مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/27 18:42
د. جميل حمداوي
المقدمـة: من المعلوم، أن الحضارة (Civilisation) لها شقان: شق مادي يتمثل في التكنولوجيا والعمارة والتقنيات، وشق معنوي يتمثل في الثقافة بتجلياتها الإبداعية والأدبية والفنية والنقدية. ومن ثم، تعد الثقافة من أهم العوامل الأساسية التي تحقق التنمية المستدامة أو التنمية المحلية. فلم تعد التنمية الاقتصادية هي التنمية الوحيدة التي تشبع رغبات الإنسان، وتسعده ماديا وعضويا، بل الإنسان في حاجة إلى إشباع رغبات أخرى أكثر أهمية من تلك الرغبات المادية والغريزية، مثل: الرغبات العقلية، والرغبات الأدبية والفنية، والرغبات الروحانية والنفسية. وهذا ما توفره الثقافة للإنسان، باعتبارها ثقافة لامادية قائمة على الإبداع والفن والدين والفكر والفلسفة والعادات والتقاليد والطقوس والأعراف. ويعني هذا أن الثقافة هي كل الإنتاجات المعنوية التي تساهم في تنمية الإنسان عقليا وذهنيا ووجدانيا ومهاريا . وبالتالي، فهي أس التنمية البشرية المستدامة إلى جانب الأبعاد الأخرى، مثل: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي.

إذاً، ما الثقافة؟ وما التنمية؟ وما علاقة الثقافة بالتنمية البشرية المستدامة؟ وما مجمل الآليات الإجرائية لتحقيق التنمية الثقافية؟ تلكم هي أهم الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.



مفهــــوم الثقافــــة:

من المعروف أن الحضارة (Civilisation) هي نتاج بشري مرتبط بالجهد الإنساني، والعمل الدؤوب، والزمن التاريخي. وتنقسم إلى شقين: الشق المادي الذي يتمثل في التكنولوجيا(Technologie)، وهي كل ما أنتجه الإنسان ماديا وعمرانيا وتقنيا وآليا لإسعاد البشرية.أما الشق الثاني من الحضارة، فيتمثل فيما هو معنوي وروحي وقيمي، وهو الثقافة (Culture). ويقصد بها كل ما أنتجه الإنسان من فكر وإبداع وفن ودين وعادات وتقاليد وأعراف وطقوس، وما خلفه من تراث وآثار مادية ومعنوية ومنقولة وعالمية ...

وعليه، فالثقافة هي كل ما يتعلق بالعلوم والفنون والآداب والمعتقدات والصناعات التقنية والأديان. وبتعبير آخر، الثقافة هي هذه’’ المجموعة المعقدة التي تشمل المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والتقاليد وكل القابليات والتطبيقات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في مجتمع ما’’ .

ويعني هذا أن الثقافة تشمل المعطيات الفكرية والعاطفية والمادية. وقد عرفها أنور عبد الملك بأنها’’ كل ما يصور تجارب الإنسان شعرا، ونثرا، ولونا، ونغمة، وشكلا، وصورة. كل تعبير- أيا كان شكله، ونمطه، وهدفه، وأصالته، ونوعيته. كل ما من شأنه أن يخرج أحوال الناس من برجها الذاتي... إلى ساحة الإدراك...والتذوق والفاعلية’’ .

وإذا كانت الشعوب البدائية تعرف بالاحتكام إلى الطبيعة وسننها وقوى الأسطورة أو الميتوس، فإن الشعوب المتحضرة تحتكم إلى الثقافة واللوغوس. أما كلمة المثاقفة ( Acculturation)، فهي عملية انصهار الحضارات، وتبادل المعارف والثقافات بين الشعوب، من خلال الاحتكاك الثقافي، والترجمة، والاطلاع على أراء الآخرين. كما أن المثقف هو الشخص الذي يمارس العمل الذهني والتفكير، وينتج الآداب والعلوم والفنون، و يخترع التكنولوجيا. ويعرف المثقف بأنه ذلك الشخص الذي ينتج كل الدوال اللفظية والبصرية، من شعراء، وناثرين، وكتاب، وموسيقيين، وفلاسفة، وتشكيليين، وسينمائيين، ومسرحيين... وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى تعدد فروع الثقافة، وكثرة أقطابها ومسالكها، وتعدد مزاوليها من البشر.

ويمكن أن نميز مع أنور عبد الملك بين المثقفين (بفتح القاف) والمثقفين(بكسر القاف). فالفئة الأولى من المثقفين هم المتعلمون العاديون الذي يشتغلون بكل ماهو ذهني، ابتداء من المربي والقارئ العادي إلى المرؤوس والمنفذ. أي: كل من يعرف القراءة والكتابة؛ لكن غير قادر على قيادة المجتمع، وتنويره ثقافيا؛ بسبب عجز هذا المثقف عن الإبداع والإنتاج الفكري. أما الفئة الثانية، فالمقصود بها’’الذين يشتغلون في أعمال تسعى لنشر الثقافة بين الجماهير الواسعة من الناس..أو إلى تكوين فئة المثقفين العاديين’’

هذا، وتتمثل منابع الثقافة عند المثقف المتنور في المصدر الطبيعي، من خلال استغلال الطبيعة واستثمارها، والصراع معها جدليا للتحكم فيها مخافة من رعبها، واتقاء كوارثها الخطيرة التي تهدد حياة الإنسان وبقاءه. و لا يقتصر هذا الصراع على ما هو طبيعي فقط، بل يتعداه إلى الصراع الداخلي، والصراع مع الأفراد من بني مجتمعه، والصراع مع مقابله الجنسي الذي يتمثل في المرأة، ناهيك عن الصراع الاجتماعي والصراع الطبقي . والهدف من الثقافة هو تحقيق المتعة الوجدانية والمنفعة المادية. أي: يعبر المثقف عن نقص شعوري ولاشعوري. ويعبر أيضا عن حرمان على مستوى تحقيق الرغبات والنزوات والإشباع المادي. ومن ثم، فالثقافة تعويض عن النقص والحرمان والكبت. وتستلزم الثقافة، إلى جانب المتعة والمنفعة، ثنائيات أخرى كاللعب والعمل، والشكل والمضمون، والعقل والعاطفة. ويقول بوعلي ياسين:’’ إن المثقف الأديب أو الفنان لايقدم مضمونا أو شكلا، بل يقدم نفعا و/أو إمتاعا. ولايمكن أن يكون هناك عمل فني دون مضمون تثقيفي أو إمتاعي. إنما الخلاف على الأولوية بين المضمون والشكل. لولا وجود الصراع الطبقي، أي لو لم يكن الاستغلال والاضطهاد من مكونات مجتمعنا، لما اختلفنا مع أحد حول أن الشكل هو المقياس الوحيد في النقد الفني أو الأدبي، والأصح أن نقول: لولا الصراع الطبقي، لما كان ثمة فرق بين المضمون والشكل، ولكانت مقاييس الجمال في جوهرها واحدة في تقييم الأعمال الفنية لدى كل مجتمع أو لدى كل جماعة بشرية في مرحلة زمنية معينة’’.

ويختلف المثقف الاحترافي الفردي المتخصص أو الموسوعي عن المثقف الشعبي الذي يبدو فاعلا جماعيا، يعتمد على الذاكرة الجماعية، و يحمل في جعبته هموم الطبقة الكادحة، ويعبر عنها بطريقة عفوية ساذجة، أو ثورية، أو يذعن في تعبيره لسلطة الفئة الحاكمة خوفا وتذللا وتزلفا . ومن سمات هذه الثقافة الرواية الجماعية، والذاكرة، والعراقة، والواقعية، والشفوية، وعدم التدوين.



