الفكر التربوي الإسلامي: مرجعياته وأبعاده/ د. عبد القادر الشايط
ملخص:
هدف الدراسة:
أهمية الدراسة:
منهج الدراسة
مصطلحات الدراسة:
مفهوم الفكر التربوي الإسلامي:
أولا: الفكر التربوي الإسلامي: نشأته ومساراته
1- النشأة والتأسيس:
2- الفكر التربوي الإسلامي المعاصر بين التغريب والتقليد
أ- اتجاه التغريب
ب- اتجاه التقليد
3- منهج إصلاح الفكر التربوي الإسلامي
ثانيا: الفكر التربوي الإسلامي: أصوله، أهدافه، مجالاته
1- أصول الفكر التربوي الإسلامي
2-أهداف الفكر التربوي الإسلامي
3- مجالات التربية في الفكر الإسلامي
ثالثا: المرجع القيمي في الفكر التربوي الإسلامي: مفهومه، أصوله، خصائصه، ومجالاته
1- مفهوم القيم الإسلامية
2- مميزات وخصائص القيم في الفلسفة التربوية الإسلامية
3- أنواع القيم التربوية الإسلامية
4- آليات اكتساب القيم وتنميتها
خلاصة واستنتاج:
لائحة المصادر والمراجع:
الفكر التربوي الإسلامي: مرجعياته وأبعاده
Islamic educational thought: Its references and dimensions
د. عبد القادر الشايط
جامعة محمد الأول
وجدة – المغرب
ملخص:
هذه الدراسة محاولة أولية لاستكشاف حقيقة التربية في الإسلام، وتوصيف حضور الممارسات التربوية في التراث العربي الإسلامي، وإظهار مرجعياتها وأهدافها وحضورها بين العلوم الإسلامية، من خلال إلقاء نظرة سريعة وشاملة على الإسهامات المتنوعة للمفكرين المسلمين في الفكر التربوي، ودورهم الفاعل في تناول قضايا التربية وربطها بإطارها الفكري والواقعي، وتشخيص وتحليل مفهوم التربية عند علماء الإسلام الذين اشتغلوا على قضايا التربية والتعليم، وإبراز أهميتها في المنظومة التربوية الجديدة، وبيان مدى الحاجة إلى القيم التربوية الأصيلة التي تستقي مرجعياتها من أصول الإسلام، ومحاولة الإستفادة من هذا التراث الهام لأنه بالرغم من بعد الفترة الزمنية مازال له من الجدة والمرونة ما يؤهله للإسهام الفعال في النهضة التربوية التي يتطلع إليها العالم الإسلامي اليوم.
الكلمات المفتاحية: التربية – القيم – الإسهامات – الإسلامي – التراث.
Abstract:
This study is a preliminary attempt to explore the reality of education in Islam characterizing the presence of educational practices in the Arab-Islamic heritage and showing its references, goals and presence among Islamic sciences. The researcher takes a quick and comprehensive look at various contributions of Muslim thinkers to educational thought and their active role in addressing educational issues and linking them to their intellectual and realistic framework. He also diagnoses and analyzes the concept of education among Muslim scholars and highlighting its importance in the new educational system.
key words: Education, Islam, Practices, Thought, Heritage.
مقدمة:
إن النظام التربوي الإسلامي يستمد مرجعياته وفقا لأصوله المنطلقة من القرآن والسنة والحافلة بالقيم الإسلامية التي تقوم عليها حياة المسلم كما حددها الوحي الإلهي في علاقة الإنسان بنفسه ومحيطه وبخالقه سبحانه وتعالى، وإن قضية التربية كانت من أهم المشكلات المعقدة والجوهرية التي ظلت تشكل هاجسا ملحا لدى الدارسين القدامى المشتغلين بالتربية في التراث العربي الإسلامي، مما جعل المسألة التربوية تحتل مكانا متميزا في الفكر التربوي الإسلامي.
وما ينبغي الإشارة إليه أن هناك تراثا تربويا إسلاميا له علاقة وطيدة بالممارسات الثقافية ونظرتها للمستقبل، وهو تراث ظل غائبا لم يعرف بما فيه الكفاية، ولهذا سنسعى إلى دراسته دراسة نقدية هادفة للربط بين ماضي الأمة وحاضرها، ذلك أن التراث التربوي الإسلامي يعد من أهم الوسائل الفعالة التي تعمل على غرس القيم النبيلة في الفرد، وترسيخ الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع.
وانطلاقا من هذا الاهتمام المتزايد للدول والشعوب على قضايا التربية والتعليم فقد تعرضت مناهج التربية في عدد من بلدان العالم الإسلامي بسبب الاستعمار وأثر العولمة التي تسعى إلى نشر « التغريب الثقافي باعتماد نظريات وافدة في صياغة المناهج التعليمية، مما انعكس على أهداف العملية التربوية ومقاصدها، وأثر على صياغة البرامج والمناهج وتطبيقاتها التربوية، وهو الأمر الذي اقتضى وضع دراسة مرجعية محكمة في هذا المجال، بهدف إدماج القيم الإسلامية المستقاة من الكتاب والسنة في المقررات الدراسية لتحصين المسلم دينيا، والحفاظ على هويته الحضارية والثقافية.
وهذه الدراسة محاولة أولية لاستكشاف حقيقة التربية في الإسلام، وتوصيف حضور الممارسات التربوية في التراث العربي الإسلامي، وإظهار مرجعياتها وأهدافها وحضورها بين العلوم الإسلامية، من خلال إلقاء نظرة سريعة وشاملة على الإسهامات المتنوعة للمفكرين المسلمين في الفكر التربوي، ودورهم الفاعل في تناول قضايا التربية وربطها بإطارها الفكري والواقعي، والاستفادة من هذا التراث الهام «لأنه بالرغم من بعد الفترة الزمنية مازال له من الجدة والمرونة ما يؤهله للإسهام الفعال في النهضة التربوية التي يتطلع إليها العالم الإسلامي اليوم»[1].
هدف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تشخيص وتحليل مفهوم التربية عند علماء الإسلام الذين اشتغلوا على قضايا التربية والتعليم، وإبراز أهميتها في المنظومة التربوية الجديدة، وبيان مدى الحاجة إلى القيم التربوية الأصيلة التي تستقي مرجعياتها من أصول الإسلام.
ومن ثم سنحاول الإجابة على الأسئلة التالية:
– ما مفهوم وأهمية وأهداف التربية في الفكر الإسلامي؟
– ما هي أهم المشكلات التي تواجهها فلسفة التربية في العالم الإسلامي؟
– ما مدى استجابة النظم التربوية المستوردة للظروف الاجتماعية والعلمية في البلدان العربية الإسلامية؟
– ما هي أهم الحلول والأفكار التي يمكن اقتراحها للتغلب على المشكلات التي تواجهها فلسفة التربية في العالم الإسلامي؟
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية هذه الدراسة في الوقوف على مجموعة من القضايا الهامة المتعلقة بالمنظومة التربوية الإسلامية وأهمها:
– الحكم على فلسفة التربية في العالم الإسلامي، وتحديد مكانتها ومرجعيتها وأهميتها ودورها.
– مقارنة المنهج التربوي الإسلامي القديم بالمنهج التربوي المعاصر.
– تحليل واقع فلسفة التربية في العالم الإسلامي وبيان ما تعاني منه من مشكلات.
– تمكين صانعي القرار التربوي في الوطن العربي من خلال هذه الدراسة من الإطلاع على طبيعة الدور الذي تؤديه التربية العربية إزاء الظواهر الاجتماعية المختلفة، وتقييم ذلك الدور والسعي لإصلاح الخلل المتعلق به.
– كشف الحاجة الملحة التي يجب أن تنبري مؤسساتنا التربوية لتبنيها لمواجهة العولمة.
– إبراز أهم الأدوار التي ينبغي أن تقوم بها التربية الإسلامية لمواجهة التحديات المعاصرة.
منهج الدراسة
تتبع هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي الذي يهدف إلى التعريف بالتربية من زاويا متعددة إحداها قديمة وأخرى معاصرة، قصد الوقوف على الفلسفة التربوية الإسلامية تأصيلا وتطبيقا وتنظيرا وممارسة، وإبراز نقط قوتها وضعفها، وذلك بجمع المعلومات من خلال مراجعة أكبر قدر ممكن من الأدب التربوي المتعلق بالموضوع، وتحليل آراء وأفكار الخبراء والمفكرين والباحثين والتربويين في موضوع التربية وعلاقتها بالمجتمع، ومن تم تصنيف تلك المعلومات وتحليلها والخروج منها بأجوبة جامعة لأسئلة الدراسة.
مصطلحات الدراسة:
-
مفهوم الفكر التربوي الإسلامي:
إن تحديد المفاهيم والمصطلحات يعد من مستلزمات البحث العلمي، باعتبار أن تحديد المفاهيم هو بوابة العلم وطريق المعرفة، ومما يزيد من أهمية تحديد المفاهيم في علوم التربية هو انتماء تلك المفاهيم والمصطلحات إلى العلوم الإنسانية وارتباطها بهذه العلوم بمختلف أنواعها وفروعها»[2].
لأن المصطلحات ركن مهم في تحصيل المعارف واكتساب العلوم بها يتأسس البناء المعرفي لأي علم من العلوم، بحيث لا تستقيم علوم التربية ولا تغدو مصطلحاتها واضحة المعالم وجلية في المكونات والدعائم والأسس لدى متلقيها ومكتسبيها دون تحديد وتوضيح لهذه المصطلحات المتداولة والشائعة في علم التربية.
الفكر: يستخدم مصطلح الفكر للدلالة على نتائج عمليات التفكير والتأمل العقلي التي يقوم بها الإنسان بوصفه كائنا عاقلا مفكرا»[3]. كما يطلق على «عمل الذهن تدبرا وتأملا في أي شيء من شؤون الحياة الدنيا أو الدين، وهو نشاط بشري أداؤه العقل، وثمراته الرأي والعلم والمعرفة»[4].
