في هذه الطيافة السريعة نعرج على أحد أهم مصادر الفقه السياسي المطمورة في المذهب الزيدي والتي يتجاهلها الكثير من أتباع المذهب الزيدي نفسه قبل غيرهم مع أن أبرز ما يميز المذهب الزيدي يتبدى في نظريته السياسية في الحكم والتنزيل العملي لهذه النظرية في واقع التجربة التاريخية لحكم أئمة الزيدية في اليمن والذي استمر قرابة الألف عام وتميزت هذه التجربة بانفتاحها على كثير من التيارات والمذاهب الفكرية والفقهية والسياسية الأمر الذي حوّل المذهب الزيدي إلى جسر تواصل وتلاقح فكري بين مذاهب السنة والشيعة و تيارات الاعتزال، فوصف البعض الزيدية في اليمن بسفراء الشيعة لدى السنة وسفراء السنة لدى الشيعة.
مجيب الحميدي
وتتضح أهمية دراسة النظرية السياسية الزيدية عندما نلحظ بأن هذه النظرية تكاد تكون هي النظرية الوحيدة في تاريخنا الإسلامي التي استطاعت أن تشق طريقها إلى الواقع العملي بتصور نظري يسبق تجسدها الواقعي ويحدد مساراته مستفيداً من اعتمالات الواقع في تسديد النظرية واكتشاف جوانب الخلل ومحاولة معالجتها، في حين ظلت النظريات الإسلامية الأخرى تُؤصل للتعامل مع صيغ واقعية فرضت نفسها بقانون القوة والتغلب أو تغرق في التنظيرات الغيبية للأئمة المعصومين والإمام المنتظر.
ومما يلاحظه الباحث المتأمل أن الفقه السياسي لم ينل حقه من الدراسة والاهتمام في موروثنا الفقهي مقارنة بفقه آداب قضاء الحاجة وفقه الحيض والنفاس ونحو ذلك من الأبواب التي قُتلت بحثاً ومتوناً وحواشياً وشروحات، فمع اندلاع فتنة الصراع في أواخر عصر الخلافة الراشدة وظهور الجبرية الملكية أصبح الحديث عن التأصيل للفقه السياسي مغامرة غير محسوبة العواقب، ولهذا صار الحديث عن فقه الأحكام السلطانية مجيراً لتبرير الواقع التاريخي والدفاع عن الممارسات السائدة وغاب الحديث عن فقه الحرية وفقه الشورى لتزدان الكتب الفقهية بأحكام العبيد والإماء.
ومما عمّق في نفسي الإحساس بغربة الفقه السياسي خيبة الأمل التي اعترتني وأنا أبحث في مكتبات العاصمة صنعاء عن الكتاب المشار إليه في مستهل هذه التناولة كتاب “الغصون اليانعة المياسة بأدلة أحكام السياسة” لأحد أعلام المدرسة الفقهية اليمنية، في القرن الحادي عشر الهجري العلامة أحمد بن عبد الله بن حبش الصنعاني الزيدي المتوفي سنة 1080هـ ، فلم أجد له أثراً وازداد إحساسي بغربة هذا الفقه حين اكتشفت أن الكثير من الأكاديميين وأهل العلم وبعض المتخصصين بالمذهب الزيدي يجهلون حتى اسم هذا المصنف ورغم عثوري على الكتاب في معرض الكتاب الاخير مطبوعاً ومحققاً في إحدى دور النشر المصرية لم أعثر حتى كتابة هذه السطور على ترجمة للمؤلف.