مفهــــوم التنميـــة:

تتجمع دلالات التنمية اللغوية في الزيادة والوفرة والتكثير والنماء. أما اصطلاحا، فتعني التنمية تحقيق أحسن الظروف الإنسانية للفرد داخل المجتمع. ومن يتأمل دلالات مصطلح التنمية (Développement)، فسيلاحظ أنه مفهوم اقتصادي محض، قبل أن يكون مفهوما سياسيا أو اجتماعيا أو فكريا أو ثقافيا. ومن ثم، فمن الصعب تعريف التنمية تعريفا دقيقا؛ نظرا لتعدد مفاهيمه، واختلاف دلالاته من دارس إلى آخر، حسب قناعاته وتوجهاته السياسية والاقتصادية والفكرية. علاوة على ذلك،’’يشكل مفهوم التنمية ما يسمى بالسهل الممتنع أمام الباحثين والمهتمين بقضايا التنمية، حيث تتعدد التعريفات بتعدد الاتجاهات والرؤى النظرية. وقد اختلف المفكرون الاجتماعيون أنفسهم حول تحديد مفهوم التنمية، وصعب عليهم الاتفاق على تعريف شامل لها. وعلى الرغم من أهمية ما طرح من تعريفات؛ إلا أنها لم تحل غموض المفهوم. ومن هنا، كانت أهمية التفكير في مفهوم التنمية بالصورة التي تمكننا من حصر دلالاته، لنتمكن من إدراك جيد لما تطلق عليه التنمية، يمكن في ضوئها وضع إستراتيجية تنموية لها صلاحية الاستمرارية، والتعبير عن احتياجات مجتمعنا العربي في إطار المتغيرات الدولية، وتجاوز مخلفات الاستعمار، واستبدالها بمعطيات جديدة.’’

هذا، وقد اقترنت التنمية، في العقود الأولى من القرن العشرين، بطرد المستعمر من البلدان العربية، وتحقيق الاستقلال والسيادة. وبعد الاستقلال، أصبحت التنمية هي تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصاديا، وتنظيم الإدارة، والاهتمام بالتعليم، وتشييد لبنات الإعلام، والقضاء على الأمية والأمراض والأوبئة، وإرساء دواليب الثقافة الاجتماعية. علاوة على ذلك، أصبحت التنمية مرتبطة بتطوير التعليم، وتأهيل البحث العلمي، والحصول على المعلومات والتكنولوجيا المعاصرة، وتطوير الاقتصاد ضمن التصورات الاشتراكية أو الرأسمالية. ومنذ سنوات التسعين من القرن العشرين، ارتبطت التنمية بالعولمة من جهة، وبالثورة الرقمية والتكنولوجية من جهة أخرى. وأصبح التنافس العلمي والتقني سيد الموقف، وأساس التنمية المستدامة، والدعامة الأساسية لتحريك الاقتصاد. بل أصبحت التنمية تمتاز بخاصيات التوازن والشمولية والدوام، من خلال الجمع بين الجوانب المادية والجوانب الثقافية.

وعليه، فالتنمية هي آلية التطور والتقدم والازدهار، وتتخذ مستويات عدة، وتتجلى سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا. ومن ثم، تهدف التنمية إلى الرفع من المستوى المعيشي للإنسان ماديا ومعنويا وروحيا، بتوفير التعليم اللائق، والصحة الضرورية، والدخل المناسب، وإيجاد العمل الذي يتلاءم وقدرات ذلك الإنسان، ويتناسب مع كفاءاته المعرفية والمهارية، مع مراعاة حقوقه الطبيعية والمكتسبة. و’’ تمثل التنمية حركة النسق الاجتماعي، بما يحتويه من عوامل اقتصادية وغير اقتصادية بشكل واسع، إلى أعلى أو إلى أحسن، في إطار من العلاقات السببية الدائرية بين مختلف المتغيرات المخططة الداخلة في عملية التنمية.وكأن التنمية بذلك تعني عملية التغيير المقصود، والجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم، بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل ومستويات أفضل للمعيشة.ومن ثمة، تكون التنمية بمثابة إرادة مجتمعية تأخذ بالمجتمع في حالة التخلف إلى حالة من التحول التنموي على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.فالتنمية عملية متعددة الأغراض والجوانب، وتتضمن تغييرات في البناء والقدرة الناتجة عن تعبئة الموارد والإمكانات المتاحة.’’

ومن هنا، فقد ركز تقرير التنمية البشرية لهيئة الأمم المتحدة على ثلاثة مؤشرات للتنمية البشرية، وحصرتها في: العيش حياة طويلة وصحية، والحصول على المعرفة، وتوفر الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق. ولا تقف التنمية عند هذه الحدود الثلاثة، بل تضيف امتيازات أخرى، مثل: الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوافر فرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات، وضمان حقوق الإنسان. ويعني هذا أن التنمية الحقيقية هي التي تحقق الحرية والعدالة والكرامة للإنسان في مجتمع ديمقراطي مبدع.

هذا، ولا يمكن تحقيق التنمية من خلال تطبيق وصفات تنموية جاهزة، أو الأخذ بمدإ المقايسة أو المماثلة والمشابهة بتقليد نماذج تنموية معينة، حققت، بشكل من الأشكال، نوعا من التقدم والازدهار. فلكل مجتمع خصوصياته الثقافية، وموارده الاقتصادية الخاصة به. كما تتشابك، في التنمية، المعطيات المادية والمعنوية، وتتداخل فيها العوامل الاقتصادية والدينية. لذا، ينبغي مراعاة مجموعة من الخصائص التي يمتاز بها مجتمع معين، وتقديرها إستراتيجيا أثناء الأخذ بسبل التنمية، والعمل بآلياتها التنفيذية، فلا يمكن استيراد نظريات تنموية جاهزة، بغية تطبيقها بشكل آلي على مجتمعات مختلفة، تتنافى خصوصياتها الحضارية والثقافية مع مبادئ تلك النظريات والتصورات جملة وتفصيلا. والمقصود بكلامنا أنه لابد من الإحاطة ’’ بالمستوى والبعد التاريخي الذي يتجه المفهوم نحو التعبير عنه، حيث تختلف عملية التنمية من مجتمع لآخر، بل من فترة تاريخية إلى أخرى داخل المجتمع الواحد.

ويعني ذلك أنه ليس هناك نموذج للتنمية معد سلفا في جملته وتفاصيله، وليس هناك وصفات معينة لعلاج التخلف، بل إن الثابت الآن هو تعدد المداخل التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التنمية. والاختيار ليس قاصرا، كما يذهب أنصار بعض النظريات التنموية، على نماذج تنموية ثبتت صلاحيتها ونجاحها في ظروف تاريخية، أو محكوما بعوامل إيديولوجية معينة.ويكشف تحليل تجارب التنمية المختلفة، أن هذه التجارب في جملتها محصلة ظروف تاريخية موضوعية محددة خاصة بكل مجتمع، ويصعب أن تكرر هذه الظروف. ويعني ذلك أن النماذج التنموية لا تتمتع بالقدسية. وعلى الدول النامية، ومنها الدول العربية، أن تبني نموذجا خاصا بها يعكس الظروف التاريخية والموضوعية الخاصة بهذه الدول، ويعمل على تحقيق تنمية حقيقية تقوم على الاعتماد على الذات، وتسعى إلى المحافظة على الهوية الذاتية.’’

