محمد علي الحلبي
عوّدني ولعي وحبّي للغتنا العربية والكلم فيها أن أعود من حين لآخر إلى المعاجم لانتقاء كلمة تضم وتحوي عمق ما أقصده أثناء كتاباتي، وفي بحثي عن وصف لوضعنا العربي بمجمله فلم أجد غير كلمة شناعة بكل ما فيها من عمق المعنى لألحقه به.
الوضع العربي المشنّأ
والمشنّأ مثل المشنع، والشناعة في معجم (تاج العروس من جواهر القاموس) هي الفظاعة، وهي في معجم (الصحاح) تعني البغض، وفي ذات التوجه فهي تعني القبح في معجم (جمهرة اللغة) والحقيقة الجليّة الواضحة أن الوضع العربي في أعلى سلم مراتب الشناعة إن كان لها تصنيف القتل اليومي بالمئات في العديد من الأقطار العربية، والمشهد الكارثي فيها بأنها بين أبناء البلد الواحد لا نتيجة عدوان خارجي، والصراعات العنيفة نزلت إلى الشوارع، والشعارات تتكاثر وتتراكم، وصعبٌ حصرها وفهم ما يُراد من بعضها بدقة وعلمية، بل لنقل بأمانة أن أغلبها تعبّر عن انفعالات جماهيرية حاملة آلامها مشيرة إلى واقع أصبح من الندرة أن تجد فيه إشراقه لغدٍ أفضل...
الأوضاع الاقتصادية تشير معلوماتها الرقمية إلى تدنٍ مستمر، وأبواب الآمال في تحسينها وتحسنها مغلقة دونها، والأحوال المعيشية للإنسان العربي تتدحرج من سيء إلى أسوأ، ومثلها جميع الخدمات حتى حصلت الفترة المعاصرة على لقب التقهقر والتراجع عن جدارة.
والسمات المميزة للأنظمة المسيطرة على الحكم في هذه الظروف أنها:
1- استبدادية ولا مجال للرأي فيها وإن تعددت مسمياتها من ثورية إلى جماهيرية، أو ملكية، أو إمارة، أو سلطنة.
2- الفساد منتشر فيها جميعها، فقد حازت أغلب الأقطار على درجات متدنية في سلم التسلسل العالمي لمنظمة الشفافية العالمية فكانت الصومال والسودان الدولتان الأكثر فساداً في سلم التصنيف العالمي حيث جاءتا في المركز بين 174- 173 إنما الإمارات العربية وقطر فكانتا أقل البلدان العربية في هذا المجال فحازتا وتشاركتا في التصنيف 27.
3- الدساتير الناظمة لجميع نواحي الحياة مصانة ولا تغيير إلا نادراً لكن التغيير يكون سريعاً في تمديد فترات جديدة لرئاسات الجمهورية ولو كان البعض من الرؤساء مصاب بمرض عضال، وغاب عن مهامه فترة طال أمدها.
4- السجون والمعتقلات عديدة، والرأي المعلب والمغلف بمقدسات الحرمان، والمنع كثير... كثير ويحتاج ذلك إلى مقالات ودراسات.
5- حفاظ كل الأنظمة على الصيغ الاجتماعية المرضية لمجتمعاتها كالعشائرية، القبلية، الطائفية، والإثنية، لا بل تعزيزها والاستفادة أحياناً من بعض تناقضاتها.
إنها الأنظمة السابقة بشموليتها ما رحل منها، وما بقي وتحت أي اسم سُميت به، فالتسميات عديدة ومتنوعة تتلاقى في النهاية عند رمز واحد حكم الفرد والأسرة، والبقية الباقية من المواطنين لا دور لهم سوى التسبيح وتمجيد القيادات، باحثة في سراديب التيه عن مستقبلها...
