مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2024/03/13 13:13
كيف يرى جيل Z الغربي إسرائيل بعد حربها على غزة؟

يعيش 2.3 مليون شخص في قطاع غزة عدواناً مستمراً وكثيفاً لما يربو عن 140 يوماً حتى الآن، حيث تطورت الأحداث من القصف العشوائي للمنازل حتى وصلت إلى المستشفيات ومدارس الإيواء، في سياق سلسلة من الممارسات العنيفة، والتي تصل إلى وصف الإرهاب، مارسها الجيش الإسرائيلي بصورة متواصلة.

وقد حظيت هذه الممارسات بقدرٍ كبيرٍ من التصوير والتوثيق والتداول عبر منصات الإنترنت المختلفة، حيث برزت مشاهد القتل العمد والقنص وقتل الأطفال والحصار، ومنع دخول الطعام والمساعدات الطبية والإنسانية، فضلاً عن التهجير القسري. حتى بات من الشائع تداول مفردات جديدة لوصف دولة إسرائيل، مثل ممارسة جرائم حرب والتطهير العرقي والإبادة الجماعية. وانتشرت مفردات ومقاطع فيديو ومشاركات عربية وغربية للتعبير عن حجم الغضب من العدوان الإسرائيلي ومن الدعم الغربي، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الغضب تحرك بقوة في تظاهرات وكلمات وتعليقات واستطلاعات رأي الشباب الغربي، وخاصة جيل Z.

لم ينته يوم 26 فبراير 2024، حتى صُدم العالم بمشهد أحد أبناء هذا الجيل، وهو الطيار الأمريكي "آرون بوشنل"، ويبلغ من العمر 25 عاماً، وهو يحرق نفسه أمام مقر السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يصرخ بكلمتين "فلسطين حرة" و"Genocide" أو "إبادة جماعية". قبيل الحادثة، كتب "بوشنل" على حسابه على فيسبوك: "كثيرون منا يحبون أن يسألوا أنفسهم، ماذا كنت سأفعل لو كنت على قيد الحياة أثناء العبودية؟ أو في ظل نظام جيم كرو الجنوبي؟ أو الفصل العنصري؟ ماذا كنت سأفعل لو كان بلدي يرتكب إبادة جماعية؟ الجواب هو أنك تفعل ذلك الآن".

يبدو أن تغيراً كبيراً يطرأ على رأي الشباب الأمريكي والغربي إزاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وأن مشاعر ومواقف ومفردات الخطاب العام بشأن دعم إسرائيل وسردية مظلوميتها يمر بمنعطف كبير يستحق أن نلقي عليه بعض الضوء والتحليل، وهذا ما سنقوم به في هذه الدراسة.

أرقام وإحصاءات حول الرأي العام للشباب الغربي عن الحرب على غزة

يعرض هذا الجزء من الدراسة أجزاء من بعض استطلاعات الرأي الغربية –وفي أغلبها من داخل الولايات المتحدة الأمريكية- تحتوي على تساؤلات لمعرفة رأي المواطنين/ الناخبين إزاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، والموقف من طرفي الصراع، والموقف من الممارسات العنيفة ومن التقييم الأخلاقي لكل طرف. مع الأخذ في الاعتبار التركيز على إيضاح الفرق في نسب التصويت على مستوى الجيلي.

1- استطلاع هارفارد / هاريس Harvard Caps Harrispoll

هو استبيان يصدره مركز جامعة هارفارد للدراسات السياسية الأميركية ومؤسسة Harris Insights and Analytics شهرياً حول الرأي العام الأمريكي في القضايا العامة. ويمكن في هذا السياق عرض أجزاء من استطلاع شهري أكتوبر 2023، ويناير 2024. إذ تم التركيز على التساؤلات التي تدور حول الحرب على غزة. وتم اختيار هذين الشهرين باعتبار أن استطلاع شهر أكتوبر تم بعد أيام قليلة من طوفان الأقصى، واستطلاع شهر يناير هو الاستطلاع الأخير الصادر حتى كتابة هذه الدراسة. كما أن الفارق الزمني بين الاستطلاعين مناسب لتطور الأحداث ووضوح الرؤية أكثر حول مواقف الرأي العام الأمريكي عن أحداث الحرب والعدوان الإسرائيلي.[1]

أ- استطلاع هارفارد / هاريس شهر أكتوبر 2023: شمل الاستطلاع، الذي أجري يومي 18 و19 أكتوبر، 2116 ناخباً مسجلاً. وهذه عينة من بعض الأسئلة حول موضوع الدراسة:

• هل تعتقد أن تصريحات حماس الأصلية بأن إسرائيل قصفت المستشفى المعمداني كانت صحيحة أم أنها دعاية لحماس؟

- 48% من الفئة العمرية (18-24) قالوا نعم.

- 13% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا نعم.

• هل تعتقد أن وسائل الإعلام الأمريكية تنقل الصراع بين إسرائيل وحماس بشكل عادل أم أنها منحازة لإسرائيل أو منحازة لحماس؟

- 47% من الفئة العمرية (18-24) يقولون بأنها منحازة للجانب الإسرائيلي.

- 27% من الفئة العمرية (65 فما فوق) يقولون بأنها منحازة للجانب الإسرائيلي.

• هل يجب على الولايات المتحدة دعم إسرائيل أم حماس أم لا أحد؟

- 37% من الفئة العمرية (18-24) قالوا يجب دعم إسرائيل.

- 78% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا يجب دعم إسرائيل.

- 22% من الفئة العمرية (18-24) قالوا يجب دعم حماس.

- 1% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا يجب دعم حماس.

- 41% من الفئة العمرية (18-24) قالوا يجب عدم التدخل.

- 21% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا يجب عدم التدخل.

ب- استطلاع هارفارد / هاريس شهر يناير 2024

• هل أنت ضد سياسة بايدن في إدارة الصراع بين إسرائيل وحماس؟

- 64% من الفئة العمرية (18-24) قالوا بأنهم غير راضين عن سياسة بايدن في إدارة الصراع.

- 51% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا بأنهم غير راضين عن سياسة بايدن في إدارة الصراع.

- 27% من الفئة (18-24) راضين.

- 42% من فئة (65 فما فوق) راضين.

• ما رأيك عند سماع اسم حماس؟

- 20% من الفئة (18-24) أعربوا عن تفضيل / تفضيل بشدة.

- 3% من الفئة (65 فما فوق) أعربوا عن تفضيل / تفضيل بشدة.

- 44% من الفئة (18-24) أعربوا لا يفضلون/ لا يفضلون بشدة سماع اسم حماس.

- 84% من الفئة (65 فما فوق) أعربوا لا يفضلون/ لا يفضلون بشدة سماع اسم حماس.

• هل تعتقد أن ما فعلته حماس يوم 7 أكتوبر من قتل واختطاف عمل مبرر بسبب المظالم الفلسطينية السابقة؟

- 46% من الفئة العمرية (18-24) أكدت أنه مبرر.

- 8% من الفئة (65 فما فوق) قالت إنه مبرر.

• مَن تؤيد في هذه الحرب إسرائيل أم حماس؟

- 57% من الفئة العمرية (18-24) يؤيدون إسرائيل.

- 90% من الفئة (65 فما فوق) يؤيدون إسرائيل.

- 43% من الفئة العمرية (18-24) يؤيدون حماس.

- 10% من الفئة (65 فما فوق) يؤيدون حماس.

• هل تعتقد أن حماس تريد أن تبيد اليهود؟

- 60% من الفئة العمرية (18-24) يعتقدون أن هذا هدف حماس.

-  88% من الفئة العمرية (65 فما فوق) يعتقدون أن هذا هدف حماس.

• هل إسرائيل تتعمد إبادة سكان غزة؟

- 57% في الفئة العمرية (18-24) يعتقدون أنها تتعمد إبادتهم.

- 15% من الفئة العمرية (65 فما فوق) يعتقدون أنها تتعمد إبادتهم.

• هل تعتقد أن حماس جماعة يمكن التفاوض معها للسلام أم أنها تأسست فقط لتدمير إسرائيل؟

- 60% من الفئة العمرية (18-24) يرون أنه ممكن.

- 14% من الفئة العمرية (65 فما فوق) يرون أنه ممكن.

• هل تؤيد وقف إطلاق النار غير المشروط في الحرب بين إسرائيل وحماس، أم هل يجب أن يتم وقف إطلاق النار فقط بعد إطلاق سراح جميع الرهائن وإزاحة حماس عن السلطة؟

- 63% في الفئة العمرية (18-24) تؤيد وقف فوري غير مشروط.