هذا عن مفهوم التنمية، أما المقصود بالتنمية البشرية المستدامة، فهي تلك السياسة التنموية الشاملة المستمرة والدائمة المبنية على التخطيط المستقبلي، والتدبير الناجع، والمراقبة التقويمية التصحيحية الفعالة. وبالتالي، تراعي التنمية المستدامة أربعة عناصر أساسية لها علاقة بتنمية الفرد أو الإنسان أو المجتمع البشري هي: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي، والبعد الثقافي. ولابد أن تتكامل هذه الأبعاد الأربعة جميعها بطريقة جدلية تفاعلية متكاملة، فلا تنمية حقيقية بدون هذه الأبعاد الأربعة؛ لأن الدول المتقدمة التي لها تجارب كبرى في التقدم والتنمية والحداثة، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، قد أخذت بهذه العناصر الأربعة، وركزت على المعطى الثقافي كثيرا في تطوير الذات الفردية، وتعديل سلوكها، وتغيير تصرفاتها، وتطوير قدراتها المعرفية والذكائية والوجدانية، وصقل مواهب الأفراد عقليا ووجدانيا وحركيا، وتنميتها فنيا وجماليا وروحيا ودينيا وثقافيا وعلميا. ومن ثم، فالبعد الثقافي حاضر في التنمية المستدامة بشكل لافت للانتباه؛ لأنه أساس رقي التعليم، وركيزة التطور والتقدم وتحقيق النهضة الشاملة، وقاطرة المجتمع، ودعامة للرقي الاجتماعي والمادي، وآلية إجرائية للقضاء على الفقر والجوع والبطالة والتخلف. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي اللبناني جورج قرم:’’التنمية البشرية المستدامة نظرية في التنمية الاقتصادية- الاجتماعية، لا الاقتصادية فحسب، تجعل الإنسان منطلقها وغايتها، وتعالج الأبعاد البشرية أو الاجتماعية في التنمية باعتبارها العنصر المسيطر، وتنظر إلى الطاقات المادية باعتبارها شرطا من شروط تحقيق هذه التنمية، دون أن تهمل أهميتها التي لاتنكر.

إن هدف التنمية البشرية المستدامة ليس مجرد زيادة الإنتاج، بل هو تمكين الناس من توسيع نطاق خياراتهم ليعيشوا حياة أطول وأفضل، وليتجنبوا الأمراض، وليملكوا المفاتيح لمخزون العالم من المعرفة إلى آخر ما هنالك.وهكذا، تصبح التنمية عملية تطوير القدرات لا عملية تعظيم المنفعة أو الرفاهية الاقتصادية كما ينظر إليها اليوم. فالأساس في التنمية البشرية المستدامة ليس الرفاهية المادية فحسب، بل الارتفاع بالمستوى الثقافي للناس بما يسمح لهم أن يعيشوا حياة أكثر امتلاء، ويمارسوا مواهبهم، ويرتقوا بقدراتهم. ويتضح هنا مثلا أن التعليم والثقافة يحققان فوائد معنوية واجتماعية، تتجاوز بكثير فوائدهما الإنتاجية، من احترام الذات إلى القدرة على الاتصال بالآخرين على الارتقاء بالذوق الاستهلاكي. ’’

وعليه، تنبني التنمية المستدامة على أربعة عناصر مهمة هي: الإنتاجية الإبداعية في مختلف الميادين والمجالات المادية والمعنوية والروحية، وتطبيق حقوق الإنسان، سيما المساواة بين أفراد المجتمع الواحد، دون تمييز لوني أو ثقافي أو لغوي أو ديني أو عرقي، وتمثل سياسة الاستدامة بأن تكون التنمية غير مقتصرة على الحاضر، بل تمتد إلى المستقبل عبر خطط إستراتيجية قريبة أو متوسطة أو بعيدة، من خلال التفكير في أجيال المستقبل، وإعداد تدبير ناجع مستقبلي، يعتمد على الاكتفاء الذاتي، والتصنيع المحلي، والتنوع الثقافي، والاهتمام بالتنمية الاقتصادية الشاملة، والابتعاد عن الاستدانة الربوية، والتبعية المنتروبولية، واقتصاد الريع، والاستهلاك غير المنتج، وتخريب البيئة وتلويثها. علاوة على تمكين الأفراد والمجتمع المدني من المساهمة الفاعلة في التنمية البشرية المستدامة عن طريق المشاركة والمساهمة الفعلية.

وهكذا، فالغنى أو الثراء’’ ليس شرطا لتحقيق الكثير من الأهداف المهمة للأفراد والمجتمعات مثل الديمقراطية أو المساواة بين الجنسين أو تطوير التراث الثقافي والمحافظة عليه. والثروة لاتضمن الاستقرار الاجتماعي أو التماسك السياسي. هذا فضلا عن أن حاجات الإنسان ليست كلها مادية. فالحياة المديدة الآمنة، وتذوق العلم والثقافة، وتوفر الفرص لممارسة النشاطات الخلاقة، وحق المشاركة في تقرير الشؤون العامة، وحق التعبير، والحفاظ على البيئة من أجل الأجيال الحالية والمقبلة، مجرد بعض الأمثلة على حاجات وحقوق غير مادية قد يعتبرها المرء أهم من المزيد من الإنتاج المادي. بالمقابل، فإن التلوث البيئي وارتفاع معدلات الجريمة أو العنف المنزلي أو الأمراض المعدية كالأيدز في الكثير من البلدان لايعقل أن يعوض عنها المزيد من ارتفاع متوسط الدخل الفردي!’’

وعلى العموم، لا تقتصر التنمية البشرية المستدامة على تحقيق الإنتاجية المادية، أو تغيير المجتمع فحسب، بل التنمية المستدامة هي التي تعنى بالإنسان عقلا وجسدا وقلبا ومعتقدا وثقافة وبيئة. بمعنى أن المقاربة الثقافية هي الأساس في كل تنمية بشرية لتغيير المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات، وتحقيق تنمية إنتاجية حقيقية ماديا ومعنويا، وتمكينها داخل المجتمع عن طريق إشراك جميع الفاعلين في اقتراح آليات التنمية الحقيقية. وفي هذا الصدد، يقول جورج قرم:’’ تدور التنمية البشرية المستدامة حول تطوير المقدرة البشرية بسياسات وبرامج اقتصادية واجتماعية ودولية تعزز قدرة الإنسان على تحقيق ذاته.ويرتبط مفهوم التنمية في هذا السياق بتنمية الإنسان من حيث هو هدف ووسيلة، أو بتنمية قدرات الإنسان على سد حاجاته المادية والمعنوية والاجتماعية. وإذ تتركز إستراتيجيات تحقيق التنمية البشرية على إحداث تغييرات في البيئة القانونية والمؤسسية التي يعيش في كفها البشر، يبقى الأساس في ذلك دائما توسيع خيارات الإنسان. وبذلك، يتسع فضاء حريته، وهو ما يتضمن البعد الاقتصادي للتنمية دون أن يقتصر عليها.