أمن تجنٍ في ذلك، أم مبالغة وشطط في الوصف؟!... إطلاقاً، فعماد الحياة بكل صنوفها التطور، لكن ما توافقت وتواعدت الأنظمة القائمة عليه ومارسته ففيه بعض من الرتوش، والزيف، والتزيين لا تمس (كنه البيئة الاجتماعية) وهذه البنية كما عرفت في ’’الموسوعة الشاملة’’ بأنها الإطار التنظيمي العام الذي تندرج فيه كافة أوجه السلوك الإنساني في مجتمع ما، أو هي مجموعة الأطر التنظيمية التي تنظم في إطارها كافة العلاقات الإنسانية سواء تلك العلاقات البينية بين الأفراد بعضهم لبعض، أو علاقتهم داخل المجتمع، وبالتالي ينجم عن ذلك نظم اجتماعية قديمة وحديثة: نظام العائلة، أو القرابة، والنظام السياسي ونظام معتقدات، ونظام اقتصادي، والتغيير الاجتماعي يمس جانب الحياة سواء المادية، أو المعنوية، ويمس القيم والعادات، وهو عملية اجتماعية في صورة فترة زمنية محددة نتيجة عوامل ثقافية، اجتماعية، اقتصادية، وسياسية، وهو المؤكد الدال على وجود الموجود، وهذه فكرة قديمة قدم الفلسفة اليونانية القديمة، كما وأن التغيير يقع في التنظيم سواء في بنيانه، أو في وظائفه خلال فترة زمنية محددة، وهذه النقطة بالذات عبّر عنها المفكر ’’مالز’’ بقوله: ’’إن التغيير الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على القيم الاجتماعية بقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي فترة معينة من الزمن’’.
والمفكر ’’روجرز’’ يعرف التغيير: ’’العملية التي يحدث من خلالها تغيير وتبديل البنيان والوظيفة الاجتماعية للنظم الاجتماعية، وقد يحدث ذلك من خلال المخترعات والمبتكرات الجديدة ومنها ما يحدث بسبب الفيضانات، والحروب، والثورات الداخلية كما تكون عملية التغيير مخططة أو غير مخططة، وكذلك يكون مصدرها داخلي، أو خارجي لكن المفكر الأمريكي ’’روبرت فيست’’ يبعث روح التجديد نحو الأفضل في التغيير إذ قال عام 1982 لابد للتغيير من وجود فكرة الزمن الذي لا يقبل الرجوع لأنه سائر من الماضي عبر الحاضر إلى المستقبل بشكل مستمر، ويتضمن الاستمرار، وفي ذلك فكرة الصيرورة التراكمية التي تتقدم خطوة إثر خطوة بشكل تدريجي ومتسلسل بأسلوب ثوري يقفز قفزات نوعية تتحسن مع الزمن فكل قفزة تكون أفضل من السابقة.
لقد تخطى باحثون عرب الجانب النظري، ونظروا إلى صلب الموضوع والمشكلة راسمين وواضعين الحلول... الكل يعرف مدى التخلف في البنية الاجتماعية في اليمن نتيجة الحكم السابق الطالح لكن المفكرة ’’أروى أبو بكر مبارك بكران’’ تناولت الحلول المطلوبة لتطوير الواقع اليمني وما فيه من تخلخلات (شمالي وجنوبي... حيثيون وقبائل وعشائر) وعنونت بحثها باقتصاد المعرفة وتأثيره في السياسة الاقتصادية في الجمهورية اليمنية منطلقة من أهمية التنمية الاقتصادية في عملية تغيير للبنى الاجتماعية قائلة ’’أهمية المعرفة والمعلوماتية والحصول عليها أهم من الحصول على الهبات الوقتية والمساعدات الخارجية، وفي رأيها أن الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا، وفي غيابها نجد المجتمع موغلا ًفي الفساد السياسي، وتذبذبات الأداء الاقتصادي، وتدهور الوضع الاجتماعي، وتسأل في ذات الوقت هل هناك مقدمات حقيقية لبناء اقتصاد المعرفة في البحث وتغيير بنية الاقتصاد اليمني؟!... وتتوصل إلى الحل المتركز في أهم مقومات التنمية الإنسانية البشرية ألا وهو التعليم، وتطوير مناهجه في هذا المجال مركزّة بشكل أساسي قوي لنجاح الفكرة فعلى مستوى الوطن العربي، فالمؤسسات العلمية للبحث والتطوير وتقنية الإنتاج، وتعاونها جميعاً ستوفر بلا شك قدرات جديدة للعلماء والباحثين، ورفدها بإمكانات مادية متعاظمة، لا بل لابد أن يزيد من إنتاجها، ويؤمّن فرص إبداع جديدة للعلماء، ويحافظ عليهم في بلدانهم، وعدم هجرتهم إلى خارجها، وضعف الاتفاق على هذا الجانب المنير ضئيل حيث لا تتجاوز نسبته 0.2% من الناتج القومي بالقياس مع 5% في الدول المتقدمة، وتعرج المفكرة على تأكيد أهمية الثقافة العربية الإسلامية على التجاوب مع متطلبات البحث العلمي بما تحويه من مقومات أساسية لتأسيس نموذج اقتصادي عربي يحض على المعرفة، وهي ذات بعد إقليمي، بعد الاستراتيجي ذلك يدفع نحو بنية اقتصادية عربية تحض على المعرفة ضمن التكتلات الإقليمية الدولية الراهنة.