فالعقل الإنساني ينتج نتاجا على قدر متفاوت من الدقة والعمق والوضوح والتنظيم والموضوعية نسميه فكرا، وينعكس هذا النتاج الفكري في صور متعددة وأشكال مختلفة وصيغ متباينة، وينشأ الفكر ويتراكم وينمو ويتطور بوصفه ثمرة من ثمار سعي العقل الإنساني لإدراك طبيعة الظواهر المحيطة به وفهمها وتفسيرها»[5].
الفكر الإسلامي: إن مصطلح الفكر الإسلامي من المصطلحات الحديثة ويعني كل ما أنتجه فكر المسلمين منذ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم من المعارف الكونية العامة المتصلة بالله عز وجل والعالم والإنسان، والذي يعبر عن اجتهادات العقل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامة في إطار المبادئ الإسلامية عقيدة وشريعة وسلوكا»[6].
واعتبر محمد البهي أن الفكر الإسلامي هو نتاج للعقل الناشئ في المجتمع الإسلامي في ظل القرآن والسنة، وسيرة السلف الصالح»[7].
وحتى يستطيع المفكر الإسلامي أن يحافظ على عقيدته وحضارته ونظرتهما إلى الوجود اضطر أن يبحث عن مصطلحات معاصرة تعبر عن كليات وجزئيات الصراع الحضاري المعاصر بين منظومة الحضارة الإسلامية ومنظومة الحضارة الغربية»[8]، كما دعا المسلمين إلى ضرورة انتهاج أسلوب التجديد في الفكر الإسلامي وعدم الانغلاق على الذات.
الفكر التربوي: إن من أسباب اختلاف تعاريف علوم التربية وتعددها، تشعب أبعاد ومجالات الظاهرة التربوية التي تشكل موضوعها، وتنوع جهازها المفاهيمي تبعا لاختلاف العلوم الإنسانية والدقيقة التي تستعير منها علوم التربية هذه المفاهيم والقواعد والأسس، بالإضافة إلى انفتاحها على مقاربات مستمدة من مختلف العلوم كعلم النفس، وعلم الاجتماع وعلم الفلسفة والتاريخ، وعلوم الاتصال وغيرها.
وقد تعددت مفاهيم مصطلح التربية، وهذا ما أشار إليه عبد الرحمان بن حجر الغامدي في كتابه حيث قال: «يرى كثير من رجال التربية والتعليم أن مصطلح التربية لا يخضع لتعريف محدد، بسبب تعقد العملية التربوية من جانب، وتأثرها بالعادات والتقاليد، والقيم والديانات والأعراف، والأهداف من جانب آخر، بالإضافة أنها عملية متطورة متغيرة بتغير الزمان والمكان»[9].
وقد عرفها المفسر البيضاوي ت (685ه) بقوله: «الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا»[10]، كما عرفها الراغب الأصفهاني ت (502ه) في مفرداته بقوله: الرب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام، يقال ربه ورباه، ورببه»[11].
وعرف ابن سينا ت (427ه) التربية بأنها «وسيلة إعداد الناشئ للدين والدنيا في آن واحد وتكوينه عقلياً وخلقياً وجعله قادر على اكتساب صناعة تناسب ميوله وطبيعته وتمكنه من كسب عيشه»[12].
أما الإمام الغزالي ت (505ه) اعتبر التربية هي الأساس والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد وفي صلاح المجتمع، وهي السبيل إلى تحقيق التمدن، وبلوغ السعادة للإنسان والارتقاء به من درجة الحيوانية إلى الإنسانية.
وأثنى الإمام الغزالي كثيرا على المربي في الفصل الذي خصه للتربية والتعليم وشبه المربي «بالفلاح الذي يقلع الشوك، ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته»[13]، لأن كل همه غرس القيم الايجابية في المتعلم.
ومن التعاريف الحديثة المبسطة للتربية تعريف محمد عطية الأبراشي وهو تعريف يراعي فيه البعد التكويني المتعدد لشخصية الإنسان حيث قال بأن التربية هي « إعداد المرء ليحيا حياة كاملة، ويعيش سعيدا، محبا لوطنه قويا في جسمه متكاملا في خلقه، ومنظما في تفكيره، رقيقا في شعوره، ماهرا في عمله، متعاونا مع غيره يحسن التعبير بقلمه ولسانه ويجيد العمل بيده»[14].
وهكذا يتبين لنا أن التربية «عملية تنشئة اجتماعية تعنى بالفرد عناية متكاملة منذ طفولته إلى رشده لتكوين شخصيته المتزنة السوية المتكاملة، وهي مثل ضرورة التغذية للجسم، فكما أن التغذية تنمي البدن وتحفظ له سلامته، فإن التربية تحفظ للفرد حياته وتوجهها إلى شاطئ السلامة والإطمئنان والإنتاج»[15].
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال بعض المصطلحات المرادفة لكمة التربية، ومصطلحات أخرى تؤدي بعض معنى التربية، يجدها القارئ في كتب التربية الحديثة، أو ضمن كتب التراث المعجمي العربي، ونقف على بعض منها:
– التنشئة: ويراد بها إعداد الإنسان وتنشئته تنشئة متوازنة وهي: «عملية تعلم وتعليم وتربية، تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى اكتساب الفرد طفلا فمراهقا فشيخا سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة»[16]، وهي عملية مستمرة باستمرار وجود الإنسان على ظهر الأرض.
– التهذيب: ومعناه تحصين النفس البشرية وتعويدها على الأخلاق الحميدة، وتنقيتها من كل ما يشوبها من الصفات الذميمة، حتى ترتقي إلى درجة الصلاح والتزكية.
– الإصلاح والتأديب: ويقصد إزالة الفساد عن الشيء والتأليف بين قلوب الناس بالمودة والإتيان بالصلح والخير، وردع المسيء وزجره بطريقة من الطرق المشروعة.
– التعليم: يعد التعليم «جزء من التربية رغم استخدامه للدلالة عليها، فالتربية أشمل من التعليم يقوم بها المعلم وغير المعلم، أما التعليم فهو محدود بما يقدم داخل الفصل من معلومات ومهارات، وقد شاع استخدامه للدلالة على معنى التربية عند بعض السلف في كتاباتهم، مثل رسالة «العالم والمتعلم» لأبي حنيفة (ت150ه)، وكتاب «تعلم والمتعلم طريق التعلم» لبرهان الدين الزرنوجي (ت620ه)، وأصبح استخدامه اليوم محصورا في الجانب المعرفي المتمثل في طلب العلم»[17].
التزكية: هي إحدى المعاني التي استخدمت للدلالة على معنى التربية، ويقصد بها: تطهير النفوس وإصلاحها بالعلم النافع والعمل الصالح، وفعل المأمورات وترك المنهيات «[18]، مصداقا لقوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [الشمس: 9].
وعليه يمكن القول بأن الفكر التربوي هو كل ما يدور حول التربية، وأوضاعها وقضاياها، ومشكلاتها وهمومها سواء أكان ذلك كلاما شفويا أم كلاما مكتوبا، وسواء أكان هذا الكلام تعبيرا عن فكر علمي منظم، أم كلاما مرسلا عاما»[19]، يحدد أولوياتها وموضوعاتها وتطلعاتها.
وقد يختلف الفكر التربوي «باختلاف المنطلقات الفلسفية التي تخضع لها النظرية التربوية، وباختلاف الطرق والوسائل التي تسلكها الجماعات الإنسانية في تدريب أجيالها وإرساء قيمها ومعتقداتها، وباختلاف الآراء في مفهوم العملية التربوية وطرقها ووسائلها»[20].
الفكر التربوي الإسلامي: وبناء عليه يعرف الفكر التربوي الإسلامي بأنه «مجموعة الآراء والأفكار والنظريات التي احتوتها دراسات الفقهاء والفلاسفة والعلماء المسلمين، وتتصل اتصالا مباشرا بالقضايا والمفاهيم والمشكلات التربوية»[21]، وبذلك يكون الفكر التربوي الإسلامي عبارة عن نظرة شمولية لعلماء الإسلام في نظرتهم إلى قضايا التربية من وجهة نظر الإسلام تنظيرا وتطبيقا.
أولا: الفكر التربوي الإسلامي: نشأته ومساراته
1- النشأة والتأسيس:
يسير النمو الحضاري والفكري جنباً إلى جنب، وبقدر العمق الحضاري يتعمق النمو الفكري، والفكر التربوي الإسلامي نتاج حضارة عريقة امتدت على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان مما أكسبها هذا البعد من القوة والازدهار، حيث استمد قوته وحيويته وحركته من حركة هذا الدين وقوته في جانبه التطبيقي في الحياة الإسلامية فهو دين علم وعمل، وبهذا وظفت الأفكار المستمدة من المصادر الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان في حياة الناس اليومية، لم يشهد له التاريخ مثيلاً، واستطاع الفكر التربوي الإسلامي أن يوجد الإنسان الصالح القادر على التكيف مع واقعه بفضل نتاج القرآن والسنة وما اشتملا عليه من تصور شامل عن الإنسان والكون والحياة، ولقد أسهم علماء المسلمين في تطور الفكر التربوي الإسلامي على مر العصور»[22].
وإذا عدنا إلى مرحلة تأسيس الفلسفة التربوية الإسلامية في مرحلتها الأولى سنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع أسس وقواعد هذا العلم انطلاقا من الوحي الإلهي المبين، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل:89] حيث اهتم النبي صلى الله عليه وسلم «بتربية الصحابة الكرام، وسقاهم القرآن، ورقاهم بالقيام والصيام، حتى صاروا شموس ضياء وأقمار هداية، وفتح الله عز وجل بهم البلاد وقلوب العباد، وتكونت الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم توالت الانتصارات، وسطع نور الإسلام في المشارق والمغارب حتى دق المسلمون أبواب أوروبا ووصلوا إلى حدود الصين في آسيا، وكان هذا ببركة تربية الصحابة على الإسلام»[23].
ولقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم منهجية بليغة لإرشاد وتوجيه المجتمع المكي إلى طريق الهدى والصلاح وإخراجه من الضلالة والجاهلية، وتربيته على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، إذ رسم صلى الله عليه وسلم معالم السياسة التربوية المُثلى الراشدة في أدق تفاصيلها، ويتجلى هذا الأمر في كونه داعيا إلى الله بإذنه من أول يوم بعثه الله فيه، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾[النساء: 105]، فالنظام التربوي الإسلامي حُدِّدَت معالمه بالقرآن، «فهو مملوء بأحكام وقواعد جليلة، في المسائل المدنية والتجارية، وأحكام الحرب والسلم، وأحكام القتال والغنائم والأسرى، وبنصوص صريحة في الحدود والقصاص»[24].
ولا شك أن تربية الرسول صلى الله عليه وسلم للمجتمع المسلم «أثرت وتأثرت بالظروف البيئية التي عاصرتها، سواء منها الأخلاقية الدينية التي أثر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي غيًر فيها رسول الله أكبر تغيير، كما أنها بمحدوديتها وبالبيئة التي وجدت فيها، وإمكانيات الزمان والمكان كان لها تأثير مباشر في أسلوب الإدارة النبوية التي يمكن اعتبارها إدارة حكومية ومؤسسية شبه حكومية، إدارة دينية واقتصادية، إدارة اجتماعية إدارة أسرية وعائلية، إدارة عسكرية، إدارة أزمات، إدارة تطبيقية، إدارة مشتركة إلى غير ذلك من جوانب وأنواع الإدارة التي نراها ماثلة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن دراستها والاقتباس منها من خلال المواقف والأحداث المختلفة»[25].
فبالرغم من أن تربية الرسول صلى الله عليه وسلم للمجتمع تأثرت بالظروف الأخلاقية الدينية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية البيئية التي عاصرته، إلاَّ أن تشريعاته كانت عامة وشاملة لكل عصر، فقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى أن «الكتاب والسنة وحدهما هما الإمام، نستنبط منهما وفي حدودهما ما يوافق كلّ عصر وكلّ مكان، مسترشدين بالعقل وقواعد العدل»[26].
إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثالا للمربي الناجح من خلال ما نهجه من أساليب تربوية حكيمة، فيها الجدّة، والتميز، والتطوير، فكان مثالا للمعلم الذي يدرك أحوال تلامذته، وطبيعة بيئتهم وحياتهم المتصفة بالشدة والقسوة، فكان يعاملهم بحلم ورفق، ويبين لهم صالح الأمور من فاسدها بتأن وتدرج على قدر عقولهم وتفكيرهم وطبيعتهم، قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]
ومن الأساليب التربوية النبوية الرائعة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالإبداع اهتماما كبيرا وتركيزه على التحفيز والتشجيع باعتبارهما أكثر الأساليب التي تساعد على تنمية الحس الإبداعي، مما فجَّر الطاقات الإبداعية والابتكارية لدى صحابته رضوان الله عليهم على اختلاف قدراتهم، وحقق للإسلام والمسلمين النفع والرقي والتقدم والازدهار.
ولقد ترتب على جهود الصحابة في ميدان التربية والتعليم أن ظهر في كل قطر تلاميذ تسنموا مركز التوجيه في المجتمع ودفعوا بالحركة العلمية، وخلال هذا النشاط العلمي برزت عوامل عدة أدت إلى تطور جديد في مفهوم النظرية التربوية، حيث ظهرت المدارس الفقهية في كل من المدينة المنورة و مصر والعراق، والمدارس اللغوية بالبصرة والكوفة، ونشطت الفرق الإسلامية فظهر منها ما يعبر عن آرائها وينافح عن معتقداتها، وخلفت هذه الفرق نوعا من النشاط الفكري كان له آثاره في مفاهيم التربية ومناهجها وأساليبها»[27].
إن التطور الذي شهدته النظرية التربوية الإسلامية خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين يعزى إلى اهتمام الأئمة المؤسسين لمذاهب السنة في القرن الثاني الهجري، حيث ساهمت آراؤهم الفكرية في إبراز ميادين التربية وعناصر المنهاج، «فقد دعا أبو حنيفة ت (150ه) إلى تنظيم منهاج يجعل المتعلم يعيش عصره فكرا وثقافة وسلحه بما يجابه به التحديات التي تواجهه»[28]، لإعداده لمجابهة مشكلات عصره، كما أقر بضرورة إطلاع المتعلم على تيارات عصره ليتمكن من معرفة الصحيح من الخطأ، ويزيل كل شبهة، ويتخلص من الجهل، لأن الحق لا يعرف إلا بمعرفة الباطل، والصواب لا يتوصل إليه إلا بالوقوف على الخطأ[29].
أما الشافعي ت (204ه) فقد ربط موضوعات التربية بأهداف سلوكية، واتجاهات محددة حسن الوقوف عليها والتوجه لتحقيقها، ولم تقتصر التربية على العلوم الشرعية واللغوية والحساب، وإنما أضاف لها موضوعات علمية ذات علاقة بالوجود المادي[30].
أما الإمام مالك بن أنس ت (179ه) فقد ربط بين حاجات المجتمع وبين الفلسفة التربوية حينما دعا إلى مراعاة أوضاع كل بلد حتى في المسائل الفقهية، فعندما أشار إليه أبو جعفر المنصور أن يعتمد كتابه الموطأ، في كل الأمصار الإسلامية ، للعمل به دون غيره، عارض مالك هذا الإجراء وقال بضرورة ترك كل بلد وما اختار لنفسه من روايات الفقه الأخرى»[31].
وكان للإمام الغزالي ت (505ه) تصور شامل للنظام التربوي الإسلامي، فقد جمع بين الريادة الفلسفية والموسوعية الفقهية والنزعة الصوفية الروحية، وأولى اهتماما بالغا للعلم والمعرفة، فلم يظهر من يدانيه في محاولاته لوضع أسس متينة للنظام التربوي الإسلامي، بل إن الغزالي في تفكيره التربوي كان يعكس حاجات مجتمعه وعصره ويتفاعل معهما بإيجابية مؤثرة وفعالة.
«فكان أول ما افتتح به موسوعته الفكرية الضخمة، «إحياء علوم الدين» هو «باب في فضيلة العلم والتعليم والتعلم»، وينطلق تصوره لكل العلوم على مبدأ عقيدة التوحيد، ويربط ربطا وثيقا بين العلوم والشواهد النقلية المتمثلة في نصوص القرآن والسنة، ويؤكد على أن كل ما يرتبط بالعملية التربوية من معارف وطرق وأهداف يجب أن يكون مستوحى من الأصول الشرعية، وقد أشار إلى ذلك في الباب الأول من موسوعته «فضيلة العلم والتعليم وشواهده من النقل والعقل»[32].
وإن النظرة الفاحصة للشواهد النقلية تبين أن هناك ثابتا أساسيا هو العقيدة، فينبغي أن تكون بمثابة المرجعية الأساسية في فهم العلم وتقويمه، فالمعرفة عند الإمام الغزالي لا تنفصل عما أمر بها الشرع، بل إن العلم أصله عبادة وفضيلة.
وحتى الشواهد العقلية التي يوردها إمامنا الغزالي، مباشرة بعد الشواهد النقلية، تعتبر تابعة وخادمة لهذه الأخيرة، فالأولوية تعطى لتعاليم الدين وتوجيهات العقيدة.
كما عالج ابن تيمية ت (728ه) مفهوم التربية بتصور أوسع مما كان يشار إليه على أنه تربية وتعليم، فلقد اقتصر اسم التربية حتى في عصورنا الحاضرة على التعليم الرسمي الذي يقدم للناشئة في المدارس، ولكن الفكر التربوي عند ابن تيمية لا يفصل التربية عن الثقافة والتوجيه العام، وهذا ما يسميه علماء الانتروبولوجيا- علم الإنسان اليوم- أي العملية التي يتم من خلالها تقبل المجتمع والأفراد للعقائد والقيم وطريقة الحياة التي يراد إشاعتها في القول والعمل، وفي التعليم والتدريب، وفي العادات والأعياد، والاحتفالات والمهن والفنون، وفي العبادات والنشاطات الاجتماعية»[33].
وقد حاول بن تيمية من بعد الغزالي أن يربط الفكر التربوي بمعارف السلف حيث عالج الكثير من المفاهيم التربوية ضمن أبحاثه ودراساته الوافرة، ولقد ركز في هذا المجال على الأصول دون الفروع، وكان من الممكن أن يسهم في تجديد مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، لو أن آراءه وجدت المناخ الفكري الملائم، وقد استرشد بفلسفة التعليم التي فهومها من القرآن والسنة»[34].
ولإعادة بناء المنظومة التربوية على أسس إسلامية صحيحة بلور بن تيمية مجموعة من الآراء والمبادئ في ميادين أصول التربية وفلسفتها والمناهج وطرائق التعليم وغير ذلك من الميادين التربوية، ولقد تميزت آراؤه في هذا المجال بدعائم ثلاثة أوردها الكيلاني في كتابه على النحو الآتي»[35]:
الأول: اعتقد أن التربية يجب أن تركز على بعث عقيدة التوحيد وتطهير حياة الأمة من البدع والانحرافات كمقدمة لتأهيل الأمة لحمل رسالة الإسلام مرة ثانية.
الثاني: أن مقياس التربية السليمة هو قيامها على أصول مستمدة من القرآن والسنة وانسجامها مع تطبيقات السلف، وإعادة توصيل المتعلم بالقرآن والسنة دون حاجة لوسطاء في الفهم والاستنباط.