والخلاصة أن التنمية البشرية المستدامة توسيع لقدرة الإنسان على بلوغ أقصى ما يمكن بلوغه من حيث هو فرد أو مجتمع ذو أفراد كثيرة، وذلك بزيادة إمكانياته التي ليست القدرات الاقتصادية إلا مجرد جانب منها.ومن هنا، لابد أن تكون السياسات التنموية بالضرورة متعددة الآفاق، لا اقتصادية فحسب.’’

ويتبين لنا، مما سبق قوله، بأن التنمية البشرية المستدامة هي تنمية شاملة ومتوازنة وكلية وطويلة الأمد، لا يمكن تحقيقها أو التمكن منها إلا بالتخطيط، والتدبير، والعمل، والمراقبة، والتقويم، والتتبع، وإعطاء الأهمية الكبرى للإنسان أو الفرد، مع تحسين أوضاعه المادية والمعنوية والثقافية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.



العلاقـــــة بين الثقافـــة والتنمية:

هناك ثلاثة تصورات حول علاقة الثقافة بالتنمية. فهناك من يرى بأن الثقافة تعرقل مسيرة تنمية الدول، وتحول دون تقدمها بشكل إيجابي. ومن ثم، تصبح الثقافة عائقا أمام تقدم بعض الشعوب، خاصة إذا كانت العادات والتقاليد والأعراف هي السائدة، وكانت تلك التقاليد تقليدية تؤثر سلبا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وهناك رأي مناقض يرى بأن الثقافة هي من العوامل الأساسية التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتطوير الاقتصاد بكل قطاعاته، والرفع من الإنتاج الوطني أو القومي. ولابد من مراعاة هذا البعد في مجال التخطيط والتدبير والتقويم. ويعني هذا أن الأولوية تعطى للبعد الثقافي على حساب الأبعاد والمكونات التنموية الأخرى.

بيد أن هناك رأيا تركيبيا ثالثا يؤمن بجدلية الثقافة والتنمية.أي: لايمكن فصل الثقافة عن التنمية، فكل واحد يكمل الآخر بطريقة بنيوية وعضوية وجدلية.

هذا، وإذا كانت دول الجنوب قد ركزت، في سنوات الستين من القرن الماضي، على التنمية الاقتصادية لتحسين الأوضاع المجتمعية، فإن هذه الدول، في سنوات السبعين، قد اهتمت بالتغير الاجتماعي. في حين، اعتنت هذه الدول، في سنوات الثمانين، بالمقاربة الثقافية في تنفيذ التنمية البشرية المستدامة، بفضل توجهات اليونسكو التي اعتبرت سنوات الثمانين والتسعينيات فرصة ذهبية للتنمية الثقافية، بناء على التنوع الثقافي واللساني والتراثي، وأعطت أهمية كبرى للثقافة اللامادية في تطوير الشعوب وتنميتها . بيد أن الثقافة قد خضعت لشروط العولمة ومستلزماتها ابتداء من سنوات التسعين من القرن الماضي إلى سنوات الألفية الثالثة.

هذا، وتتجلى أهمية الثقافة في ارتباطها بالتعليم والإعلام والدين والأدب والفن، وتساهم هذه الآليات كلها في توعية المجتمع ذهنيا ووجدانيا وحركيا، وتطويره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحسين سلوك الأفراد تجاه ذواتهم وأسرهم ومجتمعهم ووطنهم وأمتهم وعالمهم الإنساني، وتغيير تصرفاتهم وممارساتهم وتطبيقاتهم العملية التي قد تؤثر سلبا على التنمية، مثل: تلويث البيئة، وتخريب الآثار، والتبذير الاستهلاكي المتعلق بالمأكل والمشرب والطاقة، والإنفاق المالي المبالغ فيه...وفي الوقت نفسه، قد تدفع الثقافة الأفراد إلى طلب العلم للحد من الأمية، والقضاء على كل تجلياتها، سواء أكانت أمية أبجدية، أم أمية إعلامية، أم أمية لغوية، أم أمية وظيفية، أم غيرها من الأميات السائدة في عالمنا اليوم. كما أن الثقافة سبيل للقضاء على الفقر والجوع والبطالة والجهل والخرافة والشعوذة والهدر المدرسي. وهي كذلك وسيلة للرفع من المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وتحسين الدخل الفردي، والحصول على فرص الشغل المناسبة، وبناء الأسرة بناء مستقرا سعيدا.

هذا، وتتضمن الثقافة – اليوم- مجموعة من الخصائص والسمات المميزة لمجتمع أو لمجموعة إثنية ما، سواء أكان ذلك على المستوى المادي أم على المستوى الروحاني أم على المستوى المعنوي. ويعني هذا أن الثقافة هي التي تميز مجتمعا عن مجتمع آخر. والآتي، أنها تشمل الفنون والآداب وحقوق الإنسان وأنظمة القيم والتقاليد والمعتقدات.

ولاغرو أن نجد المؤسسات الرسمية الدولية أو الوطنية أو الجهوية أو المحلية تنطلق من المقاربة الثقافية في التخطيط للتنمية الشاملة المستدامة على جميع الأصعدة والمستويات؛ نظرا للعلاقة الجدلية الموجودة بين الثقافة والتنمية. بيد أن هناك كثيرا من دول العالم الثالث، بما فيها الدول العربية، ترى بأن المكون الثقافي هو عبء ثقيل على التنمية من النواحي المادية والمالية والسياسية والأمنية، ولا تراهن عليه، بشكل كبير، في تحقيق تقدمها الاقتصادي. لذا، تهمش هذا المكون تهميشا ملحوظا، ولا تبالي به إطلاقا. في المقابل، نجد دولا متقدمة ونامية تعطي الأولوية للثقافة في مجال التنمية الشاملة، بل نتحدث – اليوم- عن سياحة ثقافية، وسياسة ثقافية، واقتصاد ثقافي، ومجتمع ثقافي، وكائن بشري ثقافي.



آليات المقاربة الثقافية لتحقيق التنمية البشرية المستدامة:

لا يمكن تحقيق التنمية الثقافية الحقيقية في المجتمع إلا بوجود مجموعة من الآليات المؤسساتية والبنيات المادية والمعنوية التي يمكن حصرها فيما يلي:



المجتمـــع المـــدني:

يعتبر المجتمع المدني من الركائز الأساسية لتحقيق التقدم والازدهار، وتفعيل التنمية البشرية الحقيقية. ويسمى هذا المجتمع بهذا الاسم؛ لأنه يتخذ طابعا اجتماعيا مدنيا وسلميا، كما أنه مستقل عن الدولة والحكومة، وعن كل المؤسسات الرسمية والعسكرية، على الرغم من كونه يتكامل مع المؤسسات الحاكمة تنسيقا واستشارة واقتراحا.

هذا، ويجسد المجتمع المدني مظهرا من مظاهر الديمقراطية الحديثة التي ترتكز على الحرية، والكرامة، والعدالة، والمساواة، والأخوة، والإيمان بحقوق الإنسان.وبالتالي، لا يمكن للمجتمع المدني أن يشتغل إلا في مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، ويعمل على تثبيتها وتكريسها في جميع المجالات والأصعدة والمستويات. كما أن المجتمع المدني ’’من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهي علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع والتعاقد والتراضي والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسؤوليات. ثم، إن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوى، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة’’.