بدأت قصتي مع هذا الكتاب أثناء قراءتي لدراسة حول الاتصال والانفصال بين الفقه السياسي والفكر السياسي للدكتور نصر محمد عارف أستاذ العلوم السياسية المشارك ـ جامعة القاهرة ورئيس قسم الدراسات الإسلامية- في جامعة زايد الإمارات العربية المتحدة وهو ينتقد محاولات التأصيل للفقه السياسي من خلال تسويغ الممارسة القائمة وتوظيف أدلة أصول الفقه في التأصيل السياسي وتجاهل معظم مداخل وقضايا أصول الفقه الأخرى كالمصلحة المرسلة وكالمقاصد العليا باعتبارها من المداخل التي إن وظفت في التحليل السياسي سوف تقوده إلى مزيد من النضج والتطور والانفتاح على متغيرات العصر ومستجدات المجتمعات البشرية.وشد انتباهي انتقاد الدكتور نصر لتوسع الصنعاني في استخدام قاعدة سد الذريعة في كتابه” الغصون المياسة في أدلة أحكام السياسة” ظننت للوهلة الأولى أنه يعني بالصنعاني إبن الأمير الصنعاني،وبعد البحث والتحري تبين لي أن هذا العنوان لا يندرج ضمن مصنفات ابن الأمير وبحثت في مصنفات عبد الرزاق الصنعاني ومعمر بن راشد فلم أجد له أثراً وقادني البحث بواسطة الإنترنت إلى التعرف على اسم مؤلف الكتاب وتأكد لي بعد ذلك أن المخطوط الأصل للكتاب محفوظ في دار الكتب المصرية وقد قام أحد الباحثين المصريين بتحقيقه-أيمن البحيري- وقد طبع الكتاب بتحقيق البحيري في دار الآفاق العربية في القاهرة، وعلمت مؤخراً أن الكتاب أصبح مادة لأطروحة دكتوراه في جامعة الجزائر.
وفي سياق اطلاعي على مقتطفات من كتاب “في مصادر التراث السياسي الإسلامي” للأستاذ نصر محمد عارف وجدته يثني على هذا الكتاب «الغصون المياسة بأدلة أحكام السياسة” ثناءً كبيراً إذ وصفه في معرض ثنائه أنه “كتاب مهم للغاية؛ لأنه يقدم منهجاً جديداً في تناول الظاهرة السياسية في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، وذلك من خلال الربط بين علم أصول الفقه وعلم السياسة، ويدرس الثاني بمداخل الأول باعتبار علم أصول الفقه اقترب منهجياً لدراسة الظاهرة السياسية”.
وبعد إخفاقي في العثور على الكتاب في مكتباتنا اليمنية تمكنت من شرائه في معرض الكتاب من نفس الدار الناشرة (الآفاق العربية).
يندرج كتاب الغصون في مباحث منهج دراسة أصول وأدلة السياسة الشرعية من خلال مقاربتها مع أصول وقواعد أصول الفقه الإسلامي ويعتمد هذا المنهج على ذكر الأدلة والأصول التي تدل على العمل بالسياسة الشرعية لاستنباط الأحكام التي تدبر بها شؤون الأمة في الوقائع التي لم ينص على حكمها، أو التي تتغير تبعاً لتغير الأزمنة والأمكنة والمجتمعات.فاستنباط أحكام السياسة الشرعية يقوم على أسسٍ وقواعد.
اعترفت بها الشريعة لصلاحيتها لقيام الأحكام عليها واستنباط الأحكام بواسطتها، مثل : المصالح المرسلة وسد الذرائع، والعرف، والاستحسان.
وشروط العمل بالسياسة الشرعية، وطرق استنباط أحكام السياسة الشرعية والأسس التي تقوم عليها السياسة الشرعية ذكرها الفقهاء ضمن سياق ذكر الفروع الفقهية المندرجة في السياسة الشرعية، ولم يفردوا كتباً مفردة.
ويعد كتاب الغصون المياسة من الكتب المتميزة التي تفردت بهذا التناول للسياسة الشرعية.
