المــــــقدمة :
لاشك ان هنالك الكثير من المداد قد أريق فى سبيل البحث والتقصى عن مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية وعلاقتهما يبعضهما البعض من ناحية وبأشخاص القانون الدولى الآخرين من ناحية أخرى ، ولا شك أيضا ان باب البحث والدراسة فى شأن هذه المنظمات لن يوصد ابدا ليس لأنها تحتاج فى كل الأوقات الى عصف ذهنى عنيف لضخ المزيد من الآراء والأفكار فى شرايين اجهزتها ، ولكن لأنها أصبحت بين عشية وضحاها ممسكة بتلابيب العالم ، تأخذه الى حيث يريد من يهيمنون على قراراتها ، وبما اننا نعتقد ان المؤسسات الدولية صارت واحدة من ادوات صناعة السياسة الدولية بل وآداة من أدوات الهيمنة القانونية بعد ان كادت تختفي أدوات الهيمنة المادية ،فلا بد ان يكون هنالك تباينا كبيرا فى المفاهيم التى تهيمن على سيرها ، فكان لابد للباحثين ان يتباروا فى هذا الميدان الفسيح ، كل يروج لمعتقده وفى هذا الإطار بالتحديد يجب على كل الباحثين فى العالم الثالث ان يكونوا على اتم الاستعداد لمقارعة الحجة بالحجة حتى توضع الأمور فى مكانها الصحيح ، فلا احد شك ابدا بان المنظمات الدولية قد وضعت –عن قصد-فى خدمة الدول الكبرى ليس لشىء آخر غير لى عنق الحقيقة وتفسير كثيرا من المفاهيم الدولية لمصلحتهم بالرغم من مخالفة ذلك التفسير لمقومات الحق .
ملخص :
هذه دراسة مقتضبة لمعرفة اساس نظام الاحالة المنصوص عليه فى المادة الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية وهل من الممكن الطعن فى مشروعية هذا النص باعتباره مخالفا لقواعد اساسية فى القانون الدولى من ناحية ؟أو لاعتباره تدخلا مباشرا فى سيادة الدولة وذلك بفرض امر عليها دون ان تكون ملزمة به أو راغبة فيه من ناحية ثانية ؟ أو تغليبها متطلبات السياسة على آليات القانون من ناحية ثالثة ؟. تتكون هذه الدراسة من فصول ثلاث يعنى الاول منها بمجلس الامن من حيث ماهيته واختصاصاته بموجب ميثاق الامم المتحدة ومن قبلها عصبة الامم . ويعنى الثانى منها بالمحكمة الجنائية الدولية من حيث طبيعتها القانونية واختصاصاتها . ثم فصل ثالث نستعرض فيه على وجه الخصوص نظام الاحالة فى القانون الدولى ، ومعرفة مشروعيته واهدافه استنادا على ميثاق امم الامم المتحدة والنظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية ، وننهى هذه الدراسة بالنتائج والتوصيات ، آملين ان يكون عونا للباحثين من بعدنا لنصل الى عالم تتحقق فيه العدالة دونما نظر الى الفوارق الاقتصاديةللدول .
ABSTRACT
This is a brief study to find out the basis of the referral system provided for in Article 13 of the Statute of the International Criminal Court. Is it possible to challenge the legality of this text as a violation of basic rules of international law on the one hand? Or to consider it a direct interference in the sovereignty of the state by imposing an order on it without To be obligated or willing to do so on the other hand? Or give priority to the requirements of politics over the mechanisms of law from a third perspective? This study consists of three chapters, the first of which is concerned with the Security Council in terms of its nature and competences under the Charter of the United Nations and by the League of Nations.
The second is concerned with the International Criminal Court in terms of its legal nature and jurisdiction. Then a third chapter in which we review, in particular, the referral system in international law, knowing its legitimacy and objectives based on the Charter of the United Nations and the Statute of the International Criminal Court, and we end this study with results and recommendations, hoping that it will be of help to researchers after us to reach a world where justice is achieved without consideration. to economic differences
مشكلة الدراسة :
السؤال الرئيسى الذى يدور حوله هذا البحث هو هل تستقيم احالة مجلس الامن الحالة الى المحكمة الجنائية الدولية وفقا لنص المادة 13ب من ميثاق روما الاساسى المنشى لها مع متطلبات المشروعية القانونية بحسب القواعد الاساسية لمعاهدة فينا للاتفاقيات لسنة 1969م والتى تحدد الاشخاص الملزمون بنصوص الاتفاقية ؟ وتفرع عدة اسئلة اخرى وهى
هل يجوز لميثاق روما الاساسى تحديد جهة اخرى يحق لها احالة النزاع اليها دون ايكون هنالك رابط عضوى بينهما ؟
هل فى السلطات الممنوحة الى مجلس الامن تحا الفصل السابع ما يخوله احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية حتى لو كانت الدولة غير موقعة عليه ؟
فرضيات الدراسة :
احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية بواسطة مجلس الامن الدولى وفقا لنص المادة 13ب من ميثاق روما الاساسى لا يستقيم مع القواعد الاساسية لمعاهدة فينا للاتفاقيات لسنة 1069م
حدود الدراسة :
تتمثل حدود هذه الدراسة فى سلطات مجلس الامن تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ،وقواعد المقبولية للمحكمة الجنائية الدولية وفق المادة 13 من نظام روما الاساسى ونص المادة( ) من معاهدة فينا للاتفاقيات للعام 1969م والتى تنص على الاشخاص الدوليين الملزمين بالاتفاقية الدولية
منهج الدراسة : يتبع البحث فى هذه الدراسة المنهج التحليلى الوصفى وذلك بتحليل الوقائع عبر المراجع المختلفة للوصول لنتائج الدراسة
الفصل الاول : مجلس الامن الدولى – THE SICURITY COUNCIL
المبحث الاول : ماهية مجلس الامن
مجلس الامن هو الآداة الرئيسية التى تضطلع بمهمة المحافظة على الامن والسلم الدوليين بحسب ما نصت عليه المادة (24) من ميثاق الامم المتحدة[1] وهو يقوم بتلك المهمة فى استقلال كامل عن الجمعية العامة بحيث يكون نائبا عنها ، وهذا هو جوهر الاختلاف بين مجلس الامن فى ظل ميثاق الامم المتحدة ومجلس الامن فى ظل ميثاق عصبة الامم ، فقد كان عهد العصبة يجعل كل من المجلس والجمعية العامة مختصا بتسوية المنازعات ، وباتخاذ تدابير القسر ، فى حين ان ميثاق الهيئة الجديدة يخص المجلس بهذه التبعات دون الجمعية [2]
نستشف مما ورد فى المادة (24) من الميثاق السالفة الذكر ان مجلس الامن الدولى هو الجسم الرئيسى والتنفيذى الذى يقوم بمباشرة كافة السلطات الممنوحة للجمعية العامة لتنفيذ بنود الميئاق ،وهو يمثل اليد التى تقوم بها الامم المتحدة بتنفيذ قرارتها ، ومجلس الامن يعد من اخطر الاجهزة التى مرت على العالم ، باعتبار السلطات الواسعة التى منحت له وخاصة تلك المتعلقة بالحفاظ على الامن والسلم الدوليين وهو ما يدفعنا فى هذا المبحث لالقاء بعض الضوء على طريقة تكوينه فى الفرع الاول واختصاصاته وسلطاته فى الفرع الثانى ثم نعرج فى الفرع الثالث على التعريف بحق نقض قرارات المجلس (الفيتو)
الفرع الاول : تكوين مجلس الامن
كان مجلس الامن حتى نهاية 1965 يتألف من احد عشر عضوا من الامم المتحدة ، على ان تكون الدول الخمس الكبرى ، وهى الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات السوفيتية المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال ايرلندا ، والولايات المتحدة الامريكية ، اعضاء دائمين فيه [3] حسب ما نص عليه الميثاق ، بحيث تنتخب الجمعية العامة للامم المتحدة ستة اعضاء آخرين من الامم المتحدة ليكونوا اعضاء غير دائمين فى المجلس ويراعى فى ذلك وقبل كل شىء مساهمة اعضاء الامم المتحدة فى حفظ السلم والامن الدولى وفى مقاصد الهيئة الاخرى .[4] ، وقد تم اعتماد قرار بزيادة اعضاء المجلس الى خمسة عشرفى الجلسة المنعفدة بتاريخ 17121963م ، كما تم تعديل المواد (23 :27) من الميثاق بحيث يصبح الاعضاء المنتخبين غير الدائمين عشرة اعضاء بجانب الخمسة اعضاء الدائمين . ونلاحظ ان الدول الخمس دائمة العضوبة فى مجلس الامن هى الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية ، وعليه فان ارادة المنتصر الى تملى رغباتها فى مداولات المجلس، وتصدر قرارات مجلس الامن فى كافة المسائل غير الاجرائية بموافقة اصوات تسعة من اعضائه يكون من بينها اصوات الخمسة الدائمين متفقة ، اى انه لا يمكن لمجلس الامن ان يصدر قرار يعارضه احد الاعضاء الدائمين وهو ما يسمى بحق النقض الفيتو. وبالنظر الى خطورة الصلاحيات الممنوحة الى مجلس الامن تظهر خطورة آلية اتخاذ القرار داخل المجلس على مجمل الاوضاع الامنية فى العالم . وعلى الجملة فان ما تريده الدول الخمس الدائمة العضوية وفق ما تقتضيه مصالحها ومصالح حلفاءها هو الذى يكون ، سواءاكان متفقا مع متطلبات العدالة وسيادة حكم القانون ام لم يكن .ينظم مجلس الامن اعماله على وجه يستطيع معه العمل باستمرار ، وعليه يجب ان يكون لكل عضو من اعضاءه تمثيل دائم فى مقر الهيئة ، ويعقد اجتماعات دورية يمثل فيها
كل عضو من اعضائه – اذا شاء ذلك باحد رجال حكومته او بمندوب آخر يسميه لهذا الغرض خاصة (م 28) وله الحق فى ان يعقد اجتماعاته فى غير مقر العيئة اذا رأى ذلك ادنى الى تسهيل اعماله (م29) ، كما انه يجوز لكل عضو من اعضاء الامم المتحدة ليس بعضو فى مجلس الامن ان يشترك دون ان يصوت فى اية مسألة تعرض على المجلس اذا رأى المجلس ان مصالح هذا العضو تتأثر بها بوجه خاص (م31) ، وأخيرا فان لكل عضو فى الامم المتحدة ليس بعضو فى مجلس الامن ، واية دولة ليست عضوا فى الامم المتحدة اذا كان ايهما فى نزاع معروض على المجلس لبحثه ان يدعى الى الاشتراك فى المناقشات المتعلقة بهذا النزاع دون ان يكون له حق التصويت (32). وبالرغم من انه اصبح من المسلم به اعطاء الدول الكبرى الخمس العضوية الدائمة فى مجلس لامن الا انه يؤخذ على الميثاق ذكره بالاسم تلك الدول الخمس الكبرى التى يحق لها ان تشغل بصفة دائمة عضوية المجلس مع العلم بان صفة الدولة الكبرى ليست من الصفات الثابتة التى تلازم الدولة دائما ، وانه يحدث ان تهبط دولة اعتبرت من الدول الكبرى فى وقت ما الى مصاف الدولة العادية فى وقت لاحق ,بينما تنهض احدى الدول العادية الى مستوى الدول الكبرى .[5] ولكن وكما هو الحال فى كل المعاهدات الدولية فان ارادة الاقوى هى التى تملى بنود المعاهدة وفق ما تقتضيه مصالحها ، كما يؤخذ على ذلك الميثاق –ايضا- انه حدد الاعضاء غير الدائمين تحديدا عدديا ثابتا وكان الاولى ان يكون التحديد نسبيا مرنا حتى يمكن ان يتماشى مع الزيادة التالية لاعضاء الامم المتحدة .[6]