ويعرف المفكر الإيطالي أنطونيو گرامشي المجتمع المدني بأنه’’ مجموعة من البنى الفوقية مثل: النقابات والأحزاب والمدارس والجمعيات والصحافة والآداب والكنيسة’’ . ويقابل المجتمع المدني، لدى گرامشي، ما يسمى بالمجتمع الرسمي أو ما يسمى بسلطة الدولة، ويعرفه المفكر الألماني هابرماس بقوله:’’ المجتمع المدني نسيج من الجمعيات والهيئات الاجتماعية التي تناقش الحلول الممكنة لبعض المشاكل المرتبطة بالمصلحة العامة. ’’

أما الدكتور سعد الدين إبراهيم، فيعرفه بأنه’’ مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام، والتآخي والتسامح والإدارة السليمة للتنوع والخلاف. ’’

ومن هنا، فالمجتمع المدني عبارة عن هيئات مدنية حرة ومستقلة، تقوم بأعمال تطوعية اختيارية لصالح الإنسان، بتنسيق مع الدولة، أو في استقلال عنها، من أجل تحقيق التنمية الشاملة.

وما يهمنا في هذا المجتمع المدني هو ما يقوم به الأفراد، سيما المثقفين منهم، من أدوار ثقافية جبارة وهائلة ومهمة وقيمة، في مختلف الميادين والمجالات والفنون والمعارف والآداب، لتوعية المواطنين ذهنيا ووجدانيا وحركيا، ونشر الثقافة بينهم للقضاء على الأمية والتخلف والجهل والفقر والجوع والبطالة. بمعنى أن الثقافة تؤهل الناس لكي يزاولوا أعمالا إيجابية منتجة وهادفة وبناءة، تكون في خدمة الوطن والأمة والإنسانية جمعاء.



الجمعيــات الثقافيـــة:

لا أحد ينكر أهمية الجمعيات المدنية بمختلف أنواعها (جمعيات ثقافية، وجمعيات رياضية، وجمعيات اجتماعية، وجمعيات سياسية، وجمعيات بيئية، وجمعيات سياحية، وجمعيات نسوية، وجمعيات تربوية وتعليمية...)؛ لما لها من دور ثقافي هام في خدمة التنمية البشرية المستدامة، فهي التي تقوم بتأطير الأفراد تأطيرا مهاريا أو سلوكيا أو عمليا، وتوعيتهم توعية دينية وأخلاقية وسياسية ووطنية وقومية، وتغيير سلوكهم تغييرا إيجابيا، وتكوينهم تكوينا تخصصيا نوعيا، أو تكوينا شاملا وموسوعيا. بل تقوم هذه الجمعيات بدور تثقيفي وتنموي وتوعوي لافت للنظر في إطار مبادرات فردية أو جماعية. كما تساهم هذه الجمعيات في تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة في البلاد؛ لما تقوم به من مهام علاجية نفسية واجتماعية وإرشادية، بغية توجيه الأطفال والشباب والبالغين نحو المواطنة الصالحة. وقد تكون هذه الجمعيات الثقافية مدعمة أو غير مدعمة، لكن هدفها الوحيد هو توعية المواطن، وتكوينه تكوينا مهاريا مفيدا، وتأطيره سياسيا واجتماعيا وثقافيا وعقديا، وتوجيهه وجهة حسنة.



البنيـــات التحتيــــة:

لا يمكن الحديث عن نهضة ثقافية في بلد ما إلا بتوفير بنيات ثقافية مناسبة ومتعددة ومتنوعة، كأن نشيد مركبات ثقافية ورياضية وفنية وعلمية . علاوة على إيجاد معاهد ومختبرات ومحترفات وورشات ومتاحف ومكتبات وخزانات، فضلا عن بناء قاعات المسرح والسينما، وتشجيع الناس على الإقبال عليها بأعداد كثيرة؛ لأن الثقافة أداة للتوعية والتنوير والتثقيف، ووسيلة لمحاربة الأمية والجهل والتخلف. وتعد الثقافة كذلك، بفنونها وآدابها وعلومها، مسلكا حقيقيا للإفادة والإقناع والإمتاع والتسلية والتثقيف. ولايمكن للتنمية الثقافية أن تحقق نتائجها المثمرة إلا بتشييد المركبات الثقافية الواسعة والرحبة، وإنشاء المعاهد التابعة لها للتعليم والتكوين والتأطير. علاوة على ذلك، لابد من توفير المسارح والمتاحف وقاعات السينما، وقاعات للتدريب والتكوين والتأطير. وينبغي أن تخضع تلك المركبات الثقافية، في هندستها المعمارية، للخصوصية الحضارية هوية وتأصيلا وتأسيسا. بمعنى أن تتلاءم تلك المركبات مع طبيعة المجتمع وحضارته وثقافته وهويته وخصوصياته المحلية والروحية والمعنوية، مع الانفتاح على الحداثة أو ما بعد الحداثة، بشرط الاحتفاظ على الموروث اللامادي الأصيل والفرجات الدرامية والإثنوسينولوجية الخاصة بذلك المجتمع.



الدعــم المادي والمعنوي:

لايمكن للفعل الثقافي أن يعطي ثماره المرجوة إلا بالدعم الحقيقي، وتوفير الإمكانات المادية والمالية. بمعنى أن الثقافة لا يمكن أن تبنى أو يخطط لها آنيا أو مرحليا أو مستقبليا، بغية تحقيق التنمية البشرية المستدامة، في غياب التجهيزات المادية والتقنية والرقمية، أو في ظل غياب الإمكانات المالية. لأن الفعل الثقافي لايمكن أن يتحقق بدون تمويل حقيقي فعال. فلابد من تقديم منح وجوائز وهبات وشهادات تشجيعية أو تقديرية للجمعيات، و الفرق، والنوادي، والأفراد، والمثقفين، و المبدعين، و الفنانين، تشجيعا لهم على العطاء والبذل والإبداع، والاستمرار في عملهم الراقي والسامي.

ولابد للدولة أو المؤسسات الخاصة أن تدعم، بكل إمكاناتها المتوفرة، ما يقوم على البحث والابتكار والاستكشاف؛ لأن الإبداع هو أساس النهضة الثقافية الحقيقية، ونواة التميز والتفرد عربيا وعالميا. وبتعبير آخر، ينبغي على الدولة أن تشجع، بكل ما أوتيت من إمكانات وطاقات، مختلف الأنشطة الثقافية ماديا وماليا ومعنويا، من أجل أن ينتج هذا الفعل الثقافي، بواسطة الطاقات الإبداعية المتميزة والعبقرية والذكية، نظريات وممارسات متفردة أو جماعية، أو يقدم لنا إنتاجات إبداعية نموذجية وحداثية، لها قصب السبق محليا أو جهويا أو وطنيا أو قوميا أو عالميا.



المقاربـــة التشاركيــــة:

لا يمكن تحقيق التنمية الثقافية إلا بالأخذ بسياسة المقاربة التشاركية. بمعنى أنه من الضروري الانفتاح على الشركاء والفاعلين الداخليين أو الخارجيين، بغية تحصيل الدعم المادي والمالي والمعنوي. ولابد أن تخضع هذه الشراكات لمعطيات تشريعية وقانونية، وألا تتعارض مع أهداف الثقافة من جهة، وأهداف التنمية البشرية المستدامة من جهة أخرى. ومن هنا، نجد دول الجنوب، سيما الدول العربية منها، تبرم شراكات ثقافية مع دول الشمال على أساس التواصل والتعارف و التبادل الثقافي، أو على أساس التحاور والتعايش والتقارب والتسامح.