- 10% من الفئة العمرية (65 فما فوق) تؤيد وقف فوري غير مشروط.

2- استطلاع صحيفة ديلي ميل

استطلاع حديث نشرته صحيفة ديلي ميل دوت كوم بمشاركة 1000 شاب أمريكي تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً. أُجري الاستطلاع بواسطة شركة JL Partners في الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر 2023، أي مباشرة عقب هجمات القسام على مناطق غلاف غزة التي أوقعت عدداً كبيراً من القتلى والأسرى. وعلى الرغم من أنه استطلاع مبكر جداً وجرى في وقت لم تكن العمليات الإسرائيلية قد بدأت بقوة، ولم تكن إسرائيل قصفت المستشفى المعمداني، وفي الوقت نفسه كانت القصة المزيفة عن قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين متداولة إعلامياً ورسمياً على لسان بايدن، إلا أن الصحف الأمريكية اعتبرت أن بعضاً من أرقام هذا الاستطلاع المبكر بين شباب جيل Z تدعو للتأمل والتوقف. إذ أن أكثر من نصف الشباب الذين شملهم الاستطلاع لا يشاركون سردية أن حماس تساوي داعش، و32% لديهم وجهة نظر سلبية تجاه إسرائيل، في حين أن 24% فقط لديهم نظرة إيجابية تجاه اسرائيل. كما أن 41% قالوا من الصواب تنظيم احتجاجات مناهضة لإسرائيل.[2]

3- استطلاع صحيفة نيويورك تايمز New York Times/Siena College poll

استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع كلية سيينا في شهر ديسمبر 2023، لناخبين أمريكيين.[3] أظهر الاستطلاع وجهات نظر انتقادية لإسرائيل وهجومها المضاد ضد غزة في جميع المجالات، في حين كان للأجيال الأكبر سناً وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه سياسات إسرائيل. 72% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين (18-29) عاماً لا يوافقون على سياسات بايدن في إدارة الصراع.[4]

كما أعرب 63% من الناخبين من الفئة العمرية (65 فما فوق) عن تعاطفهم مع إسرائيل، بينما أبدى 27% من الناخبين (18-29) فقط تعاطفهم مع إسرائيل. وكذلك أيد 70% من الفئة العمرية (65 فما فوق) تقديم مساعدات إضافية لإسرائيل، بينما عارض هذا القرار 55% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم (18-29) عاماً.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان ينبغي على إسرائيل إنهاء حملتها العسكرية، حتى لو لم يتم القضاء على حماس بشكل كامل، من أجل إنقاذ المدنيين، قال 67% من الناخبين الشباب (18 -29) إن ذلك ضروري. وفي المقابل وافق 30% فقط من الناخبين (65 فما فوق) على وقف العمليات العسكرية حالاً إنقاذاً للمدنيين.[5]

4- استطلاع يوجوف youGov Poll

استطلاع رأي أجري في أكتوبر 2023 من قبل شركة يوجوف، وهذا جزء من التساؤلات التي جاءت حول الحرب الحالية.[6]

• هل الولايات المتحدة مضطرة للقيام بدور في الحرب الإسرائيلية/ حماس؟

- وافق 34% من الفئة العمرية (18-29)

- وافق 64% من الفئة العمرية (65 فما فوق)

• إعطاء إسرائيل دعماً عسكرياً أكثر؟

- وافق 17% من الفئة العمرية (18-29)

- وافق 47% من الفئة العمرية (65 فما فوق)

• إعطاء الفلسطينيين دعماً إنسانياً أكثر؟

- وافق 50% من الفئة العمرية (18-29)

- وافق 28% من الفئة العمرية (65 فما فوق)

• هل تثق في المعلومات الرسمية الإسرائيلية؟

- 26% من الفئة العمرية (18-29) قالوا أثق بشدة/ أثق إلى حد ما

- 49% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا أثق بشدة/ أثق إلى حد ما

- 37% من الفئة العمرية (18-29) قالوا لا أثق مطلقا / لا أثق إلى حد ما

- 22% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا لا أثق مطلقاً / لا أثق إلى حد ما.

• هل تثق في المعلومات الرسمية الفلسطينية؟

- 23% من الفئة العمرية (18-29) قالوا أثق بشدة/ أثق إلى حد ما

- 7% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا أثق بشدة/ أثق إلى حد ما

- 29% من الفئة العمرية (18-29) قالوا لا أثق مطلقاً / لا أثق إلى حد ما

- 69% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا لا أثق مطلقاً / لا أثق إلى حد ما

• هل تثق في المعلومات الرسمية الأمريكية؟

- 31% من الفئة العمرية (18-29) قالوا أثق بشدة/ أثق إلى حد ما

- 45% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا أثق بشدة/ أثق إلى حد ما

- 29% من الفئة العمرية (18-29) قالوا لا أثق مطلقاً / لا أثق إلى حد ما

- 30% من الفئة العمرية (65 فما فوق) قالوا لا أثق مطلقاً / لا أثق إلى حد ما

• بينما كانت حادثة قصف المستشفى المعمداني جديدة وغير مسبوقة كان السؤال حول من تعتقد المسئول عن التفجير؟

- مسئولية إسرائيل: 29% من الفئة العمرية (18-29) في مقابل 4% من الفئة العمرية (65 فما فوق).

- مسئولية الفصائل الفلسطينية: 17% من الفئة العمرية (18-29) في مقابل 70% من الفئة العمرية (65 فما فوق).

- غير متأكد مَن المسئول: 40% من الفئة العمرية (18-29) في مقابل 18% من الفئة العمرية (65 فما فوق).

وفي استطلاع يوجوف الذي أجري في فبراير 2024، جاءت إجابة الأمريكيين على سؤال إلى أي جانب تقف في الصراع الإسرائيلي / الفلسطيني الآن؟ أجاب 8% فقط من الشباب من الفئة العمرية (18-24) أنهم لا زالوا يقفون إلى جانب إسرائيل، بينما قرر 49% من هؤلاء الشباب وقوفهم إلى جانب فلسطين.[7]

5- استطلاعات رأي من كندا

تظهر استطلاعات الرأي التي أجريت قبل 7 أكتوبر، أن الكنديين الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا يميلون إلى تبني وجهات نظر حول الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني تختلف بشكل كبير عن آراء الكنديين الذين تبلغ أعمارهم 55 عاماً أو أكثر.[8]

• أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة EKOS في الفترة من 2 إلى 10 أغسطس 2023– أي قبل أحداث طوفان الأقصى-مع عينة عشوائية مكونة من 1089 بالغاً كندياً وصدر في 6 سبتمبر 2023، أن ما يقرب من نصف الكنديين (48%) الذين تتراوح أعمارهم بين (18-34) عاماً يعتقدون أن إسرائيل دولة تمارس سياسة "فصل عنصري" ضد غير اليهود. في مقابل أن هذه النسبة تقل إلى 29% في الذين تتراوح أعمارهم بين (55-64) عاماً.[9]

• أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة أنجوس ريد Angus Reid Institute في الأسبوع الأول من نوفمبر 2023 على الكنديين، أن النساء البالغات من العمر 55 عاماً وأكثر قلن إن تعاطفهن مع إسرائيل أكثر من الفلسطينيين بمعدل حوالي 3 إلى 1 (30% مقابل 9%). بينما تختلف هذه الأرقام بين النساء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً قالت 35% إنهم يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين، في حين أن 14% يؤيدون إسرائيل أكثر.[10]

6- استطلاعات رأي بريطانية

لسنوات عديدة، بدأ الشباب البريطاني يميلون إلى أن يكونوا أكثر تأييداً لفلسطين ومعاداة لإسرائيل من كبار السن. في بريطانيا، أوضحت استطلاعات للرأي أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين (18-34) عاماً أكثر دعماً للفلسطينيين (23%) مقارنة بالإسرائيليين (7%) فقط -وهو العكس تماماً تقريباً لمن تتراوح أعمارهم بين (55-75) عاماً.

7- استطلاعات متفرقة

• أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "جينيريشن لاب" أن 48% من طلاب الجامعات الأميركية الذين شملهم الاستطلاع لا يلومون حماس على أحداث السابع من أكتوبر.