والأرقام والإحصائيات تشير إلى أن الاقتصاد اليمني يتصف بضعف في بنيته نتيجة اعتماده المتزايد على العائدات النفطية إلى جانب تخلف القطاع الأساسي (الزراعة) المعتمد عليه 75% من السكان، ويساهم ﺑ20% من الإنتاج المحلي الإجمالي وضعف في قطاعات الاقتصاد الأخرى لضعف التنظيم والإدارة، وشح الموارد المالية، وهكذا تصل إلى نتيجة حتمية حول ضرورات تعديل وتغيير للبنى الاجتماعية عبر التنمية الاقتصادية العاجلة و، تطوير المناهج الدراسية لتلائم التنمية الاقتصادية أي عدم الاكتفاء باستخدام التكنولوجيا بجميع وسائلها وأهدافها، بل المشاركة في اختراعها وتصنيعها، والترويج لها وتسويقها في شمولية المهام، وشمولية العدالة والتوزيع.
والنموذج العربي الآخر لليمن الذي يصدح بكل ما في العيوب من معانٍ والمهازل والمآسي هو القطر الليبي حيث أمسك الرئيس القذافي (الثائر) ومنذ منتصف القرن الماضي وحتى ثلاث سنين مضت من القرن الحالي زمام الأمور هو وعشيرته، وأبناء أسرته، وساعده في السلطة والأمن، بعض من رموز العشائر والقبائل الأخرى لكن ورغم كل الخطب الثورية والنظرية الثالثة للقذافي، والشعارات والإنجازات الورقية، وهدر لثروات البلد ونهبٍ لها، وتوزيعها كيفما كان وإن بشكل كيفي، وعدم إيلاء التنمية الاقتصادية والبشرية أية أهمية تراجعت ليبيا أكثر، وأكثر رغم ضخامة دخلها من النفط الخام المباع، وكذلك الغاز فاحتياطي النفط المؤكد عام 2007 وصل إلى1.5 مليار برميل، ومعدل إنتاج الغاز الطبيعي تقديرات 2006 وصل إلى 399 ألف متر مكعب، وإجمالي الإنتاج اليومي 160 مليون دولار عام 2009، كما وأن معدل دخل الفرد النظري من الثروة الوطنية 4400 دينارا ليبيا... لكن نسبة البطالة وصلت إلى 27% وترتفع أحياناً في القرى والريف إلى 44% في حين أن الميزان التجاري رغم ضخامة حجم الاستيراد فقد حقق فائضاً لصالح ليبيا بمقدار 7.8 مليار دولار، وكما قلنا أن المليارات من الثروة هُدرت، أو أصابها عمق الفساد الذي تنعمت به الأسرة الحاكمة، ومن لفّ لفيفها، وأعانها على الظلم والاستبداد، والبنية الاجتماعية كان من الطبيعي أن لا يصيبها أي تغيير، بل تمركزت الأمراض المرافقة لها وبمكوناتها، وهذا ما نراه من تخبط بعد الثورة علماً بأن عدد سكان ليبيا كان سنة 1931 بحدود 704 آلاف نسمة، وبلغ في آخر إحصاء 5.658 مليون عام 2006، والطبيعة التاريخية لهذا البلد، وما تعرض له من هجمات عدة عبر التاريخ قديمه وحديثه فقد بلغ عدد العرقيات فيه خمسة بربر، عرب، وكرافلة الذين ينقسمون إلى تزكمان، أكراد، شركس، ألبان، ليبور، والأوروبيون، وسكان إقليم فزان كما وأن عدد قبائله وصل إلى 13 قبيلة منها الزنتان، القذاذفة، الطوارق، والورفلة، وما يجب ذكره هنا أن هذا البلد دفع حوالي 80 ألف شهيد إبان الاحتلال الإيطالي ونضاله ليحصل على حريته.
السؤال المطروح أمن أمل يشرق مجدداً؟!... والجواب المضيء نعم مادام الحال من المحال، والرجاء معقودة نواصيه بالثورات الجديدة للانتهاء وبسرعة من مرحلة الثورة إلى مرحلة التثوير والتطوير... والتثوير بحث، علم، معرفة، وعمل لمصلحة الجميع في البدء بتغيير للبنى الاجتماعية في إطار تعاون قومي وثوري.
