اشتريت’’ دليل على بطلان العقدين معاً.
نوقش هذا الدليل من وجوه عدة :
أولاً : قالوا أن العالية أمرأة مجهولة لا يقبل خبرها، ثم أن هذا الأثر رواه الدارقطني من طريق داود بن الزبرقان عن معمر عن أبي أسحاق عن أمرأته ’’ أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم زيد بن أرقم الأنصاري وامرأة أخرى، فقالت أم ولد زيد بن أرقم : يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة،وإني ابتعته بستمائة نقدا فذكرته ’’وهذا الاسناد فيه داود بن الزبرقان، وفيه ضعف، قال يحي بن معين : وليس بشيء، وقال علي بن المديني : كتبت عنه شيئا يسيرا ورميت به،وضعفه جداً،وقال الجرجاني : أنه كذاب، وقال أبو زرعة : متروك الحديث، وقال أبو حاتم : داود بن الزبرقان شيخ صالح يحفظ الحديث ويذاكر، ولكنه كان يهم في المذاكرة ويغلط في الرواية إذا حدث من حفظه.
وأجيب : قالوا في العالية أنها مجهولة،لا يحتج بها، قال ابن الجوزي : قالوا : العالية امرأة مجهولة لا يقبل خبرها، قلنا : بل هي أمرأة معروفة جليلة القدر،ذكرها ابن سعد في ’’الطبقات’’فقال : العالية بنت أيفع بن شرحبيل أمرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة رضي الله عنها.
أما تضعيف رواية، معمر فلا يضر أنها نقلت من طريق داود بن الزبرقان،ما دام قد ثبت الخبر بأسانيد أخرى أخذ بها كل من الثوري والأوزعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والحسن بن صالح وصححوا حديثها منها : رواية الدارقطني الأولى، عن يونس، التي قال في آخرها : وهذا إسناد حسن .
ثانياً : قال الشافعي رضي الله عنه : قد تكون عائشة لو كان هذا ثابتاً عنها عابت عليها بيعاً إلى العطاء لأنه أجل غير معلوم، وهذا مما لا تجيزه،لا أنها عابت عليها ما اشترت منه بنقد وقد باعته إلى أجل.
وأجيب :
كانت عائشة رضي الله عنها تجيز البيع إلى العطاء ولأن الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه فإذا عاد إليه عين ماله بالصفة التي خرج من ملكه وصار بعض الثمن قصاصا ببعض بقي له عليه فضل بلاعوض فكان ذلك ربح ما لم يضمن وهو حرام بالنص بخلاف ما إذا اشتراه بمثل الثمن الأوَّل أو أكثر لأن الربح فيه حصل للمشتري بعد ما دخل المبيع في ضمانه.
وكانت تقول وقت خروج العطاء معلوم بالعرف لا يتأخر الخروج عنه إلا نادراً فكان هذا بيعاً بأجل معلوم. وأنما عائشة ذمت البيع الأول لكونه سبباً للبيع المحذور. حيث أنها أنكرت عليه البيع الثاني، بناء على فساد البيع الأول، لجهالة الأجل، فإن عائشة ممن يرى جواز البيع إلى العطاء، وقد روي عنها فعله، وهو مذهب علي رضي الله عنه، والدليل على ذلك : أنها في جوابها على قول السائلة : أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي – تلت قوله تعالى : ’’فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى، فله ما سلف’’ وتلاوتها هذه دليل على إثباتها العقد الأول، وأن المنكر هو الثاني، ولو كانت إنما أنكرته، لكونه بيعاً إلى العطاء، كما يقول الخصم، لما أبقت الأول.
ثالثاً : ما قالته عائشة رضي الله عنها باجتهادها، واجتهاد واحد من الصحابة، لا يكون حجة على الأخرين بالإجماع فلو اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فقال بعضهم فيه شيئ،وقال غيره خلافه، فالأصل أن نأخذ بالقياس،والذي معه القياس قول زيد بن أرقم لأن الملك تم بالقبض، فيجوز بيع المبيع بأي قدر كان من الثمن للبائع نفسه أو لغيره بأقل أو أكثر مما اشتراها به.
وأجيب :
إن سَلّمنا بأن فعل زيد بن أرقم كان باجتهاد منه، فلن نُسَلّم بأن موقف عائشة رضي الله عنها، كان باجتهاد منها، لأنها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد ببطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأجزية الأفعال لا تعلم بالرأي، فقد كان مسموعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما يدل على سماعه أيضاَ، أن زيداً اعتذر إلى السيدة عائشة رضي الله عنها،لأن الصّحابة رضي الله عنهم، كان يخالف بعضهم بعضاً، ولأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا يكون من الموجبات للإحباط، وما كان أحدهم يعتذر إلى صاحبه،إلا إذا خالفه في أمر مسموع.
رابعاً : أن السيدة عائشة رضي الله عنها قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمُها ثوابَ الجهاد ويصير بمنزلة مَنْ عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئاً، ولو كان هذا اجتهاداً منها لم تمن زيداً منه، ولم تحكم ببطلان جهاده، ولم تدْعُه إلى التوبة،فإن الاجتهاد لا يحرم الاجتهاد، ولا يحكم ببطلان عمل المسلم المجتهد بمخالفته لاجتهاد نظيره، فإن قيل : فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومَنْ ذكرتم، فغاية الأمر أنها مسألة ذات قولين للصحابة، وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد .
خامساً : أن زيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالاً، ولا يبتاع مثله، فلو أن رجلاً باع شيئاً أو ابتاعه نراه نحن محرماً وهو يراه حلالاً لم نزعم أن الله يحبط من عمله شيئاً.
والجواب :
صحيح أن زيداً باع واشترى ما رآه حلالاً،ولا يتصور، منه وهو من خيار الصحابة،أن يواطيء أم ولده على شراء الذهب بالذهب،متفاضلاً إلى أجل، فغاية ما في الأمر : أن هذا الحكم لم يكن قد بلغه فإن جميع الصحابة كانوا يسأل بعضهم بعضاً عن كثير من المسائل التي تعرض لهم،ولم يكن كل واحد منهم محيطاً بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ،أما أن نحكم بحرمة ما يراه الغير حلالاً، من غير أن نزعم أن الله تعالى يُحْبط عمله،فيصح في حالين، أحدهما أن يكون حكمنا باجتهاد منا،لأن المجتهد إن أصاب فله أجران،وإن أخطأ فله أجر واحد، وهذه قضية مُسَلّمة،لا خلاف فيها، والثاني : أن يجتهد مخالفنا في أمر ثبت عندنا بنص،لم يثبت عنده، أو لم يأخذ به لنظر معقول، أما أن يخالفنا باجتهاده،وقد تأيد موقفنا بحكم توقيفي، ثابت بالنص،فلا يجوز، ويلزم الإنكار عليه،وهذا ما قالته عائشة رضي الله عنها،فأخبرته بإحباط عمله إن لم يتب،والإحباط المقصود هنا : إحباط الموازنة بين العمل الصالح،والعمل السيء، والذي قد يحتمل المبالغة في الإنكار، دون التحقيق،أو نقصان بعض ثواب الأعمال الصالحة، في مقابل الأعمال السيئة.
ولم يذكر عن زيد بن أرقم أنه أقام على هذه المسألة بعد إنكار عائشة،وكثيراً ما يفعل الرجل الكبير الشيء مع ذهوله عما في ضمنه من مفسدة فإذا نُبِّهَ انتبه،وإذا كان الفعل محتملا لهذه الوجوه وغيرها لم يجزأن يُقْدَمَ على الحكم، ولم يجز أن يقال : مذهب زيد بن أرقم جواز العِينة، لا سيما وأم ولده قد دخلت على عائشة تستفتيها فأفتتها بأخذ رأس مالها،وهذا كله يدل على أنهما لم يكونا جازمين بصحة العقد وجوازه.
المطلب الثاني : الأدلة الشرعية لجواز بيع العينة .
استدل هذا الفريق وهم الشافعية والظاهرية وقول أبي يوسف بعدة أدلة منها :
الدليل الأول :
قوله تعالى : ’’وأحل الله البيع وحرم الربا’’.
وجه الدلالة :
أن اللفظ عام يشمل كل بيع إلا ما نص دليل على إخراجه من هذا العموم فيكون بيع العينة حلالاً بنص الآية الكريمة لعمومها، إذ لم يثبت دليل بحرمة بيع العينة فبقي داخلاً تحت العموم المفيد للجواز.
مناقشة ذلك :
أن هذا عام،وما ذكرناه خاص والخاص مقدم على العام على ما تقرر في علم الأصول.
وأن الآية عامة،ولكن يجوز تخصيصها بأخبار الأحاد،التي أفادت تحريم بيع العينة عند الجمهور القائلين بجواز تخصيص عموم القرآن بأخبار الآحاد، فجاز تخصيصها بالأحاديث والآثار التي وردت في تحريم بيع العينة وعلى ذلك يكون هذا البيع محرماً.
الدليل الثاني :
’’عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعلوا، ولكن مثلا بمثل، بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان، وفي لفظ آخر : إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً’’.
وجه الدلالة :
1) أن النبي صلى الله عليه وسلم – لم يفصل بين أن يشتري من المشتري أو من غيره، فقد أرشده صلى الله عليه وسلم – إلى الخلاص من الربا بذلك، وأن كان المقصود تحصيل الجنيب بالجمع.
2) جاء في صحيح مسلم بشرح النووي : ’’واحتج بهذا الحديث أصحابنا وموافقوهم في أن مسألة العينة ليست بحرام وهي الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلا إلى مقصود الربا وموضع الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال له بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا ولم يفرق بين أن يشتري من المشتري أو من غيره فدل على أنه لا فرق، وهذا كله ليس بحرام عند الشافعي وآخرين’’.
3) قالوا ’’لو كان الابتياع من المشتري حراما لنهى عنه’’. أي أنه من اشترى منه التمر الرديء هو نفس من باع عليه التمر الرطب، فلم يفصل بين أن يبيعه ممّن باعه أو من غيره،ولم يبين أن يكون القصد التوصل إلى شراء الأكثر أو لا. فدل ذلك على صحة البيع .
مناقشة ذلك :
1) غاية ما دل الحديث عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم – أمره أن يبيع سلعته الأولى بثمن ثم يبتاع بثمنها تمراً آخر، ومعلوم قطعاً أن ذلك إنما يقتضي البيع الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأذن في العقد الباطل، فلا بد أن يكون العقد الذي أذن فيه صحيحاً.
2) لا يمكن الاستدلال بالحديث، لأنه ليس بعام، فإن قوله ’’ بع ’’ مطلق لا عام، وهو المطلق في قوله ’’ بع هذا الثوب’’ لا يقتضي الأمر ببيعه من زيد أو عمرو، ولا بكذا أو كذا،ولا بهذه السوق أو هذه، فإن اللفظ لا دلالة له على شيء من شيء من ذلك، إذا أتى بالمسمى حصل ممتثلا من جهة وجود تلك الحقيقة، لا من جهة تلك القيود، وإذا تبين هذا فليس في الحديث أمره أن يبيع التمر لبائع النوع الآخر ولا لغيره ولا بحلول ولا تأجيل ولا بنقد البلد ولا غيره ولا بثمن المثل أو غيره.
3) ليس في اللفظ ما يدل على أنه يبيعه من البائع بعينه ولا غيره، كما ليس فيه ما يمنعه، بل كل واحد من الطرفين يحتاج إلى دليل خارج عن اللفظ المطلق، فما قام الدليل على إباحته أبيح فعله بالدليل على المنع منه لم يعارض دليل المنع بهذا اللفظ المطلق حتى يطلب الترجيح، بل يكون دليل المنع بهذا سالما عن المعارضة بهذا، فإن عورض بلفظ متناول لإباحته بوضع اللفظ له أو بدليل خاص صحت المعارضة وفي هذا يقول القرطبي : ’’ينص على جواز شراء التمر الثاني مم باعه التمر الأول، ولا يتناول ظاهر السياق بعمومه بل بإطلاقه، والمطلق يحتمل التقييد إجمالاً فوجب الاستفسار، وإذا كان كذلك فتقييده بأدنى دليل كافٍ وقد دل الدليل على سد الذرائع فلتكن هذه الصورة ممنوعة’’.
4) جواب من قال ’’لو كان الابتياع من المشتري حراما لنهى عنه ’’فإن مقصوده صلى الله عليه وسلم – إنما كان لبيان الطريق التي بها يحصل اشتراء التمر الجيد لمن عنده رديء، وهو أن يبيع الرديء بثمن ثم يبتاع بالثمن جيداً، ولم يتعرض لشروط البيع وموانعه،لأن المقصود ذكر الحكم على وجه الجملة،أو لأن المخاطب أحِيلَ، على فهمه وعلمه بأنه إنما أذن له في بيع يتعارفه الناس، وهو البيع المقصود في نفسه . وما نظير هذا الاستدلال إلا استدلال بعضهم بقوله تعالى : ’’وأُحِلّ لكم ما وراء ذلكم’’ على جواز نكاح الزانية المُصِرَّة على الزنا. واستدل آخر على جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها. وكذلك قوله ’’بع الجمع’’ لو استدل به مستدل على بيع من البيوع المتنازع فيها لم يكن فيه حجة، وليس بالغالب أن بائع التمر بدراهم يبتاع بها من المشتري حتى يقال : هذه الصورة غالبة فيحمل اللفظ عليها، ولا هو المتعارف عند الاطلاق عرفا وشرعا.
5) قوله ’’بع كذا،واشتر كذا’’ أو ’’بعت واشتريت’’ لا يفهم منه إلا البيع الذي يُقْصَد به نقلُ ملك المبيع نقلا مستقراً،ولهذا لا يفهم منه بيع الهازل ولا المكره،ولا بيع الحيلة،ولا بيع العِينَة .
6) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ’’بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً’’ وهذا يقتضي بيعاً ينشئه ويبتدئه بعد انقضاء البيع الأول، ومتى واطأه في أول الأمر على أن أبيعك وأبتاع منك فقد اتفقا على العقدين معا، فلا يكون الثاني عقداً مستقلا مبتدأ، بل هو من تتمة العقد الأول عندهما وفي اتفاقهما، وظاهرُ الحديث أنه أمر بعقدين مستقلين لا يرتبط أحدهما بالآخر ولا ينبني عليه.
7) أن المقصود الذي شرع الله تعالى له البيع واحّله لأجله هو أن يحصل ملك الثمن للبائع ويحصل ملك المبيع للمشتري، فيكون كل منهما قد حصل له مقصوده بالبيع، هذا ينتفع بالثمن وهذا بالسلعة،وهذا إنما يكون إذا قصد المشتري نفس السلعة للانتفاع بها أو التجارة فيها وقصد البائع نفس الثمن، ولهذا يحتاط كل واحد منهما فيما يصير إليه من العرض هذا في وزن الثمن ونقده ورواجه وهذا في سلامة السلعة من العيب وأنها تساوي الثمن الذي بَذله فيها، فإذا كان مقصود كل منهما ذلك فقد قصدا بالسبب ما شرعه الله له، وهذه قصة بلال في تمر خيبر سواء، فإنه إذا باع الجمع بالدراهم فقد أراد بالبيع ملك الثمن، وهذا مقصود مشروع، ثم إذا ابتاع بالدراهم جنيبا فقد عقد عقداً مقصوداً مشروعاً، فلما كان بائعا قصد تملك الثمن حقيقة، ولما كان مبتاعا قصد تملك السلعة حقيقة، فإن ابتاع بالثمن من غير المشتري منه فهذا لا محذور فيه،إذ كل من العقدين مقصود مشروع، ولهذا يستوفيان حكم العقد الأول من النقد والقبض وغيرهما، وأما إذا ابتاع بالثمن من مبتاعه من جنس ما باعه فهذا يخشى منه أن لا يكون العقد الأول مقصوداً لهما، بل قصدهما بيع السلعة الأولى بالثانية فيكون ربا بعينه، ويظهر هذا القصد بأنهما يتفقان على صاع بصاعين أولاً ثم يتوصلان إلى ذلك ببيع الصاع بدرهم ويشتري به صاعين ولا يبالي البائع بنقد ذلك الثمن ولا بقبضه ولا بعيب فيه ولا بعدم رواجه ولا يحتاط لنفسه فيه احتياط من قَصْدُه تملكُ الثمن، إذ قد علم هو والأخر أن الثمن بعينه خارج منه عائد إليه، فنقده وقبضه والاحتياط فيه يكون عبثا . وإذا عرف هذا فهو إنما عقد معه العقد الأول ليعيد إليه الثمن بعينه ويأخذ العوض الآخر، وهذا تواطؤ منهما حين عَقداه على فسخه، والعقد إذا قصد به فسخه لم يكن مقصودا، وإذا لم يكن مقصوداً كان وجوده كعدمه، وكان توسطه عبثا .
المطلب الثالث : المناقشة والترجيح .
بعد هذا العرض لأدلة المجزين والمانعين لبيع العينة، واستعراض أدلة كل فريق مع المناقشة يتضح لنا أن الفقهاء إنقسموا إلى فريقين فريق متمثل بجمهور العلماء والذي أخذ بمبدأ سدّ الذرائع، واعتبار المقاصد والنيات أمر معتبر في العقود، قال : بحرمة بيوع العينة لما فيها من تحايل على مقاصد الشريعة الإسلامية. وفريق متمثل بالشافعية والظاهرية، والذي أخذ بمبدأ العقود بظواهرها وألفاظها ومبانيها، دون النظر إلى مآلاتها وغاياتها، قال : بجواز بيوع العينة وأنها من البيوع الصحيحة ما دام العقد مكتمل بأركانه وشروط صحته.