الثالث: أن التربية لا يمكن فصلها عن التوجيه العام للمجتمع، وهي ترتبط بالحياة اليومية وما يتفاعل خلالها من المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والممارسات الإدارية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك.
بينما عمل ابن خلدون (ت 808ه) – عبقري التربية في الفكر التربوي الإسلامي – على تأصيل مفهوم التربية، واهتم بالقضايا والموضوعات المرتبطة بها، وهو صاحب مشروع ورؤية حضارية خاصة، ولاسيما فيما يتعلق بدراسة التاريخ البشري، والمجتمع الإنساني، والعمـران الحضاري، والتربـوي والسياسـي وغيرهـا من الحقـول المعرفية العلامة، «فقد أكسبته خبرته العلمية والعملية دقة في فهم سنن الحوادث وقوانين الاجتماع مما ظهر أثره واضحا في آثاره العلمية، فجاء بنظرات صائبة أبرزت الكثير من المفاهيم التربوية وقوانين التعلم»[36].
وقد أورد في أثناء تحديده للمنهج التربـوي السليـم شروطا، دينية ودنيوية، ينبغي على المعلم والمتعلم التحلي بها، حتى يكون التعليم مزدهرا ومحققا لأهدافه، وتكـون عملية التعليم ناجحة ومثمرة.
إذ ذكر في الفصل الأربعين أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم «وذلك أنّ إرهاف الحدّ بالتّعليم مضرّ بالمتعلّم سيّما في أصاغر الولد لأنّه من سوء الملكة. ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلّمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيّق عن النّفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث وهو التّظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلّمه المكر والخديعة لذلك صارت له هذه عادة وخلقا، وفسدت معاني الإنسانيّة الّتي له من حيث الاجتماع والتّمرّن»[37].
وبين وجه الصواب في تعليم العلوم وطرق إفادته في الفصل السابع والثلاثين قائلا: «اعلم أنّ تلقين العلوم للمتعلّمين إنّما يكون مفيدا إذا كان على التّدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا يلقى عليه أوّلا مسائل من كلّ باب من الفنّ هي أصول ذلك الباب. ويقرّب له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعى في ذلك قوّة عقله واستعداده لقبول ما يرد»[38].
2- الفكر التربوي الإسلامي المعاصر بين التغريب والتقليد
أ- اتجاه التغريب
وإذا انتقلنا إلى الفلسفة التربوية الإسلامية في العصر الحديث «سنجد بعضها مرتبطا ارتباطا تاما بالمدارس الغربية، التي تأثرت هي الأخرى بالتحولات التي شهدها المجتمع الأوربي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ومع بداية النهضة الأوربية حدث انقلاب في المفاهيم التربوية وهو يعكس ذلك الانقلاب الذي أحدثته الثورة الصناعية في الحياة العامة، وهكذا ظهرت نظريات وفلسفات ترتبط أساسا بفترة التحول، ولم تكن الآراء في التربية تختلف في الواقع عن تطلعات البرجوازية الناشئة وفكرها اللبرالي»[39].
إن العالم العربي الإسلامي قد خضع في العصر الحديث لهيمنة الاستعمار الغربي، وحينما توارى هذا الاستعمار خلف وراءه تبعية فكرية وتربوية، تتسم بالانفتاح الحضاري في غير صالح الهوية الإسلامية، «ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن السبب الأساسي في أزمة الفكر التربوي المعاصر، ترجع إلى تبعيته للفكر الغربي، وإلى أنه لا يكاد يوجد فكر تربوي عربي أصيل، بل توجد نظريات وآراء تربوية غربية (أوربية وأمريكية) نقلت من أوطانها الأصلية وغرست في البلدان العربية رغم الاختلاف الكبير بين البيئات العربية والغربية»[40].
وقد أسهمت هذه النظم التربوية الغربية في زرع الاغتراب في صفوف طلاب البلدان العربية، لأن هناك «مؤلفات تربوية عربية تأثرت تأثرا تاما بالمناهج والنظريات الغربية، فكانت المصنفات الغربية هي مادتها العلمية، تستقي منها، وتسقيها لأبناء الأمة»[41]، مما أدى إلى إضعاف شخصياتهم وإلحاقهم بنموذج المراهق الغربي سلوكا وقيما، ولا يتفاعلون مع قضايا وهموم ومشكلات مجتمعاتهم، فيكون ذلك سببا «في انتشار كثير من السلوكات التمردية، وزيادة معدلات الجريمة والانحراف، واستفحال التطرف والعنف»[42].
إضافة إلى هذا فإن المناهج الدراسية المستوردة وطرق التدريس المختلفة قد تقوم بدور اغترابي، لأن عدم مشاركة المتخصصين والطلاب في إعداد مناهجهم الدراسية يشعرهم بعدم أهميتها، وبأنها غريبة عنهم، وغير مرتبطة بواقعهم ولا تعالج قضاياهم، «فيتحول الطلاب من خلالها إلى كائنات مهمشة وضائعة ومستلبة ومستسلمة، وتتميز بسهولة السيطرة عليها، وتعاني من ضعف القدرة على التفكير الناقد، وتعيش بإرادة مسلوبة ووعي مزيف، ومنفصل عن ذاتها ومجتمعها»[43]. ولذلك أثبتت نتائج بعض الدراسات أن طرق ومناهج التدريس هي السبب الرئيسي في ضعف التحصيل الدراسي، وانعدام الحيوية والنشاط أثناء تلقي المعرفة.
وقد تنبه علماء التربية المسلمين إلى أثر هذا الاندفاع وراء النظريات التربوية الغربية المنحرفة عن قيم وهوية وثقافة الأمة العربية الإسلامية، «فعادوا إلى الأصول الإسلامية، فظهر الكثير من الدراسات التربوية التي ترتوي في بنائها العلمي من الينابيع الإسلامية، فأثبتت تلك الدراسات الأصالة العلمية والأساليب والمنهجية»[44] التي تميز بها التراث التربوي الإسلامي تنظيرا وتطبيقا، إلا أن هذا التراث ما زال يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة، وإلى «قراءة تحليلية ناقدة تمكننا من التمييز ضمن عناصره بين الأفكار الحية التي يلزم تجديدها، والأفكار الميتة التي يلزم دفنها، والأفكار المميتة التي يلزم الوقاية منها»[45].
ب- اتجاه التقليد
وفي سياق آخر فإن نظرية التربية الإسلامية لم تتمكن من «التحرر من الركود الذي أصابها في الفترة السابقة، فأخذت ابتداء من القرن الثامن الهجري في الجمود الذي استمر حتى القرن الحالي، فلم تعد تتفاعل مع حاجات المجتمع وظروف التطور وانحسر مفهوم النظرية التربوية ليتلخص في: قدرة الخلف على ترديد معارف السلف أو شرحها أو تلخيصها»[46]، حيث تعزز التقليد في هذه الفترة وانقطع الاجتهاد حتى آل مفهوم التربية إلى وجوب اقتصار الخلف على التراث التربوي للسلف، فلم تقو جهود بعض العلماء على كسر هذا الجمود والاضطراب الذي شهده قطاع التربية والتعليم «فتعزز التقليد، وقدس التراث جملة، واستمر جمود النظام التربوي حتى بداية العصور الحديثة، حيث وجدت مؤسسات التربية الإسلامية نفسها عاجزة عن استيعاب حاجات المجتمع العربي الحديث في النمو والتقدم، ومواكبة التطور في العلم والمعرفة، الأمر الذي أدى إلى ظاهرة التعليم المزدوج حيث تقف المعاهد الإسلامية كمؤسسات متخصصة بتراث الماضي ويغلب على مناهجها وأساليبها موروثات العصور الجامدة وتقليد القديم دون مراعاة لاختلاف الأزمان وظروف التطور وحاجات الحاضر»[47].
وإن «النظم والمؤسسات التربوية التي انحدرت عن الطراز الإسلامي القديم ما زالت غائبة كلية عن مفهوم الأهداف التربوية وعن علاقته بالعمل التربوي ومناهجه وتطبيقاته ونتائجه، لأن وظيفة التربية عند هؤلاء هي نقل تراث الآباء إلى الأبناء دونما تطوير أو تبديل أو مراعاة لحاجيات المستقبل»[48]، وما سيطرأ على هذا المجتمع من تغيرات سريعة.
واستمر مفهوم التربية بالمعنى الذي طرحه مجموعة من العلماء القدامى وانتقل هذا «المفهوم إلى العصور الحديثة وأثر في الفكر التربوي الإسلامي المعاصر في الميادين العقائدية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية»[49]. واقتصرت موضوعات التربية المقدمة للناشئة على محتوياتها القديمة ولم تراع حاجة هؤلاء المتعلمين المعاصرين، كما أنها لم تجب على التساؤلات والانشغالات والمشاكل التي يواجهها الناشئة اليوم في محيطهم المعاصر.
وخلاصة القول إن فلسفات التربية في العالم الإسلامي المعاصر ظلت جامدة وثابتة لم يطرأ عليها أي تجديد، ولم تستجب لطبيعة الواقع والعصر، لأن بعضها مقتبس من الغرب والبعض الآخر تابع للتراث القديم.
3- منهج إصلاح الفكر التربوي الإسلامي
إن فلسفة التربية في أي مجتمع يجب أن «تشتق من المصدر الفكري أو العقائدي الذي يستوحي المجتمع منه مبادءه وأهدافه ومعتقداته التي توجه نشاط أفراده، وتمدهم بالقيم والتصورات لكي يتخذوها مرشدا لسلوكهم، ورغم أن الإسلام يمثل للمسلمين عقيدة وشريعة ومنهج حياة يستلهمون منه أهدافهم وتصوراتهم، فإن معظم الفلسفات التربوية ليست إلا تجميعا غير منسق لأفكار وقضايا تربوية غربية تم تبنيها دون تكييف ولا تنقية ولا مراعاة لخصوصية مجتمعاتنا الإسلامية[50]، مما جعلها عاجزة عن تحقيق أهدافها التربوية والقيمية.