الفرع الثانى : اختصاصات مجلس الامن الدولى – Primary functions of the Security Council
تشمل اختصاصات مجلس الامن الاساسية نشاط الامم المتحدة السياسى دون نشاطها الاقتصادى والاجتماعى[7] ويتمثل هذا النشاط فى مظهرين ، الاول هو العمل على تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية والثانى هو اتخاذ التدابير اللازمة فى حالة تهديد المنازعات للسلم والامن الدوليين .وهما ما نص عليهما الفصل السادس والسابع من ميثاق الامم المتحدة وذلك على النحو التالى :
اولا تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية
ومن الملاحظ بان جميع اختصاصات المجلس تتركز حول حل المنازعات بالطرق السلمية او جبرا على الدول المتنازعة وفى ذلك يتمتع المجلس بسلطات واسعة لفض تلك المنازعات بمعيار اساسى وهو الحفاظ على السلم والامن الدوليين ، ويبدو ان الامم المتحدة قد تعلمت من ويلات الحرب العالمية الثانية مدى وحشية الحرب واثرها المدمر على الانسانية لهذا فقد ابدت حرصا شديدا على منع كل ما يؤدى الى الاخلال بالسلم والامن الدوليين، وبدا ذلك فى السلطات الواسعة لمجلس الامن فى التدخل لمنع ذلك الاخلال حتى لو أدى ذلك الى التدخل العسكرى المسلح ، ولعله من نافلة القول أن تلك السلطات تتركز بصورة عملية فى ايدى الدول الخمس الدائمة العضوية ، اذ ان قرارات المجلس تكون مرهونة بموافقتها بحسب ما تتطرقنا اليه من قبل
تنص المادة (33) فقرة (1) من الميثلق على الاتى(يجب على اطراف اى نزاع من شأن استمراره ان يعرض حفظ السلم والامن الدوليين للخطر ان يلتمسوا حله بادىء ذى بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية ، أو ان يلجأوا للوكالات والتنظيمات الاقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التى يقع عليها اختيارهم ) كما تنص المادة (36 ) والمادة (37) على سلطات مجلس الامن فى حل اى نزاع من النوع المشار اليه فى المادة (36) . وان يوصى بما يراه مناسيا من من شروط لحل النزاع م (372) ، أو ان يقدم توصياته للاطراف المتنازعة بقصد حل النزاع حلا سلميا م (م 38) .
من خلال هذه النصوص نجد ان مهمة مجلس الامن الاولى هى حل المنازعات التى تنشأ بين الاطراف ويكون من شأنها زعزعة الامن والسلم الدوليين وذلك من خلال الوسائل التالية :
1 دعوة الدول التى تكون طرفا فى النزاع الى ان تسوىة نزاعاتها بالطرق السلمية كالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتحكيم والتسوية القضائية
2اللجوء الى المنظمات الاقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التى يقع عليها اختيارها
3 ان يوصى بما يراه ملائما من الاجراءت وطرق التسوية مع مراعاة ما اتخذه المتنازعون من اجراءت سابقة ، وهذا الاجراء يمكن القيام به فى اى مرحلة من مراحل النزاع
4 عرض النزاع على المجلس وعلى المجلس ان يوصى بما يراه ملائما من اجراءت بشأنه
بجانب ذلك فان للمجلس ان يقوم بفحص اى نزاع او اى موقف قد يؤدى الى احتكاك دولى أو قد يثير نزاعا ، لكى يقرر ما اذا كان استمرار هذا النزاع او الموقف من شأنه ان يعرض للخطر الامن والسلم الدوليين (م 34) ، لذلك فان مجلس الامن الدولى يتمتع بسلطات واسعة لحل المنازعات بين الدول متى ماقررت تلك الدول اللجؤ اليه كما يستطيع ان يتدخل من تلقاء نفسه او بناء على شكوى اية دولة اخرى لفحص اى نزاع اذا كان من شأنه يؤدى الى احتكاك دولى او قد يثير نزاعا يؤثر على الامن والسلم الدوليين ، و مع ذلك فقد ثار بعض الخلاف في مدى سلطات مجلس الامن الخاصة بتدخل مجلس الامن فى منازعات الدول ، فقد نصت المادة (33) من الميثاق على انه يجب على اطراف اى نزاع من شأن استمراره ان يعرض حفظ الامن والسلم الدوليين للخطر ان يلتمسوا حله –بادىء ذى بدء – بطرف المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية او ان يلجأوا الى الوكالات والتنظيمات الاقليمية ،او غيرها من الوسائل السلمية التى يقع عليها اختيارهم . ومصدر الخلاف جاء من عبارة بادىء ذى بدء ، ففى رأى مندوب اثيوبيا فى مؤتمر سان فرانسسكو ابان المناقشات التى دارت فيه انه يجب حذف عبارة (First Of all) وفسر هذا الطلب بحيث يتمكن مجلس الامن من التدخل فى النزاع حتى قبل اللجوء الى هذه الوسائل ، او اذا ظهر ان هذه الوسائل ليس من شأنها ان توجد حل سلمى للنزاع ، ولكن جاء مندوب الولايات المتحدة الامريكية بتفسير آخر قال فيه انه لمن المرغوب فيه جدا ان يحاول اطراف اى نزاع ان يحسموه بالطرق المعتادة للتسوية السلمية ، ومع ذلك فانه ان لم تكن هذه الوسائل ناجحة ، او لا يؤمل لها النجاح ثم حدث اى تهديد للسلم او عمل من اعمال العدوان فليس لمجلس الامن ان يتأخر ، ولكن عليه ان يتخذ التدابير اللازمة ، وعلى المجلس ان يتدخل فى اى نزاع يهدد السلم والامن الدوليين ، ولكن ليس له ان يمتلك هذه الصلاحيات الا فى حالة الضرورة[8]
ثانياالاجراءت التى يتخذها مجلس الامن فى حالة تهديد السلم والاخلال به ووقوع العدوان :
هذا هو عنوان الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة والذى يعالج الاجراءت التى يقوم بها مجلس الامن فى حالات تهديد الامن والسلم الدوليين ، او الاخلال بهما ، او فى حالة وقوع العدوان ، وهى الفرع الثانى الذى يتعامل به مجلس الامن لانجاز مهمته الاساسية وهى الحفاظ على الامن والسلم الدوليين .
مما لاشك فيه ان هنالك بعضا من المنازعات الدولية لايمكن ان تحل بالطرق السلمية المنصوص عليها فى المادة (331) من الميثاق كما لا يستطيع مجلس الامن ان يلزم الاطراف المتنازعة بانهاء مظاهر النزاع باستعمال سلطاته المنصوص عليها فى المواد (34- 36- 37- 38) من الميثاق ، عليه فان تلك المنازعات تحتاج الى توصيفات ,واجراءت اخرى تبيح للمجلس التدخل المباشر لحسمها .
تنص المادة (39) من الميثاق على االاتى (يقرر مجلس الامن ما اذا كان ما وقع قد مثل تهديد للسلم او اخلال به او كان ما وقع عملا من اعمال العدوان ، ويقدم فى ذلك توصياته او يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير طبقا لاحكام المادتين (41- 42) من الميثاق لحفظ الامن والسلم الدولى او اعادته الى نصابه . فالمادة (41) نصت على صلاحيات المجلس فى اتخاذ التدابير التى التى لا تتطلب استخدام القوات المسلحة مثل وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والبريدية والجوية والبرقيةوالللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات ، اما المادة (42) فهى التى تعطى الحق الى مجلس الامن –فى حالة ثبوت ان المادة (41) لا تفى بالغرض – بان يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الاعمال ما يلزم لحفظ السلم والامن الدولى او لاعادته الى نصابه .
هذه هى المواد التى يستند عليها مجلس الامن فى اتخاذه اجراءت تبدأ بالعقوبات الاقتصادية وتنهى بالتدخل العسكرى المسلح المباشر فى سبيل الحفاظ على السلم والامن الدوليين او لاعادته الى نصابه . ومن المفروض ان يلجأ المجلس اولا الى التدابير غير العسكرية فان لم تنجح قامباستخدام القوات المسلحة ، مالم يكن الموقف يستدعى الالتجاء مباشرة الى التدابير العسكرية [9]
الرأى الغالب فى القانون الدولى ان ان مجلس الامن يتمتع بصلاحيات واسعة فى سبيل الحفاظ على الامن والسلم الدوليين ولهذا فان مجلس الامن قد قام فى بعض احيان وفى سبيل الحفاظ على الامن والسلم الدوليين بانشاء محاكم جنائية دولية لمحاكمة مجرمى الحرب كما حدث فى البوسنة والهرسك حينما انشأ محكمة يوغسلافيا السابقة . وفى منطقة البحيرات العظمى حينما انشأ محكمة رواندا بالرغم من عدم وجود اى نص فى ميثاق الامم المتحدة يعطىه هذا الحق وهى صلاحية وجدت الاساس القانونى من ان هنالك من الفظائع التى تحدث اثناء الحروب ما يؤثر فى الامن والسلم الدوليين وان على مجلس الامن فى سعيه للحفاظ عليهما ان يقوم بمحاكمة الاشخاص الذين تسببوا فى تلك الفظائع , ويرى البعض انه اذا كان مجلس الامن يتمتع بصلاحية استعمال القوة لوقف الحروب ، فانه من الطبيعى ان يكون باستطاعته اتخاذ اجراءت قانونية لمحاكمة المسؤليين من تلك الحروب ، وما يرتكب خلالها من جرائم ، وذلك بهدف معاقبة الفاعليين وردع من تسول له نفسه الاخلال بالسلم العالمى مستقبلا .[10] ومن امثلة المحاكم التى كونها مجلس الامن استنادا على صلاحياته فى الحفاظ على الامن والسلم الدوليين تلك التى تم تكوينها لمحاكمة مجرمى حروب البلقان بوسط آسيا ، وحروب البحيرات العظمى فى افريقيا ، ويعتبر تكوين مثل تلك المحاكم نموزج قانونى لتلك الصلاحيات الواسعة التى يتمتع بها مجلس الامن وفق ميثاق الامم المتحدة ، وقد تم تكوين تلك المحاكم بقرار منفرد للمجلس بموجب الفصل السابع من الميثاق ، اضافة الى القرارت التى اتخذها المجلس لاقامة محاكم جنايات وصفت بانها ذات طابع دولى عن طريق اتفاقيات ثنائية بين الامم المتحدة وسلطات الدول التى قامت فيها حرب اهلية او اضطرابات ارتكبت خلالها جرائم ضد الانسانية يعاقب عليها القانون الدولى اضافة الى جرائم اخرى يعاقب عليها القانون المحلى كما حدث فى كمبوديا وسيراليون .