وبناء على ما ذكر ترجح الباحثة تحريم بيع العينة لما فيه من التحايل على الربا واستحلال الحرام، فبيع العينة ما هو إلا حيلة من الحيل الربوية للوصول إلى نية كلا المتعاقدين، فالبائع يقصد الحصول على الفائدة بطريقة غير مشروعة، والمشتري يقصد الحصول على النقد، فكلاهما قصدا القرض بفائدة ’’ فبيع العينة إنما يقع غالباً إليها، وإلا فالمستغني عنها لا يشغل ذمته بألف وخمسمائة في مقابلة ألف بلا ضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك، وقد روى أبو داود من حديث علي حدثنا هُشيم أنبأنا أبو عامر المزني حدثنا شيخ من بني تميم قال : خطبَنا عليّ، أو قال : قال علي : يأتي على الناس زمان عَضُوضُ، يَعَضُّ الموسر على ما في يديه، قال : ولم يؤمر بذلك، قال الله عز وجل : ’’ولا تنسوُا الفضلَ بينكم’’ ويَنهدُ الأشرار، ويُستَذَلّ الأخيار، ويبايع المضطرّون، قال : وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطرين، وعن بيع الَغرَر، وبيع الثمرة قبل أن تُدْرِك ’’ . . . . والمعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه’’.
يقول ابن القيم : ’’والمتأخرون أحدثوا حيلاً لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إلى الأئمة، وهم مخطئون في نسبتها إليهم، . . . ومن عرف سيرة الشافعي وفضله ومكانه في الإسلام عَلِمَ أنه لم يكن معروفاً بفعل الحيل، ولا بالدلالة عليها، ولا كان يشير على مسلم بها، . . . وإن كان يُجري العقود على ظاهرها، ولا ينظر إلى قصد العاقد ونيته، . . . فحاشاه ثم حاشاه أن يأمر الناس بالكذب والخداع والمكر والاحتيال وما لا حقيقة له، بل ما يتيقين أن باطنه خلاف ظاهره، ولا يظن بمن دون الشافعي من أهل العلم والدين أنه يأمر أو يبيح ذلك، فالفرق إذاً واضح بين أن لا يعتبر القصد في العقد ويجريه على ظاهره وبين أن يسوغ عقداً قد علم بناؤه على المكر والخداع وقد علم أن باطنه خلاف ظاهره. . . ففي مسألة العينة: إنما جَوَّز الشافعي أن يبيع السلعة مِمَن اشتراها منه جرياً على ظاهر عقود المسلمين وسلامتها من المكر والخداع، ولو قيل للشافعي : إن المتعاقدين قد توطآ على ألف بألف ومائتين، وتراوضا على ذلك، وجعلا السلعة مُحَلِّلاً للربا، لم يُجَوِّز ذلك، وَلأَنْكَره غاية الإنكار’’.
إلا أن هذه المعاملة تجوز في حالة بيع السلعة بثمن المثل، أو أكثر، وإن اشتراها بسلعة جاز، لأنه لا ربا بين الأثمان والعروض، وإن نقصت السلعة لتغير صفتها، جاز لبائعها شراؤها بأقل من الثمن، لأن نقص الثمن لنقصان السلعة، وإن نقصت لتغير السوق، أو زادت، لم يجز شراؤها بأقل.
يقول ابن قدامة : ’’ . . . فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فيجوز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إذا كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فإن نقصت مثل أن نسي صناعة، أو تخرق الثوب أو بلي جاز له شراؤها بما شاء ولأن نقص الثمن لنقص المبيع لا لتوصل إلى الربا، وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها’’.
وبهذا يتضح حرمة بيع العينة سداً للذرائع، حيث يعتبر بيع العينة ذريعة إلى الربا والوسيلة إلى الحرام حرام.
المطلب الرابع : شروط تحريم بيع العينة .
1- أن يكون البيع الثاني مشروطاً في الأول، اي أن يقصد بالعقد الأول العقد الثاني، وهو قول أحمد وأبي حنيفة ومالك، ويتوجه أنه مراد من أطلق، لأن العلة التي من أجلها بطل الثاني، وهو كونه ذريعة للربا، موجودة إذن في الأول.
2- أن يكون العقدان الأول والثاني على عين واحدة.
3- أن يكون البائع في العقد الأول هو المشتري (أو وكيله، أو من تنزل منزلته) في العقد الثاني، وأن يكون البائع في العقد الثاني هو المشتري (أو وكيله، أو من تنزل منزلته) في العقد الأول.
4- أن تكون البيعة الأولى لأجل، وهناك أوجه في العينة لا نص فيها على الأجل، ولكن منعت لوجود شبهة الربا، وهو ما ذكره المالكية من مسئلة من مسائل العينة يكون الأجل معدوماً فيها وصورتها : أن يقول الرجل للرجل اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا أشتريها منك بإثني عشر نقداً، فلم ينص على الأجل وعلة المنع اجتماع السلف والإجارة، فالمأمور أجير على شراء السلعة للأمر بدينارين لأنه إنما اشتراها له وقوله : أنا أشتريها منك لغو لا معنى له لأن العقدة له وبأمره، فإن كان النقد من عند الأمر أو من عند المأمور بغير شرط فذلك جائز.
5- أن يكون الشراء الثاني من صفة ثمنه الذي باع به أولاً، اي أن يكون الثمن الأول من جنس الثمن الثاني، جاء في المغني : ’’وأن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز وبه قال ابو حنيفة ولا نعلم فيه خلافا لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا ولا ربا بين الأثمان والعروض، فأما إن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر مثل أن يبيعها بمائتي درهم ثم اشتراها بعشرة دنانير فقال أصحابنا يجوز لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بيهما فجاز كما لو اشتراها بعرض أو بمثل الثمن، وقال أبو حنيفة لا يجوز استحسانا لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية، ولأن ذلك يتحذ وسيلة إلى الربا فأشبه ما لو باعها بجنس الثمن الأول’’.
6- أن يكون الثمن الثاني أقل من الأول، فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فيجوز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إذا كات السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فإن نقصت . . . جاز له شراؤها بما شاء لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا،وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها .
المطلب الخامس : حيل باطلة لتجويز بيع العينة.
إذا كان الشارع حرم مسألة العينة لمفسدة فيها فإن المفسدة لا تزول بهذه الحيل،بل هي بحالها وأنضم إليها مفسدة أخرى أعظم منها،وهي مفسدة المكر والخداع واتخاذ أحكام الله هزواً وهي أعظم المفسدتين. ومن الحيل المحرمة للتحيل على جواز مسألة العينة ما يلي :
1- أن يحدث المشتري في السلعة حدثا ما تنقص به أو تتعيب، فحينئذ يجوز لبائعها أن يشتريها بأقل مما باعها.
2- أن تكون السلعة قابلة للتجزئة فيمسك منها جزءاً ما ويبيعه بقيمتها.
3- أن يضم البائع إلى السلعة سكيناً أو منديلاً أو حلقة حديداً أو نحو ذلك، فيملكه المشتري ويبيعه السلعة بما يتفقان عليه من الثمن.
4- أن يهبها المشتري لولده أو زوجته أو من يثق به. فيبيعها الموهوب له من بائعها، فإذا قبض الثمن أعطاه للواهب.
5- أن يبيعه إياها نفسه من غير إحداث شيء ولا هبة لغيره، لكن يضم إلى ثمنها خاتماً من حديد أو منديلاً أو سكيناً ونحو ذلك .
المطلب السادس : تطبيقات بيع العينة المعاصرة.
انتشر التعامل بالعينة كثيراً عند بعض الناس والمصارف والمؤسسات المالية، بشكل ملاحظ، وذلك لتمتعها بأسباب عديدة أدت إلى انتشارها يمكن تلخيصها بما يلي :
1- الركود الاقتصادي الذي يعصف بالأسواق المحلية بخاصة، وبالعالمية، مما يؤثر على النشاط التجاري.
2- تجاوز الأرباح العائدة من العينة أرباح التجارات والفوائد في البنوك في أحسن أحوالها غالباً.
3- قلة المخاطر والمصاعب والتكلفة، وذلك إذا ما أخذت في العينة ضمانات السداد الكافية.
4- عدم الحاجة إلى الخبرة والحنكة التجارية من قبل من يتعاملون بالعينة.
5- ازدياد طالبي الإقراض والباحثين عن التمويل (لتنامي الحاجات الاستهلاكية، وغلاء المعيشة وضعف الموارد، والرغبة في تحسين الأوضاع المعيشية) الذين لا يجدون من يفعل معهم صنائع المعروف فيقرضهم القرض الحسن، مما ينتج عنه ازدهار تجارة العينة.
أهم التطبيقات هي :
1) بطاقة الائتمان :
بطاقة الائتمان هي : ’’بطاقة ممغنطة مُسَجَّل عليها اسم الشخص، والرقم وتاريخ المنح والصلاحية ويتم إدخالها في جهاز كمبيوتر (حاسب آلي) ليتأكد البائع من تَوَفُّر رصيد للمشتري يسمح بعقد هذه الصفقة بالبطاقة’’.
كيفية استخدام البطاقة وخصائصها الأساسية :
هناك الكثيرين من المستخدمين لبطاقة الائتمان يتعاملون بها لقضاء حاجياتهم من السلع الاستهلاكية فيذهبون إلى التجار الذين يعتمدون تلك البطاقة للحصول على ما يحتاجونه.
تستخدم بطاقة الائتمان من قبل حامليها كوسيلة للوفاء بالتزاماتهم بدلاً من الدفع الفوري بالنقد، ولكي يحصل الشخص على هذه البطاقة لا بد من أن يكون عميلاً لأحد المصارف . وعندما يتقدم العميل بطلب خطي للحصول على البطاقة يقوم البنك بالتأكد من ملاءته ويطلب ظمانات شخصية أو عينية قبل اصدار البطاقة له. ويتم اصدار البطاقة للعميل وفقاً لسقف ائتماني معين متفق عليه ووفقاً لشروط استخدام البطاقة التي تكون معدة سلفاً من قبل المصرف . وتختلف البطاقات في انواعها فمنها المحلية ومنها الدولية، وهناك ايضا ما يسمى البطاقة الذهبية التي تمنح حاملها سقوفا ائتمانية عالية. وتسنخدم البطاقة كوسيلة وفاء لما يحصل عليه حاملها من خدمات أو بضاعة لدى جميع المحلات التجارية التي تضع اشارة معينة تفيد قبول البطاقة كوسيلة وفاء.
لاحظت الباحثة من خلال الزيارات المتعددة للمصارف الإسلامية والاستفسارات من العملاء أن بعض العملاء والذين يحتاجون إلى السيولة النقدية ولا يجدون من يقرضهم يقومون بحيل مع بعض التجار المعتمد لديهم هذه البطاقة وذلك بالقيام بشراء بضاعة من البائع ومن ثم يقوم المشتري ببيعها إلى البائع نفسه بثمن أقل للحصول على النقد . فنجد أنفسنا أمام صورة من صور بيع العينة الذي سبق بيان حكمه الشرعي.
1) الأسهم :
يقوم بعض الاشخاص ممن هم بحاجة إلى النقد ولا يجدون من يقرضهم أو يمولهم بالسيولة بالتوجه إلى المصرف لشراء سلعة من قبل البنك بالتقسيط ثم يقومون ببيعها نقدا في الحال بعد امتلاكهم لها. وصورتها كما يلي : يقوم الشخص بالتوجه إلى المصرف لغرض شراء سلعة من قبلهم بالتقسيط يكون سعرها إذا رغب في بيعها ما يقارب المائتي ألف (وحدة نقدية) ويمكن أن يحدد هذه السلعة بأن تكون أسهم من شركة معينة مثلا. ثم يقوم المصرف بعد ذلك بشراء الأسهم وبمبلغ أربعة الاف سهم ويتملكها وبعد ذلك يشتريها الشخص منهم بالتقسيط وبمبلغ ثلاثمائة ألف (وحدة نقدية)، فهذه صورة من صور بيع العينة فهي من الربا المقترن بالحيل فذهاب الشخص إلى المصرف ليشتري له ثم يبيعه بعد ذلك هو تواطىء على الربا، فالمصرف يشتري السلعة لأنه يريد الفائدة والزيادة على السعر الحاضر، اما الشخص يذهب إلى المصرف يطلب منه أن يشتري له السلعة من أجل الحصول على النقد. فالعبرة بالعقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني .
2) تمارس أحدى المصارف عملية بيع العينة باستغفال العملاء دون علمهم وصورتها كما يلي : فمثلاً يحتاج شخص إلى مبلغ من النقود ولا يجد من يقرضه فيذهب إلى المصرف لطلب القرض فيعرض المصرف عليه طريقة بأن يشتري له المصرف سيارة بالتقسيط مقابل بطاقة جمركية بأمتلاكه للسيارة، وعند خروجه من المصرف يقابله شخص عند باب المصرف يكون من قبل المصرف فيقول له عندك سيارة للبيع، فيقول الشخص نعم الآن سأذهب لإستلامها، فيدخله داخل المصرف في مكتب ويخفضون من قيمة السيارة وهي في مكانها ويعطون الشخص شيك بقيمة السيارة بعد انقاص سعرها بمبلغ باهض، فقال لهم الشخص ماذا ستفعل بالسيارة قال له نبيعها إلى شخص آخر يحتاج إلى نقد بنفس العملية وهكذا تبقى نفس السيارة تباع وتشترى أكثر من مرة وهي في مكانها دون أن يكون المقصود تملكها من قبل المشتري، فهذا من صور بيع العينة الذي سبق بيانه وذلك لأن البيع هنا ليس محققاً لمقصوده وهو الانتفاع بالمبيع إما بالاستهلاك أو بالمتاجرة وبيعه بربح. فبيعه بالخسارة هو حيلة للحصول على النقد الحاضر مقابل زيادة في الذمة من جنسه، فهذا هو ربا النسيئة .
3) ومن صور بيع العينة المنتشرة ما يمارسه بعض التجار في الأسواق فمنها أن يكون هناك شخص مشارك مع صاحب معرض للسيارات للبيع بالتقسيط، وعندما يبيع سيارة لأحد الزبائن بالتقسيط ويكون الزبون بحاجة إلى النقد، يقوم الزبون ببيع نفس السيارة إلى الشريك الآخر بمبلغ أقل من ثمنها نقداً. فهذه العملية من صور بيع العينة فهي ربا النسيئة لأنه دراهم بدراهم بينهما سلعة فكلاهما تواطىء على الربا، للحصول على النقد.
4) ومن صور بيع العينة الممارس في الأسواق ما يكون عكس بيع العينة، ومنها أن يأتي المحتاج إلى النقد إلى التاجر ويعرض عليه بيع سيارته بمبلغ ثمانين ألف (وحدة نقدية) حال ثم يقوم التاجر ببيع السيارة إلى نفس المحتاج إلى النقد بسعر مئة ألف (وحدة نقدية) مؤجلة فيعود المحتاج بالسيارة وثمانين ألف (وحدة نقدية) تعود إلى التاجر مئة ألف (وحدة نقدية) فهي من ربا النسيئة قرض جر نفعاً .
5) التحايل الوارد على المرابحة للآمر بالشراء :
المرابحة لغة واصطلاحا:
المرابحة لغة : المرابحة مأخوذه من كلمة ربح وتعني النماء في التجر وربح في تجارته يربح ربحا وتربحا أي إستشف،والعرب تقول : ربحت تجارته إذا ربح صاحبها فيها.
قال تعالى : ’’فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين’’.
المرابحة اصطلاحا :
عند الحنفية : ’’مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح’’.
عند الحنابلة : ’’بيع المرابحة هو البيع برأس المال وربح معلوم’’.
عند الشافعية : ’’عقد بني الثمن فيه على ثمن المبيع الأول مع زيادة’’.
أما المالكية : ’’أن يُعرِّف صاحب السلعة المشتري بكم اشتراها ويأخذ منه ربحاً إما على الجملة، مثل أن يقول اشتريها بعشرة وتربحني ديناراً أو دينارين، وإما على التفصيل، وهو أن يقول تربحني درهما لكل دينار أو غير ذلك’’ .
بناء على ما تم ذكره يتضح للباحثة أن المرابحة هي بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح معلوم .
اتفق الفقهاء على جواز بيع المرابحة حيث أن الأصل في العقود الحل والإباحة، قال تعالى : ’’وأحل الله البيع وحرم الربا’’.
بيع المرابحة للآمر بالشراء اصطلاحاً :
إن بيع المرابحة للآمر بالشراء ظهرت حديثاً وانتشرت في البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة وهي صورة مبنية على بيع المرابحة البسيط وعُرفت بأنها : ’’طلب شراء للحصول على مبيع موصوف مقدم من عميل إلى مصرف يقابله قبول من المصرف ووعد من الطرفين، الأول بالشراء والثاني بالبيع بثمن وربح يتفق عليهما مسبقاً’’.
فبيع المرابحة للآمر بالشراء : هو البيع الذي يتفق فيه شخصان أو أكثر ويتواعدان على تنفيذ الاتفاق المبرم بينهما والذي يطلب فيه أحدهم وهو الآمر من الآخر وهو المأمور أن يشتري له سلعة معينة أو موصوفة، ويعده بتربيحه في هذه السلعة مع جواز تسمية قدر أو نسبة الربح، على أن يعقدا على ذلك بيعاً جديداً إذا اختار الآمر إمضاء الاتفاق عند تملك المأمور للسلعة.
وقد صدر بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء عدة فتاوى أهمها قرار مجمع الفقه الإسلامي الصادر في دورة مؤتمره الخامس المنعقدة في 1 جمادى الأولى 1409هـ - الموافق 15/ 12/ 1988 والذي جاء فيه :
’’أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوفرت شروط البيع وانتفت موانعه’’ .
ولتوضيح عملية بيع المرابحة للآمر بالشراء والحيل الواردة عليها نوضح آلية تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية، ثم نبين الحيل الواردة عليها .