فأكثر فلسفات التربية في العالم الإسلامي تفتقر إلى الشمولية، فأهدافها تربوية محدودة وضيقة فهي تركز على جوانب وتهمل جوانب أخرى، حيث إنها لا تعطي العناية الكافية للجوانب الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، ولا ترتبط كثيرا بحاجات وواقع وقضايا المجتمعات الإسلامية، ولا تعمل كثيرا على تنمية الشخصية المسلمة من جميع الجوانب، مما يجعلها تتخبط عشوائيا.
إن ما يحتاجه العالم العربي الإسلامي اليوم إذن «هو مزيد من البحث في الأصول والتراث بهدف فهم أعمق للأصول التربوية في التاريخ الإسلامي وبذلك يتمكن من إقامة نظم تربوية ومفاهيم تربوية أصيلة في انتسابها للماضي، مرنة في تلبيتها لحاجات الحاضر، قادرة على تحديد مسارات المستقبل»[51].
ولتطوير فلسفة التربية في العالم الإسلامي لا بد من «تبني فلسفة تربوية واحدة محددة وشاملة، تقوم على قواعد عامة واحدة، وتبنى على أساس الإسلام ونظرته للإنسان والكون والحياة والمعرفة، وتتحرر من التبعية للتربية الغربية، ويشترك في إعدادها أكثر المؤثرين فيها والمتأثرين بها، وتركز على الدنيا والآخرة، والنظرية والتطبيق، والتعليم الديني والدنيوي، والعلم والعمل، وتعمل على تنمية الفرد والمجتمع من كل الجوانب والنواحي، وتشجع الانفتاح على العلوم والخبرات الإنسانية، وتمتاز بالمرونة والشمولية والتجديد والوضوح[52].
ولابد للفكر التربوي العربي المعاصر أن يتميز بالعديد من الخصائص التي تمكنه من «نشر المعرفة بين أفراد المجتمع العربي، حتى تحقق هذه المعرفة ما ينسجم مع واقع الحياة المعاصرة سواء في المجتمع العربي أو العالم، وما ينسجم مع التطور التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة»[53].
كما أنه يجب التسليم بالواقع الذي فرضه عصر الثورة الرقمية، وبالتالي لا يجب الانغلاق على هذه المستجدات التكنولوجية التي أملتها ثقافة العالم المعاصر، وإنما يجب الانفتاح على ثقافات العالم ودراسة لغاتهم، والوقوف على تجاربهم في ميادين الفكر والتربية والعلم، وتحليل هذه المعطيات الوافدة وتقييمها والاستفادة منها، وتناولها على أساس من الوعي، واعتبارها إحدى المعلومات المساعدة على المشاركة في الحضارة العالمية.
وهذه الإصلاحات التربوية يمكن أن تجعل الفكر التربوي الإسلامي فكرا قادرا على مجاراة الفكر التربوي العالمي، وتوفر له القدرة على متابعة المستجدات التربوية على صعيد العالم، وهذا من شأنه أن يعمل على تغيير المعرفة في الوطن العربي ونشر التعليم بين جميع أفراده.
وحتى نقضي على استمرار الازدواجية في نظم التربية القائمة بين التشبث بالماضي والإقبال على كل ما هو حديث، لابد إذن من استثمار المادة التربوية كما أصلها القدماء باعتبارها لبنة حضارية بمقدورها الإجابة على المشكلات الحضارية المعاصرة التي يواجهها الناشئة اليوم دون إغفال لأهمية تتبع وتقييم المستجدات التربوية العالمية والاستفادة منها.
ثانيا: الفكر التربوي الإسلامي: أصوله، أهدافه، مجالاته
1- أصول الفكر التربوي الإسلامي
إن التربويين المسلمين قد تنبهوا للنتائج السلبية التي تكون بسبب التبعية المطلقة للفكر التربوي الغربي والنظريات المنحرفة، وإهمال المصادر الإسلامية، فعادوا إلى الأصول الإسلامية، فظهرت الكثير من الدراسات التربوية التي ترتوي في بنائها العلمي من الينابيع الإسلامية، وأثبتت تلك الدراسات الأصالة العلمية في المصادر والوسائل والأساليب والمنهجية»[54].
وتبرز التوجيهات الإسلامية في التنمية التربوية الصالحة من خلال الأصول المستنبطة منها والتي نجملها فيما يلي:
أ- القرآن الكريم
وضع القرآن الكريم الأساس النظري للمنظومة التربوية التي يسير وفقها الفرد والمجتمع، وقد حمل القرآن في آياته وكشف ودل على كثير من سنن التحضر وقوانين حركة التاريخ والاجتماع، ولعل قضية السنن هي واحدة من الحقائق المبثوثة في الأصول ولم تلق اهتماما كبيرا في الدراسة والجمع والتأليف، وتمثلت هذه الرؤى لتأصيل قضية السنن ما بين إشارات هنا أوهناك في تفسيرات قرآنية حديثة أو قديمة أو كتابات تراثية»[55].
وقد اتضح لبعض المفكرين ممن يهتمون بالمنظور الحضاري من ضرورة أن يولى لموضوع السنن القرآنية اهتماما أكبر، وقد أسهموا بهذا الجهد التأصيلي في تأسيس لبنات ضمن الرؤية السننية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من عناصر التشكيل الثقافي والفكري والحضاري على المستوى المعرفي والمنهجي، وإن «السنن وفق هذه المعاني جميعا عملية تربوية تعليمية وتدريبية وتحصيلية، وإن من أهم عناصر العملية التربوية في ساحات الفعل الحضاري هي التربية بالسنن، ذلك أن العامل الأساسي والتأسيسي في البناء الحضاري هو فقه سنن الله في الحياة والتزامها منهجا وشريعة في حياة الناس»[56].
كما تضمن القرآن الكريم نماذج من الأساليب التربوية المتعددة: كأسلوب القصة والموعظة والقدوة، وضرب الأمثال لأخذ الدروس والعبر، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: 111]
ب- السنة النبوية الشريفة
ينطلق الفكر التربوي الإسلامي مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تعاليم سماوية، وما عمل به وما أمر صحابته والتابعين له أن يعملوا به، وأيضا بما جاء به من بعده تنفيذا لأوامره واجتنابا لما نهى الله عنه، واجتهادا في توضيح منهجه في التربية وأسلوبه في المعاملة، الذي انطلق من تربية سماوية روحية وجسدية، كانت وما تزال منهج عبادة ومنهج فكر ومنهج عمل»[57].
فالتمسك بالأصول الإسلامية في التربية هو أقوى السبل لتكوين الإنسان الصالح، وذلك فإن الجهات المختصة بتربية الإنسان في مختلف المجتمعات الإسلامية، مطالبة بالتمسك بالأصول الإيمانية التي هي في ضوء القران الكريم والسنة الشريفة، والتي تنبثق منها الأهداف التربوية العامة والخاصة، وهي مناهج تربية وتعليم للإنسان، وسبيل هذه التربية هو مسايرة التطور العصري للحضارة المعاصرة الإسلامية»[58].
وقد جعل الإمام الغزالي السنة النبوية أساسا ومرجعا لفكره التربوي يستدل بها للإجابة عن بعض القضايا التربوية، لأن السنة القولية والفعلية والتقريرية تمثل الأساس المرجعي الذي ينبغي الرجوع إليه لتربية النفس والأهل والعشيرة، فيها حياة البشرية وسعادتها في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21]
ت- أقوال الصحابة رضوان الله عليهم
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بالدور المنوط بهم من توجيه وإرشاد لجيل التابعين وربوهم التربية الجادة التي أظهرت منهم علماء وقادة للبشرية، حتى أصبحت سيرتهم ومنهجهم مصدرا تربويا لأجيال اليوم، لما تمثل فيهم من جدة في العلم والعمل، وشجاعة في الحق وصبر على ذلك، يشحذ همم من أراد أن يسلك مسلكهم ويقتفي أثرهم»[59].
وقد سار الإمام البخاري ت (256ه) في فكره التربوي على هذا المنهج حيث اعتمد على الفلسفة التربوية التي جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة وما أوثر من أقوال الصحابة والتابعين واجتهاد الأئمة من بعدهم في المسائل التربوية والنوازل الفكرية التي اعتنت بهذا الشأن.
ج- أقوال التابعين والأئمة
عاشوا قريبا من عصر النبوة، وتتلمذوا على أيدي رجال المدرسة المحمدية، فإذا هم صورة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسوخ الإيمان، والتعالي عن عرض الدنيا، والتفاني في مرضاة الله»[60]. فبذلوا الجد والجهد لإصلاح أحوال الأمة وازدهارها، وظهر تأثيرهم التربوي على الأجيال التي جاءت من بعدهم، حيث حافظوا على التراث التربوي للعصور التي سبقتهم، ثم بدأوا مرحلة التدوين التي يحكيها لنا التاريخ وكتب السير.
وقد استدل ابن تيمية على أفكاره وآرائه التربوية بأقوال التابعين والأئمة لإظهار البعد الأخلاقي في التربية الإسلامية، ويظهر ذلك في فتاويه.
2-أهداف الفكر التربوي الإسلامي
إن الغاية الأولى من التربية هي إعداد الإنسان الصالح المنتج، ولا يكون الإنسان صالحا منتجا إلا إذا كانت له الكفايات الضرورية للحياة في المجتمع، مما يؤهله إلى الاندماج في المجتمع والتكيف مع مختلف الصعوبات والمشاكل التي يفرضها محيطه الاجتماعي والطبيعي.