• كما أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك أن 51% من الناخبين الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً لا يؤيدون إرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى إسرائيل لمساعدتها ضد حماس. كما أشار الاستطلاع إلى أن غالبية الجيل Z وجيل الألفية يعارضون إرسال الولايات المتحدة معدات عسكرية إلى إسرائيل.[11]

8- منتدى التايمز للمراهقين

قامت صحيفة نيويورك تايمز بإنشاء منتدى للمراهقين ودعتهم إلى مشاركة ما فكروا فيه وشعروا به وناقشوه وتساءلوا عنه في الأيام التي تلت هجوم حماس على إسرائيل وأيضاً رد الفعل الإسرائيلي. جاء المنتدى تحت عنوان " STUDENT OPINION: The Israel-Hamas War: A Forum for Young People to React".[12]

فتح المنتدى المشاركة في الفترة (10 أكتوبر -5 ديسمبر) 2023، للطلاب الذين تبلغ أعمارهم 13 عاماً أو أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، أو 16 عاماً أو أكبر في أماكن أخرى. وبدأ المنتدى بمقال يشرح الأحداث التي بدأت في 7 أكتوبر، وقد حرص المقال المقدم للطلبة على الابتعاد عن أي أوصاف أو معلومات قد تحمل توجيهاً لرأي الطلاب. كما أشار المقال إلى أن هذا الصراع هو صراع ممتد وقديم. وقال أيضاً أنه على مدار الصراع كانت بدايات العنف تبدأ أولاً من إسرائيل وأحياناً أخرى من المسلحين الفلسطينيين. كما صرح المقال بأن غزة تقع تحت حصار خانق مستمر منذ 2007 من قبل إسرائيل. ثم طرح المقال عدة تساؤلات حث الطلاب على الإجابة على بعضها. تساؤلات حول مشاعرهم ومواقفهم ومصادر معلوماتهم وعن التساؤلات التي تتبادر إلى ذهنهم وتوقعاتهم عن مآلات هذا الصراع؟

وقد رد للمنتدى خلال الفترة المذكورة 607 تعليق من مراهقين أغلبهم في المدارس الثانوية الأمريكية. وتتضمن هذه الدراسة قراءة وتحليلاً لهذه التعليقات، حيث تم التركيز على عدد أكبر من المشاركات التي تمت في الفترة بين (16 أكتوبر – 5 ديسمبر) 2023، والتي بلغت 288 مشاركة، وذلك لكونها قد تكون أكثر أهمية في تحليل رأي هؤلاء المراهقين الأمريكيين بعد تطور الأحداث أكثر. وكذلك تم تحليل المشاركات الأولية في الفترة الأولى بين (10-12) أكتوبر 2023، والتي بلغت 67 مشاركة.

وبصورة عامة هناك بعض الملاحظات التي يمكن رصدها بعد قراءة 355 مشاركة أي نحو 60% من المشاركات، وهي كالتالي:

1- أغلب المشاركات جاءت من طلبة المدارس الثانوية الأمريكية.

2- بعض من المشاركين بدا من أسمائهم أنهم مسلمون أو من أصول عربية، لكن الغالبية يتضح من أسمائهم أنهم غير عرب.

3- هناك عدد من المشاركات لطلبة من اليهود الأمريكيين، لكن كثافة مشاركتهم كانت في الفترة الأولى قبل تطور العدوان الإسرائيلي على غزة. بينما قلت مشاركتهم في الفترات التالية، وغالباً كانت للمراهقين اليهود المختلفين مع الصهيونية إلى حد ما.

4- المشاركات الأحدث وهي بعد يوم 16 أكتوبر وحتى نهاية المنتدى في 5 ديسمبر، اتسمت بتأثرها بحادثتين هامتين: الأولى هي قصف المستشفى المعمداني في 17 أكتوبر، والثانية هي حصار مجمع الشفاء في 11 نوفمبر.

5- المشاركات بداية من يوم 17 أكتوبر، وهو يوم قصف المستشفى، بدأت في استخدام مصطلحات مثل الإبادة الجماعية والمذبحة وجريمة حرب ... إلخ في وصف الضربات العسكرية الإسرائيلية على غزة.

6- المشاركات الأولية كانت أكثر تأثراً بقصص هجمات حماس على الحفل الغنائي في 7 أكتوبر، وبتصريح بايدن في لقاءه بالطائفة اليهودية في البيت الأبيض في 11 أكتوبر، الذي تحدث فيه عن أن حماس قطعت رؤوس الأطفال الإسرائيليين واغتصبت النساء.

7- الغالبية الساحقة للمشاركات اتفقت على رفض العنف ضد كل وأي مدني، والتعبير عن حالة الصدمة والرفض لخيار الحرب بصورة مطلقة، وكثيراً التشاؤم من أن هذا سيكون صراعاً ممتداً.

8- على هذا الأساس حددت الباحثة عدد 90 مشاركة فقط من بين 288 مشاركة في الفترة من (16 أكتوبر-5 ديسمبر) 2023، باعتبارها مشاركات قدمت رأياً واضحاً يتجاوز هذا الاتفاق العام السابق ذكره. إضافة إلى عدد 37 مشاركة من بين 67 مشاركة في الفترة (10-12) أكتوبر 2023، للاعتبار السابق نفسه.

9- مع قراءة المشاركات التي تحمل رأياً واضحاً وليس فقط إبداء الأسف والرفض للحرب وسقوط الضحايا، تم استخراج بعض الأفكار الرئيسية التي تكررت في هذه المشاركات بصيغ مختلفة، وذلك لأن الطلاب كانوا يعبرون عن آراءهم بمفردات مختلفة نظراً لكونها مشاركات مقالية قصيرة أقرب إلى كتابة "بوست". ثم تم حساب تكرار هذه الأفكار، وهو ما يعني إمكانية أن تحتوي المشاركة على فكرة واحدة أو فكرتين أو ثلاثة من هذه الأفكار.

10- جاءت الأفكار التي استخرجتها الدراسة من هذه المشاركات إلى حد ما تفصيلية وليس فقط "مع" أو "ضد" أحد طرفي الصراع، وذلك لتعظيم الاستفادة من التحليل كما سيأتي بعد ذلك.

عدد مرات تكرار الأفكار الواردة في مشاركات المراهقين خلال الفترة (10-12) أكتوبر 2023

 

الأفكار

عدد مرات الذكر

النسبة من الإجمالي

(37 مشاركة)

1

استنكار ممارسات حماس في 7 أكتوبر ووصفها بالإرهابية وذكر بعض من هذه الكلمات: محرقة لليهود-معاداة السامية-اغتصاب-قطع رؤوس الأطفال

20

54 %

2

لا زلنا في مرحلة جمع المعلومات والتشكك في الإعلام الرسمي والسماع لمواقف متناقضة

9

24 %

3

حماس تمارس الإرهاب ضد أهل غزة بالأساس

2

5 %

4

الصراع طويل والفلسطينيون كانوا يعانون قبل 7 أكتوبر

5

14 %

5

أؤيد حماس بشدة وإسرائيل هي المعتدية

3

8 %

6

علمت ببداية فرض حصار على غزة

1

3 %

 

عدد مرات تكرار الأفكار الواردة في مشاركات المراهقين خلال الفترة (16 أكتوبر-5 ديسمبر) 2023

 

الأفكار

عدد مرات الذكر

النسبة من الإجمالي (90 مشاركة)

1

غزة تتعرض لقصف عشوائي بما فيه قصف المستشفيات والمدارس مما أدى إلى كثرة الوفيات والضحايا تحت الأنقاض

31

34 %

2

غزة تتعرض للتجويع والحصار والتهجير القسري

20

22 %

3

وصف العدوان الإسرائيلي بـالإبادة الجماعية، تطهير عرقي، عنصرية، جريمة حرب، رد متطرف، مذبحة

15

17 %

4

ندين حماس لكن ....

15

17 %

5

إسرائيل كانت تسيء معاملة الفلسطينيين وتحاصر حماس لفترة طويلة

28

31 %

6

نحصل على معلومتنا عن هذه القضية من السوشيال ميديا .... الإعلام الرسمي موجه نحو إسرائيل

11

12 %

7

موقف أمريكيين يهود متشكك في الصهيونية أو في عدالة الحكومة الإسرائيلية لكنه حزين على إراقة دماء اليهود

4

4 %

8

تأييد إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإدانة حماس

15

17 %

9

إسرائيل دولة إرهابية

1

1 %

 

يتضح من استعراض الأفكار والأرقام في الجدولين السابقين النتائج التالية:

1- من الواضح جداً التفاوت الكبير بين حالة التأييد لكلا الطرفين بين الفترة الأولى من طرح المنتدى والذي بدأ بعد 3 أيام فقط من هجوم كتائب القسام على مستوطنات غلاف غزة، وبين الفترة التالية وخاصة بعد 17 أكتوبر، حيث كان قد مر 10 أيام على بداية الحرب ووضوح طبيعة العدوان الإسرائيلي الكثيف على قطاع غزة وخاصة مع صدمة ضرب المستشفى المعمداني وصولاً إلى زيادة عدد الضحايا الفلسطينيين ووضوح أثر الحصار والتجويع على القطاع وانتشار الصور ومقاطع الفيديو للضحايا من الأطفال الفلسطينيين في الفترة الأخيرة من مشاركات المنتدى الذي انتهى في 5 ديسمبر.