آلية تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصرف الإسلامي تتم كما يلي :
1 - طلب من العميل يقدمه للمصرف الإسلامي لشراء سلعة معينة موصوفة . (يوضح فيه نوع السلعة المطلوبة وكميتها وسعرها، والميعاد المطلوب للحصول عليها).
2 - قبول من المصرف شراء السلعة وذلك بعد أن يتأكد المصرف من ملاءة وكفاءة العميل وقدرته على السداد.
3 – وعد من العميل لشراء السلعة الموصوفة من المصرف بعد تملك المصرف للسلعة على أن يكون للمصرف نسبة محددة من الربح على ثمن السلعة . أي بواقع (نسبة) معينة من مجموع ثمن الشراء والمصاريف الخاصة بالبضاعة.
4 – يدفع العميل للمصرف نسبة معينة من قيمة السلعة يكون بمثابة ضمان لإتمام العملية.
5 – يقوم المصرف بشراء السلعة وتملكها وتعتبر جميع تكاليف الشراء من رسوم أو مصاريف خاصة بالسلعة جزءا من الثمن، ويخطر العميل بأنه قد تملك السلعة.
6 – يوقع المصرف مع العميل بيع السلعة الموصوفة بأجل مع زيادة ربح وطريقة السداد حسب الأتفاق. وإتمام عملية التسليم والتسلم.
ولتوضيح عملية التطبيق فالعملية تتكون مما يلي :
1 ) طلب العميل من البنك شراء سلعة معينة موصوفة.
2 ) البنك يَعِدُ العميل بأنّه سوف يشتريها ويبيعها له.
3 ) العميل يَعِدُ البنك بأنّه سوف يشتري السلعة مرابحةً بنسبة معينة بالأقساط .
4 ) يشتري البنك السلعة المعينة.
5 ) يبيعها إلى العميل مرابحة.
اعتراض ورد :
الأعتراض : ذهب بعض المعترضين على أن بيع المرابحة للآمر بالشراء من بيوع العينة وذلك لوجود معاملة (المواعدة على بيع المرابحة) وحجتهم أن بيع المرابحة للآمر بالشراء يدخل ضمن بيع العينة في الصورة التي ذكرها المالكية في كتبهم وهي أن يقول رجل لآخر : اشتر لي سلعة بكذا، وأربحك فيها كذا مثل أن يقول اشترها بعشرة وأعطيك فيها خمسة عشر إلى أجل . فأن هذا يئول إلى الربا. لذلك فبيع المرابحة للآمر بالشراء، فيها وعداً بالمرابحة ثم عقد بيع، وقد اتفق المتعاقدان مقدماً على الثمن الأول ومقدار الربح في البيع الثاني .
الرد : من المؤكد أن صورة المعاملة التي سميت ’’بيع المرابحة للآمربالشراء ’’ والتي تجريها المصارف الإسلامية، والتي أفتت فيها هيئة الرقابة الشرعية بالجواز ليست من صور بيع العينة الممنوعة في شيء، إذ من الواضح أن العميل الذي يجيء إلى المصرف طالبا شراء سلعة معينة يريد هذه السلعة بالفعل، كالطبيب الذي يريد أجهزة لمستشفاه أو صاحب المصنع الذي يريد ’’ماكينات’’ لمصنعه، وغير هذا وذاك حتى إنهم ليحددون مواصفات السلعة (بالكتالوج) ويحددون مصادر صنعها أو بيعها. فالسلعة مطلوب شراؤها لهم بيقين . والمصرف يشتريها بالفعل، ويساوم عليها، وقد يشتريها بثمن أقل مما طلبه العميل ورضي به، كما حدث هذا بالفعل، ثم يبيعها للعميل الذي طلب الشراء ووعد به. كما يفعل أي تاجر.
وما ترجحه الباحثة أن بيع المرابحة للآمر بالشراء لا يدخل ضمن بيع العينة وذلك لما يلي :
1- ببيع العينة يكون البيع الثاني مبنيّاً على البيع الأول وتعود السلعة إلى بائعها الأول ويحصل على ثمن أعلى، ويحصل المشتري على النقد، فبيع العينة عقدين بين طرفين (البائع والمشتري) . أما بيع المرابحة للآمر بالشراء فإن المصرف يشتري السلعة من جهة معينة ثم يبيعها إلى جهة ثالثة، فهي عقدين بين ثلاثة أطراف (المشتري والبائع والآمر بالشراء)، فالمشتري يقصد السلعة وليس النقد .
2- ببيع العينة يكون الإلزام ببيع السلعة التي وقعت في البيع الأول إلى البائع أي عودة السلعة إلى مالكها الأصلي، أما المواعدة في (بيع المرابحة للآمر بالشراء) تكون بإلزام البائع والمشتري بالبيع الثاني. وتكون بين المصرف والآمر بالشراء.
الحيل الواردة على تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء :
هناك الكثير من التجاوزات في الواقع التطبيقي لهذه المعاملة يدخل ضمن بيوع العينة المحرمة منها :
1 ) ان المصرف لا يقوم بنفسه بالشراء،وإنما يكتفي بأن يقدم له العميل فاتورة السلع المراد بيعها مرابحة، ويكون العميل قد قام بشراء هذه السلع المراد بيعها مرابحة،ويكون العميل قد قام بشراء هذه السلع باسمه من قبل،ووقعت الفواتير باسمه كذلك، فيقتصر دور البنك على تسديد قيمة الفاتورة مقابل الربح المتفق عليه، فيكون ممولاً فعلياً في صورة مشتر وبائع في الظاهر، فعدم قيام المصرف بنفسه بعملية الشراء تتحول المعاملة إلى دائرة أخرى، حيث يئول إلى أن المصرف الذي يشتري السلعة من العميل نقداً ثم يبيعها مؤجلة بأكثر مما اشتراها به،إلى صورة العينة الممنوعة،أو أن المصرف يقرض عميله قيمة السلعة الحاضرة على أن يتقاضاها في المستقبل بزيادة وهو عين الربا المجمع على حرمته، فيجب أن توضع الضوابط من قبل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية التي تمنع مثل هذا التحايل.
2 ) ان العملاء يحصلون على فواتير شكلية من التجار، ويقدمونها للمصرف الإسلامي، وبناء عليه يقوم البنك بإصدار شيك باسم التاجر (المالك للسلعة) بقيمة المشتريات التي تضمنتها الفواتير، ثم يقوم البنك الإسلامي بتوكيل العميل بتسلم البضاعة واتمام عملية الشراء، بعد ذلك يقوم العميل وبالاتفاق مع التاجر باستبدال الشيك بالنقود مقابل تنازله عن جزء من ثمن البضاعة، ولم يغفل المصرف الإسلامي عن هذا التحايل بل قام بإرسال مندوباً عنه للإشراف على عملية التسلم والتسليم وأن العملية تمت بالفعل، ويتأكد المندوب من وصول وتنزيل البضاعة إلى مكانها . لكن التحايل من قبل العميل قد يستمر بحيث يقوم بعض العملاء بتحميل البضاعة وردها مرة أخرى إلى التاجر بعد إنصراف مندوب المصرف ليحصل على النقود، فإذا تمكن العميل من رد البضاعة التي اشتراها إلى التاجر، يكون قد تحايل العميل بعملية المرابحة للاقتراض من المصرف، وتقاضى المصرف مبلغاً من المال يزيد عن المقدار الذي حصل عليه العميل . فنكون أمام صورة من صور بيع العينة المحرمة.
المراجع
1. العسقلاني، احمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، د.ط، د.ت، المكتبة السلفية.
2. ابن القيم، تهذيب السنن، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1421هـ، 2001 .
3. أبن الهمام،الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي الحنفي، فتح القدير، قاضي خان، الفتاوى الخانية بهامش الهندية، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1415هـ، 1995.
4. ابن أنس، مالك بن أنس بن مالك ، المدونة الكبرى،بيروت ، لبنان : دار الفكر ، د. ط ، د. ت.
5. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله النميري الحراني الدمشقي الحنبلي أبو العباس تقي الدين بن تيمية الامام ، الفتاوى الكبرى ، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1408هـ، 1987.
6. ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية : مكتبة الرُشد، 1422هـ.
7. ابن سعد،أبو عبدالله محمد بن سعد زهري، الطبقات الكبرى ، بيروت، لبنان : دار صادر، 1960.
8. ابن عابدين، محمد أمين بن عمر ، حاشية رد المحتار على الدر المختار ، ط1،بيروت، لبنان : دار المعرفة، 1420هـ، 2000.
9. ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1414هـ، 1994.
10. ابن قدامه، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة،المغني ، بيروت، لبنان : دار الكتب العربي، 1403، 1983، طبعة جديدة بالأوفست .
11. ابن منظور ، محمد بن مكرم بن علي بن منظور، لسان العرب ، ط1 ، بيروت ، لبنان : دار صادر بيروت ، دت .
12. أبو زيد، عبد العظيم جلال، الربا في الفقه الإسلامي ( دراسة مقارنة) ، رسالة دكتوراة، جامعة دمشق، 1422هـ.
13. أحمد، الواثق عطا المنان محمد، بحث بعنوان ’’عقد المرابحة ضوابطه الشرعية - صياغته المصرفية وانحرافاته التطبيقية، المؤتمر الثالث للاقتصاد الإسلامي، جامعة أم القرى، 1426هـ،2005.
14. التركماني، علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، المتوفى سنة 745هـ ، الجوهر النقي، ط1، حيدر آباد الدكن، الهند :دائرة المعارف النظامية ، 1344هـ .
15. الحصكفي،محمد علاء الدين، الدر المختار،القاهرة، مصر : مطبعة صبيح ، د.ط، د.ت .
16. الحّطاب ، هو محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرٌّعيني المعروف بالحّطاب. مواهب الجليل،، ط3، بيروت، لبنان : دار الفكر، 1412هـ.
17. حوّا، أحمد سعيد’’ محمد ذيب’’ ، صور التحايل على الربا وحكمها في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه في الفقه وأصوله، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، 1998.
18. الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفه ، حاشية الدسوقي ، بيروت ، لبنان : دار الفكر، دط، دت.
19. الرازي،، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، بيروت،دط، لبنان : مكتبة بيروت، 1415هـ .
20. الرافعي، ابي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني، العزيز شرح الوجيز ، ط1، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية .
21. الزحيلي، محمد، المصارف الإسلامية، ط1، دمشق، سوريا : دار المكتبي، 1418هـ، 1997.
22. الزيلعي، لإمام جمال الدين أبن محمد عبد الله بن يوسف الحنفي المتوفي سنة 762هـ ، نصب الراية لأحاديث الهداية، ط3، بيروت، لبنان: دار إحياء التراث العربي، 1407هـ ، 1987.
23. الشافعي، الإمام ابي عبد الله محمد بن ادريس،الأم مع مختصر المزني، ط2، بيروت، لبنان : دار الفكر، كتاب البيوع ، 1403هـ، 1983.
24. الشنقيطي ، محمد الشيباني بن محمد ابن أحمد الشنقيطي الموريتاني ، تبيين المسالك شرح تدريب السالك إلى أقرب المسالك ، ط2، بيروت ، لبنان : ’’ دار الغرب الاسلامي ’’ ، 1995.
25. الشوكاني، الإمام محمد بن علي بن محمد ، نيل الأوطار شرح ملتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخبار، الطبعة الأخيرة ، بيروت ، لبنان: دار إحياء التراث العربي .
26. الصاوي ، أحمدبن محمد الخلوتي،ولد سنة 1175هـ،. بُلغَة السالك لأَقربَ المسَالك على الشرَّح الصَّغير للقطبُ سُيدي أحمد الدَّردير . ، بيروت ، لبنان ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1415هـ ، 1995 .
27. عبدالله، أحمد علي، المرابحة أصولها وأحكامها في المصارف الإسلامية، ط1، الخرطوم، السودان : الدار السودانية للكتاب، 1987.
28. عيد، يحي إسماعيل، بيع المرابحة في البنوك الإسلامية بين الحل والحرمة، ط1، عمان، الأردن : الناشر المؤلف، 1418هـ، 1997.
29. الفيروز آبادّي ، مجد الدين محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط ، ط3 ، بيروت ، لبنان ، مؤسسة الرسالة ، 1413هـ ، 1993 .
30. القرافي،أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، شهاب الدين، الفروق و أنوار البروق في أنواء الفروق، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1418هـ،1998 .
31. القضاة، فياض، بحث الالتزامات الناتجة عن استخدام بطاقات الائتمان، 17/3/1999. مجلة دراسات ، مجلة علمية محكّمة تصدر عن عمادة البحث العلمي، الجامعة الأردنية، المجلد26، العدد 2، شعبان، 1420هـ، تشرين الثاني، 1999 .
32. الكساني، الإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود، بدائع الصناع في ترتيب الشرائع، ط2 ، بيروت ، لبنان : دار الكتب العلمية ، 1406هـ ، 1886.
33. المالكي،محمد بن حسين،تهذيب الفروق، د.ط،د.ت، بيروت،لبنان : دار الفكر.
34. المترك، عمر بن عبد العزيز،الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية : دار العاصمة،1414هـ.
35. المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني، الهداية شرح بداية المبتدي، ط الآخيرة، القاهرة، مصر : مكتبة الحلبي، د.ت.
36. ملحم، أحمد سالم عبدالله، بيع المرابحة وتطبيقاتها في المصارف الإسلامية،ط1، عمان، الأردن : مكتبة الرسالة الحديثة، 1410هـ، 1989.
37. النووي، الإمام ابي زكريا محيي الدي بن شرف،كتاب المجموع،ط1، بيروت، لبنان : دار إحياء التراث العربي، 1422هـ.
مواقع الشبكة المعلوماتية
www.Islamacademy.net /articles/show.
www.Islamtoday. net/articles/show .
www.Shubily.com .
www.islamifn.com .
www.almoslim.com.
لنووي، الإمام ابي زكريا محيي الدي بن شرف،ولد سنة 631هـ، من أهل نوى من قرى حوران جنوبي دمشق. علامة في الفقه الشافعي والحديث واللغة، تعلم في دمشق، وأقام بها زمناً. توفى سنة 676هـ، من تصانيفه : ’’ المجموع شرح المهذب’’ لم يكمله، و’’ روضة الطالبين’’ أنظر : الاعلام، للزركلي، ج9 / ص 185. كتاب المجموع،ط1، بيروت، لبنان : دار إحياء التراث العربي، 1422هـ، 2001، ج10/ ص 246، بتصرف.
ابن منظور ، محمد بن مكرم بن علي بن منظور الأفريقي المصري ، ولد سنة 630هـ توفي سنة 711هـ ، الإمام اللغوي الحجة . خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة ، ثم ولي القضاء في طرابلس ، وعاد الى مصر فتوفى بها ، من تصانيفه ’’ مختار الأغاني ’’ ، و ’’ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ’’ ، و’’ لطائف الذخيرة ’’ ، و ’’مختصر تاريخ بغداد ’’ . أنظر : الأعلام، للزركلي ج 7/ص 329 ، لسان العرب ، ط1 ، بيروت ، لبنان : دار صادر بيروت ، دت، ص 306 .
الفيروز آبادّي ، مجد الدين محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط ، ط3 ، بيروت ، لبنان ، مؤسسة الرسالة ، 1413هـ ، 1993 ، ص 1240 .
الرازي،، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر، توفى 721هـ، مختار الصحاح، بيروت،دط، لبنان : مكتبة بيروت، 1415هـ، ص 467
الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفه ، المالكي من علماء العربية ، من أهل دسوق تعلم وأقام وتوفى بالقاهرة وكان من المدرسين في الأزهر ، له كتب منها ( الحدود الفقهية ) في فقه المالكية ، وحواش على مغنى اللبيب والسعد التفتازاني والشرح الكبير على مختصر خليل وشرح السنوس لمقدمة أم البراهين ، (أنظر : موسوعة الفقه الاسلامي المعروفة بموسوعة جمال عبد الناصر الفقهية ، يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ، مصر ، 1410هـ ، 1990، ج1/ ص 251 ) ، حاشية الدسوقي ، بيروت ، لبنان : دار الفكر، دط، دت،ج3/ ص 88 .
الشنقيطي ، محمد الشيباني بن محمد ابن أحمد الشنقيطي الموريتاني ، تبيين المسالك شرح تدريب السالك إلى أقرب المسالك ، ط2، بيروت ، لبنان : ’’ دار الغرب الاسلامي ’’ ، 1995 ، ج3 / ص 371 .
الصاوي ، أحمدبن محمد الخلوتي،ولد سنة 1175هـ، فقيه مالكي. أخذ عن الدردير والدسوقي. توفي بالمدينة المنورة سنة 1241هـ، من مؤلفاته : ’’ حاشية على تفسير الجلالين ’’، و ’’ حاشية على شرح الدردير لأقرب المسالك ’’ وغيرها. أنظر : الاعلام، للزركلي، ج 1/ ص 233 . بُلغَة السالك لأَقربَ المسَالك على الشرَّح الصَّغير للقطبُ س
الفصل الأول
مفهوم بيع العينة وأحكامها .
المبحث الأول : مفهوم بيع العينة لغة واصطلاحا.
المطلب الأول : العينة لغة .
المطلب الثاني : العينة اصطلاحا .
المبحث الثاني : صور العينة وحكمها عند الفقهاء .
المطلب الأول : صور العينة وحكمها عند الحنفية .
المطلب الثاني : صور العينة وحكمها عند الشافعية .
المطلب الثالث : صور العينة وحكمها عند الحنابلة .
المطلب الرابع : صور العينة وحكمها عند المالكية
المطلب الخامس : عكس مسألة العينة وحكمها عند الفقهاء.
المبحث الثالث : أراء الفقهاء في بيع العينة وشروطها .
المطلب الأول : الأدلة الشرعية لتحريم بيع العينة .
المطلب الثاني : الأدلة الشرعية لجواز بيع العينة .
المطلب الثالث : المناقشة والترجيح .
المطلب الرابع : شروط تحريم بيع العينة .