ليس هنالك من شك بان لمجلس الامن بموجب ميثاق الامم المتحدة صلاحيات واسعة للحفاظ على الامن والسلم الدوليين كما وضحنا من قبل، فقد وضح من خلال تجارب تعامل مجلس الامن مع كثير من النزاعات بان هنالك صلاحيات لا تحدها حدود واضحة لحسم اى نزاع يرى انه قد يؤثر على السلم والامن الدوليين سواء اكان ذلك بتشكيل محاكم دولية كما حدث فى حروب البلقان ورواندا ، او محاكم ذات طابع دولى كما حدث اخيرا فى جريمة اغتيال الرئيس اللبنانى المرحوم رفيق الحريرى ، وقد اخذ هذا المبدأ فى التشكل بسياسة الامر الواقع بالرغم من الانتقادات الكثيرة التى تم توجيهها اليه ، ولكن الهاجس الاكبر الذى يؤرق ضمير العالم هو تسيس تلك المحاكم واستعمالها كآداة لفرض هيمنة الدول الكبرى باعتبارها صاحبة القرار النهائى فى توصيف النزاع وكيفية التعامل معه., على كل فان تجارب مجلس الامن مع التعامل مع كثير من المنازعات الدولية لا يبعث على الاطمئنا ن -لوجود ظلال سياسية – كما يرى كثير من المختصين – ادت الى اخظاء فادحة كما حدث فى محكمة يوغسلافيا السابقة حيث يرى جانبا من الفقه عدم شرعية انشاء محكمة يوغسلافيا ورواندا الدوليتين على اساس ان سبب انشاءهما قرار مجلس الامن وليس بمحض اختيار ارادة الدول حيث ان ميثاق الامم المتحدة لم يمنح مجلس الامن حق انشاء هيئة قضائية بموجب السلطات المخولة له فى الفصل السابع [11] .
لا شك فى ان على مجلس الامن مراعاة الضوابط القانونية ومبادىء العدالة المنصوص عليها فى الميثاق كما يجب عليه التقيد الصارم بصلاحياته دونما توسع فى تفسير النص مهما بلغت الدواعى لذلك ، ون اهم تلك المبادىء ما نصت عليه المادة 241 من الميثاق وهو ان المجلس يعمل نائبا عن الجمعية العامة وليس مستقلا عنها بنفسه [12] ، وهذا يعنى ان مجلس الامن بصفته نائبا عن الدول الاعضاء ان تكون ارادته ضمن حدود النيابة التى نظمها الاتفاق بينهما فاذا ما تجاوز حدود هذه النيابة زالت عنه صفة النائب [13] . ومن المبادئ التى يجب ان يتقيد بها المجلس التقيد باهداف الامم المتحدة التى انشئت من اجلها التى جاءت فى المادة 242 من الميثاق .وهذا ياتى من باب المحافظة على استقلالية المجلس وممارسة دوره فى الحفاظ على السلم والامن الدوليين بعيدا عن اهواء الدول الكبرى من ناحية ، وتحجيم دور حق الفيتو الذى يؤدى فى كثير من الاحيان الى قلب الحقائق من ناحية اخرى ، وتفادى اخطاء التصويت على قرارات قد تكون مصيرية فى الامم من ناحية ثالثة . لهذا فان خروج مجلس الامن فى قراراته عن القانون الدولى ، و عن الصلاحيات الممنوحة له فى الميثاق ، امر مقلق ويحظى باهتمام بالغ من اهل القانون ، خاصة الاكاديميين منهم ، لكنه لا يلقى الاهتمام الواجب من قبل اهل الحكم وباحثى ومنظرى العلوم السياسية [14] .
على كل فانه واعمالا لقاعدة اعمال النصوص القانونية ونأيا عن اتهام التشريعات الدولية بالتزييد بغير حاجة فاننا نرى انه يجب على مجلس الامن ان يتمهل فى التدخل فى المنازعات الدولية حتى وان كانت تشكل تهديدا للسلم والامن الدوليين حتى تتمكن الدول المتنازعة من اللجوء الى الطرق السلمية التى حددتها المادة (33) من الميثاق ، ولكنه واستنادا الى سلطات مجلس الامن الواسعة تحت المواد (34) و(37) و (39) فان له ان يتدخل مباشرة لحل النزاع فى حالات الضرورة ، وهذا ما أكد عليه مندوب الولايات المتحدة الامريكية فى مناقشات مؤتمر سان فرانسسكوا السابق الاشارة اليه .
الباب الثانى : المحكمة الجنائية الدولية – INTER NATIONAL CRIMINAL COURT
- الفرع الاول : انشاء المحكمة الجنائية الدولية – Establishment of the International Criminal Court
حرصت الدول منذ القدم على اقامة علاقات فبما بينها ’ بل دأبت دوما على تعزيزها والعمل من اجل اذدهارها سعيا منها الى تحسين الاحوال الاجتماعية والاقتصادية لرعاياها الا ان لكل شىء فى العالم له ايجابياته وسلبياته فظهرت مع مرور الزمن فترات توتر بين الدول , ادى تفاقمها الى قيام حروب ساد منطق القوة فيها , والحرب وما يلحق بها من احداث قتل وتدمير وتخريب لم يقتصر على زمن من الازمان او حقبة من الحقب بل استمرت معها الانتهاكات الجسيمة للبشرية جمعاء , الامر الذى جعل نخبة من الناس تبحث من اجل وضع حد لهذه الحروب ووضع نظام يحاسب مرتكبيها [15]
من هنا نشأت فكرة القضاء الجنائى الدولى وانشاء محاكم جنائية دولية تختص بمحاكمة الجرائم الاكثر فظاعة التى يرتكبها قادة الحروب على المدنيين , ومبعث هذه الفكرة كما يبدو هو افلات اولئك القادة من العقاب حيث لا يستطيع القضاء الوطنى اجراء محاكمات عادلة لتأثيرهم على القضاء بشكل مباشر او لوجود بعض النصوص القانونية التى تحميهم من مثل تلك المحاكمات .
كان انشاء محمكمة جنائية دولية تتولى محاكمة مجرمى الحرب حلما يراود مختلف الدول وذلك بسبب الفظائع والانتهاكات التى ترتكب اثناء الحروب والنزاعات المسلحة ، وقد قامت عدة محاولات لانشاء محاكم مؤقتة تتولى هذه المهمة حتى لا يفلت المجرمين الذى ارتكبوا بجرائم ضد الانسانية من العقاب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، لهذا فقد طلب الحلفاء المنتصرون فى الحرب من المانيا اصدار تشريع ينظم محاكمة المتهمين بجرائم الحرب ، وطبقا للقانون الالمانى الصادر بهذا الشأن فان من حق المدعى العام بالمحكمة العليا ان يقرر اى القضايا سوف تعرض على المحكمة [16]
بعد ان قام المجتمع الدولى باشاء العديد من المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة بعد الحرب العالمية الثانية [17] ، وانشاء محاكم جنائية دولية لحالات خاصة [18] قامت الامم المتحدة بمجهودات مضنية لانشاء محكمة دائمة تتولى محاكمة مجرمى الحرب ومنتهكى حقوق لانسان اثناء الحروب والنزاعات المسلحة ، حيث قامت فى الفترة بين عامى 1995 و 1998م لجنتين للانعقاد والاتفاق على النص الموحد الخاص بانشاء محكمة جنائية دولية ، وقد اجتمعت اللجنة التى شكلت خصيصا لانشاء هذه المحكمة والتى اطلق عليها اللجنة الخاصة طوال عام 1995م لمناقشة القضايا الموضوعية والادارية الاساسية ولكنها لم تستطع تقديم نصوص محددة حتى يتم التصويت عليها بالموافقة او الرفض ، فى عام 1996 م تم تغيير تلك اللجنة بلجنة اخرى اطلق عليها اسم اللجنة التحضيرية لانشاء محكمة جنائية دولية والتى قامت بصياغة مشروع الاتفاق النهائى لانشاء المحكمة فى عام 1998م . وفى 1771998م تم فتح باب التوقيع على الاتفاقية الخاصة بانشاء المحكمة الجنائية الدولية فى مدينة روما ، وقامت 20 دولة بالتصويت لصالح اعتماد الاتفاق المنشىء للمحكمة بينما صوتت 7 دول ضده بينها الولايات المتحدة واسرائيل ، وامتنعت 21 دولة عن التصويت .
النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية
اعتمد نظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى مدينة روما بتاريخ 17تموز يولية 1998م من الدول هو النظام الذى مثل اتفاقية انشاء المحكمة الجنائية الدولية والذى اصبح نافذا بعد ان صادق علىه العدد القانونى لشرط نفاذه .
بقراءة سريعة لديباجة نظام روما الاساسى نجد ان الهدف الاساسى من تواثق الدول المصادقة عليه هو ضمان محاكمة مرتكبى جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وهى الجرائم التى يعتبرها النظام جرائم اشد خطورة على المجتمع الانسانى ، وقد تحرى النظام الاساسى – بقدر ماتسطيعه حلول وسط- ان يكون ملتزما بالشرعية الجنائية التى تضمن محاكمة عادلة وفعالة توفر للمتهمين كل ضمانات الدفاع عن النفس .
يتكون النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية من 13 بابا يحتوى على (128 مادة) ، حيث قام فى الباب الاول بمعالجة المسائل الخاصة بانشاء المحكمة وفى الباب الثانى مسائل الاختصاص والقانون الواجب التطبيق وفى الباب الثالث عالج المبادىء العامة للقانون الجنائى ، وفى الرابع تكوين المحكمة وادارتها ‘ وفى الباب الخامس التحقيق والمقاضاة ’ وفى السادس المحاكمة وفى السابع العقوبات , وفى الثامن الاستئناف واعادة النظر ’ وفى التاسع التعاون الدولى والمساعدة القضائية , وفى العاشر تنفيذ الاحكام ’الاطراف , وفى الحادى عشر جمعية الدول الاطراف ، وفى الثانى عشر التمويل ’ وفى الثالث عشر الاحكام الختامية .