عوّدني ولعي وحبّي للغتنا العربية والكلم فيها أن أعود من حين لآخر إلى المعاجم لانتقاء كلمة تضم وتحوي عمق ما أقصده أثناء كتاباتي، وفي بحثي عن وصف لوضعنا العربي بمجمله فلم أجد غير كلمة شناعة بكل ما فيها من عمق المعنى لألحقه به.
الوضع العربي المشنّأ
والمشنّأ مثل المشنع، والشناعة في معجم (تاج العروس من جواهر القاموس) هي الفظاعة، وهي في معجم (الصحاح) تعني البغض، وفي ذات التوجه فهي تعني القبح في معجم (جمهرة اللغة) والحقيقة الجليّة الواضحة أن الوضع العربي في أعلى سلم مراتب الشناعة إن كان لها تصنيف القتل اليومي بالمئات في العديد من الأقطار العربية، والمشهد الكارثي فيها بأنها بين أبناء البلد الواحد لا نتيجة عدوان خارجي، والصراعات العنيفة نزلت إلى الشوارع، والشعارات تتكاثر وتتراكم، وصعبٌ حصرها وفهم ما يُراد من بعضها بدقة وعلمية، بل لنقل بأمانة أن أغلبها تعبّر عن انفعالات جماهيرية حاملة آلامها مشيرة إلى واقع أصبح من الندرة أن تجد فيه إشراقه لغدٍ أفضل...
الأوضاع الاقتصادية تشير معلوماتها الرقمية إلى تدنٍ مستمر، وأبواب الآمال في تحسينها وتحسنها مغلقة دونها، والأحوال المعيشية للإنسان العربي تتدحرج من سيء إلى أسوأ، ومثلها جميع الخدمات حتى حصلت الفترة المعاصرة على لقب التقهقر والتراجع عن جدارة.
والسمات المميزة للأنظمة المسيطرة على الحكم في هذه الظروف أنها:
1- استبدادية ولا مجال للرأي فيها وإن تعددت مسمياتها من ثورية إلى جماهيرية، أو ملكية، أو إمارة، أو سلطنة.
2- الفساد منتشر فيها جميعها، فقد حازت أغلب الأقطار على درجات متدنية في سلم التسلسل العالمي لمنظمة الشفافية العالمية فكانت الصومال والسودان الدولتان الأكثر فساداً في سلم التصنيف العالمي حيث جاءتا في المركز بين 174- 173 إنما الإمارات العربية وقطر فكانتا أقل البلدان العربية في هذا المجال فحازتا وتشاركتا في التصنيف 27.
3- الدساتير الناظمة لجميع نواحي الحياة مصانة ولا تغيير إلا نادراً لكن التغيير يكون سريعاً في تمديد فترات جديدة لرئاسات الجمهورية ولو كان البعض من الرؤساء مصاب بمرض عضال، وغاب عن مهامه فترة طال أمدها.
4- السجون والمعتقلات عديدة، والرأي المعلب والمغلف بمقدسات الحرمان، والمنع كثير... كثير ويحتاج ذلك إلى مقالات ودراسات.
5- حفاظ كل الأنظمة على الصيغ الاجتماعية المرضية لمجتمعاتها كالعشائرية، القبلية، الطائفية، والإثنية، لا بل تعزيزها والاستفادة أحياناً من بعض تناقضاتها.
إنها الأنظمة السابقة بشموليتها ما رحل منها، وما بقي وتحت أي اسم سُميت به، فالتسميات عديدة ومتنوعة تتلاقى في النهاية عند رمز واحد حكم الفرد والأسرة، والبقية الباقية من المواطنين لا دور لهم سوى التسبيح وتمجيد القيادات، باحثة في سراديب التيه عن مستقبلها...