المطلب الخامس : حيل باطلة لتجويز بيع العينة .
الفصل الأول
مفهوم بيع العينة وأحكامها وتطبيقاتها
تعتبر مسألة بيع العينة من المسائل القديمة – الحديثه فقد برزت كحيلة من الحيل الربوية في معاملات كثير
من التجار للحصول على مكاسب مالية . وبرزت كذلك في معاملات المصارف تحت مسميات عديدة وبصور مختلفة.
’’ وأعلم أن المسألة تارة تفرض في الصرف فلا يتصور دخول الأجل فيها، وتارة تفرض في غير الصرف، فتقع تارة بدون الأجل وتارة بالأجل وتفرض تارة في باب الرجل يبيع الشيء بأجل ثم يشتريه بأقل من الثمن وتفرض في باب البيع الفاسد وبيوع الأجال وباب البيع بالنسيئة وباب الكفالة والوكالة’’.
إن مسألة العينة من المسائل التي أختلف فيها الفقهاء لتعدد صورها فاختلُف في حكمها.
لذلك سنبين معنى العينة وأراء الفقهاء في مشروعيتها وصورها عندهم وحكمها وتطبيقاتها المعاصرة .
المبحث الأول
مفهوم بيع العينة لغة واصطلاحا.
المطلب الأول : العينة لغة .
العينة : ’’خيار الشيء جمعها عَين، العينة : بكسر العين : السلف، واْعتانَ الرجلُ إذا اشترى الشيء بنسيئة، وعَينةُ الخيل : جيادُها، وعْينُ الشيء : نفسه وشخصه وأصله، والجمع أعْيانٌ، وَعْينُ الشيء : نفسه وحاضره وشاهده’’.
والعينةُ : ’’بالكسر : السَّلَفُ، وخيارُ المالِ، ومادَّةُ الحرُوب’’.
العِينَة : ’’بالكسر السَّلَف . و(أعتَانَ ) الرَّجُلُ أشتَرَى بنَسيئةِ’’.
’’سميت عينة لإعانة أهلها للمظطر على تحصيل مطلوبه على وجه التحيل بدفع قليل في كثير’’.
’’العينة (بكسر العين) : مشتقة من العون، لأن البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده، وقيل : إنها مشتقة من العين وحاجة الرجل إليها، فيشتري السلعة ليبيعها بالعين التي يحتاجها، وليس به إلى السلعة حاجة’’.
’’وأصل العينة عونة، وقعت الواو ساكنة بعد كسرة فقلبت ياء من العون، كأن البائع أعان المشتري بتحصيل مراده’’.
’’وبيع العينة بكسر العين المهملة وهي السلف، يقال باعه بعينه : أي نسيئة وقيل لهذا البيع عينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقداً حاضراً’’.
المطلب الثاني : العينة اصطلاحا.
بيع العينة هو محل خلاف بين الفقهاء. ويمكن أن يكون أصل الاختلاف هو الصورالتي تندرج تحت العينة.
العينة عند الحنفية :
’’العينة بكسر العين المهملة وهي السلف يقال باعه بعينه أي نسيئة وقيل لهذا البيع عينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا’’.
العينة عند الحنابلة :
’’ قال ابن قدامة : العينة ان يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة. فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس وقال : أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد وقال : إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا. فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل،ويجوز أن تكون العينة اسماً لهذه المسألة وللبيع بنسيئة جميعاً . لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم أتفاقاً ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره. (ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به) وجملة ذلك : أن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه لم يجز في قول أكثر أهل العلم . وصورتها : إن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة: لا يجوز ذلك إلا أن يغير السلعة . لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا’’.
العينة عند الشافعية : جاء في فتح العزيز : ’’بيع العينة ، وهي أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك نقداً، وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقداً ويشتري بأكثر منه إلى أجل، سواء قبض الثمن الأول أو لم يقبضه’’.
العينة عند المالكية :
نجد مسمى العينة عند المالكية ضمن بيوع الآجال وتعريفهم لها هو أن العينة: هي بيع من ( طلبت منه سلعة ) للشراء (وليس عنده) أي البائع (لطالبها) المشتري متعلق ببيع (بعد شرائها) لنفسه من آخر (جائزة) بمعنى خلاف الأول. فأهل العينة قوم نصبوا أنفسهم لطلب شراء السلع منهم، وليست عندهم فيذهبون إلى التجار ليشتروها بثمن ليبيعوها للطالب، وسواء باعها لطالبها بثمن حالّ أو مؤجل، أو بَعضه مؤجل.
’’العينَةُ بْيعُ من طُلبَتْ منه سلعةُ وليست عنده، فإن لَم يتراضيَا على ثمنٍ فجائز، إلا إن قال : اشترهَا بعشرةٍ نقداً وأشتريها باثنْى عشرَ إلى أجلٍ، فإن قال : ’’لي’’ لزِمتِ الطالبَ بعشرة،وإن لم يقل مَضى الثاني على الأرجح. أو يقول : اشترها لي بعشرةٍ، وللمطلوب الأقَلُّ من الدِّرهمين أو أجر مثله’’.
’’العينة بكسر العين وهو فعلة من العون لأن البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده وقيل من الضاء وهو تجشم المشقة وقال عياض في كتاب الصرف سميت بذلك لحصول العين وهو النقد لبائعها وقد باعها لتأخير’’.
وتميل الباحثة إلى تعريف ابن تيمية لبيع العينة حيث يقول في الفتاوى الكبرى : ’’العينة هي : أن يبيع سلعة من غيره بثمن مؤجل،ويسلمها للمشتري، ثم يشتريها منه نقداً بأقل من ذلك الثمن،ليسلم من الربا ظاهراً.وهذا العقد حيلة لأن ظاهره البيع المشروع وحقيقته الربا،وهو المقصود للمتبايعين، فرتب الشارع الحكم على الحقيقة، ولم يلتفت إلى الظاهر’’.
فالعينة قرض بصورة بيع والبيع حيلة لاستحلال الربا فهي شراء ما باع بأقل مما باع .
المبحث الثاني
صور العينة عند الفقهاء.
المطلب الأول : صور العينة وحكمها عند الحنفية.
هناك عدة صور لبيع العينة عند الحنفية وأهمها :
’’بيع سلعة بثمن مؤجل ثم شراؤها بأقل من ذلك الثمن حالاً’’ .
هذه الصورة عند الحنفية أن البائع الأول هو المشتري الثاني، ’’إذا باع رجل شيئاً نقداً أو نسيئة وقبضه المشتري ولم ينقد ثمنه أنه لا يجوز لبائعه أن يشتريه بأقل من ثمنه الذي باعه منه’’.
’’لو اشترى ما باع بمثل ما باع قبل نقد الثمن جاز بالاجماع لإنعدام الشبهة وكذا لو اشتراه بأكثر مما باع قبل نقد الثمن ولأن فساد العقد معدول به عن القياس وأنما عرفناه بالأثر والأثر جاء في الشراء بأقل من الثمن الأول فبقي ما وراءه على أصل القياس هذا إذا اشتراه بجنس الثمن الأول فإن اشتراه بخلاف الجنس جاز لأن الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس إلا في الدراهم والدنانير خاصة استحسانا والقياس أنه لا يجوز لأنهما جنسان مختلفان حقيقة فالتحقق بسائر الأجناس المختلفة (الاستحسان أنهما في الثمنية كجنس واحد فيتحقق بمجموع العقدين فكان في العقد الثاني شبهة الربا وهي الربا من وجه ولو تعيب المبيع في يد المشتري فباعه من بائعه بأقل مما باعه جاز لأن نقصان الثمن يكون بمقابلة نقصان العيب فيلتحق النقصان بالعدم كأنه باعه بمثل ما اشتراه فلا يتحقق شبهة الربا ولو خرج المبيع من ملك المشتري فاشتراه البائع من المالك الثاني بأقل مما باعه قبل نقد الثمن جاز لأن اختلاف الملك بمنزلة اختلاف العين فيمنع تحقق الربا’’.
وسبب التسمية ببيع العينة ’’قيل لهذا البيع عينة لاّن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عيناً : أي : نقداً حاضراً : أي أشتر من الناس نوعاً من الأقمشة ثم بعه فما ربحه البائع منك وخسرته أنت فعليّ فيأتي إلى التاجر فيطلب منه القرض ويطلب التاجر منه الربح ويخاف من الربا فيبيعه التاجر ثوباً يساوي عشرة مثلاً بخمسة عشر نسيئة فيبيعه هو في السوق بعشرة فيحصل له العشرة ويجب عليه للبائع خمسة عشر إلى أجل، أو يقرضه خمسة عشر درهماً ثم يبيعه المقرض ثوباً يساوي عشرة بخمسة عشر فيأخذ الدراهم التي أقرضه على أنها ثمن الثوب فيبقى عليه الخمسة عشر قرضاً. ومن صورها : أن يعود الثوب إليه كما إذا اشتراه التاجر في الصورة الأولى من المشتري الثاني ودفع الثمن إليه ليدفعه إلى المشتري الأول، وأنما لم يشتره من المشتري الأول تحرزاً عن شراء مَا باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن. قوله : (أي بيع العين بالربح): أي: بثمن زائد نسيئة : أي : إلى أجل. وهذا تفسير للمراد من بيع العينة في العرف بالنظر إلى جانب البائع، (وهو مكروه) عند محمد وبه جزم في الهداية قال في الفتح: وقال أبو يوسف : لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك ولم يعدوه من الربا وقال محمد: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا، وقد ذمّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وأتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء، فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم) وقيل إياك والعينة فإنها لعينة’’.
وجاء في الفتاوى الهندية لأبن الهمام : صورة من صور بيع العينة وهي : ’’أن يبيع المقرض من المستقرض سلعة بثمن مؤجل ويدفع السلعة إلى المستقرض ثم أن المستقرض يبيعها من غيره بأقل مما أشترى،ثم ذلك الغير يبيعها من المقرض بما اشترى لتصل السلعة إليه بعينها ويأخذ الثمن ويدفعه إلى المستقرض فيصل المستقرض إلى القرض ويحصل الربح للمقرض وهذه الحيلة هي العينة، عن ابي يوسف أنه قال العينة جائزة مأجورة’’ .
حكمها عند الحنفية : اختلفوا في حكم هذه الصور من العينة، وقد نسبوا إلى أبي يوسف القول بجوازها وأن فاعلها مأجور إذا قصد الفرار من الحرام، ونسبوا إلى محمد بن الحسن القول بكراهة هذه البيوع وذمها حيث قال: ’’هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم، اخترعه آكلة الربا، وقد ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم’’.
والذي يناسب هذا التشديد أن تكون الكراهة هنا كراهة تحريم كما نص على ذلك ابن عابدين، ولكن الملاحظ أن بعض فقهاء الحنفية ذكر قولاً واحداً في حكم هذه البيوع هو الكراهة ولم يشر إلى أبي يوسف مما يعني أنه يرجح قول محمد بن الحسن فيها.
فما محل الكراهة ؟ وما محل الجواز المنسوب إلى أبي يوسف ؟
قال أبن الهمام : ’’ثم الذي يقع في قلبي أن ما يخرجه الدافع إن فعلت صورة يعود فيها إليه هو أو بعضه كعود الثوب أو الحرير وكعود العشرة في صورة إقراض الخمسة عشر فمكروه، وإلا فلا كراهة’’ .
أما صاحب الهداية لا يذكر إلا القول بالكراهة في بيوع العينة، وكذلك قال صاحب الدر المختار: ’’اخترعه أكلة الربا وهو مكروه مذموم شرعاً لما فيه من الإعراض عن مبرة الإقراض’’ .
فالحنفية قالوا بفساد صورة العينة المشهورة وهي من صور ’’مسألة ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن’’ فبيوع العينة عند الحنفية فاسدة إذا كان البيع الثاني مشروطاً في البيع الأول لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد العاقدين فهو شرط فاسد مفسد للعقد الأول فلم يقل الحنفية ببطلان هذا البيع إذا وقع لأنهم، يُجرون العقود على ظواهرها إذا استوفت أركانها وشروط صحتها، وهذه صورة بيع صحيح هنا فلم يبطلوه.
المطلب الثاني : صور العينة وحكمها عند الشافعية .
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ’’ومن باع سلعة من السّلع إلى أجل من الآجال وقبضها المشتري، فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراها بأقل من الثمن، وزعم أنَّ القياس في ذلك جائز، ولكنه زعم تبع الأثر ومحمود منه أن يتبع الأثر الصّحيح، فلما سأل عن الأثر إذا هو أبو اسحاق عن أمرأته عالية بنت أنفع أنها دخلت مع أمرأة أبي السفر على عائشة رضي الله عنها فذكرت لعائشة أن زيد بن أرقم باع شيئاً إلى العطاء، ثم اشتراه بأقلَّ مما باعه له، فقالت عائشة أخبري زيد بن أرقم أنَّ الله قد أبطلَ جهاده مَع رسول الله إلا أن يتوب’’.
وجاء في الأم : ’’إذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقد أقل أو أكثر مما أشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوي، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل’’.
ترى الباحثة أن الإمام الشافعي يجيز بيع العينة دون التفريق بين كون المشتري ثانياً هو البائع اولاً أو لا،وهذا يتفق مع منهج الإمام الشافعي الذي بينه في إجازة العقود بناءً على صحة الظاهر وأنه لا يبطل العقد بتهمة ولا عادة بين المتبايعين، ولكن لا يغيب عنا قول الشافعي : ’’وأكره لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد البيع’’، بمعنى أنه إذا ظهر في العقد ما يشير إلى قصد التحايل على الربا فإن الشافعي يبطل البيع، وإذا لم يظهر القصد ولكنه موجود فهو يفيد الكراهة، جاء في كتاب المجموع : ’’اشتر لي سلعة كذا وكذا وأربحك فيها كذا إلى أجل كذا، فهو مكروه’’.
وقد نقل الرافعي خلافاً في مراعاة العادة الغالبة فقال : ’’ولا فرق بين أن يصير بيع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور، وأفتى الأستاذ ابو اسحق والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة صار البيع الثاني كالمشروط في الأول فيبطلان جميعاً ولهذا نظائر... ’’.
المطلب الثالث : صور العينة وحكمها عند الحنابلة .
جاء في المغنى : ’’إن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقداً لم يجز في قول أكثر أهل العلم، ولأن ذلك ذريعة إلى الربا فأنه يدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل معلوم،روي عن أبن عباس في مثل هذه المسئلة أنه قال : أرى مائة بخمسين بينهما حريرة يعني خرقة حريرة جعلاها في بيعها والذرائع معتبرة، فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فَيجوز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إذا كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فأن نقصت مثل أن هزل العبد أو نسي صناعة، أو تخرق الثوب أو بلي جاز له شراؤها بما شاء لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا، وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها، وأن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز وبه قال أبو حنيفة ولا يعلم فيه خلافا لأن التحريم انما كان لشبهة الربا ولا ربا بين الأثمان والعروض، فأما إن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر مثل أن يبيعها بمائتي درهم ثم اشتراها بعشرة دنانير فقال أصحابنا يجوز لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما فجاز كما لو اشتراها بعرض أو بمثل الثمن، وأن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه لا يجوز ذلك إلا أن يغير السلعة لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا، فأن اشتراها بنقد آخر أو بسلعة أخرى أو بأقل من ثمنها نسيئة جاز ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه إلا أن يكون ذلك عن مواطأة أو حيلة فلا يجوز، وإن وقع ذلك اتفاقا من غير قصد جاز لأن الأصل حل البيع، وإنما حرم في مسئلة العينة بالأثر الوارد فيه وليس هذا في معناه ولأن التوسل بذلك أكثر فلا يلتحق به ما دونه والله أعلم’’.
توصلت الباحثة من خلال ما تقدم ذكره أن حكم العينة عند الحنابلة هو التحريم، وأنها ذريعة إلى الربا فتحرم لأنها تعتبر حيلة ربوية.
المطلب الرابع : صور العينة وحكمها عند المالكية .