نظم المؤلف أحمد بن عبد الله بن حبش الصنعاني الزيدي الكتاب على مداخل أصول الفقه وقضاياه وبدأه بمقدمة تضمنت عدداً من القواعد الفقهية ذات العلاقة بأهمية الإمامة وقواعد العدل والحكمة وقسم السياسة إلى خمسة أنواع، نبوية تقاد بالوحي، وملوكية تتعلق بحفظ الشريعة، وعامة وهي الرياسة على الجماعات وخاصة وهي تدبير الأهل، وذاتية وهي تدبير النفس، ثم ذكر أصول الفقه وأدلته المتفق عليها والمختلف فيها من عرف واستحسان واستصلاح ورفع حرج ومصلحة مرسلة وسد للذرائع، وعرض علم السياسة من خلال هذه المداخل في خمسين غصناً لكل غصن موضوع ومدخل. وفي سياق تبريره للإمامة أشار المؤلف إلى اتفاق علماء المعقول والمنقول في أحكام السياسات إلى أن التظالم واقع بين الناس تطبعاً ولا يتم دفعه إلا برئيس ولأن دفع التظالم واجب عقلاً وجبت على المسلمين إمامة رئيس لذلك” وأشار المؤلف في هذا السياق إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام “ لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف فيها حقها غير متعتع” وأشار إلى دخول النبي عليه الصلاة والسلام في حلف الفضول وقوله «لقد دعيت إلى حلف في الجاهلية لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبته،ولم يزده الإسلام إلا قوة»
وقد صنف المؤلف الكتاب إجابة عن سؤال أشار إليه في مقدمة كتابه: (وبعد فهذا الكتاب الغصون المياسة اليانعة بأدلة أحكام السياسة الذي يفعلها الأئمة الأعلام وأس الرياسة أوجب تأليفها على قصر باع وقلة اطلاع ما أورده القائل- وأشار إلى سؤال ورده حول سبب تنزه أمير صنعاء الإمام محمد بن إسماعيل بن القاسم عن السياسات والتأديبات بالمال).
ثم قال بعد المقدمة: (والجواب والله الموفق في مجموع أغصان أو واحد منها والأخريات على جهة الإيضاح والبيان والله المستعان.
وبدأ بسرد إجابته على السائل في أغصان تضمنت تأصيلات أصولية للإجتهادات السياسية في أمور الدولة مبتدئاً بالغصن الأول ومختتماً بالغصن الخمسين.
وقد أشار بعض الباحثين المعاصرين إلى بعض الكتب المعاصرة التي سارت على منوال كتاب الغصون المياسة ومنها كتاب ( السياسة الشرعية والفقه الإسلامي) لشيخ الأزهر عبد الرحمن تاج وقسم تاج كتابه أبواباً تناولت ما يلزم من الاحتياط وقصد العدالة في تطبيق أحكام السياسة وبيان وفاء الإسلام بمصالح الناس في كل زمان ومكان وذكر الأدلة على الاعتداد بأحكام السياسة الشرعية كقاعدة من الذرائع والعرف والاستحسان.
وتطرق الكتاب لذكر اجتهاد الرسول وتصرفاته السياسية، وأمثلة من اجتهادات بعض الخلفاء الراشدين.
ومن الكتب المعاصرة التي سارت على منهج الصنعاني كتاب المدخل إلى السياسة الشرعية للشيخ عبد العال أحمد عطوة تطرق الكتاب إلى طرق استنباط الأحكام السياسية و حجية العمل بالسياسة الشرعية واعتبار العمل بها، والأسس التي تقوم عليها السياسة الشرعية مع ذكر الفرق بين البدع والمصالح المرسلة.
ويتميز كتاب الغصون المياسة وسائر الكتب التي سارت على نهجه في مقاربة السياسة الشرعية بأدلة أصول الفقه بخصائص ومميزات لخصها بعض الباحثين كما يلي:
أولاً: إفراد أسس وشروط العمل بالسياسة الشرعية، مع بيان طرق استنباط أحكام السياسة الشرعية.
ثانياً: التأكيد على حجية العمل بالسياسة الشرعية واعتبار العمل بها.
ثالثاً: في مؤلفات هذا المنهج توضيح مدلول السياسة الشرعية عند العلماء، وذكر اتجاهاتهم في تعريف السياسة الشرعية، مع بيان ما يترجح من مدلول السياسة الشرعية بناء على مجالات السياسة الشرعية.