2- إذا تم جمع الأفكار الواردة في مشاركات المراهقين في الفترة الأولى، (10-12) أكتوبر 2023، والتي تحمل دلالة لتأييد الجانب الإسرائيلي، يتضح أنها ذكرت 22 مرة في 37 مشاركة، في حين أن الأفكار التي تحمل دلالة لتأييد الجانب الفلسطيني ذكرت 9 مرات فقط في 37 مشاركة. أما الأفكار التي حملت دلالة عن التشكك أو البحث من أجل تكوين رأي ذكرت 9 مرات في 37 مشاركة.

في المقابل عندما تم جمع الأفكار الواردة في مشاركات المراهقين في الفترة التالية، (16 أكتوبر-5 ديسمبر) 2023، والتي تحمل دلالة لتأييد الجانب الإسرائيلي، يتضح أنها ذكرت 15 مرة في 90 مشاركة، في حين أن الأفكار التي تحمل دلالة لتأييد الجانب الفلسطيني ذكرت 95 مرة في 90 مشاركة. أما الأفكار التي حملت دلالة عن رفض حماس لكن عدم تأييد إسرائيل إطلاقاً 15 مرة في 90 مشاركة. تم الحديث بوضوح ليس عن الرغبة في البحث هذه المرة لكن التأكيد عن رفضهم للإعلام الرسمي وتفضيلهم للبحث الحر على الانترنت للحصول على الحقيقة 11 مرة في 90 مشاركة.

3- في الفترة الأولى، (10-12) أكتوبر 2023، غلب على المشاركات التركيز على الصدمة والرفض لعملية حماس في 7 أكتوبر، ووصفها بالإرهابية وذكر مفردات مثل أنها محرقة جديدة، وربط العملية بأنها منهج حماس المعادي للسامية وأن ما حدث إبادة جماعية لليهود، وذكر ما جاء في بيان بايدن يوم 11 أكتوبر عن مزاعم الاغتصاب وقطع رؤوس الأطفال. وقد تكررت هذه المفردات 20 مرة في المشاركات.

في المقابل ذكرت مفردات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والمذبحة... إلخ لوصف العدوان الإسرائيلي 15 مرة وصولاً إلى وصف إسرائيل بالدولة الإرهابية مرة واحدة في الفترة التالية، (16 أكتوبر-5 ديسمبر) 2023. واختفى تماماً الحديث عن إرهاب حماس في هذه الفترة، إلا ذكر لإدانة حماس يليها مباشرة رفض العدوان الإسرائيلي ووصف الوضع في غزة.

4- لم يأت في الفترة الأولى (10-12) أكتوبر 2023 حديث عن فرض حصار على غزة إلا مرة واحدة فقط. في حين أنه في الفترة التالية (16 أكتوبر-5 ديسمبر) 2023 ذكر الحصار والتجويع لأهالي القطاع 20 مرة، وذكر تعرض غزة للقصف العشوائي وقصف المستشفيات وكثرة الوفيات والجرحى والضحايا تحت الأنقاض 31 مرة.

5- في الفترة الأولى ونظراً لأن الطلاب لم يكونوا قد قرءوا أو بحثوا كثيراً في الأمر، يتضح أنه تم الحديث عن كون الصراع قديماً وأن الفلسطينيين كانوا يعانون قبل 7 أكتوبر 5 مرات فقط، في حين أن هذا الأمر ذكر 28 مرة وبتفاصيل أكثر عن معاناة الفلسطينيين في الفترة التالية.

قراءة في استطلاعات الرأي عن الفوارق في التوجهات الجيلية الغربية حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني

بعد هذا العرض السابق لجزء من نتائج استطلاعات رأي غربية لاكتشاف موقف المواطنين/ الناخبين حول الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد اندلاع طوفان الأقصى في 7 أكتوبر وما تبعه من عدوان كثيف ويومي على قطاع غزة أدى إلى قتل وجرح عشرات الآلاف وحصار وتجويع وتهجير كافة سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني، يمكن القول إن الأرقام والإحصاءات السابق ذكرها هي جزء من كم كبير من الاستطلاعات المستمرة التي تحرص الجامعات والمؤسسات العلمية والشركات ومراكز الفكر على إجراءها بصورة دورية سواء شهرية أو حتى أسبوعية لمعرفة موقف الناخبين من القضايا الكبرى.

 لكن السرد السابق يمثل عرضاً لأهم التساؤلات التي توضح حقيقة الاختلاف في الرأي بين جيل Z وهو الجيل الذي تتراوح أعمارهم الآن بين (14-28) عاماً، وبين الجيل الكبير الذي تتجاوز أعمارهم 65 عاماً والذين يطلق عليهم جيل طفرة المواليد Boomer Generation. أو بمعنى آخر اختلاف الآراء بين جيل المراهقين والشباب الصغار الذين يمثلون اليوم طلبة المدارس الثانوية والجامعات أو حديثي التخرج -وهم غالبية قوام المتظاهرين من أجل الحقوق الفلسطينية أيضاً كما سنرى- وبين جيل الأجداد.

وتنقسم الأجيال وفقاً للأدبيات الأمريكية إلى: الجيل الصامت، وهو الجيل المولود في الفترة (1928-1945)، جيل طفرة المواليد (1946-1964)، جيل X (1965-1980)، جيل الألفية Y (1981-1995)، جيل Z (1996-2010)، جيل ألفا (2011-2026).

ونظراً لأن الجيل الصامت يبلغ أصغرهم 79 عاماً فيمكن تصور أنهم الأقل عدداً في حين يظل جيل طفرة المواليد هو الجيل الذي تتراوح أعمارهم بين (60-78) وغالباً مع تقدم الخدمات الصحية يكون عدد كبير منهم قادراً على التفاعل في المجتمع. أما جيل X فتتراوح أعمارهم بين (44-59) وهم جيل الوسط الذين لا زالوا في منظومة العمل بصورة كاملة بل ويحتلون المناصب العليا فيه وهم غالباً جيل الآباء والأمهات، ثم يأتي جيل Y والذي تتراوح أعمارهم الآن بين (29-43) وهذا الجيل الذي حظى بدراسات كثيرة باعتباره جيل شباب الألفية وهم الآن يتراوحون بين سن الشباب والكبار منهم من أصبح من جيل الآباء، ثم جيل Z والذي كما سبقت الإشارة تتراوح أعمارهم بين (14-28) أي جزء منهم من المراهقين من طلبة المدارس والجامعات وجزء آخر منهم ينتمون إلى الشباب المبكر وهو الجيل الذي يحظى الآن باهتمام بحثي كبير، نظراً لما لديه من سمات خاصة جداً جعلته يتبنى مواقف في أحيان كثيرة مغايرة للتيار العام في مجتمعاته وذلك نظراً لأنه جيل يوصف بأنه "مواطن عالمي" يحصل على المعرفة بصورة ذاتية ولا يعترف بأفضلية لرأي الكبار أو المتخصصين ولا يعترف بقدسية لشخص أو دين أو أيديولوجية، لكنه يعتبر نفسه قادراً على استخدام أدواته البحثية عن طريق الانترنت لتكوين مواقفه كما يعيد استخدامها للتعبير عن رأيه، ومن ثم هو مبدئياً متشكك في الإعلام الرسمي والتصريحات العلنية للسياسيين أو التعليمات الواردة من رجال الدين أو العلم.

ولهذا ارتأت هذه الدراسة في تحليل التحولات التي طرأت على الرأي العام الغربي تجاه الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني عمل مقارنات بين جيلي "طفرة المواليد" و"Z"، وذلك باعتبار جيل "Z" هو الجيل الأصغر من الفاعلين المؤثرين في أي انتخابات أو تصويت كما أنه الفاعل الرئيسي في حراك الشارع، ويمثل كذلك طلاب الجامعات الحاليين وقوة العمل المستقبلية. أما جيل "طفرة المواليد" فهم أكبر جيل فاعل في الحياة العامة في الغرب، كما أن عدداً كبيراً من السياسيين والقيادات في العمل والأكاديميين ورجال الأعمال والإعلاميين المشهورين ينتمون إلى هذا الجيل.