ذكر المالكية عدة صور لبيع العينة ولكل منها حكم مختلف. والعينة إذا ما أطلقت أريد بها المحظور عند المالكية. يقول الحطاب العينة : ’’أن يبيع الرجل الرجل السلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن أو يشتريها بحضرته من أجنبي يبيعها من طالب العينة بثمن أكثر مما أشتراها به إلى أجل ثم يبيعها هذا المشتري الأخير من البائع الأول نقداً بأقل مما اشتراها به وخفف هذا الوجه بعضهم ورآه أخف من الأول وقال أبن عرفة بيع أهل العينة هو البيع المتحيل به على دفع عين في أكثر منها وقسم أبن رشد في رسم حلف أن لا يبيع من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال أو في سماع سحنون من كتاب البضائع والوكالات وفي كتاب بيوع الآجال من المقدمات العينة إلى ثلاثة أقسام جائز ومكروه وممنوع، وجعلها صاحب التنبيهات في كتاب الصرف أربعة أقسام وزاد وجها رابعا مختلفا فيه وتبعهم المصنف فأشار إلى الجائز بقوله جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بمال وفي بعض النسخ بنماء أي بزيادة وهو أحسن وأن هذا هو المقصود من العينة. الجائز أن يمر الرجل بالرجل من أهل العينة فيقول هل عندك سلعة كذا وكذا أبتاعها منك (تبيعها مني بدين) فيقول لا فينقلب عنه على غير مراوضة ولا مواعدة فيشتري المسؤل تلك السلعة التي سأله عنها ثم يلقاه فيخبره أنه أشترى السلعة التي سأله عنها فيبيعها منه بما شاء من نقد أو نسيئة. فالجائز لمن لم يتواعد على شيء ولا يتراوض مع المشتري كالرجل يقول للرجل أعندك سلعة كذا فيقول لا فينقلب على غير مواعدة ويشتريها ثم يلقاه صاحبه فيقول تلك السلعة عندي فهذا جائز أن يبيعها منه بما شاء من نقد، ولو كان مشتري السلعة يريد بيعها ساعتئذ فلا خير فيه ولا ينظر إلى البائع كان من أهل العينة أم لا. فيلحق هذا الوجه بهذه الصورة على قوله بالمكروه، والمكروه أن يقول أعندك كذا وكذا تبيعه مني بدين فيقول لا فيقول ابتع ذلك وأنا أبتاعه منك بدين وأربحك فيه فيشتري ذلك ثم يبيعه منه على ما تواعدا عليه. والمكروهة أن يقول اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا مع قوله من غير أن يراوضه على الربح والصواب اسقاط كذا وكذا. فالمكروه أن يقول اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها وأشتريها منك من غير مراوضة ولا تسمية ربح ولا يصرح بذلك ولكن يعرّض به لذلك كرهوا أن يقول له لا أحل أن أعطيك ثمانيين في مائة ولكن هذه السلعة قيمتها ثمانون خذها بمائة والمحظور أن يراوضه على الربح فيقول اشتر سلعة كذا بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وأبتاعها منك بكذا. والحرام الذي هو ربا صراح أن يراوض الرجل الرجل على ثمن السلعة التي يساومه فيها ليبيعها منه إلى أجل ثم على ثمنه الذي يشتريها له من غيره فيقول أنا أشتريها على أن تربحني فيها كذا أو للعشرة كذا فهذه حرام ولو قال اشترها لي وأنا أربحك وأن لم يسم ثمنا قال وذلك كله ربا، يعني أنه إذا قال اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا آخذها منك باثنى عشر لآجل فذلك حرام ولا يجوز لأنه من رجل ازداد في سلفه فان وقع لزمت السلعة الآمر لأن الشراء كان له وأنما أسلفه المأمور ثمنا ليأخذ منه أكثر منه إلى أجل فيعطيه العشرة معجلة ويطوع عنه ما أربى.
يعني اذا قال اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وانا اخذها منك او اشتريها منك او ابتاعها منك باثني عشر نقدا قال في البيان رجع الامر فيه الى ان الامر استاجر المأمور على شراء السلعة بدينارين،لأنه انما اشتراها له وقوله وأنا أشتريها منك لغو لا معنى لأن العقد له وبأمره فان كان النقد من عنده فهي اجارة وسلف يكون للمأمور إجارة مثله إلا أن يكون أكثر من الدينارين و الأصح أن لا تكون له أجرة لأنا إن أعطيناه الأجرة كان ثمناًَ للسلف فكان ذلك تقيماً حين عقدا عليه.
تبين للباحثة أن حكم العينة عند المالكية يأخذ ثلاثة صور ولكل صوره حكم خاص بها هي :
1- جائزة وصورته :
أن يطلب شخص من آخر سلعة فلا يجدها وينفصلا من غير مواعده،فيشتري المطلوب منه تلك السلعة من غير أمر طالبها،ثم يلقاه فيخبره أنه قد اشترى السلعة التي سأله عنها فيبيعها منه بما شاء من نقد أو نسيئة.
2- مكروه وصورته :
أن يطلب شخص من آخر أن يشتري له السلعة بكذا وكذا،ويربحه بها من غير أن يفاصله على الربح (دون أن ينص على قدر الربح) .
3- محرم وصورته :
أن يطلب شخص من آخر أن يشتري له سلعة بعشرة دراهم نقداً، ويأخذها منه بخمسة عشر إلى أجل معلوم، (نص على قدر الربح)، يحرم لما فيه من سلف جر نفعاً.
وخلاصة صور وحكم بيع العينة عند الفقهاء ما قاله ابن القيم تعليقاً على الخلاف في مسألة العينة بكل صورها وبيان علله وأسبابه : ’’وإنما تردد من الأصحاب الحنابلة في العقد الأول في مسألة العينة، لأن هذه المسألة إنما ينسب الخلاف فيها إالى العقد الثاني بناء على أن الأول صحيح،فليست من مسائل الحيل، وإنما هي من مسائل الذرائع،ولها مأخذ اخر يقتضي التحريم عند أبي حنيفة وأصحابه، فإنهم لا يحرمون الحيل ويحرمون مسألة العينة،وهو أن الثمن إذا لم يستوف لم يتم العقد الأول، فيصير الثاني مبنياً عليه، وهو تعليل خارج قاعدة الحيل والذرائع،فصار للمسألة ثلاثة مآخذ . فأبو حنيفة يحرم مسألة العينة، والشافعي يبيح أما مالك رحمه الله،فيمنع العينة بناء على عدم القبض في البيعة الأولى أو القبض الصوري الذي يتخذ وسيلة وذريعة الى الربا، وقد سد مالك باب الذرائع سدّاً محكماً – وقد عقد لها باباً في ’’الموطأ’’ بعنوان : ’’العينة وما يشبهها’’ وأبطل كل صورها.
المطلب الخامس:عكس مسألة العينة وحكمها عند الفقهاء.
ذكر معظم الفقهاء عكس مسألة العينة كصورة من صور العينة والحقوها في حكمها.
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند الحنفية :
صورتها : (ما لو باع سلعة بألف درهم حالَّة، ثم اشتراها بألف درهم مؤجلة). وكذا (لو باع بألف مؤجلة، ثم اشتراه بألف مؤجلة إلى أبعد من ذلك الأجل)
حكمها : ’’لا تجوز لأنها في معنى ’’ اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن’’.
فصورة عكس العينة عند الحنفية يتساوى فيها الثمنان،ومع ذلك ألحقوها بحكم بيع العينة، لأن مجرد الأجل زيادة جرها السلف، فامتنعت.
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند الحنابلة :
صورتها جاء في المغني : ’’وإن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة لا يجوز ذلك إلا أن يغير السلعة لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا فأشبه مسئلة العينة’’.
أما حكمها : ففيه خلاف يقول المرداوي : ’’عكس العينة : مثلها في الحكم (أي مسألة العينة فعلُها محرم) وهي أن يبيع السلعة بثمن حال ثم يشتريها بأكثر نسيئة على الصحيح من المذهب نص عليه ’’. ونقل أبو داود : يجوز بلا حيلة.
وجاء في شرح زاد المستنقع : ’’وأما عكس مسألة العينة بأن باع السلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة أنها مثل مسألة العينة’’.
وقد ذكر البهوتي عكس مسألة العينة ’’وهو أن يبيع السلعة أولاً بنقد يقبضه، ثم يشتريها من مشتريها بأكثر من الأول من جنسه نسيئة، أو لم يقبض ( مثلها ) في الحكم، لأنه يتخذ وسيلة إلى الربا’’.
جاء في الفروع : ’’ وعكس العينة مثلُها، نقله حرب، ونقل أبو داود : يجوز بلا حيلة، ونقل المروذي فيمن يبيع الشيء ثم يجده يباع : أيشتريه بأقل مما باعه بالنقد ؟ قال : لا، ولكن بأكثر لا بأس’’.
فالحجة للمانعين : أنها وسيلة إلى الربا، كالعينة، فتلحق بحكمها .
قال المصنف : ’’ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه، إذا لم تكن مواطأة، ولا حيلة . بل وقع اتفاقاً من غير قصد’’.
فحجة المجيزين : أصل حلّ البيع، خرجت منه العينة، لإفضائها إلى الربا، فلا يلحق بها ما دونها، لأن التوسل به إلى الربا دونها.
فمصطلح عكس مسألة العينة لم يذكر إلا عند الحنابلة .
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند الشافعية :
صورتها : ’’أن يبيع سلعة بنقد، ثم يشتريها بأكثر منه نسيئة’’ .
حكمها : وهذه الصورة يوردها الشافعية مثلاً للعينة، ولها حكمها عندهم
صور عكس مسألة العينة وحكمها عند المالكية :
المالكية يذكرون عكس العينة في كتاب الآجال كصورة من صور بيع العينة وهي : ’’إذا باع الرجل السلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها منه بأكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل تفسخ البيعتان’’.
حكمها : أنها لا تجوز وتفسخ البيعتان.
وجه الشبه بين صورة عكس العينة عند المالكية وصورتها عند الحنابلة والشافعية هو : أن الذي تعجَّل الأقل هو البائع الأول، فهو في حكم المستقرض، بخلاف مسألة العينة إذ البائع الثاني هو الذي تعجَّل الأقل، فهو في حكم المستقرض.
أما الفرق بينهما فهو : أن الثمنين في صورة المالكية مؤجلان وأجل الثمن الأكثر الثاني أبعد من أجل الثمن الأقل الأول، أما صورة الحنابلة والشافعية فالثمن الأول الأقل نقداً، والثمن الثاني الأكثر مؤجلاً .
جاء في القواعد النورانية : ’’ ولو كانت عكس مسألة العينة من غير تواطؤ : ففيه روايتان عن أحمد، وهو أن يبيعه حالاً، ثم يبتاع منه بأكثر مؤجلاً، وأما مع التواطؤ فرباً محتال عليه’’.
وجاء في تهذيب السنن : ’’فإن قيل : فما تقولون فيمن باع سلعة بنقد، ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة ؟ قلنا : قد نص أحمد، في رواية، حرب، على أنه لا يجوز، إلا أن تتغير السلعة، لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا، فهو كمسألة العينة سواء، وهي عكسها صورة، وفي الصورتين : قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقداً، لكن في إحدى الصورتين : البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصورة الأخرى : المشتري هو الذي اشتغلت ذمته، فلا فرق بينهما’’.
بناء على ما تم ذكره تميل الباحثة إلى أن حكم مسألة عكس العينة هو نفس حكم العينة يقول ابن تيمية : ’’... عكس مسائل العينة وهي في ربا النسأ أن يبيع ربوياً بنسيئة ثم يشتري بثمنه ما لا يباع به نسيئة وهذه المسألة مما عدها من الربا الفقهاء السبعة وأكثر العلماء مثل مالك وأحمد وغيرهما. وأظنه مأثور عن ابن عمر وغيره ففي هذين الموضعين قد عاد الثمن إلى المشتري وأفضى إلى ربا الفضل أو ربا النسأ،وفي مسائل العينة قد عاد المبيع إلى البائع وأفضى إلى ربا الفضل والنسأ جميعاً’’.
أهم الفروقات الرئيسة بين العينة وعكس مسألة العينة تتمثل بما يلي :
ا ) في مسألة عكس العينة يكون المشتري (من هو بحاجة للنقد) هو مالك السلعة،أما في مسألة العينة يكون المحتاج للنقد لا يملك السلعة.
ب ) الثمن في البيع الأول في عكس العينة يكون حالاً، أما في العينة يكون مؤجلاً.
جـ ) الثمن في البيع الثاني في عكس العينة يكون مؤجلاً، أما مسألة العينة يكون حالاً.
د ) الثمن المؤجل في البيع الثاني أكثر من الثمن الحال في البيع الأول في عكس العينة، أما مسألة العينة يكون الثمن الحال أقل من الثمن المؤجل في البيع الأول.
المبحث الثالث
حكم الفقهاء في بيع العينة وشروطها
أختلف الفقهاء في الحكم على العقد الثاني على فريقين في بيوع العينة فريق يرى أن العينة تتخذ حيلة للوصول إلى الربا واتفق الجمهور على تحريم بيوع العينة، أما الفريق الآخر وهم الشافعية وقول أبي يوسف فقد أجازوا بيوع العينة.
أما أدلة الفريقين فنوجزها بما يلي :
المطلب الأول : الأدلة الشرعية لتحريم بيع العينة.
تحريم هذا البيع مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، ومالك وأحمد ومحمد بن الحسن من الحنفية. وذهب ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والاوزراعي وإسحاق إلى تحريم بيع العينة.
أدلة التحريم :
استدل القائلون بحرمة بيع العينة بعدد من الأدلة منها :
الدليل الأول :
ما روى عطاء عن ابن عمر – رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ’’إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء، فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم’’.
وجه دلالة الحديث:
إن في هذا الحديث وعيداً شديدً من رسول لله صلى الله عليه وسلم لمن ارتكب الخصال التي ورد ذكرها في الحديث ومنها بيع العينة، وفيه زجر بليغ لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين،وأن الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه، فدل هذا الوعيد على تحريم هذا النوع من البيع، وإلا لما أدخله صلى الله عليه وسلم في جملة ما استحقوا به العقوبة.
نوقش هذا الدليل بما يلي :
1- الحديث روي بعدة روايات وبعدة طرق، ولكن ضُعِّف بتضعيف أحد رجاله، أسحق بن أسيد (أبا عبدالرحمن) الخرساني- نزيل مصر - وفيه عطاء الخراساني وفيه ايضاً مقال.
وأجيب : فقد أختُلِف في اسحق بن أسيد يقول الزيلعي في نصب الراية : ’’قال البزاز : وأبو عبد الرحمن هذا هو عندي إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة،وهو لين الحديث، قال أبن القطان في’’كتابه’’ وهذا وهم من البزاز،وإنما إسم هذا الرجل إسحاق بن أسيد أبو عبدالرحمن الخراساني، يروى عن عطاء،روى عنه حيوة بن شريح، وهو يروى عنه هذا الخبر،وبهذا ذكره ابن أبي حاتم، وليس هذا بإسحاق بن أبي فروة، ذاك مديني ويكنى أبا سليمان، وهذا خراساني، ويكنى أبا عبدالرحمن، وأيهما كان فالحديث من أجله لا يصح،ولكن للحديث طريق أحسن من هذا، رواه الامام أحمد في ’’كتاب الزهد’’ حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر، قال: أتى علينا زمان، وما يرى أحدنا أنه احق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، ثم أصبح الدينار والدرهم أحب الى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :’’إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعواأذناب البقر،وتركوا الجهاد في سبيل الله،أنزل الله بهم ذلاً،فلم يرفعه عنهم حتى يرجعوا دينهم ’’ قال : وهذا حديث صحيح، ورجاله تقات.
ويقول إبن تيمية : ’’وهذان إسنادان حسنان،أحدهما يشد الآخر ويقويه فأما رجال الأول فأئمة مشاهير لكن نخاف رواية الأعمش عن عطاء أن لا يكون الأعمش سمعه عن عطاء، أو أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر.
والإسناد الثاني (رواية أبي داود عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر) يبين أن للحديث أصلاً محفوظاً عن ابن عمر، فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور، وحيوة بن شريخ كذلك وأفضل،وأما إسحاق بن عبد الرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصرين مثل حيوة بن شريح، والليث بن سعد وغيرهم ’’ وقال إبن تيمية أن للحديث طريقاً ثالثاً في حديث السري بن سهل الجنيد سابوري بإسناد مشهور عالية، عن ليث عن عطاء،عن ابن عمر وقال يبين أن للحديث أصلاًعن عطاء’’.
2- أنه لا يخفى ما في دلالة الإقتران من الضعف،ولا نسلم أن التوعد بالذل لا يدل على التحريم،لأن طلب أسباب العزّة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن،وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء،وهو لا يكون إلا لذنب شديد،وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتدّ على عقبه.
أجيب :
- أن التبايع بالعينة والاشتغال بالحرث والزرع وترك الجهاد سبب للذل والبلاء،وسبب هذا الذل أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الاسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه. وهو إنزال الذلة بهم،فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعزّ مكان.(قوله حتى ترجعوا الى دينكم) فيه زجر بليغ لانه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين، وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة،وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء،وهو لا يكون إلا لذنب شديد، وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتدّ على عقبه.
الدليل الثاني :
الحديث الذي رواه هشيم،عن عباد بن راشد، عن سعيد بن أبي خيرة،عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ’’يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا’’.
وجه دلالة الحديث :
هذا الحديث وإن كان مرسلاً يصلح الاعتضاد به والاستشهاد وله من المسند ما يشهد له،وهي الأحاديث، الدالة على تحريم بيع العينة. وهذا المرسل بين في تحريم هذه المعاملات التي تسمى بيعاً في الظاهر وحقيقتها ومقصودها حقيقة الربا، فإنه من المعلوم أن العينة عند من يستعلمها إنما يسميها بيعا، وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة، وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة، وإنما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعالى.
فالحديث فبه إخبار،عما تكون عليه الأمة من تحليل الربا المحرّم وإتخاذ بيع العينة حيلة لإستباحة المحرم.
الدليل الثالث :
الأثار التي رويت عن بعض الصحابة والتابعين تفيد بتحريم بيع العينة من ذلك :
1- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن العينة فقال : ’’دراهم بدراهم وبينهما حريرة’’.
2- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ’’اتقوا هذه العينة، لا تبع دراهم بدراهم وبينهما حريرة’’.
3- روى محمد ابن عبد الله الحافظ المعروف بمطين في كتاب البيوع له عن أنس أنه سئل عن العينة، فقال : إن الله لا يخُدع، هذا مما حرم الله ورسوله.
وجه دلالة هذه الأثار :
تفيد هذه الأثار تحريم بيع العينة، والرجوع إلى فهم الصحابة في معاني الألفاظ متعين ويفيد الحكم بتحريم بيع العينة.
الدليل الرابع :
حديث ما روى عن غندر عن شعبة عن ابي اسحاق السبيعي عن امرأته بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت : دخلت أنا وأم زيد بن أرقم وأمرأته على عائشة رضي الله عنها، فقالت أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، ابلغي زيد ابن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. فقالت المرأة لعائشة : أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل، فقالت : (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف).
وجه دلالة الحديث :
1) أن السيدة عائشة رضي الله عنها لا تقول مثل ذلك إلا توقياً، ولأنه ذريعة إلى الربا،والذرائع معتبرة في الشرع،وإن قصد بالعقد الأول العقد الثاني بطلا أي العقدان.
2) أن عائشة لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم – فجرى مجرى روايتها ذلك عنه.