اهم ما يميز النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية هو حرص الدول على ان تكون اجراءت الاتهام والتحقيق متوافقة مع الشرعية الجنائية كما عرفتها القوانيين الوطنية ويتجلى هذا فى وجود باب كامل يتحدث عن الشرعية الجنائية وهو الباب الثالث ، بحيث تكون المحاكمة بموجب نظام روما الاساسى محاكمة عادلة تتوفر فيها كافة الضمانات التى تفرضها الشرعية الجنائية . فلا يكون ما جاء بديباجة النطام الاساسى من ضمان عدم افلات المجرمين من العقوبة مدخلا لاهدار الحقوق الاساسية فى التمتع بمحاكمة عادلة وشفافة وفق ما نص عليه ذلك النظام .
اتساقا مع هذه الدراسة سنقوم بتحليل ما جاء فى نظام روما الاساسى من محورين هما مسائل الاختصاص والمبادىء العامة للقانون الجنائى وذلك على النحو الاتى :
1 مسائل الاختصاص
تنص المادة (12) من نظام روما الاساسى على ان ليس للمحكمة اختصاص الا فيما يتعلق بالجرائم التى ترتكب بعد نفاذ هذا النظام الاساسى
2اذا اصبحت دولة من الدول طرفا فى هذا النظام الاساسى بعد بدء نفاذه لايجوز للمحكمة ان تمارس اختصاصها الا فيما يتعلق بالجرائم التى ترتكب بعد نفاذ هذا النظام .
تعتبر هذه المادة من اهم المواد التى تجسد الشرعية الجنائية فيما يتعلق بالمحاكمة بموجب نظام روما الاساسى ، حيث انه لايكون للمحكمة أي اختصاص على الجرائم المتعلقة بدولة ما يكن النظام الاساسى نافذا فى مواجهتها . اما المادة (13) فقد حددت الحالات التى تدخل فى اختصاص المحمكة الجنائية الدولية وهى :
1 اذا احالت دولة طرف الى المدعى العام وفقا للمادة (14) حالة يبدو فيها ان جريمة او اكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت
2 اذا احال مجلس الامن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة حالة الى المدعى العام يبدو فيها ان جريمة قد ارتكبت
3اذا كان المدعى العام قد باشر تحقيقا فيما يتعلق بجريمة من الجرائم وفق المادة (15)
وبما ان الحالتين الاولى والثالثة لا يستطيع ان يمارسمهما المدعى العام الا بعد ان تكون الدولة طرف فى النظام الاساسى ، فان الحالة الثانية يمكن للمدعى العام ان يمارس فيها اختصاصه بغض النظر عما اذا كانت الدولة عضوا فى النظام الاساس ام لا وهو جوهر دراستنا هذه ولهذا فاننا سنرجىء الحديث عن الاختصاص الى الفصل القادم ليكون اكثر اتساقا مع منهج هذه الدراسة .
ان مسائل الاختصاص من اهم ما افرزته الشرعية الجنائية باعتبارها ضامنا لعدالة المحاكمة حتى لا تتغول المحكمة على حقوق المتهمين وتنصب نفسها على من تريد دون ان تكون مختصة بموجب القانون الذى انشأها . عليه فان محكمة الجنايات الدولة وبحسب ما نص عليه نظام روما الاساسى فى الما دة (13) فى فقرتيها الاولى والثالثة لا تختص بنظر اية جريمة فى دولة لم تصادق على النظام الاساسى ، وهو مبدأ يتعلق بالشرعية الجنائية التى حاول النظام الاساسى جاهدا تكريسها كاحد اهم دعاماته اما فيما يتعلق بالفقرة الاولى فان المقصود بالدولة الطرف هى الدولة التى صادفت على نظام روما الاساسى وفق ما نصت عليه المادة (1251) [19]
وبوجود هذا التصديق تكون الدولة طرفا فى اتفاقية النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية وعليه فان الدولة التى لا تصادق على ذلك النظام لا تسرى عليها احكام ذلك النظام كما جاء فى نص المادة (43) من اتقاقية فينا لقانون الاتفاقيات لسنة 1969 والتى جاء فيها (لا تنشىء المعاهدة التزامات او حقوق للدولة الغير بدون رضاها ) ، كما تنص المادة (35) من ذات الاتفاقية على (اذا انشأت الاتفاقية التزاما على دولة ليست طرفا لا بد ان تقبل به الدولة المعنية صراحة او ضمنا ) وبما ان اتفاقية روما لسنة 1998م والتى قامت بانشاء المحكمة الجنائية الدولية ما هى الا عقد ابرمته الدول الاطراف واصبح هذا العقد نافذا كاتفاقية دولية وفقا لاحكام اتفافقية فينا لسنة 1969م فانه لا يكون نافذا الا فى حق الدول الاطراف ومواطنيها طالما تم انشاءه بسلطان ارادة الدول المتعاقدة [20]
اما فيما يتعلق بالفقرة الثالثة من المادة (13) والتى تتعلق بنظر الجرائم التى باشر فها المدعى العام التحقيق بموجب المادة (15) ، فان المدعى العام لا يستطيع مباشرة التحقيق بموجب المادة (15) الا اذا كانت الدولة التى وقعت فيها الجريمة دولة طرف فى النظام الاساسى ، وعليه فان التصديق او الموافقة او القبول بالنظام الاساسى يعتبر شرطا لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية بحسب الفقرة الاولى والثالثة من المادة (13) وهى المادة التى تحدد اختصاص المحكمة ، ولنا وقفة مع الفقرة الثانية من ذات المادة فى الفصل الثالث من هذه الدراسة .
2 المبادىء العامة للقانون الجنائى
نص النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى الباب الثالث على المبادىء العامة للقانون الجنائى ، وهى المبادىء التى تضمن تمتع المتهم محاكمة جنائية عادلة تتوفر فيها كافة حقوق الدفاع ، فلا تستطيع المحكمة مثلا الادانة بجريمة او توقيع عقوبة الا بنص (م 22) ولا يجوز مساءلة الشخص جنائيا بموجب هذا النظام عن سلوك سابق لبدء نفاذ النظام فى حقه (م 24) كما ان المسؤلية تكون فردية سواء اكان ارتكاب المتهم للجريمة بمفرده او بالاشتراك او بالاغراء او بتقديم العون او التحريض او المساعدة (م 25) ، كما انه لا يجوز محاكمة الاشخاص اقل من 18 سنة (26)
هذه هى اهم بنود الشرعية الجنائية التى نص عليها نظام روما الاساسى وهى تعطى المتهم – الى حد كبير – كثيرا من ضمانات العدالة فى المحاكمة اسوة بما هو معمول به فى القوانيين الوطنية ،وهى ضمانات اراد بها واضعو النظام الاساسى وضع المحكمة الجنائية الدولية فى مصاف المحاكم الوطنية من حيث اجراء المحاكمة وفق ما يعرفه المتهمين من توخى العدالة فى محاكمهم الوطنية ، ومن حيث التقيد بالاجراءت الجنائية التى تضمن لهم محاكمة عادلة .
حرصت الدول منذ القدم على اقامة علاقات فبما بينها ’ بل دأبت دوما على تعزيزها والعمل من اجل اذدهارها سعيا منها الى تحسين الاحوال الاجتماعية والاقتصادية لرعاياها الا ان لكل شىء فى العالم له ايجابياته وسلبياته فظهرت مع مرور الزمن فترات توتر بين الدول , ادى تفاقمها الى قيام حروب ساد منطق القوة فيها , والحرب وما يلحق بها من احداث قتل وتدمير وتخريب لم يقتصر على زمن من الازمان او حقبة من الحقب بل استمرت معها الانتهاكات الجسيمة للبشرية جمعاء , الامر الذى جعل نخبة من الناس تبحث من اجل وضع حد لهذه الحروب ووضع نظام يحاسب مرتكبيها [21]
من هنا نشأت فكرة القضاء الجنائى الدولى وانشاء محاكم جنائية دولية تختص بمحاكمة الجرائم الاكثر فظاعة التى يرتكبها قادة الحروب على المدنيين , ومبعث هذه الفكرة كما يبدو هو افلات اولئك القادة من العقاب حيث لا يستطيع القضاء الوطنى اجراء محاكمات عادلة لتأثيرهم على القضاء بشكل مباشر او لوجود بعض النصوص القانونية التى تحميهم من مثل تلك المحاكمات .
كان انشاء محمكمة جنائية دولية تتولى محاكمة مجرمى الحرب حلما يراود مختلف الدول وذلك بسبب الفظائع والانتهاكات التى ترتكب اثناء الحروب والنزاعات المسلحة ، وقد قامت عدة محاولات لانشاء محاكم مؤقتة تتولى هذه المهمة حتى لا يفلت المجرمين الذى ارتكبوا بجرائم ضد الانسانية من العقاب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، لهذا فقد طلب الحلفاء المنتصرون فى الحرب من المانيا اصدار تشريع ينظم محاكمة المتهمين بجرائم الحرب ، وطبقا للقانون الالمانى الصادر بهذا الشأن فان من حق المدعى العام بالمحكمة العليا ان يقرر اى القضايا سوف تعرض على المحكمة [22]
بعد ان قام المجتمع الدولى باشاء العديد من المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة بعد الحرب العالمية الثانية [23] ، وانشاء محاكم جنائية دولية لحالات خاصة [24] قامت الامم المتحدة بمجهودات مضنية لانشاء محكمة دائمة تتولى محاكمة مجرمى الحرب ومنتهكى حقوق لانسان اثناء الحروب والنزاعات المسلحة ، حيث قامت فى الفترة بين عامى 1995 و 1998م لجنتين للانعقاد والاتفاق على النص الموحد الخاص بانشاء محكمة جنائية دولية ، وقد اجتمعت اللجنة التى شكلت خصيصا لانشاء هذه المحكمة والتى اطلق عليها اللجنة الخاصة طوال عام 1995م لمناقشة القضايا الموضوعية والادارية الاساسية ولكنها لم تستطع تقديم نصوص محددة حتى يتم التصويت عليها بالموافقة او الرفض ، فى عام 1996 م تم تغيير تلك اللجنة بلجنة اخرى اطلق عليها اسم اللجنة التحضيرية لانشاء محكمة جنائية دولية والتى قامت بصياغة مشروع الاتفاق النهائى لانشاء المحكمة فى عام 1998م . وفى 1771998م تم فتح باب التوقيع على الاتفاقية الخاصة بانشاء المحكمة الجنائية الدولية فى مدينة روما ، وقامت 20 دولة بالتصويت لصالح اعتماد الاتفاق المنشىء للمحكمة بينما صوتت 7 دول ضده بينها الولايات المتحدة واسرائيل ، وامتنعت 21 دولة عن التصويت .
النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولي
اعتمد نظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى مدينة روما بتاريخ 17تموز يولية 1998م من الدول هو النظام الذى مثل اتفاقية انشاء المحكمة الجنائية الدولية والذى اصبح نافذا بعد ان صادق علىه العدد القانونى لشرط نفاذه .
بقراءة سريعة لديباجة نظام روما الاساسى نجد ان الهدف الاساسى من تواثق الدول المصادقة عليه هو ضمان محاكمة مرتكبى جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وهى الجرائم التى يعتبرها النظام جرائم اشد خطورة على المجتمع الانسانى ، وقد تحرى النظام الاساسى – بقدر ماتسطيعه حلول وسط- ان يكون ملتزما بالشرعية الجنائية التى تضمن محاكمة عادلة وفعالة توفر للمتهمين كل ضمانات الدفاع عن النفس .
يتكون النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية من 13 بابا يحتوى على (128 مادة) ، حيث قام فى الباب الاول بمعالجة المسائل الخاصة بانشاء المحكمة وفى الباب الثانى مسائل الاختصاص والقانون الواجب التطبيق وفى الباب الثالث عالج المبادىء العامة للقانون الجنائى ، وفى الرابع تكوين المحكمة وادارتها ‘ وفى الباب الخامس التحقيق والمقاضاة ’ وفى السادس المحاكمة وفى السابع العقوبات , وفى الثامن الاستئناف واعادة النظر ’ وفى التاسع التعاون الدولى والمساعدة القضائية , وفى العاشر تنفيذ الاحكام ’الاطراف , وفى الحادى عشر جمعية الدول الاطراف ، وفى الثانى عشر التمويل ’ وفى الثالث عشر الاحكام الختامية .
اهم ما يميز النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية هو حرص الدول على ان تكون اجراءت الاتهام والتحقيق متوافقة مع الشرعية الجنائية كما عرفتها القوانيين الوطنية ويتجلى هذا فى وجود باب كامل يتحدث عن الشرعية الجنائية وهو الباب الثالث ، بحيث تكون المحاكمة بموجب نظام روما الاساسى محاكمة عادلة تتوفر فيها كافة الضمانات التى تفرضها الشرعية الجنائية . فلا يكون ما جاء بديباجة النطام الاساسى من ضمان عدم افلات المجرمين من العقوبة مدخلا لاهدار الحقوق الاساسية فى التمتع بمحاكمة عادلة وشفافة وفق ما نص عليه ذلك النظام .
اتساقا مع هذه الدراسة سنقوم بتحليل ما جاء فى نظام روما الاساسى من محورين هما مسائل الاختصاص والمبادىء العامة للقانون الجنائى وذلك على النحو الاتى :
1 مسائل الاختصاص
تنص المادة (12) من نظام روما الاساسى على ان ليس للمحكمة اختصاص الا فيما يتعلق بالجرائم التى ترتكب بعد نفاذ هذا النظام الاساسى
2اذا اصبحت دولة من الدول طرفا فى هذا النظام الاساسى بعد بدء نفاذه لايجوز للمحكمة ان تمارس اختصاصها الا فيما يتعلق بالجرائم التى ترتكب بعد نفاذ هذا النظام .
تعتبر هذه المادة من اهم المواد التى تجسد الشرعية الجنائية فيما يتعلق بالمحاكمة بموجب نظام روما الاساسى ، حيث انه لايكون للمحكمة أي اختصاص على الجرائم المتعلقة بدولة ما يكن النظام الاساسى نافذا فى مواجهتها . اما المادة (13) فقد حددت الحالات التى تدخل فى اختصاص المحمكة الجنائية الدولية وهى :
1 اذا احالت دولة طرف الى المدعى العام وفقا للمادة (14) حالة يبدو فيها ان جريمة او اكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت
2 اذا احال مجلس الامن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة حالة الى المدعى العام يبدو فيها ان جريمة قد ارتكبت
3اذا كان المدعى العام قد باشر تحقيقا فيما يتعلق بجريمة من الجرائم وفق المادة (15)
وبما ان الحالتين الاولى والثالثة لا يستطيع ان يمارسمهما المدعى العام الا بعد ان تكون الدولة طرف فى النظام الاساسى ، فان الحالة الثانية يمكن للمدعى العام ان يمارس فيها اختصاصه بغض النظر عما اذا كانت الدولة عضوا فى النظام الاساس ام لا وهو جوهر دراستنا هذه ولهذا فاننا سنرجىء الحديث عن الاختصاص الى الفصل القادم ليكون اكثر اتساقا مع منهج هذه الدراسة .
ان مسائل الاختصاص من اهم ما افرزته الشرعية الجنائية باعتبارها ضامنا لعدالة المحاكمة حتى لا تتغول المحكمة على حقوق المتهمين وتنصب نفسها على من تريد دون ان تكون مختصة بموجب القانون الذى انشأها . عليه فان محكمة الجنايات الدولة وبحسب ما نص عليه نظام روما الاساسى فى الما دة (13) فى فقرتيها الاولى والثالثة لا تختص بنظر اية جريمة فى دولة لم تصادق على النظام الاساسى ، وهو مبدأ يتعلق بالشرعية الجنائية التى حاول النظام الاساسى جاهدا تكريسها كاحد اهم دعاماته اما فيما يتعلق بالفقرة الاولى فان المقصود بالدولة الطرف هى الدولة التى صادفت على نظام روما الاساسى وفق ما نصت عليه المادة (1251) [25]
وبوجود هذا التصديق تكون الدولة طرفا فى اتفاقية النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية وعليه فان الدولة التى لا تصادق على ذلك النظام لا تسرى عليها احكام ذلك النظام كما جاء فى نص المادة (43) من اتقاقية فينا لقانون الاتفاقيات لسنة 1969 والتى جاء فيها (لا تنشىء المعاهدة التزامات او حقوق للدولة الغير بدون رضاها ) ، كما تنص المادة (35) من ذات الاتفاقية على (اذا انشأت الاتفاقية التزاما على دولة ليست طرفا لا بد ان تقبل به الدولة المعنية صراحة او ضمنا ) وبما ان اتفاقية روما لسنة 1998م والتى قامت بانشاء المحكمة الجنائية الدولية ما هى الا عقد ابرمته الدول الاطراف واصبح هذا العقد نافذا كاتفاقية دولية وفقا لاحكام اتفافقية فينا لسنة 1969م فانه لا يكون نافذا الا فى حق الدول الاطراف ومواطنيها طالما تم انشاءه بسلطان ارادة الدول المتعاقدة [26]
اما فيما يتعلق بالفقرة الثالثة من المادة (13) والتى تتعلق بنظر الجرائم التى باشر فها المدعى العام التحقيق بموجب المادة (15) ، فان المدعى العام لا يستطيع مباشرة التحقيق بموجب المادة (15) الا اذا كانت الدولة التى وقعت فيها الجريمة دولة طرف فى النظام الاساسى ، وعليه فان التصديق او الموافقة او القبول بالنظام الاساسى يعتبر شرطا لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية بحسب الفقرة الاولى والثالثة من المادة (13) وهى المادة التى تحدد اختصاص المحكمة ، ولنا وقفة مع الفقرة الثانية من ذات المادة فى الفصل الثالث من هذه الدراسة .
2 المبادىء العامة للقانون الجنائى
نص النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى الباب الثالث على المبادىء العامة للقانون الجنائى ، وهى المبادىء التى تضمن تمتع المتهم محاكمة جنائية عادلة تتوفر فيها كافة حقوق الدفاع ، فلا تستطيع المحكمة مثلا الادانة بجريمة او توقيع عقوبة الا بنص (م 22) ولا يجوز مساءلة الشخص جنائيا بموجب هذا النظام عن سلوك سابق لبدء نفاذ النظام فى حقه (م 24) كما ان المسؤلية تكون فردية سواء اكان ارتكاب المتهم للجريمة بمفرده او بالاشتراك او بالاغراء او بتقديم العون او التحريض او المساعدة (م 25) ، كما انه لا يجوز محاكمة الاشخاص اقل من 18 سنة (26)
هذه هى اهم بنود الشرعية الجنائية التى نص عليها نظام روما الاساسى وهى تعطى المتهم – الى حد كبير – كثيرا من ضمانات العدالة فى المحاكمة اسوة بما هو معمول به فى القوانيين الوطنية ،وهى ضمانات اراد بها واضعو النظام الاساسى وضع المحكمة الجنائية الدولية فى مصاف المحاكم الوطنية من حيث اجراء المحاكمة وفق ما يعرفه المتهمين من توخى العدالة فى محاكمهم الوطنية ، ومن حيث التقيد بالاجراءت الجنائية التى تضمن لهم محاكمة عادلة .
الفرع الثانى : العلاقة بين مجلس الامن والمحكمة الجنائية الدولية – The relationship between the Security Council and the International Criminal Court
درسنا فيما سبق تكوين واختصاصات مجلس الامن والمحكمة الجنائية الدولية ، من نافلة القول
ومن خلال قراءة ميثاق الامم المتحدة والنظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية انه لا توجد علاقة عضوية بينهما ، اى ان المحكمة الجنائية الدولية ليست واحدة من مؤسسات الامم المتحدة مثل محكمة العدل الدولية مثلا ، ووفقا لهذا النظر فانه لاسلطة لمجلس الامن على المحكمة الجنائية الدولية بالرغم من الصلاحيات الواسعة التى منحها ميثاق الامم المتحدة له فى سبيل الحفاظ على السلم الامن الدوليين ،كما هو الحال فى النظام الاساسى لمحكمة العدل الدولية والذى نصت عليه المادة (352) [27] ، فبحسب هذه المادة فان مجلس الامن يمتلك صلاحيات واسعة على كيفية اللجوء عليها بحيث لا تستطيع الدول بحسب المادة المذكورة من اللجوء اليها الا بعد استيفاء الشروط التى حددها مجلس الامن ، وهذه العلاقة ناتجة من كون ان محكمة العدل الدولية هى احدى منظمات الامم المتحدة وان مجلس الامن هو الجهة التى فوضها ميثاق الامم المتحدة حفظ الامن والسلم الدوليين فكان لابد من النص على هيمنة مجلس الامن على عمل المحكمة . اما فيما يختص بالمحكمة الجنائية الدولية فانه ان لا توجد مثل تلك العلاقة بسبب ان تلك المحكمة ليست واحدة من منظمات الامم المتحدة كما هو الحال فى محكمة العدل الدولية ولا توجد لمجلس الامن –بالرغم – من الصلاحيات الواسعة التى منحت له بموجب ميثاق الامم المتحدة من اىة سلطة على عمل المحكمة الجنائية بموجب ميثاق الامم المتحدة .