ومن باب العلم، فالشراكة داخلية وخارجية، فيمكن للدولة أو المؤسسات ومرافق الدولة أن تدخل في شراكات داخلية مع الجمعيات أو المجتمع المدني لتحقيق التنمية الثقافية الشاملة. كما يمكن للمجتمع المدني أن يدخل في شراكات خارجية، بعد استشارة الدولة، إن أمكن ذلك، لتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة والمستمرة، وتمكينها في المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات، وفي مختلف الميادين والمجالات وفنون المعرفة .



تمثل المقاربة الإبداعيــــة:

تنبني التنمية الثقافية، في الحقيقة، على الإبداع والابتكار والإنتاج، في جميع المجالات والحقول العلمية والمعرفية والأدبية والفنية. وتستلزم المقاربة الإبداعية أن يكون الإنسان المواطن مبدعا، والمجتمع مبدعا، و تساهم المؤسسات الاجتماعية الصغرى منها أو الكبيرة في تحقيق هذه الفلسفة الإبداعية ؛ باعتبارها واجبا أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا وقوميا، يلتزم بها الإنسان في حياته اليومية من أجل تحقيق التقدم والتنمية والازدهار . كما تستوجب الفلسفة الإبداعية الاعتماد على النفس أو الذات لبناء التنمية الشاملة أو المستدامة. لأن من ’’المقومات الأساسية لبناء إستراتيجية جديدة للتنمية مسألة الاعتماد على النفس.وهذا المفهوم تجده شبه مفقود نسبيا في المعنى والتطبيق، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في بيان أصول هذا المفهوم على أساس من التأني والشمولية لكي يضم في حيثياته جوانب الحياة، سواء أكان ذلك على المستوى الفردي أم الإقليمي أم القومي. ’’

ويعني هذا أن التنمية الحقيقية أو التنمية الشاملة القائمة على العلم والتكنولوجيا، لا يمكن تحقيقها عن طريق نقل التكنولوجيا أو استيرادها جاهزة من الدول المتقدمة، فلابد من الاعتماد على النفس، وتمثل فلسفة الإبداع والتجديد والابتكار . ولا يتأتى ذلك إلا بالمقاربة الثقافية التي تعمل على توعية المجتمع في شتى نواحي الحياة، وتسعى إلى ترقية مستوى الفكر لدى الشعب، وتربية الذوق الفني، وترقية الإحساس الجمالي في التعامل مع الأشياء والمنتوجات الثقافية والفنية والأدبية والتقنية. بمعنى أن الثقافة هي التي تؤدي، بالمواطن الصالح المنتج، إلى الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا . وفي هذا الصدد، يقول الباحث المغربي المهدي المنجرة:’’إن مشكلة التقدم التكنولوجي للجهات التي مازالت تشكو من نقص في التنمية لا يمكن حلها جذريا باستيراد التقنيات الأجنبية أو إدخال العلوم التطبيقية الجاهزة- على عجل- بشكل من الأشكال.فلا يمكن للتقدم أن يتحقق بصورة جذرية إلا بالإبداع والدعم، حسب سياق ينمو داخليا في قلب الحقيقة الإنسانية للمجتمعات المعنية من الوجهتين الثقافية والاجتماعية للعلم.

إن الأمر الأساس الذي يجب التركيز عليه هو أن العلم والتقنية الجديدة كلاهما من المكونات العضوية في الثقافة. وهما لا يصبحان مرتبطين اجتماعيا ومنتجين اقتصاديا إلا إذا تم دمجهما في البيئة الثقافية التي يعملان فيها، وبذلك يصيران ظاهرة ديناميكية تستحث التجديد والإبداع.

ونفهم من هذا أن أكبر كذبة هي ما يسمى بنقل العلوم والتكنولوجيا، ليس هناك شيء يمكن تسميته بنقل التكنولوجيا، فمجرد استيراد المنتج التكنولوجي، فضلا عن استيراد الفنيين للسهر على تشغيله وصيانته، ليس بحال استيرادا للتكنولوجيا.فما يتم نقله تحت غشاء هذا المصطلح نقل التكنولوجيا هو مجرد مواد عفا عليها الزمن وبأثمنة لا مبرر لها، أما التمكن من التكنولوجيا فهو نتيجة عمل وبحث وإبداع ذاتي، وذلك مسار يستحيل بيعه أو شراؤه، ولا سبيل إلى الوصول إليه إلا باكتساب المعرفة وتنشيط الابتكار.

إن العلم أو التقنية لا يمكن نقلهما، لأنهما نتاج نسق ثقافي؛ فالقيم الثقافية هي التي تحدد الفكر العلمي والإبداع والابتكار.فالعلم والتكنولوجيا ليسا المحركين الأولين للتغيير الاجتماعي، بل القيم الثقافية هي المحرك الأساس، وهي التي تجعل التغيير ميسورا من خلال تمكين الأفراد من استيعاب العلم والتكنولوجيا.وهذا ما أسميه بانصهار العلم والثقافة.’’

وعليه، لا يمكن الحديث، إطلاقا، عن مقاربة تنموية ثقافية في غياب الإبداع والابتكار والإنتاج والتحديث.



إرســاء النظــام الديمقـراطي:

لا يمكن، بأي حال من الأحوال، تحقيق التنمية الشاملة بصفة عامة، والتنمية الثقافية بصفة خاصة، إلا بتطبيق النظام الديمقراطي العادل الذي ينبني على الحرية، والحق، والعدالة، والإنصاف، والمساواة، وفصل السلط، وتطبيق الشورى، والإيمان بالتناوب السياسي، وتمجيد الكفاءة، وضمان حقوق الإنسان، والعمل بسياسة الحقوق والواجبات، والأخذ بفلسفة الإبداع والابتكار. فالعامل الأساس في نجاح الإبداع والثقافة والتكنولوجيا هو’’ توفير الإرادة السياسية، وتوفير جو الحرية لأصحاب المواهب العلمية والفنية، وهذا يتطلب بطبيعة الحال احترام الإنسان. ووجود العنصر البشري المتوفر على القدرات الفنية والعلمية العالية شرط ضروري في نجاح العملية الإبداعية، وهذا الشرط متوفر في عالمنا العربي والإسلامي، خاصة إذا علمنا أن كبار المتخصصين في المراكز العلمية والتكنولوجية في العالم الغربي هم عرب مسلمون، ولكن غياب الحقوق والحريات العامة، وغياب احترام الإنسان، كل ذاك حرم العالم المتخلف من الاستفادة من طاقاته الذاتية، وأصبح يعيش حالة نزيف مستمر لأدمغته وذوي القدرات فيه.’’

هذا، ولايمكن أن تتحقق ديمقراطية الثقافة إلا إذا تحققت الديمقراطية الحقيقية في المجتمع . ولا ينبغي أن تكون ديمقراطية الدولة شكلية وسطحية تمس ماهو هامشي وثانوي، وتترك ما هو أساسي وجوهري. أي: إن الديمقراطية الحقيقية هي ديمقراطية عملية، يشارك فيها الرئيس والمرؤوس، ويحتكمان معا إلى لغة الحوار والاختلاف وخطاب الانتخابات النزيهة الشفافة، دون تزوير ولا تزييف ولا تسويف ولا تجويع.