3) أن عائشة جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – ولولا أن عند أم المؤمنين علماً من رسول الله صلى عليه وسلم – أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد. ولما أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها، لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة، واستحلال الربا ردة.
4) لو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد وحكمة الشريعة تحريمها أعظم من تحريم الربا،فإنها ربا مستحل بأدنى الحيل. ثم أن آثار الصحابة كما تقدم (الدليل الثالث) موافقة لهذا الحديث، مشتقة منه، مفسّرة له .
5) كيف يليق بالشريعة الكاملة التي لعنت آكل الربا ومُوكله، وبالغت في تحريمه، وآذنتْ صاحبه بحرب من الله ورسوله، أن تبيحه بأدنى الحيّل مع استواء المفسدة ؟ ولولا أن عند أم المؤمنين رضي الله عنها علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستريب فيه ولا تشك بتحريم مسألة العينة لما أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها، لا سيما أن قصدت أن العمل يبطل بالردة، واستحلال الربا ردة، ولكن عذر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرم.
6) أن في قولها : ’’بئسما شريت وما اشتريت’’ دليل على بطلان العقدين معاً.
نوقش هذا الدليل من وجوه عدة :
أولاً : قالوا أن العالية أمرأة مجهولة لا يقبل خبرها، ثم أن هذا الأثر رواه الدارقطني من طريق داود بن الزبرقان عن معمر عن أبي أسحاق عن أمرأته ’’ أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم زيد بن أرقم الأنصاري وامرأة أخرى، فقالت أم ولد زيد بن أرقم : يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة،وإني ابتعته بستمائة نقدا فذكرته ’’وهذا الاسناد فيه داود بن الزبرقان، وفيه ضعف، قال يحي بن معين : وليس بشيء، وقال علي بن المديني : كتبت عنه شيئا يسيرا ورميت به،وضعفه جداً،وقال الجرجاني : أنه كذاب، وقال أبو زرعة : متروك الحديث، وقال أبو حاتم : داود بن الزبرقان شيخ صالح يحفظ الحديث ويذاكر، ولكنه كان يهم في المذاكرة ويغلط في الرواية إذا حدث من حفظه.
وأجيب : قالوا في العالية أنها مجهولة،لا يحتج بها، قال ابن الجوزي : قالوا : العالية امرأة مجهولة لا يقبل خبرها، قلنا : بل هي أمرأة معروفة جليلة القدر،ذكرها ابن سعد في ’’الطبقات’’فقال : العالية بنت أيفع بن شرحبيل أمرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة رضي الله عنها.
أما تضعيف رواية، معمر فلا يضر أنها نقلت من طريق داود بن الزبرقان،ما دام قد ثبت الخبر بأسانيد أخرى أخذ بها كل من الثوري والأوزعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والحسن بن صالح وصححوا حديثها منها : رواية الدارقطني الأولى، عن يونس، التي قال في آخرها : وهذا إسناد حسن .
ثانياً : قال الشافعي رضي الله عنه : قد تكون عائشة لو كان هذا ثابتاً عنها عابت عليها بيعاً إلى العطاء لأنه أجل غير معلوم، وهذا مما لا تجيزه،لا أنها عابت عليها ما اشترت منه بنقد وقد باعته إلى أجل.
وأجيب :
كانت عائشة رضي الله عنها تجيز البيع إلى العطاء ولأن الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه فإذا عاد إليه عين ماله بالصفة التي خرج من ملكه وصار بعض الثمن قصاصا ببعض بقي له عليه فضل بلاعوض فكان ذلك ربح ما لم يضمن وهو حرام بالنص بخلاف ما إذا اشتراه بمثل الثمن الأوَّل أو أكثر لأن الربح فيه حصل للمشتري بعد ما دخل المبيع في ضمانه.
وكانت تقول وقت خروج العطاء معلوم بالعرف لا يتأخر الخروج عنه إلا نادراً فكان هذا بيعاً بأجل معلوم. وأنما عائشة ذمت البيع الأول لكونه سبباً للبيع المحذور. حيث أنها أنكرت عليه البيع الثاني، بناء على فساد البيع الأول، لجهالة الأجل، فإن عائشة ممن يرى جواز البيع إلى العطاء، وقد روي عنها فعله، وهو مذهب علي رضي الله عنه، والدليل على ذلك : أنها في جوابها على قول السائلة : أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي – تلت قوله تعالى : ’’فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى، فله ما سلف’’ وتلاوتها هذه دليل على إثباتها العقد الأول، وأن المنكر هو الثاني، ولو كانت إنما أنكرته، لكونه بيعاً إلى العطاء، كما يقول الخصم، لما أبقت الأول.
ثالثاً : ما قالته عائشة رضي الله عنها باجتهادها، واجتهاد واحد من الصحابة، لا يكون حجة على الأخرين بالإجماع فلو اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فقال بعضهم فيه شيئ،وقال غيره خلافه، فالأصل أن نأخذ بالقياس،والذي معه القياس قول زيد بن أرقم لأن الملك تم بالقبض، فيجوز بيع المبيع بأي قدر كان من الثمن للبائع نفسه أو لغيره بأقل أو أكثر مما اشتراها به.
وأجيب :
إن سَلّمنا بأن فعل زيد بن أرقم كان باجتهاد منه، فلن نُسَلّم بأن موقف عائشة رضي الله عنها، كان باجتهاد منها، لأنها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد ببطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأجزية الأفعال لا تعلم بالرأي، فقد كان مسموعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما يدل على سماعه أيضاَ، أن زيداً اعتذر إلى السيدة عائشة رضي الله عنها،لأن الصّحابة رضي الله عنهم، كان يخالف بعضهم بعضاً، ولأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا يكون من الموجبات للإحباط، وما كان أحدهم يعتذر إلى صاحبه،إلا إذا خالفه في أمر مسموع.
رابعاً : أن السيدة عائشة رضي الله عنها قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمُها ثوابَ الجهاد ويصير بمنزلة مَنْ عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئاً، ولو كان هذا اجتهاداً منها لم تمن زيداً منه، ولم تحكم ببطلان جهاده، ولم تدْعُه إلى التوبة،فإن الاجتهاد لا يحرم الاجتهاد، ولا يحكم ببطلان عمل المسلم المجتهد بمخالفته لاجتهاد نظيره، فإن قيل : فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومَنْ ذكرتم، فغاية الأمر أنها مسألة ذات قولين للصحابة، وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد .
خامساً : أن زيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالاً، ولا يبتاع مثله، فلو أن رجلاً باع شيئاً أو ابتاعه نراه نحن محرماً وهو يراه حلالاً لم نزعم أن الله يحبط من عمله شيئاً.
والجواب :
صحيح أن زيداً باع واشترى ما رآه حلالاً،ولا يتصور، منه وهو من خيار الصحابة،أن يواطيء أم ولده على شراء الذهب بالذهب،متفاضلاً إلى أجل، فغاية ما في الأمر : أن هذا الحكم لم يكن قد بلغه فإن جميع الصحابة كانوا يسأل بعضهم بعضاً عن كثير من المسائل التي تعرض لهم،ولم يكن كل واحد منهم محيطاً بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ،أما أن نحكم بحرمة ما يراه الغير حلالاً، من غير أن نزعم أن الله تعالى يُحْبط عمله،فيصح في حالين، أحدهما أن يكون حكمنا باجتهاد منا،لأن المجتهد إن أصاب فله أجران،وإن أخطأ فله أجر واحد، وهذه قضية مُسَلّمة،لا خلاف فيها، والثاني : أن يجتهد مخالفنا في أمر ثبت عندنا بنص،لم يثبت عنده، أو لم يأخذ به لنظر معقول، أما أن يخالفنا باجتهاده،وقد تأيد موقفنا بحكم توقيفي، ثابت بالنص،فلا يجوز، ويلزم الإنكار عليه،وهذا ما قالته عائشة رضي الله عنها،فأخبرته بإحباط عمله إن لم يتب،والإحباط المقصود هنا : إحباط الموازنة بين العمل الصالح،والعمل السيء، والذي قد يحتمل المبالغة في الإنكار، دون التحقيق،أو نقصان بعض ثواب الأعمال الصالحة، في مقابل الأعمال السيئة.
ولم يذكر عن زيد بن أرقم أنه أقام على هذه المسألة بعد إنكار عائشة،وكثيراً ما يفعل الرجل الكبير الشيء مع ذهوله عما في ضمنه من مفسدة فإذا نُبِّهَ انتبه،وإذا كان الفعل محتملا لهذه الوجوه وغيرها لم يجزأن يُقْدَمَ على الحكم، ولم يجز أن يقال : مذهب زيد بن أرقم جواز العِينة، لا سيما وأم ولده قد دخلت على عائشة تستفتيها فأفتتها بأخذ رأس مالها،وهذا كله يدل على أنهما لم يكونا جازمين بصحة العقد وجوازه.
المطلب الثاني : الأدلة الشرعية لجواز بيع العينة .
استدل هذا الفريق وهم الشافعية والظاهرية وقول أبي يوسف بعدة أدلة منها :
الدليل الأول :
قوله تعالى : ’’وأحل الله البيع وحرم الربا’’.
وجه الدلالة :
أن اللفظ عام يشمل كل بيع إلا ما نص دليل على إخراجه من هذا العموم فيكون بيع العينة حلالاً بنص الآية الكريمة لعمومها، إذ لم يثبت دليل بحرمة بيع العينة فبقي داخلاً تحت العموم المفيد للجواز.
مناقشة ذلك :
أن هذا عام،وما ذكرناه خاص والخاص مقدم على العام على ما تقرر في علم الأصول.
وأن الآية عامة،ولكن يجوز تخصيصها بأخبار الأحاد،التي أفادت تحريم بيع العينة عند الجمهور القائلين بجواز تخصيص عموم القرآن بأخبار الآحاد، فجاز تخصيصها بالأحاديث والآثار التي وردت في تحريم بيع العينة وعلى ذلك يكون هذا البيع محرماً.
الدليل الثاني :
’’عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعلوا، ولكن مثلا بمثل، بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان، وفي لفظ آخر : إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً’’.
وجه الدلالة :
1) أن النبي صلى الله عليه وسلم – لم يفصل بين أن يشتري من المشتري أو من غيره، فقد أرشده صلى الله عليه وسلم – إلى الخلاص من الربا بذلك، وأن كان المقصود تحصيل الجنيب بالجمع.
2) جاء في صحيح مسلم بشرح النووي : ’’واحتج بهذا الحديث أصحابنا وموافقوهم في أن مسألة العينة ليست بحرام وهي الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلا إلى مقصود الربا وموضع الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال له بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا ولم يفرق بين أن يشتري من المشتري أو من غيره فدل على أنه لا فرق، وهذا كله ليس بحرام عند الشافعي وآخرين’’.
3) قالوا ’’لو كان الابتياع من المشتري حراما لنهى عنه’’. أي أنه من اشترى منه التمر الرديء هو نفس من باع عليه التمر الرطب، فلم يفصل بين أن يبيعه ممّن باعه أو من غيره،ولم يبين أن يكون القصد التوصل إلى شراء الأكثر أو لا. فدل ذلك على صحة البيع .
مناقشة ذلك :
1) غاية ما دل الحديث عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم – أمره أن يبيع سلعته الأولى بثمن ثم يبتاع بثمنها تمراً آخر، ومعلوم قطعاً أن ذلك إنما يقتضي البيع الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأذن في العقد الباطل، فلا بد أن يكون العقد الذي أذن فيه صحيحاً.
2) لا يمكن الاستدلال بالحديث، لأنه ليس بعام، فإن قوله ’’ بع ’’ مطلق لا عام، وهو المطلق في قوله ’’ بع هذا الثوب’’ لا يقتضي الأمر ببيعه من زيد أو عمرو، ولا بكذا أو كذا،ولا بهذه السوق أو هذه، فإن اللفظ لا دلالة له على شيء من شيء من ذلك، إذا أتى بالمسمى حصل ممتثلا من جهة وجود تلك الحقيقة، لا من جهة تلك القيود، وإذا تبين هذا فليس في الحديث أمره أن يبيع التمر لبائع النوع الآخر ولا لغيره ولا بحلول ولا تأجيل ولا بنقد البلد ولا غيره ولا بثمن المثل أو غيره.
3) ليس في اللفظ ما يدل على أنه يبيعه من البائع بعينه ولا غيره، كما ليس فيه ما يمنعه، بل كل واحد من الطرفين يحتاج إلى دليل خارج عن اللفظ المطلق، فما قام الدليل على إباحته أبيح فعله بالدليل على المنع منه لم يعارض دليل المنع بهذا اللفظ المطلق حتى يطلب الترجيح، بل يكون دليل المنع بهذا سالما عن المعارضة بهذا، فإن عورض بلفظ متناول لإباحته بوضع اللفظ له أو بدليل خاص صحت المعارضة وفي هذا يقول القرطبي : ’’ينص على جواز شراء التمر الثاني مم باعه التمر الأول، ولا يتناول ظاهر السياق بعمومه بل بإطلاقه، والمطلق يحتمل التقييد إجمالاً فوجب الاستفسار، وإذا كان كذلك فتقييده بأدنى دليل كافٍ وقد دل الدليل على سد الذرائع فلتكن هذه الصورة ممنوعة’’.
4) جواب من قال ’’لو كان الابتياع من المشتري حراما لنهى عنه ’’فإن مقصوده صلى الله عليه وسلم – إنما كان لبيان الطريق التي بها يحصل اشتراء التمر الجيد لمن عنده رديء، وهو أن يبيع الرديء بثمن ثم يبتاع بالثمن جيداً، ولم يتعرض لشروط البيع وموانعه،لأن المقصود ذكر الحكم على وجه الجملة،أو لأن المخاطب أحِيلَ، على فهمه وعلمه بأنه إنما أذن له في بيع يتعارفه الناس، وهو البيع المقصود في نفسه . وما نظير هذا الاستدلال إلا استدلال بعضهم بقوله تعالى : ’’وأُحِلّ لكم ما وراء ذلكم’’ على جواز نكاح الزانية المُصِرَّة على الزنا. واستدل آخر على جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها. وكذلك قوله ’’بع الجمع’’ لو استدل به مستدل على بيع من البيوع المتنازع فيها لم يكن فيه حجة، وليس بالغالب أن بائع التمر بدراهم يبتاع بها من المشتري حتى يقال : هذه الصورة غالبة فيحمل اللفظ عليها، ولا هو المتعارف عند الاطلاق عرفا وشرعا.
5) قوله ’’بع كذا،واشتر كذا’’ أو ’’بعت واشتريت’’ لا يفهم منه إلا البيع الذي يُقْصَد به نقلُ ملك المبيع نقلا مستقراً،ولهذا لا يفهم منه بيع الهازل ولا المكره،ولا بيع الحيلة،ولا بيع العِينَة .
6) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ’’بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً’’ وهذا يقتضي بيعاً ينشئه ويبتدئه بعد انقضاء البيع الأول، ومتى واطأه في أول الأمر على أن أبيعك وأبتاع منك فقد اتفقا على العقدين معا، فلا يكون الثاني عقداً مستقلا مبتدأ، بل هو من تتمة العقد الأول عندهما وفي اتفاقهما، وظاهرُ الحديث أنه أمر بعقدين مستقلين لا يرتبط أحدهما بالآخر ولا ينبني عليه.
7) أن المقصود الذي شرع الله تعالى له البيع واحّله لأجله هو أن يحصل ملك الثمن للبائع ويحصل ملك المبيع للمشتري، فيكون كل منهما قد حصل له مقصوده بالبيع، هذا ينتفع بالثمن وهذا بالسلعة،وهذا إنما يكون إذا قصد المشتري نفس السلعة للانتفاع بها أو التجارة فيها وقصد البائع نفس الثمن، ولهذا يحتاط كل واحد منهما فيما يصير إليه من العرض هذا في وزن الثمن ونقده ورواجه وهذا في سلامة السلعة من العيب وأنها تساوي الثمن الذي بَذله فيها، فإذا كان مقصود كل منهما ذلك فقد قصدا بالسبب ما شرعه الله له، وهذه قصة بلال في تمر خيبر سواء، فإنه إذا باع الجمع بالدراهم فقد أراد بالبيع ملك الثمن، وهذا مقصود مشروع، ثم إذا ابتاع بالدراهم جنيبا فقد عقد عقداً مقصوداً مشروعاً، فلما كان بائعا قصد تملك الثمن حقيقة، ولما كان مبتاعا قصد تملك السلعة حقيقة، فإن ابتاع بالثمن من غير المشتري منه فهذا لا محذور فيه،إذ كل من العقدين مقصود مشروع، ولهذا يستوفيان حكم العقد الأول من النقد والقبض وغيرهما، وأما إذا ابتاع بالثمن من مبتاعه من جنس ما باعه فهذا يخشى منه أن لا يكون العقد الأول مقصوداً لهما، بل قصدهما بيع السلعة الأولى بالثانية فيكون ربا بعينه، ويظهر هذا القصد بأنهما يتفقان على صاع بصاعين أولاً ثم يتوصلان إلى ذلك ببيع الصاع بدرهم ويشتري به صاعين ولا يبالي البائع بنقد ذلك الثمن ولا بقبضه ولا بعيب فيه ولا بعدم رواجه ولا يحتاط لنفسه فيه احتياط من قَصْدُه تملكُ الثمن، إذ قد علم هو والأخر أن الثمن بعينه خارج منه عائد إليه، فنقده وقبضه والاحتياط فيه يكون عبثا . وإذا عرف هذا فهو إنما عقد معه العقد الأول ليعيد إليه الثمن بعينه ويأخذ العوض الآخر، وهذا تواطؤ منهما حين عَقداه على فسخه، والعقد إذا قصد به فسخه لم يكن مقصودا، وإذا لم يكن مقصوداً كان وجوده كعدمه، وكان توسطه عبثا .
المطلب الثالث : المناقشة والترجيح .