لم تعدم الدول الكبرى – وهى الدول الخمس ذات العضوية الدائمة فى مجلس الامن – لم تعدم حيلة لبسط بعض الهيمنة بواسطة مجلس الامن على المحكمة الجنائية الدولية ، فبالرغم من ان المحكمة الجنائية الدولية قد انشأت بموجب اتفاقية دولية بين الاعضاء الموقعين على نظامها الاساسى ، وبالرغم من ان تلك الاتفاقية لا تكون ملزمة الا للاطراف الموقعين عليها فقط ، الا ان واضعوا النظام الاساسى للمحكمة الجنائية قد اوجدوا نصا يعطى لمجلس الامن الحق فى احالة الحالات التى يرى فيها المجلس انتهاكا للامن والسلم الدوليين الى المحكمة الجنائية الدولية بغرض التحقيق فيها ومحاكمة المتهمين ان كان هنالك وجه للاتهام والمحاكمة ، وقد تأتى وجاهة هذا الرأى من ان مجلس الامن مكلف بموجب ميثاق الامم المتحدة بآداء مهام كبيرة وهى الحفاظ على الامن والسلم الدوليين ، وان المجلس فى سبيل انجاز هذه المهمة يتصرف نيابة عن المجتمع الدولى ويملك فى نفس الوقت اتخاذ اية تدابير يراها مناسبة لتحقيق هذا الهدف ………… وصفوة القول هو ان جهود مجلس الامن وكذلك جهود المحكمة الجنائية الدولية تصب كافة فى مجرى واحد وتسعى لتحقيق ذات الهدف وهو الحفاظ على الامن والسلم الدوليين . [28] ، ويبدو ان وضع نص المادة (132) والذى يعطى الحق لمجلس الامن باحالة اية حالة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها كان مستندا على هيمنة مجلس الامن على كافة الاوضاع الامنية فى العالم بموجب تلك الصلاحيات الواسعة التى منحت له فى الميثاق للقيام بأى تدبير من شأنه الحفاظ على الامن والسلم الدوليين وهى سلطات لا حدود لها فى رأى الدول الكبرى لانها تريد ان يكون المجلس مخلب القط الذى يفعل لها ما تريد فى هذا العالم ، ولا يخفى على احد بان تكوين مجلس الامن وطريقة اتخاذ القرارت فيه يجعل من الدول الخمس الكبرى مهيمنا على كل ما يحدث العالم ومن بينها الحروب والنزاعات الدولية منها والداخلية ليس بالتدخل المباشر او غير المباشر لحسمها بل بتقديم المتهمين فيها بانتهاك القانون الدولى الانسانى الى المحكمة الجنائية الدولية .
ان العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس تبدو علاقة عكسية وذلك ان العلاقة بين كل المؤسسات الدولية ومجلس الامن تأخذ شرعيتها من ميثاق الامم المتحدة والذى هو بمثابة دستور للمنظمات الدولية ، وهو الذى جعل من مجلس الامن الجسم الذى يسيطر سيطرة كاملة على كل الاوضاع الامنية فى العالم ، والفصل السابع من الميثاق هو الذى يضفى الشرعية الدولية على كل ما يقوم به المجلس فى سبيل الحفاظ على الامن والسلم الدوليين ، اما فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية فان النظام الاساسى لها هو الذى خول مجلس الامن فى احالة الحالات التى يرى انها مخلة بالامن والسلم الدوليين وهو اقحام للمجلس فى عمل المحكمة الجنائية وذلك ان هيمنة المجلس على الاوضاع الامنية بموجب الفصل السابع من الميثاق قصد به فى المقام الاول الجوانب السياسية لحفظ موازين القوى التى افرزتها الحرب العالمية ، وتخضع كل القرارت التى تصدر من المجلس الى تفاهمات بين الدول الخمس الدائمة العضوية لتحقيق مصالحها دون النظر الى مصالح بقية الدول ودون النظر كذلك الى مصلحة العدالة الدولية ودوننا عشرات القرارات التى اصدرها المجلس ضد مصلحة كثير من الشعوب وضد العدالة واحقاق الحق ¸ ويرى بعض الفقهاء ان منح مجلس الامن حق الاحالة يعنى واقعيا ان هذه المسألة تظل رهينة بارادة اعضاءه الدائميين ومن ثم فهى تعد سلاحا ذو حدين ، اذ كما يمكن بواسطته تقرير الحالة بالاتفاق فهو يؤدى ايضا الى الاتفاق على حماية بعض الدول او الدول الاعضاء نفسها فى مجلس الامن او مواطنيها وبالتالى فاننا نواجه مسألة عدم المساواة وعدم تطبيق الشرعية القانونية من حيث المتابعة[29] ، وان كان هذا الامر قد قبل به العالم لانه يتعلق بمصالح مجموعات قد لا تجد من يوحد كلمتها فى مواجهته فانه من الصعب تطبيقه على افراد حيث تتم احالة النزاع من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية عن طريق التصويت وتغليب المصالح الذاتية للدول ، وان هذا التصويت ربما يؤدى الضغط على الدول لاتخاذ موقف معين عن طريق التلويح بسيف المحكمة الجنائية الدولية .
اردنا القول بان مجلس الامن ما كان له ان يكون واحد من الآليات التى تحدد اختصاص المحكمة , دون تحديد للاسس التى يحيل بها المجلس ذلك النزاع الى المحكمة خلاف تهديده للمن والسلم الدوليين مما يعد اطلاقا ليد مجلس الامن مستندا الى الفصل السابع من الميثاق فى احالته للنزاعات الى المحكمة الجنائية الدولية ، وبذلك تصبح المحكمة الجنائية الدولية واحدة من ادوات مجلس الامن التى يعالج بها النزاعات، ويصطدم هذا النظر بكيفية انشاء المحكمة الجنائية الدولية حيث انها جاءت الى الوجود عن طريق اتفاقية دولية ، ولم تتكون بقرار من هيئة الامم المتحدة كأحد تنظيماتها المتخصصة ، ولا بقرار من مجلس الامن وفق سلطاته تحت الفصل السابع من الميثاق، وبهذا فان نص المادة (132) الذى ينظم العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الامن قد اقحم فى النظام الاساسى بغير مسوق قانونى مستند الى ميثاق الامم المتحدة ، وبغير رضى من كثير من اطراف تلك الاتفاقية حيث ان الهدف الاساسى منه هو تكريس سيطرة الدول الكبرى على كل ما يحدث داخل الدول ، وحتى تستطيع التدخل فى الوقت الذى تستشعر فيه وجود خطر على مصالحها الاستراتيجية ، او حتى للضغط على الدول لاتخاذ المسار الذى يتوافق مع تلك المصالح
الفصل الثالث : مشروعية واهداف قرار الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية
The legality and objectives of the referral decision from the Security Council to the International Criminal Courtتوصلنا فى ما سبق الى ان مجلس الامن هو احد منظمات الامم المتحدة والتى اشأت مبوجب ميثاقها [30]، وان وبموجب نفس ذلك الميثاق فان المنظمة المفوضة من قبل الجمعية العامة لاتخاذ كافة القرارات واتخاذ كافة التدابير التى تقوم بالمحافظة على الامن والسلم الدوليين ،كما توصلنا الى ان المحكمة الجنائية الدولية فد تم انشاءها بموجب اتفاقية بين الاطراف تم توقيعها فى روما [31] ، وترتيبا على ذلك فاننا نريد ان نتعرف على مشروعية واهداف الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية من خلال ميقاق الامم المتحدة الذى ينظم سلطات مجلس الامن ، وكذلك من خلال قانون فينا للاتفاقيات الذى ينظم انشاء الاتفاقيات الدولية .
الفرع الاول :مشروعية الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية
The legality of the referral from the Security Council to the International Criminal Courtمن المعلوم ان اختصاصات وسلطات مجلس الامن تنظمها الفصول السادس والسابع والثامن والثانى عشر من ميثاق الامم المتحدة بحسب ما نصت عليه المادة (242) من الميثاق[32] وبحسب هذه المادة فان مجلس الامن مقيد فى ممارسة سلطاته واختصاصاته بشيئين ، أولهما هو العمل وفق مقاصد الامم المتحدة ومبادئها والثانى ان يقوم بالواجبات المبينة فى الفصول 6-7-8-12 وبهذا تصبح القرارات التى يتخذها مجلس الامن بغير مراعاة للقيود الواردة فى هذه المادة فاقدة للشرعية الدولية.
بالعودة الى ما نص عليه الميثاق فى تحديده لواجبات مجلس الامن نجد ان الفصل السادس تحدث عن حل المنازعات سلميا وذلك بدعوة المجلس لاطراف النزاع ،او لاى دولة عضو فى الامم المتحدة ، أو لاو منظمة اقليمية لحل النزاع بالطرق السلمية ، ويتحدث الفصل السابع عن ما يتخذه المجلس فى حالات تهديد السلم والاخلال به ووقوع العدوان ، ويتكون هذا الفصل من المادة (39) ويقرر المجلس بموجبها ما اذا كان قد وقع تهديد للامن والسلم الدوليين ، والمادة (40) وتتعلق بدعوة المتنازعين للاخذ بما يراه ضروريا او مستحسنا من تدابير مؤقتة ، والمادة (41) وهى اتخاذ الدابير التى لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قرارته ، والمادة (42) وهى التى تعطى الحق للمجلس فى ان يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الاعمال ما يلزم لحفظ السلم والامن الدوليين ، والمادة (43)وتنص على تعهد الاعضاء بوضع ما يلزم من القوات المسلحة تحت تصرف المجلس ، والمادة (44) تتحدث عن كيفية تقديم القوات المسلحة من الدول الممثلة لتقديم تلك القوات والمادة (45) تنص على ان يكون لكل دولة وحدات جوية يمكن استعمالها فورا ، والمادة (46) تتحدث عن الخطط اللازمة الاستخدام القوة المسلحة ، والمادة (47) تنص على تشكيل هيئة الاركان حرب ، والمادة (48) تتحدث عن قيام جميع الاعضاء بتنفيذ قرارات مجلس الامن ، والمادة (49) تنص على تضافر اعضاء الامم المتحدة على تقديم المعونة ، والمادة (50) على حق الدول فى ان تتذاكر مع مجلس الامن بصدد المشاكل التى تثيرها تدابير القمع التى يتخذها المجلس ، المادة (51) والاخيرة فهى تنص على الحق الطبيعى للدول فى الدفاع عن نفسها . ويتحدث الفصلان الثامن والتانى عشر عن التظيمات الاقليمية ، ونظام الوصاية الدولى ، وبناء على هذا فان كل ماورد فى ميثاق الامم المتحدة بشأن صلاحيات مجلس الامن لا يوجد من بينه الحق فى احالة اى نزاع الى محكمة منشاة خارج تنظيمات الامم المتحدة حفاظا على الامن والسلم الدوليين ، وتبعا لذلك فانه ليس فى صلاحيات المجلس الواردة فى الميثاق ما يعطيه الحق فى احالة اى نزاع الى المحكمة الجنائية الدولية .