رابعاً: من خصائص هذا المنهج التأكيد على الفرق بين السياسة الشرعية والسياسة الوضعية وبيان أمثلة ذلك .
خامساً: بيان أحكام الرسول وتصرفاته السياسية، مع بيان أمثلة لاجتهادات الخلفاء الراشدين من الناحية السياسية.
سادساً: التأكيد على وفاء الإسلام بفقهه وسياسته بمصالح الناس في كل مكان وزمان.
*الجمهورية نت
مجيب الحميدي
وتتضح أهمية دراسة النظرية السياسية الزيدية عندما نلحظ بأن هذه النظرية تكاد تكون هي النظرية الوحيدة في تاريخنا الإسلامي التي استطاعت أن تشق طريقها إلى الواقع العملي بتصور نظري يسبق تجسدها الواقعي ويحدد مساراته مستفيداً من اعتمالات الواقع في تسديد النظرية واكتشاف جوانب الخلل ومحاولة معالجتها، في حين ظلت النظريات الإسلامية الأخرى تُؤصل للتعامل مع صيغ واقعية فرضت نفسها بقانون القوة والتغلب أو تغرق في التنظيرات الغيبية للأئمة المعصومين والإمام المنتظر.
ومما يلاحظه الباحث المتأمل أن الفقه السياسي لم ينل حقه من الدراسة والاهتمام في موروثنا الفقهي مقارنة بفقه آداب قضاء الحاجة وفقه الحيض والنفاس ونحو ذلك من الأبواب التي قُتلت بحثاً ومتوناً وحواشياً وشروحات، فمع اندلاع فتنة الصراع في أواخر عصر الخلافة الراشدة وظهور الجبرية الملكية أصبح الحديث عن التأصيل للفقه السياسي مغامرة غير محسوبة العواقب، ولهذا صار الحديث عن فقه الأحكام السلطانية مجيراً لتبرير الواقع التاريخي والدفاع عن الممارسات السائدة وغاب الحديث عن فقه الحرية وفقه الشورى لتزدان الكتب الفقهية بأحكام العبيد والإماء.
ومما عمّق في نفسي الإحساس بغربة الفقه السياسي خيبة الأمل التي اعترتني وأنا أبحث في مكتبات العاصمة صنعاء عن الكتاب المشار إليه في مستهل هذه التناولة كتاب “الغصون اليانعة المياسة بأدلة أحكام السياسة” لأحد أعلام المدرسة الفقهية اليمنية، في القرن الحادي عشر الهجري العلامة أحمد بن عبد الله بن حبش الصنعاني الزيدي المتوفي سنة 1080هـ ، فلم أجد له أثراً وازداد إحساسي بغربة هذا الفقه حين اكتشفت أن الكثير من الأكاديميين وأهل العلم وبعض المتخصصين بالمذهب الزيدي يجهلون حتى اسم هذا المصنف ورغم عثوري على الكتاب في معرض الكتاب الاخير مطبوعاً ومحققاً في إحدى دور النشر المصرية لم أعثر حتى كتابة هذه السطور على ترجمة للمؤلف.