كما يؤدي النظام التربوي «عملا بناء وإيجابيا يقوم من خلاله بتنمية شخصية الفرد بشكل شامل ومتكامل ومتوازن، ويقوي ثقته بنفسه، ويدعم قدراته، ويزيد من ارتباطه بمجتمعه وانتمائه له، ويرسخ اعتزازه بدينه وهويته وقيمه وثقافته، ويعزز معايير المجتمع، ويكون أداة للتحرر والاستقلال والتماسك الاجتماعي والوحدة وتعزيز التنمية والذات والثقافة»[61].
وقد بين الإمام الغزالي أهداف التربية بقوله: «إن الهدف من التربية هو تكوين المؤمن الفاضل الذي يستطيع أن يتغلب على بدنه ومعوقاته وبالتالي يستطيع أن يصل إلى سيطرة الروح على البدن سيطرة تؤدي إلى معرفة هذا العالم، وإلى الوصول على أساس هذه المعرفة بحثا عن الحقيقة إلى جوهر عالم الأمر والملكوت»[62].
وقسم العلم الذي يتوجه به إلى الآخرة إلى علم المعاملة وعلم المكاشفة، ويقصد «بعلم المكاشفة ما يطلب منه كشف المعلوم فقط، وعلم المعاملة ما يطلب منه مع الكشف العمل به والذي ينقسم إلى علم ظاهر تعمل به الجوارح، وإلى علم باطن هو العلم بأعمال القلوب والجاري على الجوارح إما عادة وإما عبادة»[63].
ويتضح من خلال كتابات الغزالي التربوية أنه كان يهدف إلى غايتين هما:
– بلوغ الكمال الإنساني، ونعني به الرقي بالنفس الإنسانية وتزكيتها من الآثام والشوائب، فتتقرب إلى الله عن طريق الطاعات.
– ممارسة شؤون الكسب في الحياة، ومزاولة عمل يحصل له شرف العيش، والاندماج في مجتمعه، والتفاعل مع مكوناته فيصبر على أذاهم، ويسهر على مصالحهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه، وهذا دليل على أن الغزالي يعتبر أن الحياة الدنيا «مزرعة الآخرة والآلة الموصلة إلى الله عز وجل لمن اتخذها منزلا لا لمن يتخذها مستقرا ووطنا»[64].
ومن الأهداف العليا للتربية ما جاء في قوله تعالى: ﴿ِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28]، وقد وقف علماء التفسير وقفة تدبر من هذه الآية فخلصوا إلى أنه لا يخشى الله تعالى حق الخشية إلا العلماء الذين عرفوه حق معرفته، وإن «الغاية النهائية للتربية الإسلامية هي تحقيق العبودية لله في حياة الإنسان الفردية والجماعية»[65].
ويمكن أن نشير إلى باقي أهداف النظام التربوي الإسلامي فيما يلي:
– تقوية الوازع الديني لدى الفرد المسلم مما يسهم في بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة عند المتعلم.
– تنشئة المتعلم على قيم التعايش والتكافل والتضامن والتسامح والانفتاح واحترام الآخر.
– ترسيخ عقيدة التوحيد وقيم الدين الإسلامي على أساس الإيمان النابع من التفكير والتدبر والاقتناع، وتثبيتها في نفس المتعلم انطلاقا من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
– توفير تربية أساسية لكل فرد تؤهله لممارسة واجباته الدينية والدنيوية وتجعله مواطنا متزنا شغوفا بالعلم والمعرفة يتسم بروح المبادرة الإيجابية والتنافس الشريف.
– جعل المتعلم محور المنظومة التربوية وذلك بتمكينه من المعارف والمهارات الأساسية التي تساعده على تحصين شخصيته والتشبث بهويته الإسلامية والثقافية والحضارية[66].
– دعم الحاجات التربوية والاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الحاجات العاطفية والنفسية.
– أن تكون الأهداف التربوية متفقة مع الطبيعة الإنسانية مراعية لحاجات المجتمع في علاج مشكلاته.
– أن تحدد العلاقة بين الفرد والمجتمع ثم بينه وبين التراث الاجتماعي من عقائد وقيم وعادات وتقاليد ومشكلات
3- مجالات التربية في الفكر الإسلامي
تتفرع التربية إلى عدة مجالات من أبرزها :
– التربية الروحية الأخلاقية: تهدف التربية الروحية في الإسلام إلى ترقية الإنسان وانتشاله من الاستغراق في عالم المادة، وخلق حالة اتزان بين الجانب الروحي والجانب المادي في حياته، لتستقيم حياته ويتحقق الهدف الأعظم الذي خلق لأجله، وهو التعرف على خالقه ومولاه فيعبده حق عبادته.
وحتى تصل النفس إلى الفضائل وتتجنب الرذائل لا بد من محاسبتها وعدم تركها لهواها، وأن تأخذ بالمجاهدة والعزائم.
– التربية العقلية والعلمية: رفع الإسلام من مكانة العقل، وأهميته في حياة الإنسان، ودعا إلى تنميته بالاكتساب والتدريب والتجريب وتجميع الخبرات ومجالسة العقلاء، وإن التربية العقلية في الإسلام تهدف إلى بناء جيل يتصف بالإدراك والفهم لحقائق الأشياء، ووضع الأشياء في مواضعها زمانا ومكانا، وتنمية العقل الغريزي حتى يصل إلى أعلى مستوياته.
وإن تحصيل العلوم عمل يتقرب به الإنسان إلى ربه، ويتحرر به من القيود ومن كل ما يعطل الفكر، ونبذ الخرافات والأباطيل، وكل ما يضر بالفرد وبسلامة المجتمع.
– التربية الاجتماعية: عملية مستمرة في حياة الإنسان هدفها إحداث تغييرات في سلوكه ليتكيف ويتطبع بالمفاهيم الإسلامية الاجتماعية حيث تكون ثمرة لإنتاج علاقات اجتماعية ناجحة ومتميزة وفق المنظور الإسلامي، فتنمي الحس الجماعي عند الإنسان، والشعور بالمسؤولية اتجاه الآخرين، بحيث يصبح المجتمع كتلة متجانسة ومتفاهمة ومتعاونة وكأنه جسد واحد، ومن أدلة التربية الاجتماعية، ما نجد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من حث على التكافل والتعاون الاجتماعي، حيث قال: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى «[67].
– التربية القيمية: إن إعادة البناء القيمي في العالم الاسلامي لابد أن يتقدم على سائر محاولات الاصلاح التربوي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي…ومن دون ذلك لن نحوز على أي تقدم حقيقي.
إن قيم المجتمع الإسلامي تنبثق من من مصدرين أساسيين هما كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وإن الإسلام «جاء بثورة قيمية ألغت الكثير من القيم الفاسدة في المجتمعات البشرية، واحتفظت بالقيم الصالحة ونمتها ورسختها، وهذه الثورة القيمية رفعت الإنسان إلى مكانة سامية[68]، لأن الحياة الإنسانية لا تستقيم وتتكامل متطلبات سيرها بانتظام وانسجام إلا بضوابط سلوكية تُنظم علاقات الناس بعضهم ببعض في مختلف شؤون حياتهم.
ومن بين القيم الإسلامية الفاضلة التي تحكم سلوك الإنسان في مجتمعه قيم: التوحيد والعدل، والمساواة، والحرية، والرحمة، والسلام…
ثالثا: المرجع القيمي في الفكر التربوي الإسلامي: مفهومه، أصوله، خصائصه، ومجالاته
1- مفهوم القيم الإسلامية
إن مصطلح القيم في الفكر العربي المعاصر يختلف اختلافا بينا عن تداوله بالمعنى القديم، وربما كان هذا الاختلاف الكبير بين المعنى القديم والمعنى الحديث، الذي هو ترجمة لكلمة values باللغات الأجنبية، هو الذي أضفى عليه نوعا من الاضطراب المفاهيمي»[69]. ومع ذلك فإن مفهوم «القيمة، ونظام القيم كما نستعملها اليوم، حديثان حتى في اللغات الأوروبية المعاصرة «[70]، حيث انتقل معناها من المعنى التجاري الاقتصادي إلى كل ما له علاقة بالمثل الأخلاقية والاجتماعية.
يقول الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: «القيم محطات ومقاييس تحكم بها على الأفكار والأشخاص، والأشياء، والأعمال، والموضوعات، والمواقف الفردية والجماعية من حيث حسنها وقيمتها، أو من حيث سوئها وعدم قيمتها وكراهيتها، أو في منزلة معينة بين هذين الحدين»[71]. وهو بذلك يضفي بعدا معياريا للقيم دون ذكر المرجعية التي تعطي لهذه القيم صفتها المعيارية (المرجعية الدينية، المرجعية الاجتماعية، المرجعية الأخلاقية).
أما محمد عابد الجابري فقد كان أكثر دقة بعد استعراضه لمعنى كلمة القيم وخلص إلى أن «نظام القيم ليس مجرد خصال حميدة أو غير حميدة، يتصف بها الفرد فتكون خلقا له، بل هو بدرجة الأولى معايير للسلوك الاجتماعي والتدبير السياسي، ومحددات لرؤية العالم واستشراف المطلق»[72].
وقد عرف الدكتور عبد اللطيف محمد خليفة القيم بأنها «عبارة عن الأحكام التي يصدرها الفرد بالتفضيل أو عدم التفضيل للموضوعات والأشياء وذلك في ضوء تقديمه لها، وتتم هذه العملية من خلال التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته وبين ممثلي الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات والمعارف»[73].
كما أشارت بعض الدراسات النفسية الاجتماعية إلى أن مجال القيم هي الوجدان – الفكر والسلوك – وقد أشار أحمد أوزي إلى هذه الفكرة في قوله: «إن كل تعريف إجرائي للقيمة، أولا يتميز بثلاثة مظاهر هي: المظهر الوجداني المعرفي والسلوكي»[74].