استمد مجلس الامن الدولى سلطته فى احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية من النظام الاساسى للمحكمة وليس من ميثاق الامم المتحدة ، وبالرغم من عدم استقامة هذا النظر بحسب ما بيناه سابقا الا ان نص المادة (132) الذى يعطى الحق لمجلس الامن فى الاحالة ينطوى على كثير من العيوب القانونية التر ربما تؤدى الى عدم مشروعيته .
اول هذه العيوب هو ان القانون الذى ينشىء اى منظمة سواء اكانت وطنية او دولية هو الذى يحدد صلاحياتها وسلطاتها وليس من الاستقامة القانونية ان يقوم القانون الذى ينشىء منظمة ما باعطاء منظمة اخرى سلطة عليها لتسيير اعملها ، وبمعنى آخر فانه ليس من الصحيح ان يقوم النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية باعطاء الحق لمجلس الامن باحالة نزاع اليها ، طالما ان ليس من صلاحيات المجلس احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية بموجب الميثاق الذى يحدد صلاحياته وغنى عن القول ان اختصاصات وصلاحيات مجلس الامن الدولى وردت فى ميثاق الامم المتحدة فى الفصول السادس والسابع والثامن والثانى عشر على سبيل الحصر ، ولم تتضمن تلك الاختصاصات تخويل مجلس الامن لاحالة عضو من اعضاء الامم المتحدة ليعاقب رعاياه امام جهة لم تشكل بواسطة مجلس الامن ، انما هى جسم ملزم فى موتجهة الاطراف التى انشأته بموجب معاهدة وقبلت باختصاصاته طوعا .[33]
اما العيب الثاني فهى مخالفة المادة (132) الصريحة والواضحة لنصوص اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969م [34] وهى الاتفاقية التى تحكم اتفاقية رووما للنظام الاساسى الذى انشأت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية .
من المعلوم ان كثيرا من الدول لم تقم بالتصديق على ميثاق روما الاساسى الذى تم بموجبه انشاء المحكمة الجنائية الدولية ، وان هذه الدول ومن بينها السودان والولايات المتحدة واسرائيل لا يمكن تطبيق ذلك النظام عليها ولا تملك تلك المحكمة الحق فى محكمة اى من مواطنيها ، استنادا على نص المادة (34) من اتفاقية روما لقانون الاتفاقيات [35] ، وبهذا لا تسنطيع المحكمة محاكمة اى شخص لا تكون دولته طرفا فى النظام الاساسى حتى وان تمت احالته الىها من مجلس الامن ، استنادا على تلك المادة ، حيث يخالف نظام الاحالة ذلك نص المادة (34) المشار اليه لانه يرتب التزاما على دولة غير طرف دون رضائها ، ولا يشغع له —ان ظن البعض ذلك — ما نصت عليه المادة (35) من قانون قينا للمعاهدات [36] لان يستلزم قبول الدولة بالالتزام الذى ترتبه الاتفاقية عليها بان تقبل به كما لا يشفع له نص المادة (38) من نفس القانون[37] ،لان تلك المادة تستلزم لكى تكون الدولة الغير ملزمة بقاعدة واردة فى الاتفاقية ان تكون تلك القاعدة قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولى معترف بها بهذه الصفة ، وبالرجوع الى تعريف القاعدة العرفية نجد انها تتكون من ركنيين وهما الركن المادى وهو التكرار والعادة والركن المعنوى وهو ان تكون قد تكونت عند الدول العقيدة بان السير وفقا لما جرت العادة عليه واجب قانونا [38] ، وكلا الركنان غير متوفرين فى حالة الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية فهى لم تحدث على مر التاريخ الا مرة واحدة وهو احالة ملف اقليم دارفور وفقا للقرار رقم 1593 الصادر من مجلس الامن ، وهى من ناحية اخرى لم تلتزم حتى فى هذه المرة الوحيدة الدولة التى صدر فى حقها ذلك القرار وهى السودان ، اذن فاننا لا نستطيع ان نضع نظام الاحالة ضمن الاستثناء الوارد فى المادة (38) من قانون فينا للاتفاقيات .
ان نظام الاحالة الوارد فى المادة 132 من نظام روما الاساسى يخرج الاتفاقية من طبيعتها الرضائية على النحو الذى سبق تفصيله وبالتالى لا يكون معنى للعضوية فى اتفاقية روما طالما ان مجلس الامن يمكن ان يحيل الى المحكمة اية دولة سواء اكانت عضوا ام لم تكن ، واذا تركت هذه الاحالة دون مناهضة فان ذلك سيرسى سوابق قضائية تطال جميع الدول التى لم توقع على ميثاق روما عدا الدول التى تمتلك حق الفيتو .[39]
ان نظام الاحالة المقرر فى الماد (132) يخالف –دون شك- ما قررته المادة (34) من قانون فينا للاتفاقيات ويصبح بحسب التفسير العادى للنصوص منعدم المشروعية وذلك حسب ماقرره كبار فقهاء القانون الدولى لمعنى القبول بالاتفاقية الدولية ، وعدم الزاميتها لغير اطرافها ، وفى هذا يقول الدكتور عبد العزيز محمد سرحان فى مؤلفه القانون الدولى العام (القاعدة العامة هى ان الاتفاق الدولى لا يلزم سوى الاطراف فيه ، ويترتب على ذلك ان الدول التى لا تعد طرفا فى اتفاق دولى لاتكسب حقوقا وتلتزم بواجبات مصدرها هذا الاتفاق) [40] .
مما سبق يمكننا القول بان نظام الاحالة المنصوص عليه فى المادة (132) تشوبه كثير من العيوب القانونية ، منها ما يتعلق بمخالفته لميثاق الامم المتحدة فى الجزء الذى يحدد سلطات وصلاحيات مجلس الامن ، ومنها ما يتعلق بمخالفته لقانون قينا للمعاهدات لسنة 1969م ، وكل مخافة من تلك المخالفات كافية لاسباغ وصف عدم الشرعية الدولية على ذلك النظام ، وكل ما قيل عن تبرير الاخذ بنظام الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية لا يمكن ان يعطىه المشروعية الدولية طالما انه يخالف نصوص اساسية وضعت لضمان الحفاظ على حقوق الدول سواء ما تعلق بتجاوز صلاحيات المجلس المنصوص عليها فى ميثاق الامم المتحدة ، او ما تعلق بتجاوز نصوص قانون المعاهدات الذى يعتبر دستورا لكل المعاهدات الدولية .
الفرع الثانى :اهداف الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية
Objectives of referral from the Security Council to the International Criminal Court
قامت الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية بانشاء مجلس الامن الدولى وعهدت اليه – خلافا لما كان عليه الحال فى عهد عصبة الامم – بكافة مهام الامم المتحدة والزمت جميع دول العالم بقبول قراراته ،فى حين منحت نفسها حق النقض (الفيتو) وهو لحق الذى يعطى كل دولة منها الحق فى ابطال قرار المجلس . وبكلمات مختصرة يمكننا القول بان الدول الخمس الكبرى وهى (فرنسا – برطانيا – الولايات المتحدة – الصين وروسيا) قد منحت نفسها حق التحكم فى كل مجريات الامور فى العالم من خلال ما تتخذه من قرارات داخل مجلس الامن .
وليست المحكمة الجنائية الدولية بعيدة عن هذه الدائرة الكبيرة حيث انه فى الوقت الذى تتنادى فيه دول العالم لتكوين محكمة جنائية دولية بغير مظلة الامم المتحدة تتدخل تلك الدول الخمس عبر آياديها التى تتطال كل شىء وتقوم بفرض نص المادة (132) الذى يعطى الحق للمجلس فى احالة اى نزاع للمحكمة الجنائية الدولية ، وهو نص مناف للشرعية الدولية فى كل وجه من وجوهها- كما بينا سابقا – ليجعل مجلس الامن ومحركه الاساسى (الدول الخمس الدائمة العضوية) مهيمنا على اختصاصها ، بالرغم من التجارب العملية التى برهنت بما لا يدع مجالا للشك بان القرارات داخل مجلس الامن تتخذ استناداعلى المصالح الذاتية لتلك الدول دون اية مراعاة للعدالة والانصاف .
من اهم اهداف النص على نظام الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية هو احكام الهيمنة على كل مجريات الاحوال فى العالم ، بحيث يستطيع مجلس الامن تحديد مجال اختصاص المحكمة الجنائية الدولية باحالة اى نزاع فى العالم يرى انه قد يخل بالامن والسلم الدوللين اليها وقد وجدت الدول الكبرى ان من بين وسائلها المتعددة تلك المحكمة التى التى انشأت لضمان عدم افلات اى شخص من العقاب ، ومهما تزرعت تلك الدول بانها تحافظ على السلم والامن الدوليين من خلال محاكمة من يرتكبون الجرائم الاكثر فظاعة فى العالم ، فسيظل حق الفيتو هو المتحكم الاوحد فى قرارات مجلس الامن وهو حق كما -برهنت التجارب – لا يستعمل الا فى مصلحة من يستعمله .
ان مجلس الامن الدولى لم يستعمل حق فى احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية الا فى حالة واحدة وهى النزاع فى اقليم دارفور السودانى والذى انتهى اخيرا باصدار مذكرة توقيف فى حق اثنين من السودانيين بينهم وزير وتوج باصدار مذكرة توقيف من بحق راس الدولة السودانى نفسه ، وليس من المعقول ان يكون النزاع فى دارفور – وان صح ما جاء فى ادعاءات لجنة التحقيق الدولية أوادعاءات مدعى عام المحكمة الجنائية الدولية – هو الوحيد الذى يشكل اخلالا بالامن والسلم الدوليين ، كما انه ليس من المنطقى ان يكون الرئيس السودانى هو الوحيد الذى قام بارتكاب جرائم ضد الانسانية فى العالم ، ولكن الامر لم يكن يوما امر عدالة وانصاف وانما هو منذ لحظته الاولى امر سياسى محض اراد به البعض ارغام اسودان على السير فى الطريق الذى رسموه له، ودوننا ما يحدث فى فلسطين والعراق وافغانستان . فماذ كان يريد مجلس الامن حتى يحيل النزاع الفلسطينى الاسرائيلى الى المحكمة الجنائية الدولية ؟. وماذا كان يريد حتى يحيل حالة العراق الى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة من تسبب فى مقتل اكثر من مليون عراقى ؟. وماذا كان ينتظر حتى يحيل التزاع فى افغانستان الذى قتل فيه آلاف المدنيين الى محكمة الجنايات الدولية ؟.