أمن تجنٍ في ذلك، أم مبالغة وشطط في الوصف؟!... إطلاقاً، فعماد الحياة بكل صنوفها التطور، لكن ما توافقت وتواعدت الأنظمة القائمة عليه ومارسته ففيه بعض من الرتوش، والزيف، والتزيين لا تمس (كنه البيئة الاجتماعية) وهذه البنية كما عرفت في ’’الموسوعة الشاملة’’ بأنها الإطار التنظيمي العام الذي تندرج فيه كافة أوجه السلوك الإنساني في مجتمع ما، أو هي مجموعة الأطر التنظيمية التي تنظم في إطارها كافة العلاقات الإنسانية سواء تلك العلاقات البينية بين الأفراد بعضهم لبعض، أو علاقتهم داخل المجتمع، وبالتالي ينجم عن ذلك نظم اجتماعية قديمة وحديثة: نظام العائلة، أو القرابة، والنظام السياسي ونظام معتقدات، ونظام اقتصادي، والتغيير الاجتماعي يمس جانب الحياة سواء المادية، أو المعنوية، ويمس القيم والعادات، وهو عملية اجتماعية في صورة فترة زمنية محددة نتيجة عوامل ثقافية، اجتماعية، اقتصادية، وسياسية، وهو المؤكد الدال على وجود الموجود، وهذه فكرة قديمة قدم الفلسفة اليونانية القديمة، كما وأن التغيير يقع في التنظيم سواء في بنيانه، أو في وظائفه خلال فترة زمنية محددة، وهذه النقطة بالذات عبّر عنها المفكر ’’مالز’’ بقوله: ’’إن التغيير الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على القيم الاجتماعية بقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي فترة معينة من الزمن’’.
والمفكر ’’روجرز’’ يعرف التغيير: ’’العملية التي يحدث من خلالها تغيير وتبديل البنيان والوظيفة الاجتماعية للنظم الاجتماعية، وقد يحدث ذلك من خلال المخترعات والمبتكرات الجديدة ومنها ما يحدث بسبب الفيضانات، والحروب، والثورات الداخلية كما تكون عملية التغيير مخططة أو غير مخططة، وكذلك يكون مصدرها داخلي، أو خارجي لكن المفكر الأمريكي ’’روبرت فيست’’ يبعث روح التجديد نحو الأفضل في التغيير إذ قال عام 1982 لابد للتغيير من وجود فكرة الزمن الذي لا يقبل الرجوع لأنه سائر من الماضي عبر الحاضر إلى المستقبل بشكل مستمر، ويتضمن الاستمرار، وفي ذلك فكرة الصيرورة التراكمية التي تتقدم خطوة إثر خطوة بشكل تدريجي ومتسلسل بأسلوب ثوري يقفز قفزات نوعية تتحسن مع الزمن فكل قفزة تكون أفضل من السابقة.
لقد تخطى باحثون عرب الجانب النظري، ونظروا إلى صلب الموضوع والمشكلة راسمين وواضعين الحلول... الكل يعرف مدى التخلف في البنية الاجتماعية في اليمن نتيجة الحكم السابق الطالح لكن المفكرة ’’أروى أبو بكر مبارك بكران’’ تناولت الحلول المطلوبة لتطوير الواقع اليمني وما فيه من تخلخلات (شمالي وجنوبي... حيثيون وقبائل وعشائر) وعنونت بحثها باقتصاد المعرفة وتأثيره في السياسة الاقتصادية في الجمهورية اليمنية منطلقة من أهمية التنمية الاقتصادية في عملية تغيير للبنى الاجتماعية قائلة ’’أهمية المعرفة والمعلوماتية والحصول عليها أهم من الحصول على الهبات الوقتية والمساعدات الخارجية، وفي رأيها أن الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا، وفي غيابها نجد المجتمع موغلا ًفي الفساد السياسي، وتذبذبات الأداء الاقتصادي، وتدهور الوضع الاجتماعي، وتسأل في ذات الوقت هل هناك مقدمات حقيقية لبناء اقتصاد المعرفة في البحث وتغيير بنية الاقتصاد اليمني؟!... وتتوصل إلى الحل المتركز في أهم مقومات التنمية الإنسانية البشرية ألا وهو التعليم، وتطوير مناهجه في هذا المجال مركزّة بشكل أساسي قوي لنجاح الفكرة فعلى مستوى الوطن العربي، فالمؤسسات العلمية للبحث والتطوير وتقنية الإنتاج، وتعاونها جميعاً ستوفر بلا شك قدرات جديدة للعلماء والباحثين، ورفدها بإمكانات مادية متعاظمة، لا بل لابد أن يزيد من إنتاجها، ويؤمّن فرص إبداع جديدة للعلماء، ويحافظ عليهم في بلدانهم، وعدم هجرتهم إلى خارجها، وضعف الاتفاق على هذا الجانب المنير ضئيل حيث لا تتجاوز نسبته 0.2% من الناتج القومي بالقياس مع 5% في الدول المتقدمة، وتعرج المفكرة على تأكيد أهمية الثقافة العربية الإسلامية على التجاوب مع متطلبات البحث العلمي بما تحويه من مقومات أساسية لتأسيس نموذج اقتصادي عربي يحض على المعرفة، وهي ذات بعد إقليمي، بعد الاستراتيجي ذلك يدفع نحو بنية اقتصادية عربية تحض على المعرفة ضمن التكتلات الإقليمية الدولية الراهنة.