وهي كذلك حسب المعجم الفلسفي «المثل والمبادئ التي توجه سلوك الإنسان وتنظمه»[75].
وبالتالي فإننا نستخلص من هذه التعريفات: أن القيم هي أفكار تجريدية تعبيرية عن مواقف سلوكية واعية للأفكار والمعتقدات، وتكون نتيجة للخبرات يتعرض لها الطفل في وسطه الأسري، والاجتماعي، فتصبح مكونا من مكوناته الإدراكية، فتظهر في مختلف تعبيراته السلوكية»[76].
ومن هنا يمكن التمييز بين مجموعة من القيم منها القيم المادية التي يحتاجها الإنسان، ثم القيم الفكرية، إلى جانب القيم الأخلاقية التي تعد أغنى القيم وتتغذى بها جميع القيم الأخرى فيحصل التكامل بينها، ليصل المجتمع من خلال هذه القيم إلى الغاية العظمى التي خلقه الله من أجلها والمتمثلة في عمارة الأرض وفق القوانين الربانية.
وحين ترتبط القيم بمنظومة فكرية وعقائدية مطلقة تتمثل في الإسلام فإنها تستمد قوتها ورسوخها في النفس منه، فتتنفس في هوائه وتنتشر في سمائه ولا تجد في الواقع حاجزا يمنعها من الامتداد في ذاتها إلا ما كان من مد وجزر في طبائع العباد من حيث استعدادهم للقرب منها في حالة الصفاء أو ابتعادهم عنها حين تتراكم حواجز المادة وتتوارى إلى وجهة نسائم الروح»[77].
2- مميزات وخصائص القيم في الفلسفة التربوية الإسلامية
إن في كل مجتمع نجد سلما من القيم مرتبا، وهذه القيم تأخذ طبيعة الظاهرة الاجتماعية فتصبح مفروضة علينا بوصفها توجد خارجنا فتعدل من رغباتنا بدل أن تكون صادرة عنها، وإن دور المجتمع في إنشاء القيم دور كبير ما في ذلك شك، فبدون مجتمع لا يمكن للقيم أن تتكتل لتصبح نظاما يفرض نفسه على أعضاء المجتمع، ومع ذلك فليس المجتمع وحده يصنع القيم.
وإن المجتمع لا يقوم مقام الطبيعة ولا مقام العقل، فطبيعة الإنسان ميوله وغرائزه الخ… لها دور في تكوين القيم، ولا يمكن أن يعوض المجتمع العقل، فدور العقل دور نقدي يطال المجتمع والقيم معا»[78].
فالقيم الإسلامية قيم متكاملة وشاملة لجميع مناحي الحياة أتى بها الإسلام لصياغة الشخصية الإنسانية صياغة متكاملة فمصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويمكن أن نميز القيم الإسلامية عن القيم الوضعية بخصائص عدة تناولها علماء الإسلام بالدرس والتحليل ويمكن حصرها في الآتي:
أ- الربانية: إن أصول القيم الإسلامية مصدرها الكتاب والسنة، حيث رسم الله تعالى في كتابه وسنة نبيه وسائلا وطرقا لاكتساب القيم الربانية الأصيلة التي فطر الناس عليها. «فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم معلما عاديا أو تقليديا، إنما كان آية من آيات الله الكبرى في السيطرة على قلوب طلبته والتحكم الكامل في عقولهم، من خلال طرقه وأساليبه التعليمية الرائعة المانعة، التي تثير أشواق المتعلمين وتبعث فيهم رغبة قوية في التعلم والفهم والإدراك»[79]، لأن تعبيره وجداني يحرك نوازع المتلقي ويؤثر في أحاسيسه، ومستويات الانفعال لديه، ومؤثر كذلك لتعبيره الفكري الذي يقنع عقل المتلقي بحجته ومنطقه وأدلته»[80]، وقد انفرد الخطاب التربوي النبوي بهذه السمة.
لذلك لا بد من الإحاطة بتفاصيل النظام التربوي الذي طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بد من إعادة البحث عن مناهجه وطرقه وأساليبه ومؤسساته. إذ من الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتمد الوعظ المنبري أو التلقين النظري وحده – كما هي حال التربية في المؤسسات التقليدية الإسلامية – وإنما كان محور تربية الرسول هو الممارسات العملية التي تهيئ لكل موقف تربوي محتواه وطرقه ووسائله ومؤسسته، وكانت الحياة كلها هي المؤسسة العامة التي تجري في ساحاتها – أو قاعاتها – فصول هذه التربية ومراحلها، ولم يكن المسجد إلا إدارة مركزية لتخطيط هذه التربية وتوجيهها»[81].
ب- الصلاحية والعمومية: تمتاز القيم الإسلامية بكونها قيما عالمية صالحة لكل زمان ومكان، ثابتة غير قابلة للتغيير والتبديل فهي «ليست قيما انتهازية ضيقة تعبر عن مصالح طبقية أو قومية أو رؤية جيل دون آخر»[82].
ج- الواقعية: إن القيم الإسلامية ليست قيما نظرية مثالية، إنما هي خلاصة شريعة نزلت حسب الوقائع والأحداث واستجابت لمشاكل الناس وقضاياهم، وليست فكرا يبتغي المدينة الفاضلة التي لا وجود فيها للشر، بل هي واقعية في مراميها وأهدافها «[83]، ومناط التكليف فيها بحسب الطاقة والاستطاعة قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 285].
وإن التأصيل التشريعي يبني للتربية الإسلامية منظومة الأسس التي تراعي بشرية الإنسان، وواقع ظروفه، وما يطرأ عليها من أحوال، كما تراعي واقع المجتمعات، والإنسان في واقعه يحب من يتصف بالمواصفات الأخلاقية الفاضلة، فتراه يحب الأمين الصادق الورع العفيف، كما يحب من يحسن إليه، والإسلام يأمر بذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 194].
د- الشمولية والتكامل: يتصف التوجيه الإسلامي بالشمول والتكامل في كل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته ومعاده، وهو في شموله موضوعي، وإنساني وفطري، وزماني ومكاني، فهو موضوعي: لأنه لم يفصل بين الدين والدنيا، بل شمل شؤون الحياة في الدنيا والآخرة. وزمانيا: لأنه التشريع الخالد إلى يوم القيامة. وإنسانيا: لأنه خاطب البشرية جميعا. وفطريا لأنه وَفَّق بين مطالب الروح والجسد»[84]. ومكانيا: لأنه صالح لكل زمان ومكان وليس خاصا بفترة زمنية محددة.
وإن من أهم خصائص التوجيه الإسلامي أنه ملائم للفطرة والجبلة الإنسانية، حيث اهتم بتربية جميع جوانب الإنسان الخلقية والجسمية والعقلية وتحقق التوازن بين مطالب الإنسان الجسدية والروحية، فلا يطغى جانب على جانب آخر»[85]، بحيث أباح للإنسان كل ما تشتهيه نفسه في إطار الحلال، فأباح مثلا له الزواج وحذره من رذيلة الزنا، ولحاجة الإنسان للمال حثه على العمل والكسب وأحل له التجارة، وحرم عليه الربا، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 274].
ه- التوازن: إن التأصيل التشريعي للتربية الإسلامية يبني منظومة من الأسس التي تحفظ توازن الشخصية الإنسانية في مجالاتها المختلفة، وتحقيق التقدم في مجالات الحياة المختلفة من غير مبالغة في تحقيق جانب على آخر، إذ يظهر التوازن والاعتدال في سائر أوجه النظام التشريعي الإسلامي: عبادة، وأخلاقا، وسياسة، واقتصادا، وأسرة، واجتماعا»[86].
و- الواقعية والمرونة: تتميز القيم الإسلامية بطبيعتها الواقعية التي يستسيغها العقل ويتقبلها الناس بقلوب مطمئنة، لأنها تستجيب لمصالح الفرد والمجتمع، «أما القوانين الوضعية فهي تعتبر الأخلاق شيئا معنويا لا يدخل في دائرة الإلزام، وبذلك فهي تجعل الخلق منفصلا عن القانون وما ذلك إلا لأن القانون منفصل عن الدين»[87].
3- أنواع القيم التربوية الإسلامية
إن للقيم مكانة بارزة في الفكر التربوي الإسلامي، حيث تعتبر من العوامل الهامة في توجيه السلوك الإنساني، وقد صنف التربويون القيم إلى أصناف عدة، نقف على بيان أربعة أنواع منها:
أ- القيم الروحية: يقصد بها القيم المرتبطة بتقوية العلاقة بين العبد وربه، وتربية نفسه وتزكيتها وتطهيرها من الرذائل، ومن أمثلة هذا النوع من القيم: إخلاص العبادة لله والتوكل عليه، الحرص على الطاعات وترك المنهيات، محاربة الأهواء والبدع والتيارات المنحرفة
ب- القيم العقلية: هي القيم المتعلقة باستعمال العقل لدى الفرد المسلم وتسخيره في طاعة الله، فقد حث الشرع على التدبر والتأمل في ملكوت الله عز وجل للوصول إلى أسرار الوجود، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].
ج- القيم الاجتماعية: هي القيم التي تجعل أفراد المجتمع متضامنين فيما بينهم متعاونين في السراء والضراء، إنما المؤمنون قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10].
د- القيم الجسمية: هي القيم المرتبطة بالعناية بالجسم وسلامة الجسد والسعي إلى اكتساب جميع أسباب القوة الحسية والبدنية، ليقوم المسلم بواجبه الذي فرضه الله عليه خير قيام ومن أمثلة هذا النوع من القيم العناية بالصحة، الاهتمام بالنظافة، الحرص على التغذية السليمة، الوقاية من الأمراض…»[88].