بدأت قصتي مع هذا الكتاب أثناء قراءتي لدراسة حول الاتصال والانفصال بين الفقه السياسي والفكر السياسي للدكتور نصر محمد عارف أستاذ العلوم السياسية المشارك ـ جامعة القاهرة ورئيس قسم الدراسات الإسلامية- في جامعة زايد الإمارات العربية المتحدة وهو ينتقد محاولات التأصيل للفقه السياسي من خلال تسويغ الممارسة القائمة وتوظيف أدلة أصول الفقه في التأصيل السياسي وتجاهل معظم مداخل وقضايا أصول الفقه الأخرى كالمصلحة المرسلة وكالمقاصد العليا باعتبارها من المداخل التي إن وظفت في التحليل السياسي سوف تقوده إلى مزيد من النضج والتطور والانفتاح على متغيرات العصر ومستجدات المجتمعات البشرية.وشد انتباهي انتقاد الدكتور نصر لتوسع الصنعاني في استخدام قاعدة سد الذريعة في كتابه” الغصون المياسة في أدلة أحكام السياسة” ظننت للوهلة الأولى أنه يعني بالصنعاني إبن الأمير الصنعاني،وبعد البحث والتحري تبين لي أن هذا العنوان لا يندرج ضمن مصنفات ابن الأمير وبحثت في مصنفات عبد الرزاق الصنعاني ومعمر بن راشد فلم أجد له أثراً وقادني البحث بواسطة الإنترنت إلى التعرف على اسم مؤلف الكتاب وتأكد لي بعد ذلك أن المخطوط الأصل للكتاب محفوظ في دار الكتب المصرية وقد قام أحد الباحثين المصريين بتحقيقه-أيمن البحيري- وقد طبع الكتاب بتحقيق البحيري في دار الآفاق العربية في القاهرة، وعلمت مؤخراً أن الكتاب أصبح مادة لأطروحة دكتوراه في جامعة الجزائر.
وفي سياق اطلاعي على مقتطفات من كتاب “في مصادر التراث السياسي الإسلامي” للأستاذ نصر محمد عارف وجدته يثني على هذا الكتاب «الغصون المياسة بأدلة أحكام السياسة” ثناءً كبيراً إذ وصفه في معرض ثنائه أنه “كتاب مهم للغاية؛ لأنه يقدم منهجاً جديداً في تناول الظاهرة السياسية في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، وذلك من خلال الربط بين علم أصول الفقه وعلم السياسة، ويدرس الثاني بمداخل الأول باعتبار علم أصول الفقه اقترب منهجياً لدراسة الظاهرة السياسية”.
وبعد إخفاقي في العثور على الكتاب في مكتباتنا اليمنية تمكنت من شرائه في معرض الكتاب من نفس الدار الناشرة (الآفاق العربية).
يندرج كتاب الغصون في مباحث منهج دراسة أصول وأدلة السياسة الشرعية من خلال مقاربتها مع أصول وقواعد أصول الفقه الإسلامي ويعتمد هذا المنهج على ذكر الأدلة والأصول التي تدل على العمل بالسياسة الشرعية لاستنباط الأحكام التي تدبر بها شؤون الأمة في الوقائع التي لم ينص على حكمها، أو التي تتغير تبعاً لتغير الأزمنة والأمكنة والمجتمعات.فاستنباط أحكام السياسة الشرعية يقوم على أسسٍ وقواعد.
اعترفت بها الشريعة لصلاحيتها لقيام الأحكام عليها واستنباط الأحكام بواسطتها، مثل : المصالح المرسلة وسد الذرائع، والعرف، والاستحسان.
وشروط العمل بالسياسة الشرعية، وطرق استنباط أحكام السياسة الشرعية والأسس التي تقوم عليها السياسة الشرعية ذكرها الفقهاء ضمن سياق ذكر الفروع الفقهية المندرجة في السياسة الشرعية، ولم يفردوا كتباً مفردة.
ويعد كتاب الغصون المياسة من الكتب المتميزة التي تفردت بهذا التناول للسياسة الشرعية.