وعلى الرغم من أهمية الثقافة في تغيير المجتمع وتحديثه وعصرنته، ومساهمتها في تحقيق الديمقراطية، فهي غائبة نسبيا في برامج الأحزاب السياسية لدول العالم الثالث أو بلدان الوطن العربي. لذا، لابد أن تحضر الثقافة أو التنمية الثقافية في البرامج السياسية؛ لأن الثقافة هي أس الحوار والاختلاف والإقناع، بل تسعفنا في ترسيخ ثقافة النقد الذاتي، وتقبل الآخر، والتشبث بقيم الإنسانية بجميع معانيها. ومهما اختلفت رؤانا للأمور، فإن الغاية تظل واحدة، وهي بناء مجتمع حديث مساير للركب الحضاري والتطور التكنولوجي والعلمي.

وهكذا، نصل إلى أن دمقرطة المجتمع بشكل حقيقي وعملي، وبنائه حضاريا وأخلاقيا، تعد من أهم الآليات الإجرائية لتحقيق التنمية الثقافية النافعة ولن يتحقق هذا عمليا وميدانيا إلا بإصلاح المنظومة التربوية التعليمية، وربطها بالفعل الثقافي المثمر، عن طريق برمجة مجموعة من الأنشطة الثقافية والأدبية والعلمية والفنية لصالح المتعلم أولا، ولصالح المجتمع ثانيا.



الإعــــلام الثقافــــي:

ثمة مجموعة من القنوات الإعلامية الإذاعية والتلفزية والفضائية والصحفية في الغرب تعنى بالثقافة في كل طقوسها وأنواعها وممارساتها وتنظيراتها، بينما نفتقد إليها في كثير من دول الجنوب أو دول العالم العربي مقارنة بقنوات الغناء والإشهار والأخبار ...

هذا، و ينبغي أن تتكلف هذه القنوات التلفزية والفضائية والإعلامية بعرض مختلف الإنتاجات الثقافية العربية والغربية على حد سواء، مع تقديم برامج وندوات ثقافية حول الإبداعات الفردية والجماعية.

وبما أن عصرنا هو عصر المعلومات والرقميات، فمن الأفضل تشجيع المواقع الإلكترونية التي تعنى بالفعل الثقافي بدعمها ماديا وماليا ومعنويا؛ لأن هذه المواقع الافتراضية لها قدرة كبيرة وسريعة على نشر الثقافة بين أفراد المجتمع، ونقل المعلومات والمعارف والنظريات، دون أن تخضع للمراقبة الأمنية أو مقص الرقيب، وتسعفنا، كذلك، في عملية تبادل الآراء والأفكار والمعطيات والمعلومات.



تنويع المنتوج الثقافي وتطويره:

لا يمكن للتنمية الثقافية، بحال من الأحوال، أن تحقق أهدافها النوعية أو المرحلية أو البعيدة إلا بتنويع المنتوج الثقافي وتطويره، ضمن ما يسمى بالتنمية الثقافية. وقد أكدت منظمة اليونسكو على التنوع الثقافي في بياناتها الثقافية التأسيسية؛ نظرا لأهميته في الرفع من مستوى التنمية الاجتماعية والمعنوية والبيئية، وخدمة النمو الاقتصادي. ويشمل التنوع الثقافي الإنتاجات الأدبية والفنية والعلمية والآثار والقيم، وكل ما ينتمي إلى ما يسمى بالثقافة اللامادية.



الخصوصيـــة الثقافيـــة:

لا يمكن تحقيق التنمية بصفة عامة، والتنمية المستدامة بصفة خاصة، إلا إذا عرضنا منتوجنا الحضاري والثقافي الخاص أمام الآخر أو الغير بكل مكوناته الأنطولوجية والهوياتية والدينية، دون إحساس بالنقص أو الازدراء أو الهوان. فلا خير في شعب ينكر ثقافته الخاصة، ويزدري خصوصياته العرقية واللغوية والثقافية، ليندمج – بعد ذلك - في منومات هوياتية وثقافية أجنبية؛ لأن ذلك هو نوع من الاستلاب المشيأ، والتدجين السلبي، والمسخ الثقافي .إذاً، فليس هناك تنافر بين العلم والثقافة والخصوصية الهوياتية والدينية، فكل هذه الأشياء تتكامل فيما بينها لتعطي لنا نسقا ثقافيا متميزا. و’’ لهذا، نجد أن اليابانيين بالرغم مما يشاع عنهم لم ينقلوا التكنولوجيا: إن اليابانيين سلكوا في استيراد التكنولوجيا مسلكا فريدا بحيث اتجهوا إلى تحليل المواد المستوردة بهدف فهم آلياتها وكيفية عملها بقصد فهم كل جزء من جزئياتها، وإعادة تركيبها وفق مقاييس وأذواق مغايرة، ففي التركيب الجديد نجد أن هناك إبداعا يابانيا ينسجم مع القيم المجتمعية، ومع الخصوصية اليابانية، وفق ذوق الإنسان الياباني في الحياة. فهناك – إذاً- إبداع ذاتي، وبدون هذا الإبداع الذاتي لا يمكن التحدث عن التكنولوجيا. ’’

وعليه، فمراعاة الهوية والخصوصية المحلية والثقافية أساس التنمية البشرية المستدامة. وبالتالي، فهو مرتكز جوهري تعتمد عليه المقاربة الثقافية الشاملة.



تطوير التعليم والتربية:

لا يمكن تحقيق التنمية الثقافية إلا بتطوير التربية والتعليم في مختلف أسلاكه الدراسية، وإشراك المؤسسات التعليمية والجامعية في ترقية الفعل الثقافي، وتنمية المحيط الاجتماعي، والمساهمة في إثراء المشهد الثقافي المحلي والجهوي والوطني والقومي. بمعنى أن التعليم هو قاطرة للتنمية المستدامة، وأس التقدم والازدهار، خاصة إذا كان هذا التعليم ينطلق من أسس إبداعية قائمة على الإنتاج، والابتكار، والبحث العلمي، والاعتماد على الذات. كما أن التعليم والتربية هما’’ أداتا هذا التغيير للبنيات العقلية. والقيام بهذا الدور ينبغي أن يكون التعليم جديدا قادرا على إعداد الشباب للتفكير الحديث، بدءا من المدرسة الابتدائية.وعن طريق التربية والتعليم الحديثين، يتحول الشباب إلى محرك بشري لتنمية المجتمع. ’’

ويعني هذا أن التعليم هو قاطرة تنمية المجتمع، مادام ينبني على الابتكار، والإبداع، والفعل الثقافي الإيجابي، والإنتاج الهادف والبناء.