1-تبدل المشاعر الغربية تجاه إسرائيل

حتى من قبل العدوان الإسرائيلي المستمر حالياً على غزة، هناك جيلان في الغرب-على الأقل-يكنون مشاعر تعاطف وتأييد غير مشروط لإسرائيل وهم من تبقى من الجيل الصامت وجيل طفرة المواليد Boomers. وهذا ما يفسر أن أغلب الاستطلاعات تضعهم في خانة واحدة تحت بند (65 عاماً فما فوق). فهم الغربيون الذين عرفوا إسرائيل وهي دولة ضعيفة ناشئة محاطة بدول عربية –قوية- تكن لها مشاعر كراهية وتنخرط معها في حروب متعددة. وهذا هو جيل الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وكذلك منافسه -المحتمل- في انتخابات هذا العام دونالد ترامب.

هذا جيل يتذكر إسرائيل باعتبارها ديمقراطية ناشئة ذات ميول يسارية تأسست في أعقاب المحرقة. مكان وصفه بايدن البالغ من العمر 81 عاماً بأنه ملاذ لا غنى عنه لليهود. قال بايدن، الذي كان في الخامسة من عمره عند تأسيس إسرائيل: "إذا لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع واحدة".[13]

يقول دوفواكسمان، مدير جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس ومركز ثريا نازاريان للدراسات الإسرائيلية، إن كل فئة عمرية لديها "ذاكرة جيلية" مختلفة عن إسرائيل، وأضاف أن المعتقدات حول العالم تميل إلى التشكل في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات، وغالباً لا تتغير.

وقال إن الأجيال الأكبر سناً، التي لديها إحساس أكثر عمقاً بالمحرقة، تميل إلى رؤية إسرائيل باعتبارها ملجأ حيوياً لليهود، وترى قصتها كواحدة من شعب يعود إلى الأمان في وطنه بعد أن عاش 2000 عاماً من الشتات والاضطهاد المستمر.[14]

ثم يأتي جيل X، الذي عاصر إسرائيل باعتبارها "القوة العسكرية الأقوى" في المنطقة. وبالرغم من أنها تقوم باحتلال أراضٍ فلسطينية جديدة لإنشاء المستوطنات إلا أن لها جانباً آخر يحاول إيجاد طريق نحو السلام والتعايش. إنه الجيل الذي شهد أوسلو ورأى عرفات ممثل الفلسطينيين ومقاومتهم يلتقي برابين ويصافحه ورأى مسارات سلام عربية/إسرائيلية متعددة.

ثم يأتي جيلا Y وZ، وخاصة الجيل الأخير لتكن خبرته الوحيدة منذ ولادته هي "إسرائيل نتنياهو"، إسرائيل التي تحتل أراضي الفلسطينيين وتوقف مسارات السلام، إسرائيل التي تمارس تمييزاً عنصرياً، إسرائيل التي تحاصر غزة على مدار 17 عاماً.[15]

اللافت للنظر أكثر في مسألة تبدل مشاعر الشباب الغربي ومن ثم قناعاته تجاه القضايا الكبرى، هي صدمة اهتمام بعض من الشباب الأمريكي لإعادة الاستماع إلى رسالة بن لادن للقيادة الأمريكية منذ 23 عاماً بعد ضربات سبتمبر 2001. فقد كانت الحرب على غزة سبباً في إعادة تداول هذه الرسالة على نطاق واسع بين الشباب الأمريكي. تمت مشاركة العديد من مقاطع الفيديو لعرض رسالة بن لادن، باستخدام الهاشتاج #lettertoamerica. تجاوزت مشاهدات مقاطع الفيديو تلك 14 مليوناً، مع الأخذ في الاعتبار أن عدداً كبيراً من المشاهدين عبروا عن استياءهم من مضمون الرسالة. كان هناك ما يقرب من 300 مقطع فيديو على TikTok لأشخاص يشيرون إلى أن رسالة زعيم القاعدة أعطتهم منظوراً جديداً للسياسة الخارجية الأمريكية، وتحديداً الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل، حيث استشهد بن لادن بذلك كسبب من بين أسبابه لتبرير قتل ما يقرب من 3000 شخص في تفجيرات سبتمبر.[16]

كان البعد الزمني عن صدمة 11 سبتمبر سبباً في جعل جيل Z في الولايات المتحدة الأمريكية، أقل تبعية لسردية وجاهة ونزاهة الحرب الأمريكية على الإرهاب رداً على "كارثة" تفجير البرجين، وهو ما مكن بعضاً من هؤلاء الشباب من إعادة قراءة رسالة بن لادن "عدو أمريكا الأول" التي ظهرت لتبرير هجمات سبتمبر وإيجاد مساحة من القبول والتفهم على أساس أن ما فعله تنظيم القاعدة آنذاك كان من قبيل مواجهة الاستعمار والهيمنة الرأسمالية الغربية في الشرق الأوسط ومحاولة كسر الظلم وإعلاء صوت الضعيف.

2- ربط دفاع جيل Z عن حقوق الفلسطينيين بحزمة حقوقية أكبر

يقول صامويل أبرامز، زميل معهد إنتربرايز الأمريكي، في مقابلة مع صحيفة ديزيريت نيوز، أن ميل الأجيال الشابة إلى دعم الفلسطينيين والتراجع عن دعم إسرائيل يتوافق مع حزمة من توجهات هذا الجيل.

هذه الحزمة توصف بأنها "الاتساق في تبني المواقف العادلة"، بمعنى إذا كنت مؤيداً للعدالة إذن عليك الدفاع عن مجموعة العدالة كاملة: العدالة العرقية.. العدالة المناخية... العدالة الاجتماعية... العدالة الجندرية... العدالة الفلسطينية...إلخ.

وبين أبناء هذا الجيل إذا كنت تعارض أياً من هذه القضايا، فإنك تخاطر بأن توصم بين أقرانك، مما يعني أنك شخص سيء، أو تابع للأفكار الرجعية التي غالباً ما يروجها الإعلام الرسمي والمواقف السياسية، حيث أن إحدى السمات المميزة لجيل Z هي التشكيك العميق في السلطات التقليدية التي تنشر "الروايات الرسمية".

تركز بعض التفسيرات البحثية الغربية لمناهضة الشباب لإسرائيل على تفضيل الشباب وميلهم نحو اليسار. وبما أن اليسار في العالم غالباً أقرب إلى انتقاد إسرائيل فهذا ربما يقدم تفسيراً جزئياً لموقف هذا الجيل. يقول نوح سميث: "مع انتهاء الشيوعية، قدمت القضية الفلسطينية صورة لمناهضة الاستعمار". وبعد أن كانت جنوب أفريقيا قبلة للشباب اليساري طوال الثمانينات وبداية التسعينيات للدفاع عن الحريات ودعم الثورة والمقاومة ضد الاستبداد والاستعمار والفصل العنصري، تقدم القضية الفلسطينية هذا البديل لشباب الفترة الراهنة.

يقول إيتان هيرش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تافتس: إن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين يبدو أنه ينظر إليه من قبل الشباب اليساري، وخاصة في حرم الجامعات، على أنه "شعب ملون – أي الفلسطينيين – ينتفض ضد مضطهد أبيض"، على الرغم من أن نسبة كبيرة من السكان اليهود في إسرائيل هم من خلفية غير أوروبية.[17]

وقد ساعد تزامن بعض الأحداث في قطاع غزة مع تطور حركة النضال من أجل مقاومة "وحشية" الشرطة الأمريكية تجاه الشباب الأمريكي الأفريقي في عمل هذا الربط والتشبيه بين النضال من أجل مقاومة العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة الأمريكية وبين النضال من أجل مقاومة العنصرية والوحشية ضد سكان غزة من قبل الجيش الإسرائيلي. فبعد مقتل شاب أمريكي أسود على يد الشرطة في نهاية عام 2012 ثم تبرئة ضابط الشرطة المسئول عن قتله تشكلت حركة احتجاجية قوية باسم "حياة السود مهمة" Black Lives Matter في 2013، ثم تطورت الحركة مع مقتل شابين من السود على يد الشرطة الأمريكية في ولاية ميسوري في 2014، ثم اتسعت كثيراً بعد مقتل الشاب جورج فلويد على يد الشرطة أيضاً وتسجيل لحظات تعمد خنقه أثناء اعتقاله في الشارع في 2020. كل ما سبق تزامن مع أربع حروب إسرائيلية – غير مبررة – على قطاع غزة منذ 2014.