نظم المؤلف أحمد بن عبد الله بن حبش الصنعاني الزيدي الكتاب على مداخل أصول الفقه وقضاياه وبدأه بمقدمة تضمنت عدداً من القواعد الفقهية ذات العلاقة بأهمية الإمامة وقواعد العدل والحكمة وقسم السياسة إلى خمسة أنواع، نبوية تقاد بالوحي، وملوكية تتعلق بحفظ الشريعة، وعامة وهي الرياسة على الجماعات وخاصة وهي تدبير الأهل، وذاتية وهي تدبير النفس، ثم ذكر أصول الفقه وأدلته المتفق عليها والمختلف فيها من عرف واستحسان واستصلاح ورفع حرج ومصلحة مرسلة وسد للذرائع، وعرض علم السياسة من خلال هذه المداخل في خمسين غصناً لكل غصن موضوع ومدخل. وفي سياق تبريره للإمامة أشار المؤلف إلى اتفاق علماء المعقول والمنقول في أحكام السياسات إلى أن التظالم واقع بين الناس تطبعاً ولا يتم دفعه إلا برئيس ولأن دفع التظالم واجب عقلاً وجبت على المسلمين إمامة رئيس لذلك” وأشار المؤلف في هذا السياق إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام “ لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف فيها حقها غير متعتع” وأشار إلى دخول النبي عليه الصلاة والسلام في حلف الفضول وقوله «لقد دعيت إلى حلف في الجاهلية لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبته،ولم يزده الإسلام إلا قوة»
وقد صنف المؤلف الكتاب إجابة عن سؤال أشار إليه في مقدمة كتابه: (وبعد فهذا الكتاب الغصون المياسة اليانعة بأدلة أحكام السياسة الذي يفعلها الأئمة الأعلام وأس الرياسة أوجب تأليفها على قصر باع وقلة اطلاع ما أورده القائل- وأشار إلى سؤال ورده حول سبب تنزه أمير صنعاء الإمام محمد بن إسماعيل بن القاسم عن السياسات والتأديبات بالمال).
ثم قال بعد المقدمة: (والجواب والله الموفق في مجموع أغصان أو واحد منها والأخريات على جهة الإيضاح والبيان والله المستعان.
وبدأ بسرد إجابته على السائل في أغصان تضمنت تأصيلات أصولية للإجتهادات السياسية في أمور الدولة مبتدئاً بالغصن الأول ومختتماً بالغصن الخمسين.
وقد أشار بعض الباحثين المعاصرين إلى بعض الكتب المعاصرة التي سارت على منوال كتاب الغصون المياسة ومنها كتاب ( السياسة الشرعية والفقه الإسلامي) لشيخ الأزهر عبد الرحمن تاج وقسم تاج كتابه أبواباً تناولت ما يلزم من الاحتياط وقصد العدالة في تطبيق أحكام السياسة وبيان وفاء الإسلام بمصالح الناس في كل زمان ومكان وذكر الأدلة على الاعتداد بأحكام السياسة الشرعية كقاعدة من الذرائع والعرف والاستحسان.
وتطرق الكتاب لذكر اجتهاد الرسول وتصرفاته السياسية، وأمثلة من اجتهادات بعض الخلفاء الراشدين.
ومن الكتب المعاصرة التي سارت على منهج الصنعاني كتاب المدخل إلى السياسة الشرعية للشيخ عبد العال أحمد عطوة تطرق الكتاب إلى طرق استنباط الأحكام السياسية و حجية العمل بالسياسة الشرعية واعتبار العمل بها، والأسس التي تقوم عليها السياسة الشرعية مع ذكر الفرق بين البدع والمصالح المرسلة.
ويتميز كتاب الغصون المياسة وسائر الكتب التي سارت على نهجه في مقاربة السياسة الشرعية بأدلة أصول الفقه بخصائص ومميزات لخصها بعض الباحثين كما يلي:
أولاً: إفراد أسس وشروط العمل بالسياسة الشرعية، مع بيان طرق استنباط أحكام السياسة الشرعية.
ثانياً: التأكيد على حجية العمل بالسياسة الشرعية واعتبار العمل بها.
ثالثاً: في مؤلفات هذا المنهج توضيح مدلول السياسة الشرعية عند العلماء، وذكر اتجاهاتهم في تعريف السياسة الشرعية، مع بيان ما يترجح من مدلول السياسة الشرعية بناء على مجالات السياسة الشرعية.
رابعاً: من خصائص هذا المنهج التأكيد على الفرق بين السياسة الشرعية والسياسة الوضعية وبيان أمثلة ذلك .
خامساً: بيان أحكام الرسول وتصرفاته السياسية، مع بيان أمثلة لاجتهادات الخلفاء الراشدين من الناحية السياسية.
سادساً: التأكيد على وفاء الإسلام بفقهه وسياسته بمصالح الناس في كل مكان وزمان.
*الجمهورية نت