الدينامكية والفعالية السياسية:

من الصعب تحقيق التنمية الثقافية إذا لم تكن هناك ديناميكية اجتماعية حقيقية، وفعالية سياسية متميزة ومبدعة، تتسم بسرعة التخطيط والتدبير والتنفيذ والتطبيق، ولها القدرة على تطويع الإمكانات المتاحة لخدمة المجتمع على جميع المستويات والأصعدة. بمعنى أن التنمية الثقافية تتنافى مع البيروقراطية والروتين الإداري وكثرة الأوراق.أي: يستحيل أن تتجسد التنمية الثقافية في مجتمع يعرف بالثبات والبطء والسكون على مستوى النسق والبنيات والعناصر الوظيفية. وفي المقابل، ترتكز التنمية الثقافية على الديناميكية والفعالية السياسية، وسرعة الحركة والإنتاج والتوزيع والاستهلاك. أي: إن عامل الدينامكية ’’ عامل هام يؤثر أكبر تأثير في مصير التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عامة في مختلف البلدان...ذلك أن كل الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة لن تظل في حالة ثابتة، وإنما هي أيضا تتطور مع الزمن.ويكون معدل هذا التطور كبيرا وسريعا للغاية في اللحظات والفترات التي يتم فيها تبديل الكثير من الهياكل القائمة والموروثة، وإحلال هياكل جديدة محلها.وهذا العامل ينبغي وضعه في الاعتبار، لأن تأثيره في الإسراع بمعدل التنمية، بل وبكل نشاط المجتمع وإنتاجيته وفعاليته، يكون عادة تأثيرا استثنائيا في قوة دفعه، وفي معدل سرعته، خاصة وأن هناك العديد من الأدلة الدولية الواضحة على مدى تأثير هذه التغيرات في الإسراع بمعدل النمو والتنمية .ولقد أثبتت دول كثيرة أنها مجتمعات حية وفعالة، قادرة على الحركة، من أجل دفع نشاطها وتقدمها إلى مشارف الإنجازات التي حققتها مجتمعات أخرى، بصورة منظمة وإيجابية تدعو إلى الإعجاب.’’

ويعني هذا أن المقاربة الثقافية لايمكن الأخذ بها إلا في مجتمع يؤمن بالفعالية السياسية، ويحترم الوقت والجهد البشري، وينبذ البيروقراطية والروتين الإداري.



الخاتمــــة:

وخلاصة القول، إن الثقافة جزء لايتجزأ من الحضارة، وهي نقيض التكنولوجيا المادية، مادامت تهتم بما ليس ماديا أو تقنيا، مثل: الآداب، والفنون، والتراث، والعادات، والتقاليد، والأعراف، والقيم، والدين، وغير ذلك.

وللثقافة علاقة جدلية مع التنمية بصفة خاصة، كما لها علاقة سببية وتفاعلية مع التنمية البشرية المستدامة بصفة عامة. وقد أصبحت الثقافة – اليوم- جزءا أساسيا من التنمية الشاملة، إذ لا يمكن لأي تخطيط مستقبلي، في مجال التنمية، أن ينجح في غياب المقاربة الثقافية التي أصبحت – اليوم- تساهم بشكل كبير في الرفع من مستوى الأفراد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وتربويا.

بيد أن ثمة مجموعة من العوائق التي تحول دون الاهتمام بهذه المقاربة، أو الأخذ بها في التخطيط التنموي تدبيرا واستشرافا وتطبيقا وتقويما. ونذكر من بين هذه المعيقات السلبية: البيروقراطية، وانعدام الديمقراطية، وغياب فلسفة حقوق الإنسان. ناهيك عن التخلف الاقتصادي، والفقر، والجوع، والبطالة، وانتشار الفكر غير العلمي، وسطوته على الجماهير البسيطة، وسيادة نظم التعليم التلقيني مقابل التعليم النقدي، وانتشار الأمية بأنواعها الأبجدية، والثقافية، والتكنولوجية، وغياب الإعلام النقدي الهادف والبناء، وقلة الموارد والإمكانات المادية والمالية، وعدم تشجيع الكفاءات والأطر المبدعة، وغياب التحفيز المادي والمعنوي.

ومن جهة أخرى، بما أنه يستحيل فصل التنمية المستدامة عن الثقافة، إذ العلاقة بينهما علاقة جدلية وعضوية وتكاملية، فلابد – إذاً- من ربط التنمية المستدامة بما هو ثقافي واجتماعي واقتصادي وبيئي، وتمثل المقاربة الثقافية أثناء إرساء آليات التنمية المستدامة تخطيطا وتدبيرا ومراقبة، والاهتمام بالتنوع الثقافي للمساهمة في إثراء العولمة. والآتي، أن التنمية المستدامة لايمكن أن تحقق نتائجها فقط بالاعتماد على ماهو اقتصادي، فلابد من استدماج البعد الثقافي الذي يتمثل فيما هو معنوي وفكري وروحي ووجداني، وإقناع صانعي القرارات السياسية والفاعلين الاجتماعيين المحليين والدوليين بدمج مبادئ التنوع الثقافي وقيم التعددية الثقافية في مجمل السياسات والآليات التطبيقية والممارسات العامة، سيما عبر الشراكات العامة والخاصة، وتشجيع المجتمع المدني، وتمثل الديمقراطية، وتطوير التعليم، والإيمان بفلسفة الإبداع، وتسريع وتيرة العمل، وتبني سياسة تنموية شاملة ومستدامة.



....................

]- د. الطاهر لبيب: سوسيولوجيا الثقافة، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب،الطبعة الثانية سنة 1986، ص:10.

[2]- أنور عبد الملك: دراسات في الثقافة الوطنية، دار الطليعة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1967، ص:7.

[3]-- أنور عبد الملك: دراسات في الثقافة الوطنية، ص:201.

[4]- د. بوعلي ياسين: ينابيع الثقافة ودورها في الصراع الاجتماعي، الناشر الملتقى، المطبعة infoedition، الطبعة الثانية المغرب، سنة 2006، صص:6-27.

[5]- - د. بوعلي ياسين: ينابيع الثقافة ودورها في الصراع الاجتماعي، ص:26-27.

[6]- خلاف خلف خلاف: (التنمية في عالم يفتقر على المساواة)، مجلة الفيصل، السعودية، العدد: 166، نونبر1990م، ص:6.

[7]- خلاف خلف خلاف: (التنمية في عالم يفتقر على المساواة)، ص:6.

[8]- خلاف خلف خلاف: نفسه، ص:6.

[9]- جورج قرم: التنمية البشرية المستدامة والاقتصاد الكلي، سلسلة دراسات التنمية البشرية، العدد 6، بيروت، لبنان، 1997م، ص:35 وما بعدها.

[10]- جورج قرم: التنمية البشرية المستدامة والاقتصاد الكلي، ص:35 وما بعدها.

[11]- جورج قرم: نفسه، ص:35 وما بعدها.

[12]- د. عبد الغفار شكر: المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية، دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى، 2003م، ص:20.

[13]- الحبيب الجنحاني: (المجتمع المدني بين النظرية والتطبيق)، مجلة عالم الفكر، الكويت، العدد3 مارس 1999م،ص:31.

[14]- هابرماس: ما هو المجتمع المدني؟، ترجمة مصطفى أعراب ومحمد الهلالي، سنة 1999م، ص:48.

[15]- سعد الدين إبراهيم: (المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي)،مقدمة كتاب: المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في البحرين، مركز ابنخلدون للدراسات الإنمائية، 1995م، ص:5.

[16]- خالد السبع النجار: (إستراتيجية جديدة للتنمية في الوطن العربي)، مجلة الفيصل، السعودية، العدد:93دجنبر1984م، ص:36.

[17]- د.المهدي المنجرة: حوار التواصل من أجل حوار معرفي عادل، دار وليلي للطباعة والنشر، مراكش، المغرب، الطبعة السادسة سنة 2000م، ص:116-117.

[18]- د.المهدي المنجرة: حوار التواصل من أجل حوار معرفي عادل، ص:116-117.

[19]- د.المهدي المنجرة: نفسه، ص:116-117.

[20]- انظر: خيري عزيز: قضايا التنمية والتحديث في الوطن العربي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1983.

[21]- انظر: خيري عزيز: قضايا التنمية والتحديث في الوطن العربي، المرجع المذكور سابقا.
من اعمال الباحث
أضافة تعليق
آخر مقالات