بعد هذا العرض لأدلة المجزين والمانعين لبيع العينة، واستعراض أدلة كل فريق مع المناقشة يتضح لنا أن الفقهاء إنقسموا إلى فريقين فريق متمثل بجمهور العلماء والذي أخذ بمبدأ سدّ الذرائع، واعتبار المقاصد والنيات أمر معتبر في العقود، قال : بحرمة بيوع العينة لما فيها من تحايل على مقاصد الشريعة الإسلامية. وفريق متمثل بالشافعية والظاهرية، والذي أخذ بمبدأ العقود بظواهرها وألفاظها ومبانيها، دون النظر إلى مآلاتها وغاياتها، قال : بجواز بيوع العينة وأنها من البيوع الصحيحة ما دام العقد مكتمل بأركانه وشروط صحته.
وبناء على ما ذكر ترجح الباحثة تحريم بيع العينة لما فيه من التحايل على الربا واستحلال الحرام، فبيع العينة ما هو إلا حيلة من الحيل الربوية للوصول إلى نية كلا المتعاقدين، فالبائع يقصد الحصول على الفائدة بطريقة غير مشروعة، والمشتري يقصد الحصول على النقد، فكلاهما قصدا القرض بفائدة ’’ فبيع العينة إنما يقع غالباً إليها، وإلا فالمستغني عنها لا يشغل ذمته بألف وخمسمائة في مقابلة ألف بلا ضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك، وقد روى أبو داود من حديث علي حدثنا هُشيم أنبأنا أبو عامر المزني حدثنا شيخ من بني تميم قال : خطبَنا عليّ، أو قال : قال علي : يأتي على الناس زمان عَضُوضُ، يَعَضُّ الموسر على ما في يديه، قال : ولم يؤمر بذلك، قال الله عز وجل : ’’ولا تنسوُا الفضلَ بينكم’’ ويَنهدُ الأشرار، ويُستَذَلّ الأخيار، ويبايع المضطرّون، قال : وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطرين، وعن بيع الَغرَر، وبيع الثمرة قبل أن تُدْرِك ’’ . . . . والمعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه’’.
يقول ابن القيم : ’’والمتأخرون أحدثوا حيلاً لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إلى الأئمة، وهم مخطئون في نسبتها إليهم، . . . ومن عرف سيرة الشافعي وفضله ومكانه في الإسلام عَلِمَ أنه لم يكن معروفاً بفعل الحيل، ولا بالدلالة عليها، ولا كان يشير على مسلم بها، . . . وإن كان يُجري العقود على ظاهرها، ولا ينظر إلى قصد العاقد ونيته، . . . فحاشاه ثم حاشاه أن يأمر الناس بالكذب والخداع والمكر والاحتيال وما لا حقيقة له، بل ما يتيقين أن باطنه خلاف ظاهره، ولا يظن بمن دون الشافعي من أهل العلم والدين أنه يأمر أو يبيح ذلك، فالفرق إذاً واضح بين أن لا يعتبر القصد في العقد ويجريه على ظاهره وبين أن يسوغ عقداً قد علم بناؤه على المكر والخداع وقد علم أن باطنه خلاف ظاهره. . . ففي مسألة العينة: إنما جَوَّز الشافعي أن يبيع السلعة مِمَن اشتراها منه جرياً على ظاهر عقود المسلمين وسلامتها من المكر والخداع، ولو قيل للشافعي : إن المتعاقدين قد توطآ على ألف بألف ومائتين، وتراوضا على ذلك، وجعلا السلعة مُحَلِّلاً للربا، لم يُجَوِّز ذلك، وَلأَنْكَره غاية الإنكار’’.
إلا أن هذه المعاملة تجوز في حالة بيع السلعة بثمن المثل، أو أكثر، وإن اشتراها بسلعة جاز، لأنه لا ربا بين الأثمان والعروض، وإن نقصت السلعة لتغير صفتها، جاز لبائعها شراؤها بأقل من الثمن، لأن نقص الثمن لنقصان السلعة، وإن نقصت لتغير السوق، أو زادت، لم يجز شراؤها بأقل.
يقول ابن قدامة : ’’ . . . فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فيجوز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إذا كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فإن نقصت مثل أن نسي صناعة، أو تخرق الثوب أو بلي جاز له شراؤها بما شاء ولأن نقص الثمن لنقص المبيع لا لتوصل إلى الربا، وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها’’.
وبهذا يتضح حرمة بيع العينة سداً للذرائع، حيث يعتبر بيع العينة ذريعة إلى الربا والوسيلة إلى الحرام حرام.
المطلب الرابع : شروط تحريم بيع العينة .
1- أن يكون البيع الثاني مشروطاً في الأول، اي أن يقصد بالعقد الأول العقد الثاني، وهو قول أحمد وأبي حنيفة ومالك، ويتوجه أنه مراد من أطلق، لأن العلة التي من أجلها بطل الثاني، وهو كونه ذريعة للربا، موجودة إذن في الأول.
2- أن يكون العقدان الأول والثاني على عين واحدة.
3- أن يكون البائع في العقد الأول هو المشتري (أو وكيله، أو من تنزل منزلته) في العقد الثاني، وأن يكون البائع في العقد الثاني هو المشتري (أو وكيله، أو من تنزل منزلته) في العقد الأول.
4- أن تكون البيعة الأولى لأجل، وهناك أوجه في العينة لا نص فيها على الأجل، ولكن منعت لوجود شبهة الربا، وهو ما ذكره المالكية من مسئلة من مسائل العينة يكون الأجل معدوماً فيها وصورتها : أن يقول الرجل للرجل اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقداً وأنا أشتريها منك بإثني عشر نقداً، فلم ينص على الأجل وعلة المنع اجتماع السلف والإجارة، فالمأمور أجير على شراء السلعة للأمر بدينارين لأنه إنما اشتراها له وقوله : أنا أشتريها منك لغو لا معنى له لأن العقدة له وبأمره، فإن كان النقد من عند الأمر أو من عند المأمور بغير شرط فذلك جائز.
5- أن يكون الشراء الثاني من صفة ثمنه الذي باع به أولاً، اي أن يكون الثمن الأول من جنس الثمن الثاني، جاء في المغني : ’’وأن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز وبه قال ابو حنيفة ولا نعلم فيه خلافا لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا ولا ربا بين الأثمان والعروض، فأما إن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر مثل أن يبيعها بمائتي درهم ثم اشتراها بعشرة دنانير فقال أصحابنا يجوز لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بيهما فجاز كما لو اشتراها بعرض أو بمثل الثمن، وقال أبو حنيفة لا يجوز استحسانا لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية، ولأن ذلك يتحذ وسيلة إلى الربا فأشبه ما لو باعها بجنس الثمن الأول’’.
6- أن يكون الثمن الثاني أقل من الأول، فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فيجوز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إذا كات السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فإن نقصت . . . جاز له شراؤها بما شاء لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا،وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها .
المطلب الخامس : حيل باطلة لتجويز بيع العينة.
إذا كان الشارع حرم مسألة العينة لمفسدة فيها فإن المفسدة لا تزول بهذه الحيل،بل هي بحالها وأنضم إليها مفسدة أخرى أعظم منها،وهي مفسدة المكر والخداع واتخاذ أحكام الله هزواً وهي أعظم المفسدتين. ومن الحيل المحرمة للتحيل على جواز مسألة العينة ما يلي :
1- أن يحدث المشتري في السلعة حدثا ما تنقص به أو تتعيب، فحينئذ يجوز لبائعها أن يشتريها بأقل مما باعها.
2- أن تكون السلعة قابلة للتجزئة فيمسك منها جزءاً ما ويبيعه بقيمتها.
3- أن يضم البائع إلى السلعة سكيناً أو منديلاً أو حلقة حديداً أو نحو ذلك، فيملكه المشتري ويبيعه السلعة بما يتفقان عليه من الثمن.
4- أن يهبها المشتري لولده أو زوجته أو من يثق به. فيبيعها الموهوب له من بائعها، فإذا قبض الثمن أعطاه للواهب.
5- أن يبيعه إياها نفسه من غير إحداث شيء ولا هبة لغيره، لكن يضم إلى ثمنها خاتماً من حديد أو منديلاً أو سكيناً ونحو ذلك .
المطلب السادس : تطبيقات بيع العينة المعاصرة.
انتشر التعامل بالعينة كثيراً عند بعض الناس والمصارف والمؤسسات المالية، بشكل ملاحظ، وذلك لتمتعها بأسباب عديدة أدت إلى انتشارها يمكن تلخيصها بما يلي :
1- الركود الاقتصادي الذي يعصف بالأسواق المحلية بخاصة، وبالعالمية، مما يؤثر على النشاط التجاري.
2- تجاوز الأرباح العائدة من العينة أرباح التجارات والفوائد في البنوك في أحسن أحوالها غالباً.
3- قلة المخاطر والمصاعب والتكلفة، وذلك إذا ما أخذت في العينة ضمانات السداد الكافية.
4- عدم الحاجة إلى الخبرة والحنكة التجارية من قبل من يتعاملون بالعينة.
5- ازدياد طالبي الإقراض والباحثين عن التمويل (لتنامي الحاجات الاستهلاكية، وغلاء المعيشة وضعف الموارد، والرغبة في تحسين الأوضاع المعيشية) الذين لا يجدون من يفعل معهم صنائع المعروف فيقرضهم القرض الحسن، مما ينتج عنه ازدهار تجارة العينة.
أهم التطبيقات هي :
1) بطاقة الائتمان :
بطاقة الائتمان هي : ’’بطاقة ممغنطة مُسَجَّل عليها اسم الشخص، والرقم وتاريخ المنح والصلاحية ويتم إدخالها في جهاز كمبيوتر (حاسب آلي) ليتأكد البائع من تَوَفُّر رصيد للمشتري يسمح بعقد هذه الصفقة بالبطاقة’’.
كيفية استخدام البطاقة وخصائصها الأساسية :
هناك الكثيرين من المستخدمين لبطاقة الائتمان يتعاملون بها لقضاء حاجياتهم من السلع الاستهلاكية فيذهبون إلى التجار الذين يعتمدون تلك البطاقة للحصول على ما يحتاجونه.
تستخدم بطاقة الائتمان من قبل حامليها كوسيلة للوفاء بالتزاماتهم بدلاً من الدفع الفوري بالنقد، ولكي يحصل الشخص على هذه البطاقة لا بد من أن يكون عميلاً لأحد المصارف . وعندما يتقدم العميل بطلب خطي للحصول على البطاقة يقوم البنك بالتأكد من ملاءته ويطلب ظمانات شخصية أو عينية قبل اصدار البطاقة له. ويتم اصدار البطاقة للعميل وفقاً لسقف ائتماني معين متفق عليه ووفقاً لشروط استخدام البطاقة التي تكون معدة سلفاً من قبل المصرف . وتختلف البطاقات في انواعها فمنها المحلية ومنها الدولية، وهناك ايضا ما يسمى البطاقة الذهبية التي تمنح حاملها سقوفا ائتمانية عالية. وتسنخدم البطاقة كوسيلة وفاء لما يحصل عليه حاملها من خدمات أو بضاعة لدى جميع المحلات التجارية التي تضع اشارة معينة تفيد قبول البطاقة كوسيلة وفاء.
لاحظت الباحثة من خلال الزيارات المتعددة للمصارف الإسلامية والاستفسارات من العملاء أن بعض العملاء والذين يحتاجون إلى السيولة النقدية ولا يجدون من يقرضهم يقومون بحيل مع بعض التجار المعتمد لديهم هذه البطاقة وذلك بالقيام بشراء بضاعة من البائع ومن ثم يقوم المشتري ببيعها إلى البائع نفسه بثمن أقل للحصول على النقد . فنجد أنفسنا أمام صورة من صور بيع العينة الذي سبق بيان حكمه الشرعي.
1) الأسهم :
يقوم بعض الاشخاص ممن هم بحاجة إلى النقد ولا يجدون من يقرضهم أو يمولهم بالسيولة بالتوجه إلى المصرف لشراء سلعة من قبل البنك بالتقسيط ثم يقومون ببيعها نقدا في الحال بعد امتلاكهم لها. وصورتها كما يلي : يقوم الشخص بالتوجه إلى المصرف لغرض شراء سلعة من قبلهم بالتقسيط يكون سعرها إذا رغب في بيعها ما يقارب المائتي ألف (وحدة نقدية) ويمكن أن يحدد هذه السلعة بأن تكون أسهم من شركة معينة مثلا. ثم يقوم المصرف بعد ذلك بشراء الأسهم وبمبلغ أربعة الاف سهم ويتملكها وبعد ذلك يشتريها الشخص منهم بالتقسيط وبمبلغ ثلاثمائة ألف (وحدة نقدية)، فهذه صورة من صور بيع العينة فهي من الربا المقترن بالحيل فذهاب الشخص إلى المصرف ليشتري له ثم يبيعه بعد ذلك هو تواطىء على الربا، فالمصرف يشتري السلعة لأنه يريد الفائدة والزيادة على السعر الحاضر، اما الشخص يذهب إلى المصرف يطلب منه أن يشتري له السلعة من أجل الحصول على النقد. فالعبرة بالعقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني .
2) تمارس أحدى المصارف عملية بيع العينة باستغفال العملاء دون علمهم وصورتها كما يلي : فمثلاً يحتاج شخص إلى مبلغ من النقود ولا يجد من يقرضه فيذهب إلى المصرف لطلب القرض فيعرض المصرف عليه طريقة بأن يشتري له المصرف سيارة بالتقسيط مقابل بطاقة جمركية بأمتلاكه للسيارة، وعند خروجه من المصرف يقابله شخص عند باب المصرف يكون من قبل المصرف فيقول له عندك سيارة للبيع، فيقول الشخص نعم الآن سأذهب لإستلامها، فيدخله داخل المصرف في مكتب ويخفضون من قيمة السيارة وهي في مكانها ويعطون الشخص شيك بقيمة السيارة بعد انقاص سعرها بمبلغ باهض، فقال لهم الشخص ماذا ستفعل بالسيارة قال له نبيعها إلى شخص آخر يحتاج إلى نقد بنفس العملية وهكذا تبقى نفس السيارة تباع وتشترى أكثر من مرة وهي في مكانها دون أن يكون المقصود تملكها من قبل المشتري، فهذا من صور بيع العينة الذي سبق بيانه وذلك لأن البيع هنا ليس محققاً لمقصوده وهو الانتفاع بالمبيع إما بالاستهلاك أو بالمتاجرة وبيعه بربح. فبيعه بالخسارة هو حيلة للحصول على النقد الحاضر مقابل زيادة في الذمة من جنسه، فهذا هو ربا النسيئة .
3) ومن صور بيع العينة المنتشرة ما يمارسه بعض التجار في الأسواق فمنها أن يكون هناك شخص مشارك مع صاحب معرض للسيارات للبيع بالتقسيط، وعندما يبيع سيارة لأحد الزبائن بالتقسيط ويكون الزبون بحاجة إلى النقد، يقوم الزبون ببيع نفس السيارة إلى الشريك الآخر بمبلغ أقل من ثمنها نقداً. فهذه العملية من صور بيع العينة فهي ربا النسيئة لأنه دراهم بدراهم بينهما سلعة فكلاهما تواطىء على الربا، للحصول على النقد.
4) ومن صور بيع العينة الممارس في الأسواق ما يكون عكس بيع العينة، ومنها أن يأتي المحتاج إلى النقد إلى التاجر ويعرض عليه بيع سيارته بمبلغ ثمانين ألف (وحدة نقدية) حال ثم يقوم التاجر ببيع السيارة إلى نفس المحتاج إلى النقد بسعر مئة ألف (وحدة نقدية) مؤجلة فيعود المحتاج بالسيارة وثمانين ألف (وحدة نقدية) تعود إلى التاجر مئة ألف (وحدة نقدية) فهي من ربا النسيئة قرض جر نفعاً .
5) التحايل الوارد على المرابحة للآمر بالشراء :
المرابحة لغة واصطلاحا:
المرابحة لغة : المرابحة مأخوذه من كلمة ربح وتعني النماء في التجر وربح في تجارته يربح ربحا وتربحا أي إستشف،والعرب تقول : ربحت تجارته إذا ربح صاحبها فيها.
قال تعالى : ’’فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين’’.
المرابحة اصطلاحا :
عند الحنفية : ’’مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح’’.
عند الحنابلة : ’’بيع المرابحة هو البيع برأس المال وربح معلوم’’.
عند الشافعية : ’’عقد بني الثمن فيه على ثمن المبيع الأول مع زيادة’’.
أما المالكية : ’’أن يُعرِّف صاحب السلعة المشتري بكم اشتراها ويأخذ منه ربحاً إما على الجملة، مثل أن يقول اشتريها بعشرة وتربحني ديناراً أو دينارين، وإما على التفصيل، وهو أن يقول تربحني درهما لكل دينار أو غير ذلك’’ .
بناء على ما تم ذكره يتضح للباحثة أن المرابحة هي بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح معلوم .
اتفق الفقهاء على جواز بيع المرابحة حيث أن الأصل في العقود الحل والإباحة، قال تعالى : ’’وأحل الله البيع وحرم الربا’’.
بيع المرابحة للآمر بالشراء اصطلاحاً :
إن بيع المرابحة للآمر بالشراء ظهرت حديثاً وانتشرت في البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة وهي صورة مبنية على بيع المرابحة البسيط وعُرفت بأنها : ’’طلب شراء للحصول على مبيع موصوف مقدم من عميل إلى مصرف يقابله قبول من المصرف ووعد من الطرفين، الأول بالشراء والثاني بالبيع بثمن وربح يتفق عليهما مسبقاً’’.