3- هل يُفرِّق جيل Z بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية؟

يقول التعريف الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية لمعاداة السامية أن انتقاد إسرائيل، مثل انتقاد الدول الأخرى، ليس معاداة للسامية، بينما "عدم الاعتراف بشرعية دولة إسرائيل من الأساس" يعتبر معادة للسامية! وعلى هذا الأساس، يعتبر بعض من السياسيين والأساتذة الجامعيين أن الشعارات التي يرددها بعض الطلبة أو حتى ما ينشره الشباب الأمريكي على وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى ما يعبرون عنه في استطلاعات الرأي، والتي تحمل في طياتها اتهاماً لإسرائيل بأنها نشأت بالأساس على سرقة الأرض والحق الفلسطيني، وذلك اعتماداً على ما اطلعوا عليه من تاريخ بداية الصراع من 75 عاماً، تعد "معاداة للسامية".

وبدأ بعض المدافعين عن إسرائيل في التلويح بأن انتقاد الصهيونية هو أمر خطير جداً لكونه قد يكون غطاء سياسياً لمعاداة الجنس اليهودي، وهو الأمر الذي يمثل كابوساً للغرب، لأن اضطهاد الجنس اليهودي في عهد هتلر جاء تحت غطاء سياسي أيضاً.

4- هل تفوقت صور مجازر غزة في الثِقل الأخلاقي على سردية المحرقة؟

على مدار ما يزيد عن السبعة عقود ظلت رواية "الهولوكوست" لدى أجيال غربية متعاقبة تتصدر سردية الخير والشر وقوة المظلوم في مواجهة الظلم المطلق والقدرة على البدء من جديد والنضال من أجل استعادة الحياة والأمل في منطقة أخرى وزمن آخر.[18]

رواية اضطهاد النازية ليهود أوروبا وصولاً إلى المحرقة، ثم انتقال الناجين والفارين من المحرقة لبناء دولة واحدة للملمة شتات اليهود والبدء من جديد ثم خوض معارك مع العرب المحيطين بفلسطين من 1948 وحتى 1973 أي على مدار 25 عاماً، كانت هذه هي الرواية الغربية التي تروى في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في المدارس والجامعات عن صراع الخير والشر وعن مقاومة الظلم.

لكن توقف مسارات السلام العربية/الإسرائيلية ثم تكرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واستمرار المقاومة في القطاع على مدار 17 عاماً، وازدياد حدة العدوان الإسرائيلي مؤخراً في عدة حروب متتالية على قطاع غزة نهاية بالمجازر الإسرائيلية المستمرة على القطاع لما يتجاوز أربعة أشهر بعد طوفان الأقصى، كان دافعاً لدى عدد كبير من الشباب الغربي للبحث الذاتي –بعيداً عن الإعلام الرسمي – على الانترنت عن قصة هذا الصراع، وبالبحث اكتشف أنه في طيات سردية دولة إسرائيل ومعجزة تجاوز الهولوكوست كان اليهود المهاجرون إلى فلسطين ينفذون هولوكوست آخر –لكنه لم يحظ بالترويج الإعلامي- على أرض فلسطين. وبدأ الحديث بين هذا الجيل عبر صفحات السوشيال ميديا وعلى فيديوهات TikTok حول سردية النكبة والمجازر القديمة في الطنطورة وغيرها، وصولاً إلى المجازر الحالية في القطاع.

سردية الفلسطيني الضعيف المُقاوِم للقوة الإسرائيلية الاستعمارية والغاشمة أصبحت أكثر رواجاً وتشويقاً وتصديقاً، ذلك أنها مدعومة بآلاف من الصور والفيديوهات والكلمات الحقيقية والصادقة والمنقولة في ذات اللحظة –بفضل التقنيات الحديثة والترجمة السريعة-إلى كافة شباب العالم.

إسرائيل وهي تدير هذه المعركة بإصرار لإلحاق أكبر ضرر ممكن بأهل قطاع غزة عقاباً لهم على ما فعلته كتائب القسام في 7 أكتوبر وتعويضاً لكسر هيبة جيشها أمام الإسرائيليين، تفقد بسرعة كبيرة مصداقية سردية المظلومية التي كانت أساس نشأتها وشرعية استمرار تقديم الدعم الغربي غير المشروط لها خلال العقود الماضي.

5- تبدل في توجهات الأمريكيين اليهود من الشباب

على هامش استطلاع هارفارد/هاريس في يناير 2024، جاء في التحليلات المنشورة على موقع الاستطلاع أن أحد الطلبة الشباب اليهود البالغ من العمر 23 عاماً تحدث عما أسماه "التناقض الثقافي"، حيث أنه نشأ على تقديس دولة إسرائيل لكنه اليوم أصبح ينظر إليها باعتبارها دولة تمارس اضطهاداً عنصرياً، وأنه لم يستطع أن يناقش أفكاره هذه إلا مع أصدقاءه المقربين فقط.[19]

جاء في تحليل لتقرير عنون بـ "IfNotNow"، نشر في صحيفة تايمز أوف إسرائيل، أن هناك تغيراً ملحوظاً في مواقف الشباب الأمريكي اليهودي فيما يخص الصهيونية. كما أن الفجوة تتسع بين هؤلاء الشباب في الشتات وبين الدولة الإسرائيلية بسبب رفضهم لسياسات الحكومة الإسرائيلية الممتدة لفترة طويلة. ويرى التحليل أن عدداً كبيراً من الشباب الأمريكي اليهودي أصبح أقرب إلى أفكار الدفاع عن العدالة والحقوق بصورة عامة وليس الدفاع عن الصهيونية والمظلومية اليهودية.[20]

6- الحرب على غزة شرخ كبير في الصورة المتخيلة للعالم الحديث لدى الشباب

أحد أسباب تأثير الأخبار الواردة من غزة بشكل كبير على جيل الشباب هو أنهم نشأوا وهم يعتبرون السلام أمراً طبيعياً. ووصل العالم والشباب –تحديداً-إلى رفاهية الانشغال بقضايا البيئة والعدالة المناخية وحماية المستقبل، ظناً منهم أن زمن الحروب وبشاعة مناظر القتل والتهجير والاغتصاب والتجويع هي ذكريات قديمة موغلة في القدم منذ 80 عاماً لم يشهدوها لا هم ولا آباؤهم، تعلموها فقط في دروس التاريخ في المدارس. وفجأة يصدم الشباب الغربي في أنه وفي القرن الحادي والعشرين ومع كل هذه المنظمات الدولية والقانون الدولي وكل هذه الشعارات عن الحريات وعن حقوق الإنسان تسقط البشرية وتعود إلى زمن القتل البشع وهذه المرة موثق ومصور باحترافية وعلى مدار الساعة. صدمة كبيرة لم يتحملها هذا الجيل وخاصة الناشطين والحقوقيين منهم.[21]

وكما يقال إن لكل جيلٍ ذاكرته الخاصة، يبدو أن جيل Z الغربي سيحمل في ذاكرته دوماً صورة إسرائيل باعتبارها الطرف المسئول عن شن حرب قاسية ضد مدنيين عزل، حرب اشتملت على القتل واستهداف الأطفال عمداً وهدم البيوت وقنص النساء العزل وضرب المستشفيات والمدارس وإجبار 2 مليون شخص على التهجير مراراً وفي ظروف طقس شديد البرودة والتسبب عمداً في موت الناس جوعاً، كل ذلك وغيره دون محاسبة أو دعوة للتوقف، وهو ما يفسر الربط بين صور نتنياهو وصور هتلر على صفحات السوشيال ميديا.