والأرقام والإحصائيات تشير إلى أن الاقتصاد اليمني يتصف بضعف في بنيته نتيجة اعتماده المتزايد على العائدات النفطية إلى جانب تخلف القطاع الأساسي (الزراعة) المعتمد عليه 75% من السكان، ويساهم ﺑ20% من الإنتاج المحلي الإجمالي وضعف في قطاعات الاقتصاد الأخرى لضعف التنظيم والإدارة، وشح الموارد المالية، وهكذا تصل إلى نتيجة حتمية حول ضرورات تعديل وتغيير للبنى الاجتماعية عبر التنمية الاقتصادية العاجلة و، تطوير المناهج الدراسية لتلائم التنمية الاقتصادية أي عدم الاكتفاء باستخدام التكنولوجيا بجميع وسائلها وأهدافها، بل المشاركة في اختراعها وتصنيعها، والترويج لها وتسويقها في شمولية المهام، وشمولية العدالة والتوزيع.
والنموذج العربي الآخر لليمن الذي يصدح بكل ما في العيوب من معانٍ والمهازل والمآسي هو القطر الليبي حيث أمسك الرئيس القذافي (الثائر) ومنذ منتصف القرن الماضي وحتى ثلاث سنين مضت من القرن الحالي زمام الأمور هو وعشيرته، وأبناء أسرته، وساعده في السلطة والأمن، بعض من رموز العشائر والقبائل الأخرى لكن ورغم كل الخطب الثورية والنظرية الثالثة للقذافي، والشعارات والإنجازات الورقية، وهدر لثروات البلد ونهبٍ لها، وتوزيعها كيفما كان وإن بشكل كيفي، وعدم إيلاء التنمية الاقتصادية والبشرية أية أهمية تراجعت ليبيا أكثر، وأكثر رغم ضخامة دخلها من النفط الخام المباع، وكذلك الغاز فاحتياطي النفط المؤكد عام 2007 وصل إلى1.5 مليار برميل، ومعدل إنتاج الغاز الطبيعي تقديرات 2006 وصل إلى 399 ألف متر مكعب، وإجمالي الإنتاج اليومي 160 مليون دولار عام 2009، كما وأن معدل دخل الفرد النظري من الثروة الوطنية 4400 دينارا ليبيا... لكن نسبة البطالة وصلت إلى 27% وترتفع أحياناً في القرى والريف إلى 44% في حين أن الميزان التجاري رغم ضخامة حجم الاستيراد فقد حقق فائضاً لصالح ليبيا بمقدار 7.8 مليار دولار، وكما قلنا أن المليارات من الثروة هُدرت، أو أصابها عمق الفساد الذي تنعمت به الأسرة الحاكمة، ومن لفّ لفيفها، وأعانها على الظلم والاستبداد، والبنية الاجتماعية كان من الطبيعي أن لا يصيبها أي تغيير، بل تمركزت الأمراض المرافقة لها وبمكوناتها، وهذا ما نراه من تخبط بعد الثورة علماً بأن عدد سكان ليبيا كان سنة 1931 بحدود 704 آلاف نسمة، وبلغ في آخر إحصاء 5.658 مليون عام 2006، والطبيعة التاريخية لهذا البلد، وما تعرض له من هجمات عدة عبر التاريخ قديمه وحديثه فقد بلغ عدد العرقيات فيه خمسة بربر، عرب، وكرافلة الذين ينقسمون إلى تزكمان، أكراد، شركس، ألبان، ليبور، والأوروبيون، وسكان إقليم فزان كما وأن عدد قبائله وصل إلى 13 قبيلة منها الزنتان، القذاذفة، الطوارق، والورفلة، وما يجب ذكره هنا أن هذا البلد دفع حوالي 80 ألف شهيد إبان الاحتلال الإيطالي ونضاله ليحصل على حريته.
السؤال المطروح أمن أمل يشرق مجدداً؟!... والجواب المضيء نعم مادام الحال من المحال، والرجاء معقودة نواصيه بالثورات الجديدة للانتهاء وبسرعة من مرحلة الثورة إلى مرحلة التثوير والتطوير... والتثوير بحث، علم، معرفة، وعمل لمصلحة الجميع في البدء بتغيير للبنى الاجتماعية في إطار تعاون قومي وثوري.