فبيع المرابحة للآمر بالشراء : هو البيع الذي يتفق فيه شخصان أو أكثر ويتواعدان على تنفيذ الاتفاق المبرم بينهما والذي يطلب فيه أحدهم وهو الآمر من الآخر وهو المأمور أن يشتري له سلعة معينة أو موصوفة، ويعده بتربيحه في هذه السلعة مع جواز تسمية قدر أو نسبة الربح، على أن يعقدا على ذلك بيعاً جديداً إذا اختار الآمر إمضاء الاتفاق عند تملك المأمور للسلعة.
وقد صدر بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء عدة فتاوى أهمها قرار مجمع الفقه الإسلامي الصادر في دورة مؤتمره الخامس المنعقدة في 1 جمادى الأولى 1409هـ - الموافق 15/ 12/ 1988 والذي جاء فيه :
’’أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوفرت شروط البيع وانتفت موانعه’’ .
ولتوضيح عملية بيع المرابحة للآمر بالشراء والحيل الواردة عليها نوضح آلية تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية، ثم نبين الحيل الواردة عليها .
آلية تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصرف الإسلامي تتم كما يلي :
1 - طلب من العميل يقدمه للمصرف الإسلامي لشراء سلعة معينة موصوفة . (يوضح فيه نوع السلعة المطلوبة وكميتها وسعرها، والميعاد المطلوب للحصول عليها).
2 - قبول من المصرف شراء السلعة وذلك بعد أن يتأكد المصرف من ملاءة وكفاءة العميل وقدرته على السداد.
3 – وعد من العميل لشراء السلعة الموصوفة من المصرف بعد تملك المصرف للسلعة على أن يكون للمصرف نسبة محددة من الربح على ثمن السلعة . أي بواقع (نسبة) معينة من مجموع ثمن الشراء والمصاريف الخاصة بالبضاعة.
4 – يدفع العميل للمصرف نسبة معينة من قيمة السلعة يكون بمثابة ضمان لإتمام العملية.
5 – يقوم المصرف بشراء السلعة وتملكها وتعتبر جميع تكاليف الشراء من رسوم أو مصاريف خاصة بالسلعة جزءا من الثمن، ويخطر العميل بأنه قد تملك السلعة.
6 – يوقع المصرف مع العميل بيع السلعة الموصوفة بأجل مع زيادة ربح وطريقة السداد حسب الأتفاق. وإتمام عملية التسليم والتسلم.
ولتوضيح عملية التطبيق فالعملية تتكون مما يلي :
1 ) طلب العميل من البنك شراء سلعة معينة موصوفة.
2 ) البنك يَعِدُ العميل بأنّه سوف يشتريها ويبيعها له.
3 ) العميل يَعِدُ البنك بأنّه سوف يشتري السلعة مرابحةً بنسبة معينة بالأقساط .
4 ) يشتري البنك السلعة المعينة.
5 ) يبيعها إلى العميل مرابحة.
اعتراض ورد :
الأعتراض : ذهب بعض المعترضين على أن بيع المرابحة للآمر بالشراء من بيوع العينة وذلك لوجود معاملة (المواعدة على بيع المرابحة) وحجتهم أن بيع المرابحة للآمر بالشراء يدخل ضمن بيع العينة في الصورة التي ذكرها المالكية في كتبهم وهي أن يقول رجل لآخر : اشتر لي سلعة بكذا، وأربحك فيها كذا مثل أن يقول اشترها بعشرة وأعطيك فيها خمسة عشر إلى أجل . فأن هذا يئول إلى الربا. لذلك فبيع المرابحة للآمر بالشراء، فيها وعداً بالمرابحة ثم عقد بيع، وقد اتفق المتعاقدان مقدماً على الثمن الأول ومقدار الربح في البيع الثاني .
الرد : من المؤكد أن صورة المعاملة التي سميت ’’بيع المرابحة للآمربالشراء ’’ والتي تجريها المصارف الإسلامية، والتي أفتت فيها هيئة الرقابة الشرعية بالجواز ليست من صور بيع العينة الممنوعة في شيء، إذ من الواضح أن العميل الذي يجيء إلى المصرف طالبا شراء سلعة معينة يريد هذه السلعة بالفعل، كالطبيب الذي يريد أجهزة لمستشفاه أو صاحب المصنع الذي يريد ’’ماكينات’’ لمصنعه، وغير هذا وذاك حتى إنهم ليحددون مواصفات السلعة (بالكتالوج) ويحددون مصادر صنعها أو بيعها. فالسلعة مطلوب شراؤها لهم بيقين . والمصرف يشتريها بالفعل، ويساوم عليها، وقد يشتريها بثمن أقل مما طلبه العميل ورضي به، كما حدث هذا بالفعل، ثم يبيعها للعميل الذي طلب الشراء ووعد به. كما يفعل أي تاجر.
وما ترجحه الباحثة أن بيع المرابحة للآمر بالشراء لا يدخل ضمن بيع العينة وذلك لما يلي :
1- ببيع العينة يكون البيع الثاني مبنيّاً على البيع الأول وتعود السلعة إلى بائعها الأول ويحصل على ثمن أعلى، ويحصل المشتري على النقد، فبيع العينة عقدين بين طرفين (البائع والمشتري) . أما بيع المرابحة للآمر بالشراء فإن المصرف يشتري السلعة من جهة معينة ثم يبيعها إلى جهة ثالثة، فهي عقدين بين ثلاثة أطراف (المشتري والبائع والآمر بالشراء)، فالمشتري يقصد السلعة وليس النقد .
2- ببيع العينة يكون الإلزام ببيع السلعة التي وقعت في البيع الأول إلى البائع أي عودة السلعة إلى مالكها الأصلي، أما المواعدة في (بيع المرابحة للآمر بالشراء) تكون بإلزام البائع والمشتري بالبيع الثاني. وتكون بين المصرف والآمر بالشراء.
الحيل الواردة على تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء :
هناك الكثير من التجاوزات في الواقع التطبيقي لهذه المعاملة يدخل ضمن بيوع العينة المحرمة منها :
1 ) ان المصرف لا يقوم بنفسه بالشراء،وإنما يكتفي بأن يقدم له العميل فاتورة السلع المراد بيعها مرابحة، ويكون العميل قد قام بشراء هذه السلع المراد بيعها مرابحة،ويكون العميل قد قام بشراء هذه السلع باسمه من قبل،ووقعت الفواتير باسمه كذلك، فيقتصر دور البنك على تسديد قيمة الفاتورة مقابل الربح المتفق عليه، فيكون ممولاً فعلياً في صورة مشتر وبائع في الظاهر، فعدم قيام المصرف بنفسه بعملية الشراء تتحول المعاملة إلى دائرة أخرى، حيث يئول إلى أن المصرف الذي يشتري السلعة من العميل نقداً ثم يبيعها مؤجلة بأكثر مما اشتراها به،إلى صورة العينة الممنوعة،أو أن المصرف يقرض عميله قيمة السلعة الحاضرة على أن يتقاضاها في المستقبل بزيادة وهو عين الربا المجمع على حرمته، فيجب أن توضع الضوابط من قبل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية التي تمنع مثل هذا التحايل.
2 ) ان العملاء يحصلون على فواتير شكلية من التجار، ويقدمونها للمصرف الإسلامي، وبناء عليه يقوم البنك بإصدار شيك باسم التاجر (المالك للسلعة) بقيمة المشتريات التي تضمنتها الفواتير، ثم يقوم البنك الإسلامي بتوكيل العميل بتسلم البضاعة واتمام عملية الشراء، بعد ذلك يقوم العميل وبالاتفاق مع التاجر باستبدال الشيك بالنقود مقابل تنازله عن جزء من ثمن البضاعة، ولم يغفل المصرف الإسلامي عن هذا التحايل بل قام بإرسال مندوباً عنه للإشراف على عملية التسلم والتسليم وأن العملية تمت بالفعل، ويتأكد المندوب من وصول وتنزيل البضاعة إلى مكانها . لكن التحايل من قبل العميل قد يستمر بحيث يقوم بعض العملاء بتحميل البضاعة وردها مرة أخرى إلى التاجر بعد إنصراف مندوب المصرف ليحصل على النقود، فإذا تمكن العميل من رد البضاعة التي اشتراها إلى التاجر، يكون قد تحايل العميل بعملية المرابحة للاقتراض من المصرف، وتقاضى المصرف مبلغاً من المال يزيد عن المقدار الذي حصل عليه العميل . فنكون أمام صورة من صور بيع العينة المحرمة.
المراجع
1. العسقلاني، احمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، د.ط، د.ت، المكتبة السلفية.
2. ابن القيم، تهذيب السنن، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1421هـ، 2001 .
3. أبن الهمام،الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي الحنفي، فتح القدير، قاضي خان، الفتاوى الخانية بهامش الهندية، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1415هـ، 1995.
4. ابن أنس، مالك بن أنس بن مالك ، المدونة الكبرى،بيروت ، لبنان : دار الفكر ، د. ط ، د. ت.
5. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله النميري الحراني الدمشقي الحنبلي أبو العباس تقي الدين بن تيمية الامام ، الفتاوى الكبرى ، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1408هـ، 1987.
6. ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية : مكتبة الرُشد، 1422هـ.
7. ابن سعد،أبو عبدالله محمد بن سعد زهري، الطبقات الكبرى ، بيروت، لبنان : دار صادر، 1960.
8. ابن عابدين، محمد أمين بن عمر ، حاشية رد المحتار على الدر المختار ، ط1،بيروت، لبنان : دار المعرفة، 1420هـ، 2000.
9. ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1414هـ، 1994.
10. ابن قدامه، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة،المغني ، بيروت، لبنان : دار الكتب العربي، 1403، 1983، طبعة جديدة بالأوفست .
11. ابن منظور ، محمد بن مكرم بن علي بن منظور، لسان العرب ، ط1 ، بيروت ، لبنان : دار صادر بيروت ، دت .
12. أبو زيد، عبد العظيم جلال، الربا في الفقه الإسلامي ( دراسة مقارنة) ، رسالة دكتوراة، جامعة دمشق، 1422هـ.
13. أحمد، الواثق عطا المنان محمد، بحث بعنوان ’’عقد المرابحة ضوابطه الشرعية - صياغته المصرفية وانحرافاته التطبيقية، المؤتمر الثالث للاقتصاد الإسلامي، جامعة أم القرى، 1426هـ،2005.
14. التركماني، علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، المتوفى سنة 745هـ ، الجوهر النقي، ط1، حيدر آباد الدكن، الهند :دائرة المعارف النظامية ، 1344هـ .
15. الحصكفي،محمد علاء الدين، الدر المختار،القاهرة، مصر : مطبعة صبيح ، د.ط، د.ت .
16. الحّطاب ، هو محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرٌّعيني المعروف بالحّطاب. مواهب الجليل،، ط3، بيروت، لبنان : دار الفكر، 1412هـ.
17. حوّا، أحمد سعيد’’ محمد ذيب’’ ، صور التحايل على الربا وحكمها في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه في الفقه وأصوله، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، 1998.
18. الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفه ، حاشية الدسوقي ، بيروت ، لبنان : دار الفكر، دط، دت.
19. الرازي،، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، بيروت،دط، لبنان : مكتبة بيروت، 1415هـ .
20. الرافعي، ابي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني، العزيز شرح الوجيز ، ط1، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية .
21. الزحيلي، محمد، المصارف الإسلامية، ط1، دمشق، سوريا : دار المكتبي، 1418هـ، 1997.
22. الزيلعي، لإمام جمال الدين أبن محمد عبد الله بن يوسف الحنفي المتوفي سنة 762هـ ، نصب الراية لأحاديث الهداية، ط3، بيروت، لبنان: دار إحياء التراث العربي، 1407هـ ، 1987.
23. الشافعي، الإمام ابي عبد الله محمد بن ادريس،الأم مع مختصر المزني، ط2، بيروت، لبنان : دار الفكر، كتاب البيوع ، 1403هـ، 1983.
24. الشنقيطي ، محمد الشيباني بن محمد ابن أحمد الشنقيطي الموريتاني ، تبيين المسالك شرح تدريب السالك إلى أقرب المسالك ، ط2، بيروت ، لبنان : ’’ دار الغرب الاسلامي ’’ ، 1995.
25. الشوكاني، الإمام محمد بن علي بن محمد ، نيل الأوطار شرح ملتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخبار، الطبعة الأخيرة ، بيروت ، لبنان: دار إحياء التراث العربي .
26. الصاوي ، أحمدبن محمد الخلوتي،ولد سنة 1175هـ،. بُلغَة السالك لأَقربَ المسَالك على الشرَّح الصَّغير للقطبُ سُيدي أحمد الدَّردير . ، بيروت ، لبنان ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1415هـ ، 1995 .
27. عبدالله، أحمد علي، المرابحة أصولها وأحكامها في المصارف الإسلامية، ط1، الخرطوم، السودان : الدار السودانية للكتاب، 1987.
28. عيد، يحي إسماعيل، بيع المرابحة في البنوك الإسلامية بين الحل والحرمة، ط1، عمان، الأردن : الناشر المؤلف، 1418هـ، 1997.
29. الفيروز آبادّي ، مجد الدين محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط ، ط3 ، بيروت ، لبنان ، مؤسسة الرسالة ، 1413هـ ، 1993 .
30. القرافي،أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، شهاب الدين، الفروق و أنوار البروق في أنواء الفروق، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1418هـ،1998 .
31. القضاة، فياض، بحث الالتزامات الناتجة عن استخدام بطاقات الائتمان، 17/3/1999. مجلة دراسات ، مجلة علمية محكّمة تصدر عن عمادة البحث العلمي، الجامعة الأردنية، المجلد26، العدد 2، شعبان، 1420هـ، تشرين الثاني، 1999 .
32. الكساني، الإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود، بدائع الصناع في ترتيب الشرائع، ط2 ، بيروت ، لبنان : دار الكتب العلمية ، 1406هـ ، 1886.
33. المالكي،محمد بن حسين،تهذيب الفروق، د.ط،د.ت، بيروت،لبنان : دار الفكر.
34. المترك، عمر بن عبد العزيز،الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية : دار العاصمة،1414هـ.
35. المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني، الهداية شرح بداية المبتدي، ط الآخيرة، القاهرة، مصر : مكتبة الحلبي، د.ت.
36. ملحم، أحمد سالم عبدالله، بيع المرابحة وتطبيقاتها في المصارف الإسلامية،ط1، عمان، الأردن : مكتبة الرسالة الحديثة، 1410هـ، 1989.
37. النووي، الإمام ابي زكريا محيي الدي بن شرف،كتاب المجموع،ط1، بيروت، لبنان : دار إحياء التراث العربي، 1422هـ.
مواقع الشبكة المعلوماتية
www.Islamacademy.net /articles/show.
www.Islamtoday. net/articles/show .
www.Shubily.com .
www.islamifn.com .
www.almoslim.com.
لنووي، الإمام ابي زكريا محيي الدي بن شرف،ولد سنة 631هـ، من أهل نوى من قرى حوران جنوبي دمشق. علامة في الفقه الشافعي والحديث واللغة، تعلم في دمشق، وأقام بها زمناً. توفى سنة 676هـ، من تصانيفه : ’’ المجموع شرح المهذب’’ لم يكمله، و’’ روضة الطالبين’’ أنظر : الاعلام، للزركلي، ج9 / ص 185. كتاب المجموع،ط1، بيروت، لبنان : دار إحياء التراث العربي، 1422هـ، 2001، ج10/ ص 246، بتصرف.
ابن منظور ، محمد بن مكرم بن علي بن منظور الأفريقي المصري ، ولد سنة 630هـ توفي سنة 711هـ ، الإمام اللغوي الحجة . خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة ، ثم ولي القضاء في طرابلس ، وعاد الى مصر فتوفى بها ، من تصانيفه ’’ مختار الأغاني ’’ ، و ’’ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ’’ ، و’’ لطائف الذخيرة ’’ ، و ’’مختصر تاريخ بغداد ’’ . أنظر : الأعلام، للزركلي ج 7/ص 329 ، لسان العرب ، ط1 ، بيروت ، لبنان : دار صادر بيروت ، دت، ص 306 .
الفيروز آبادّي ، مجد الدين محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط ، ط3 ، بيروت ، لبنان ، مؤسسة الرسالة ، 1413هـ ، 1993 ، ص 1240 .
الرازي،، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر، توفى 721هـ، مختار الصحاح، بيروت،دط، لبنان : مكتبة بيروت، 1415هـ، ص 467
الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفه ، المالكي من علماء العربية ، من أهل دسوق تعلم وأقام وتوفى بالقاهرة وكان من المدرسين في الأزهر ، له كتب منها ( الحدود الفقهية ) في فقه المالكية ، وحواش على مغنى اللبيب والسعد التفتازاني والشرح الكبير على مختصر خليل وشرح السنوس لمقدمة أم البراهين ، (أنظر : موسوعة الفقه الاسلامي المعروفة بموسوعة جمال عبد الناصر الفقهية ، يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ، مصر ، 1410هـ ، 1990، ج1/ ص 251 ) ، حاشية الدسوقي ، بيروت ، لبنان : دار الفكر، دط، دت،ج3/ ص 88 .
الشنقيطي ، محمد الشيباني بن محمد ابن أحمد الشنقيطي الموريتاني ، تبيين المسالك شرح تدريب السالك إلى أقرب المسالك ، ط2، بيروت ، لبنان : ’’ دار الغرب الاسلامي ’’ ، 1995 ، ج3 / ص 371 .
الصاوي ، أحمدبن محمد الخلوتي،ولد سنة 1175هـ، فقيه مالكي. أخذ عن الدردير والدسوقي. توفي بالمدينة المنورة سنة 1241هـ، من مؤلفاته : ’’ حاشية على تفسير الجلالين ’’، و ’’ حاشية على شرح الدردير لأقرب المسالك ’’ وغيرها. أنظر : الاعلام، للزركلي، ج 1/ ص 233 . بُلغَة السالك لأَقربَ المسَالك على الشرَّح الصَّغير للقطبُ س