مظاهر التحول: ماذا يعني أن يكون جيل Z الغربي داعماً للحقوق الفلسطينية الآن؟

1- تحول واضح على الفضاء الالكتروني

في رسالة مكتوبة يوم الثلاثاء حصلت عليها NBC News، كتب السيناتور جوش هاولي، الجمهوري عن ولاية ميسوري، إلى وزيرة الخزانة جانيت يلين يقول فيها إنه يجب حظر TikTok، وذلك استناداً إلى صدمة نتائج استطلاع رأي هارفارد/ هاريس في يناير 2024، والتي قال فيها 46% من الشباب (18-24) أن هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر يمكن تبريره كرد فعل على سياسات إسرائيل الخانقة والظالمة للفلسطينيين في غزة. كتب هاولي: "أرجع المحللون هذا التباين الجيلي إلى انتشار المحتوى المناهض لإسرائيل في كل مكان على TikTok، حيث هو المكان المفضل للشباب للحصول منه على معلوماتهم عما يحدث في العالم".[22]

وفي الاستطلاع نفسه، قال 47% من هؤلاء الشباب أنهم يرون أن الإعلام الأمريكي منحاز لإسرائيل، وربما هذا ما يفسر لجوء الشباب إلى الحصول على المعلومات من الانترنت. وبما أن شركات السوشيال ميديا وخاصة فيسبوك وX (تويتر سابقاً) تتبع سياسة انتقائية في حظر أي محتوى معارض لإسرائيل تحت شعار معاداة السامية، أصبحت منصات أخرى وفي مقدمتها TikTok، مصدراً للمعلومة ومنفذاً للتعبير دون فرض قيود ووصاية من السلطات والقواعد الغربية الانتقائية.

وبما أن جيل Z من الأساس جيل يعتمد على البحث الذاتي في تكوين رأيه، كانت الحرب الحالية مثالاً واضحاً على قدرة هذا الجيل على تكوين رواية جديدة عن حقيقة الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني بعيداً كثيراً عن الرواية التقليدية المتجذرة في المجتمع الأوروبي والأمريكي.

أصبح TikTok، على وجه الخصوص، مصدراً رئيسياً للأخبار لواحد من كل 5 شباب بالغين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، وفقاً لتقرير صادر عن معهد رويترز لدراسة الصحافة. فقد حصدت مقاطع الفيديو المتعلقة بفلسطين وإسرائيل أكثر من 75 مليار مشاهدة.[23]

وفي حين كانت مشاركة الانتقاد لإسرائيل شبه محظورة على كثير من المنصات خلال الحرب، حصدت مقاطع الفيديو التي تحتوي على هاشتاج "#standwithpalestine" على TikTok 2.9 مليار مشاهدة، بينما حصلت مقاطع فيديو "#standwithisrael" على نحو 200 مليون فقط، وهاشتاج #freepalestine حصد 770 مليون مشاهدة.[24]

هذا المناخ المفتوح على منصة TikTok (الصينية)، فضلاً عن بعض التواجد على كافة المنصات الأخرى، مكَّن الشباب الغربي من الاطلاع على معلومات جديدة عن تاريخ الصراع، ومنها الوقائع التاريخية في فترة نشأة دولة إسرائيل ومرحلة ما قبل النكبة وما بعدها والمجازر المعلومة أو التي تم الكشف عنها مؤخراً. وقد ساعد في ذلك الطبيعة المنفتحة لهذا الجيل للفهم بعيداً عن "التابوهات" والمقدسات والمسلمات الموروثة تاريخياً، فضلاً عن أن هذا الفضاء السيبراني غالباً يتم النشر عليه باللغة الإنجليزية أو بتوفير ترجمة لمقاطع الفيديو الأصلية.

كل ذلك ظهر في تبدل المفردات المستخدمة لوصف مجريات الحرب في غزة، فأصبحنا نرى استخداماً واسعاً لكلمة "إبادة جماعية" ووصف ما يحدث في غزة بـ "الهولوكوست"، ونرى عدداً من "المؤثرين" وصناع المحتوى من الشباب الغربي يقدمون مادة إعلامية داعمة بقوة للحق الفلسطيني وكاشفة بصورة غير مسبوقة عن حجم التدليس الذي قام به الإعلام والحكومات الغربية في الدعم غير المشروط لإسرائيل رغم انتهاكها للعديد من القوانين والمواثيق الدولية في الماضي والحاضر. وهذا أمر بالغ الأهمية والعمق في تغير الرأي العام الغربي لصورة دولة إسرائيل.

2- اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية

بدا الانقسام الحاد بين الأجيال واضحاً مع خروج الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بوقف إطلاق النار والتعبير عن رفض دعم الحكومات لإسرائيل في هذه الحرب. وقد جاءت الجهود الكبيرة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا لحظر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بعد 7 أكتوبر بنتائج عكسية، حيث خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع بغض النظر عن ذلك.

أصبحت شوارع لندن تشهد طقساً شبه أسبوعي كل يوم سبت للتظاهر من أجل وقف الحرب على غزة، وفي بعض الأحيان يصل عدد المتظاهرين إلى عشرات الآلاف.

ويعد طلاب الجامعات المحرك الرئيسي لهذه التظاهرات، ويتضح ذلك من خلال انتشار المظاهرات وشبه استدامتها في عدد كبير من الجامعات. ووصل الأمر إلى التظاهر في جامعة "ماكجيل" الكندية، وهتاف الطلاب برفضهم لتقديم الجامعة دعماً لإسرائيل ووصفها بالدولة القائمة على أراضٍ مسروقة. هذا الأمر الذي اعتبره مسئولون في الحكومة أمراً مرفوضاً وغير أخلاقي لأن المظاهرات تمت أمام مبنى "برونفمان" الذي يحمل اسم عائلة يهودية ثرية كان لها دور مهم في مساعدة المجتمع الكندي".[25]

وباتت التظاهرات مشهداً مألوفاً في العواصم والمدن الأوروبية والولايات الأمريكية، بل ومشهد أكثر ألفة داخل الجامعات وحولها، وغالباً ما تكشف المتابعة أن وجوه المشاركين تبدو شابة وفي مرحلة الدراسة. وكثيراً ما تتداخل الشعارات الخاصة بحزمة العدالة والحقوق داخل المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والمطالبة بإيقاف إطلاق النار.

3- الحرم الجامعي أصبح يعج بالنشاط / التوتر السياسي

لا يمكن القول بأن كل جيل Z– وهو جيل كل طلبة الجامعات-يتوافق تماماً حول دعم أي من الطرفين في ذاك الصراع الممتد وهذا العدوان الجاري. حتى استطلاعات الرأي تقول بأن الإجابات الداعمة للفلسطينيين تتراوح بين النصف والثلثين، وهو ما يعنى أنه يبقى جانب آخر مؤيد لإسرائيل، وهو ما يعني أن الجامعات الغربية وخاصة الأمريكية تشهد نمواً سريعاً وظاهراً للتوترات والنشاط السياسي سواء بين الطلبة وبعضهم البعض أو بين الطلبة المؤيدين للفلسطينيين وبين بعض من قيادات الجامعة الذين ينتمون إلى الأجيال الأكبر سناً.

وبعد رسالة البريد الإلكتروني التي أرسلتها عميدة الدراسات العامة ليزا روزن ميتش في جامعة هارفارد، وقالت فيها أنها ترفض التظاهرات المؤيدة للمقاومة الفلسطينية لأنها تعتبر إرهاباً! شاركت منظمات طلابية في هارفارد، وفي جامعات أخرى مثل جامعة كولومبيا، وجامعة ماساتشوستس-أمهرست، وجامعة تولين، وكتبت شعارات في تظاهراتها بأن "حق الفلسطينيين في المقاومة منصوص عليه في القانون الدولي". ومنذ ذلك الحين، أصبحت الجامعات بؤراً ساخنة للاحتجاجات.

وقد ألقى القبض على طالب بجامعة ماساتشوستس-أمهرست، بزعم قيامه بلكم طالب يهودي والبصق على العلم الإسرائيلي خلال وقفة احتجاجية أقيمت في الحرم الجامعي، وفقاً لما ذكرته شبكة إن بي سي نيوز. وفي أواخر أكتوبر الماضي، أُلقي القبض على شخص في جامعة تولين لارتكابه عملاً تخريبياً معادياً للسامية (كتابة على الجدران) لمبنى بالقرب من الحرم الجامعي.[26]

في عام 2021، كشفت مجلة Tablet Magazine عن نتائج استطلاع أظهرت أن "الأشخاص ذوي التعليم العالي في الولايات المتحدة يميلون إلى أن يكون لديهم كراهية أكبر تجاه اليهود مقارنة بالأشخاص الأقل تعليماً".