اذن فان نظام الاحالة المنصوص عليه فى المادة (132) من ميثاق روما الاساسى قصد منه معالجات سياسية عن طريق تلك المحكمة فى حالة ما اغلقت السبل امام الدول الخمس الكبرى لمعلجة تلك المسائل . لان تلك الاحالة تعتمد على التصويت ، والتصويت له موازينه الدولية واجندته السياسية ,, وما كانت العدالة تعتمد فى من الايام على تلك الموزاين او تلك الاجندات ، دعك مما يحدث داخل الغرف المظلمة فى سبيل الوصول الى تفاهمات حول نتيجة ذلك التصويت .اذن فالهدف واضح من اعطاء مجلس الامن الحق فى احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية ، لان كثير من الدول قد اعترضت على هذا النص ، فهى تعلم بان قرار الاحالة من المجلس يكون عبر تفاهمات سياسية ليس للعدالة شأن به ، حاله كحال كل القرارت التى تصدر فى المؤسسات الدولية .
نتائج الورقة البحثية :
بعد ما قدمناه من خلال هذه الدراسة حول مجلس الامن والمحكمة الجنائية الدولية من ناحية ، وحول قرار الاحالة من مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية على وجه الخصوص من ناحية اخرى يمكننا الخروج بالنتائج التالية
1 ان ميثاق الامم المتحدة قد منح مجلس الامن صلاحيات واسعة فى سبيل الحفاظ على الامن والسلم الدوليين بحيث لا يستطيع احد ان يؤطر تلك الحدود ، واصبحت ولاية المجلس سيفا مسلطا على كل دول العالم ، واصبحت الدول الخمس الكبرى هى التى تهيمن على الاوضاع الامنية من خلال ما تستطيع ان تصدره من قررارت بواسطة مجلس الامن
2 ان المحكمة الجنائية الدولية قد انشئت برغبة الشعوب ايمانا منها بضرورة عدم افلات المسؤليين عن الجرائم الاكثر خطورة من العقاب فى حالة لم تستطع المحاكم الوطنية من محاكمتهم
3 ان الايادى الخفية للدول الكبرى قد سرقت مجهودات تلك الدول حينما اقحمت المادة 132 من ميثاق روما الاساسى التى تعطى مجلس الامن الحق فى احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية مخالفة بذلك الشرعية الدولية المتمثلة فى ميثاق الامم المتحدة وقانون فينا للمعاهدات لسنة 1969م
4 ان نص المادة 132 من ميثاق روما الاساسى تعتبر باطلة من وجهة النظر القانونية لانها تخالف المبادىء الاساسية لميثاق،الامم المتحدة ، وقانون فينا للمعاهدات وذلك بمصادرته لحق الدولة فى حرية الانضمام الى الاتفاقية ، واجبر الدول على التحمل بالتزام دون موافقتها ورضاءها
5 انه يجب عدم اخضاع ارادة الدول فى ان تقوم بالانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية ام لا الى اى مؤثر خارجى آ حتى ولو كان مجلس الامن الدولى وذلك استنمادا الى قيم حرية الارادة التى تمنع اجبار الدول الى الدخول الى معاهدة بالرغم عنها
6 ان اتفاقية النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية لاتسرى على اية دولة لم تصادق عليها وان اى نص فى اى قانون آخر يجعل تلك الاتفاقية سارية فى حقها يصبح باطلا ومنعدم الاثر
7 ان المحكمة الجنائية الدولية قد تم الانحراف بها – كما حدث فى معظم المنظمات الدولية – عن الاهداف الاساسية التى انشأت من اجلها بادخال نص المادة (132) الذى جعل مجلس الامن هو الجهة الوحيدة التى تحدد اختصاصها
التوصيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات :
1اصلاح نظام التصويت لاتخاذ القرارات تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وذلك بالغاء نظام حق النقض المقرر لصالح الدول الخمس دائمة العضوية فى المجلس
2اتخاذ قرار بواسطة جمعية الدول الاعضاء بالنظر فى تعديل نص المادة 13ب من ميثاق الامم المتحدة والتى تعطى الحق لمجلس الامن فى احالة النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية بحيث ترتبط تلك الاحالة بموافقة الدولة المعنية حتى يكون قرار الاحالة متوافقا مع احكام معاهدة فينا للاتفاقيات لسنة 1969م
3 الزام مجلس الامن الدولى بواسطة الجمعية العامة للام المتحدة بالالتزام بالقيود الوارة فى ميثاق الامم المتحدة فى حالة اصداره للقرارات تحت الفصل السابع التى تتعلق بالحالات التى تمثل اخلال بالسلم والامن الدوليين
-[1]تقرأ كالاتى (رغبة فى ان يكون العمل الذى تقوم به الامم المتحدة سريعا وفعالا يعهد اعضاء تلك الهيئة الى مجلس الامن بالتبعات الرئيسية فى امر حفظ الامن والسلم الولى ويوفقن على ان هذا المجلس يعمل نائبا عنهم فى قيامه بواجباته الى تفلرضها عليه هذه التبعات )
– [2] القانون الدولى العام ، د. على صادق ابوهيف ص 625
– [3]625 القانون الدولى العام المرجع السبق
[4] ا- لمادة (231) من ميثاق الامم المتحدة
-[5]القانون الدولى العام ، مرجع سابق ص 627
[6] لقانون الدولى العام ، مرجع سابق
[7] ص 628 القانون الدولى العام ، مرجع سابق
[8] منتديات الحقوق والعلوم القانونية على الانترنت
[9] – القانون الدولى العام ، مرجع سابق ، ص 630
– [10]المحاكم الجنائية وتجاوزات مجلس الامن ، داوود خير الله، موقع اللجنة العربية لحقوق الانسان على الانترنت
[11] – محكمة الجنايات الدولية وتجربة العدالة الجنائية الدولية ، الدكتور خالد حسين محمد ص 124
[12] تنص المادة 241 فى عجزها على الاتى (…. ووافقون على ان هذا المجلس يعمل نائبا عنهم فى قيامه بواجباته التى تفرضها عليه هذه التبعات)
[13] خالد حسانى ، سلطات مجلس الامن فى تطبيق الفصل السابع ، منشورات الحلبى الحقوقية ، الطبعة الاولى 2015م ، ص 249
12 حل المناذعات فى اطار مجلس الامن والجمعية العامة ، المحامى زيد حسين العفيف [14] موقع اللجنة العربية لحقوق الانسان ، بحث بعنوان المحاكم الجنائية الدولية وتجاوزات مجلس الامن
[15] – موقع حقوق بنها على الانترنت , بحث بعنوان القانون الجنائى الدولى ,
[16] – موقع مجلس النواب بمملكة البحرين على الانترنت ، ورقة عمل بعنوان محكمة الجنايات الدولية ودورها فى حماية حقوق الانسان
[17] محكمتى نورمبيرغ وطوكيو اللتان تم انشاءهما بعد الحرب العالمية الاولى لمحاكمة قادة الحرب من دول المحور عقب انتصار الحلفاء عليهم
[18] محكمتى رواندا ويوغسلافيا السابقة اللتان تم انشاءهما بعد الاحداث الدامية فى كل من رواندا سنة 1994م ويوغسلافيا السابقة سنة 1991م
[19] – تنص المادة 1251 على (هذا النظام خاضع للتصديق او القبول او الموافقة من الدول الموقعة علبه وان وثائق التصديق او القبول او الموافقة يجب ان تودع لدى الامانة العامة)
[20] خالد حسين محمد : محكمة الجنائات الدولية وتجربة العدالة الجنائية الدولية ، دار الكتب القانونية مصر – الامارالت ،سنة النشر 2015م, ص 196
[21] – موقع حقوق بنها على الانترنت , بحث بعنوان القانون الجنائى الدولى ,
[22] – موقع مجلس النواب بمملكة البحرين على الانترنت ، ورقة عمل بعنوان محكمة الجنايات الدولية ودورها فى حماية حقوق الانسان
[23] محكمتى نورمبيرغ وطوكيو اللتان تم انشاءهما بعد الحرب العالمية الاولى لمحاكمة قادة الحرب من دول المحور عقب انتصار الحلفاء عليهم
[24] محكمتى رواندا ويوغسلافيا السابقة اللتان تم انشاءهما بعد الاحداث الدامية فى كل من رواندا سنة 1994م ويوغسلافيا السابقة سنة 1991م
[25] – تنص المادة 1251 على (هذا النظام خاضع للتصديق او القبول او الموافقة من الدول الموقعة علبه وان وثائق التصديق او القبول او الموافقة يجب ان تودع لدى الامانة العامة)
[26] خالد حسين محمد : محكمة الجنائات الدولية وتجربة العدالة الجنائية الدولية ، دار الكتب القانونية مصر – الامارالت ،سنة النشر 2015م, ص 196
[27] – يحدد مجلس الامن الشروط التى يجوز بموجبها لسائر الدول الاخرى ان تتقاضى لدى المحكمة ….الخ
[28] د. محمد هاشم ماقورا موقع اللجنة الشعبية للعدل على الانترنت، بحث بعنوان علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الامن ‘
[29] د . بن عامر تونس ، العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الامن ‘ بحث مقدم الى الندوة الدولية حول المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ، التى نظمتها اكاديمية الدراسات العليا بليبيا فى لبفترة من 10،11 يناير 2007م ص 11
[30] المادة (7) من ميثاق الامم المتحدة
[31] عتمد من قبل مؤتمر الامم المتحدة الدبلوماسى للمفوضين المعنى بانشاء محكمة جنائية دولية بتاريخ 17تموزيوليو 1998م[32] تنص المادة (24) على (يعمل مجلس الامن فى آداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الامم المتحدة ، ومبادئها ، والسلطات الخاصة المخولة لمجلس الامن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات المبينة فى الفصول 6،7،8،12)
[33] خالد حسين محمد : المحكمة الجنائية الدولية ومدى اختصاصها فى محاكمة الافراد السودانيين ، مايو 2007م ، ص66
[34] اتفاقية فينا لقانون المعاهدات اعتمدت من قبل مؤتمر الامم المتحدة بشأن قانون المعاهدات فى 22آيار مايو 1969 وعرضت للتوقيع فى 23آر مايو 1969 ودخلت حيز النفاذ فى 27كانون الثانى ياناير1969م
[35] لا تنشىء المعاهدة التزاما للدول الغير بدون رضاءها
[36] ينشأ لاتزام على الدولة الغير من نص المعاهدة اذا قصد الاطراف فيها ان يكون هذا النص وسيلة لانشاء التزام وقبلت الدولة الغير
[37] ليس فى المواد من 34 الى 37 ما يحول دون ان تصبح قاعدة واردة فى معاهدة ملزمة للدولة الغير باعتبارها قاعدة عرفية من قواعدالقانون الدولى معترف بها بهذه الصفةا
[38] القانون الدولى العام ، على صادق ابوهيف ص 19
[39] كتاب المحكمة الجنائية الدولية بين السياسة والقانون ، الاتحاد العام للمحاميين السودانيين ص 37-38
[40] المرجع السابق*نقلاً عن المركز الديمقراطى العربى*