وفي 2022، قام الطلبة في جامعة هارفارد بعمل نشاط سمي "أسبوع الفصل العنصري"، ومن فعالياته كان عرض "جدار الفصل العنصري" في إشارة إلى الجدار بين إسرائيل والضفة الغربية، وهو العرض الذي وصفه بعض الطلبة اليهود بأنه "مؤلم ومهين". [27]

خاتمة

يتبادر السؤال عن كيف يمكن استشراف مستقبل الدعم الأمريكي/ الغربي غير المشروط لإسرائيل؟ إذ يبدو أن مياهاً كثيرة قد جرت في النهر منذ تنفيذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، وأنه من زاوية مختلفة عن حساب النصر والهزيمة بالمقاييس العسكرية أو حتى من خلال حساب عدد الضحايا وكم الخسائر في البنية التحتية والفوقية على كلا الجانبين، فإن هناك حسابات أخرى لهذه الحرب. فهناك طوفان من التحولات الجذرية في الرأي العام الغربي لدى الأجيال الشابة عن السردية المقدسة لإسرائيل "الضحية" ولإسرائيل التي يتعين علينا مساعدتها تعويضاً لها عن "خطيئة" هتلر بحرقه اليهود أثناء الحرب العالمية. إنه جيل جديد غير مضطر لأن يدفع ثمناً لهذا الظلم القديم، جيل رأى صوراً حقيقية نابضة بالحياة والمصداقية تحدث أمامه لبشر حقيقيين يقتلون ويجوعون دون أن يتلقوا أي مساعدة.

الدراسات الإسرائيلية الآن تشير إلى هذا الخطر، وتتساءل ماذا لو فقدنا الدعم الأمريكي؟ ماذا لو تراكم هذا الموقف الحالي تدريجياً حتى أصبح هناك جيلان على الأقل لا يمكن أن يكنوا لإسرائيل نصف المشاعر والقناعات الراسخة للأجيال السابقة؟ وهل يمكن إعادة غسل وجه إسرائيل بإزاحة نتنياهو بعد الحرب؟ أم أن الأمر يتجاوز نتنياهو وحزبه ووصل إلى مناقشة نشأة إسرائيل بالأساس بالعنف وكونها دولة آبارتيد هذا العصر. هي تساؤلات وتكهنات تنذر بأن إسرائيل ربما تكسب جانباً من هذه الحرب لكن من المؤكد أن هناك جوانب عديدة ستخسرها. كما أن صور ومقاطع الفيديو المنقولة إلى العالم كله للصمود الفلسطيني غير المسبوق وكل هذه التضحيات النبيلة من أجل حقه في البقاء في أرضه دون امتلاكه للسلاح أو حتى الطعام تحقق انتصاراً كبيراً في جوانب أخرى من المعركة، وربما هي طوفان سيترك أثراً كبيراً وممتداً.


[1]The Harris Poll, Monthly Harvard CAPS-Harris Poll: January 2024.

https://harvardharrispoll.com/wp-content/uploads/2024/01/HHP_Jan2024_crosstabs.pdf

[2] Rob Crilly, “One in 10 members of Gen Z and young Millennials have a positive view of Hamas terrorists, according to exclusive poll”, Mail Online, 16-10-2023.

https://www.dailymail.co.uk/news/article-12628875/young-students-millennials-Israel-Hamas-protest.html

[3]Sienna Poll, “Cross-Tabs: December 2023 Times/Siena Poll of Registered Voters Nationwide”, The New York Times, 19-12-2023.

https://www.nytimes.com/interactive/2023/12/19/us/elections/times-siena-poll-registered-voter-crosstabs.html

[4]Kayla Epstein, “Israel Gaza: Angst grows among young voters over Biden's policy”, BBC News, 27-12-2023

https://www.bbc.com/news/world-us-canada-67808808

[5]Ezra Klein, “Gen Z Is Listening to What Netanyahu Is Saying. Is Biden?”,The New York Times, 26-01-2024.

https://www.nytimes.com/2024/01/26/opinion/netanyahu-biden-israel-gaza.html

[6]Kathy Frankovic, “How Americans are reacting to escalating violence in Israel”, YouGov, 11-10-2023.

https://today.yougov.com/international/articles/47561-americans-reacting-to-escalating-violence-in-israel

[7]YouGov, “Which side in the Israeli‑Palestinian conflict do you sympathise with more?”, 12-02-2024.

https://yougov.co.uk/topics/politics/survey-results/daily/2024/02/12/4b134/1

[8]Evan Dyer, “A generation gap in attitudes could be undermining support for Israel in the West”, CBC News, 09-11-2023.

https://www.cbc.ca/news/politics/israel-hamas-gaza-canadians-polling-1.7022927

[9] تم إجراء استطلاع EKOS من قبل مجموعة مناصرة كنديون من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط

https://www.cbc.ca/news/politics/israel-hamas-gaza-canadians-polling-1.7022927

[10]Survey: Israel-Gaza: Canadians share sympathies with both sides in warzone, two-thirds call for ceasefire, Angus Reid Institute, Nov, 2023.

https://angusreid.org/israel-palestine-canada-trudeau-gaza-ceasefire/

[11]MohamadHasanSweidan, “Young, bold, and angry: The youth-led revival of the Palestinian cause”, The Cradle, 9-11-2023.

https://thecradle.co/articles-id/11620

[12] المنتدى ومشاركات الطلاب كاملة موجودة على الرابط التالي:

https://www.nytimes.com/2023/10/10/learning/the-israel-gaza-war-a-forum-for-young-people-to-react.html

[13] Lauren Gambino, “Israel-Gaza war sets Biden at odds with youth of America”, The Guardian, 9 Dec 2023.

https://www.theguardian.com/us-news/2023/dec/09/israel-hamas-war-ceasefire-young-democrat-voter

[14]Francis Vinall, “Young Americans are more pro-Palestinian than their elders. Why?”,The Washington Post, 21-12-2023.

https://www.washingtonpost.com/world/2023/12/21/us-support-israel-palestine-poll/

[15]Ezra Klein, “Gen Z Is Listening to What Netanyahu Is Saying. Is Biden?”,The New York Times, 26-01-2024.

https://www.nytimes.com/2024/01/26/opinion/netanyahu-biden-israel-gaza.html

[16]Sajjan M. Gohel, “Why Al Qaeda’s Letter Went Viral on TikTok”, Foreign Policy, 21-11-2023.

https://foreignpolicy.com/2023/11/21/al-qaeda-letter-bin-laden-tiktok-videos-israel-palestine-war-gen-z/

[17] Francis Vinall, “Young Americans are more pro-Palestinian than their elders. Why?”,The Washington Post, 21-12-2023.

https://www.washingtonpost.com/world/2023/12/21/us-support-israel-palestine-poll/

[18]Samuel Rubinstein, “Gen Z has an Israel problem Palestinians are the only victims that matter”, UnHerd, 6-11-2023.

https://unherd.com/2023/11/gen-z-has-an-israel-problem/

[19]The Harris Poll, Monthly Harvard CAPS-Harris Poll: January 2024.

https://harvardharrispoll.com/wp-content/uploads/2024/01/HHP_Jan2024_crosstabs.pdf

[20]Matt Lebovic, “A tear in the tent: The US Jews who are protesting Israel following Hamas massacres”, The Times of Israel, 11-10-2023.

https://www.timesofisrael.com/a-tear-in-the-tent-the-us-jews-who-are-protesting-israel-following-hamas-massacres/

[21]Walter Russel Mead, “Gaza Is Gen Z’s First Real War”, The Wall Street Journal, 20-11-2023.

https://www.wsj.com/articles/gaza-is-gen-zs-first-real-war-hamas-israel-social-media-world-war-ii-3111692f?mod=itp_wsj&mod=djemITP_h

[22]Hanna Seariac, “Why is support for Israel lower among Gen Z and millennials?”,Deseret News, 9-11-2023.

https://www.deseret.com/2023/11/8/23942938/gen-z-millennial-support-for-israel

[23]https://www.deseret.com/2023/11/2/23934956/israel-hamas-war-social-media-misinformation

[24]https://www.washingtonpost.com/technology/2023/11/02/tiktok-israel-hamas-video-brainwash/

[25]https://montreal.ctvnews.ca/pro-palestinian-protestors-block-entrance-to-mcgill-bronfman-building-1.6779731

[26]Hanna Seariac, “Why is support for Israel lower among Gen Z and millennials?”,Deseret News, 9-11-2023.

https://www.deseret.com/2023/11/8/23942938/gen-z-millennial-support-for-israel

[27]Hanna Seariac, “The disturbing rise of antisemitism on elite U.S. campuses”, Deseret News, 9-11-2023.

https://www.deseret.com/faith/2023/10/14/23913670/antisemitism-college-campuses-harvard-open-letter
 

نقلاً عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية*

من اعمال الباحث
أضافة تعليق