4- آليات اكتساب القيم وتنميتها
تتلخص وظيفة القيم في كونها تقوم بعملية التحفيز والتحكم في السلوك كما أنها تعتبر بمثابة موجه داخلي للأفراد يعتمدون عليها كمعيار للسلوكات التي يقومون بها، بحيث تهدف التربية على «قيم المواطنة وفضائل السلوك المدني لدى الأجيال الصاعدة في المدرسة، إلى تكوين المواطن المتشبث بالثوابت الدينية والوطنية لبلاده، في احترام تام لرموزها وقيمها الحضارية، والتمسك بهويته بشتى روافدها، المعتز بانتمائه لأمته، المدرك لواجباته وحقوقه، ومسؤوليته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، وتشبعه بقيم التسامح والتضامن والتعايش»[89]، وتجعل منه عنصرا فاعلا قادرا على مواجهة تحديات المحيط.
لهذا انصب اهتمام المتخصصين والباحثين والفاعلين في ميدان التربية والتعليم على ما يسمى الكفايات باعتبارها مدخلا أساسيا على مستوى الأهداف التربوية التي تسعى البرامج إلى تحقيقها لدى المتعلمين في إطار المواصفات التربوية المنشودة والقيم المثلى التي تؤطرها.
وقد بينت كثير من الدراسات النفسية والاجتماعية على الخصوص، أثر القيم المبثوثة في وسائل التكنولوجية الحديثة على قيم المتلقين، لأن هذا الغزو الإعلامي انطلق من ثقافة خاصة بمجتمع غريب في قيمه عن قيمنا العربية الإسلامية، لذلك أصبح لزاما على المدرسة أن تؤدي مهمتها في تربية الناشئة والأجيال الصاعدة على القيم الإسلامية وذلك بتوظيف جملة من الآليات»[90] ، أهمها:
– آلية الخطاب: بوصفه آلية لنقل القيم عبر المضامين الدراسية، وبرامج التكوين وأعمال البحث، التي تحمل ضمن إرسالياتها تلك القيم.
– آلية القدوة: حث المدرسين على تقديم مثال بيداغوجي يجسد القيم المستهدفة من خلال تصرفاتهم وسلوكاتهم ومعاملاتهم.
– آلية الأنشطة الثقافية والرياضية: وذلك بدمج المتعلمين في الحياة المدرسية، وذلك عن طريق تشجيعهم في الانخراط في النوادي المدرسية وجعلها فضاءات للتكوين والتشبع بالقيم.
– آليات سير المؤسسات المدرسية وتدبير مجالسها، وكيفية اشتغالها التي بإمكانها تقديم نماذج متميزة من مشاريع المؤسسة.
ومما يؤسف له حقا، أن هناك مؤشرات تؤكد أن الوزارات المكلفة بالتربية والتكوين في البلدان العربية لم تعر ما يكفي من الاهتمام لمسألة تجسيد القيم الإسلامية بحمولتها الإيمانية والأخلاقية والسلوكية والعملية، في إطار مشروع تربوي يتبلور من خلاله إطار مرجعي منبثق من الأصول والثوابت الشرعية.
وفي إطار هذا التوجه التربوي الجديد، واعتبارا للحظة الراهنة وللمنعطف الذي يمر به نظامنا التربوي، فإننا بحاجة ماسة إلى وضع مشروع تربوي كفيل بتحقيق هدفين أساسين:
– «هدف ذو بعد سلوكي أخلاقي: يتجلى في توفير مؤهلات شخصية، نفسية وسلوكية، إيجابية موجهة بسلم قيمي ثابت مبني على مرجعية محددة.
– هدف ذو بعد وظيفي: يتعلق بتحقيق الكفايات الضرورية التي يحتاجها الفرد للحياة في المجتمع الحديث بكل مشاكله وتعقيداته»[91].
خلاصة واستنتاج:
إن الفلسفة التربوية المعاصرة في العالم العربي خلصت بعد تجربة طويلة إلى نتيجة مفادها ضرورة الاعتماد على الأصول الإسلامية في بناء أنظمتها وأنشطتها التربوية، والاسترشاد بالتراث التربوي الإسلامي، وأن يأخذ هذا التراث حقه من العناية القائمة على المنهج العلمي السليم للاستفادة منه وإصلاح المنظومة التربوية العربية، مما يمكنها من أن تصوغ تراثها التربوي بما يتوافق مع المستجدات العالمية في ظل نظام العولمة ودون التخلي عن أصالتها.
فما أحوج المسلمين في هذا الواقع الأليم إلى تلمس خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية، ودراسة أخلاق ومؤهلات الجيل الأول الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعداد منهج تربوي قائم على العلم والدراسة المتأنية، والاهتداء بأنوار القرآن والسنة النبوية»[92]، وإعادة النظر في نظم التربية في المجتمعات الإسلامية لتكون في ضوء معطيات الإسلام، للتحرر من التبعية الفكرية والتربوية للمجتمعات الأجنبية في مجال العلوم الإنسانية والتربوية والاجتماعية.
ولن يتأتى هذا إلا بتخليص النظم التربوية التعليمية في بعض البلدان العربية من تبعيتها للغرب فكرا وممارسة، وإقامتها على مبدأ الأصالة والمعاصرة الذي يقتضي بناءها على أحدث الأسس وأكثرها تطورا، والاستفادة من كل المستجدات النافعة، والانفتاح على كافة التجارب العالمية وأخذ ما يلائم الوطن والأمة، ويقتضي أيضا صياغتها من حيث الشكل والمحتوى في ضوء دين الأمة وشخصيتها وماضيها وحاضرها ومستقبلها، بعيدا عن الاقتباس والاستيراد، على أن يرافق ذلك إعادة بناء مختلف الجوانب التربوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية في ضوء الإسلام حتى تنتظم الحياة كلها في العالم الإسلامي حسب تعاليم ديننا الحنيف.
لائحة المصادر والمراجع:
– الأبراشي، محمد عطية، روح التربية والتعليم، دار الفكر العربى للطباعة والنشر، القاهرة مصر، 1998م.
– إسماعيل، سيف الدين عبد الفتاح، العلاقات الدولية في الإسلام: مدخل القيم، إطار جامع لدراسات العلاقات الدولية في الإسلام، المعد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1419ه/1999م.
– إسماعيل، علي سعيد، الفكر التربوي الإسلامي وتحديات المستقبل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1427هـ/2006م.
– إسماعيل، علي سعيد، التعليم على أبواب القرن الحادي والعشرين، عالم الكتب، القاهرة، 1998م.
– الأصفهاني، الراغب، مفردات القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1412هـ، كتاب الراء.
– أوزي، أحمد، المراهق والعلاقات المدرسية، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1994م.
– أوزي، أحمد، المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، العدد الخامس، 2016م.
– ابن تيمية، أحمد تقي الدين، مجموع الفتاوي، جمع وترتيب: عبد الرحمان بن محمد بن القاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، ط1، 2004م.
– ابن ثابت، أبو حنيفة، العالم والمتعلم، تحقيق محمد رواس قلعة – وعبد الوهاب الندوي، مكتبة الهدى، حلب- سوريا، ط1، 1392ه/1972م.
– ابن خلدون، ولي الدين عبد الرحمن بن محمد، المقدمة، دار الجييل، د. ت.
– ابن عبد البر، جامع بيان العلم، تحقيق حسن الندوبي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، 1388ه/1968م.
– الباشا، عبد الرحمان رأفة، صور من حياة التابعين، دار الأدب الإسلامي، ط15، 1418ه/1998م.
– بلقزيز، عبد الإله، الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2002م.
– البهي، محمد، الفكر الإسلامي في تطوره، دار الفكر، مصر، ط1، 1971م.
– بوغازي، الطاهر، أثر القيم الثقافية الخارجية على قيم الأسرة، مجلة علوم التربية، الرباط، العدد السابع والخمسون – أكتوبر 2013م.
– البيضاوي، ناصر الدين، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، تحقيق محمد صبحي حلاق ومحمود أحمد الأطرش، دار الرشيد دمشق، ط1، 2000م.
– البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، مناقب الشافعي، تحقيق السيد أحمد صفر، دار التراث، القاهرة، 1391ه/1971م.
– التومي، عبد الرحمان، القيم والكفايات، مجلة النداء التربوي، الرباط، العدد 11، 1423هـ/2002م.
– الجابري، محمد عابد، العقل الأخلاقي العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت – لبنان، 2001م.
– جما، فريد، الغزالي والتربية، المجلة العربية للتربية، الكويت، المجلد 6، العدد1، ماي 1986م.
– الجنيدي الحسيني، محمد غسان، مبادئ في الفكر التربوي، سلسلة دراسات وأبحاث، دمشق – سورية، 1433ه/2012م.
– الحازمي، خالد بن حامد، أصول التربية الإسلامية، دار عالم الكتب، المدينة المنورة، ط1، 1420ه/ 2000م.
– خليفة، عبد اللطيف محمد، ارتقاء القيم، مجلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 160.
– خنيجر، محمد الصغير، الفكر التربوي التراثي، مجلة علوم التربية، الرباط، المجلد 2، العدد 11، أكتوبر 1996م.
– الدريج، محمد، الدليل التربوي، إشراف تقديم عام للفكر التربوي المحدث خلال القرن 18 و 19 ، ط1.
– الدريني، فتحي، خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، ط2، 1434ه/2013م.
– رزقي، حورية، لغة الخطاب التربوي في صحيح البخاري، أطروحة لنيل درجة دكتوراه العلوم، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الآداب واللغات، الجزائر، 1436هـ/2015م.
– الرشدان، عبد الله زاهي، الفكر التربوي الإسلامي، دار وائل، عمان – الأردن، ط1، 2004م.
– رشدان، محمود، الإحباط والهدر التربوي في التعليم العالي في الأردن: الواقع والطموح، موضوع مؤتمر نظمته جامعة الزرقاء الأهلية، تقرير شادية التل، 16-17 ماي 2000م.
– الزنتاني، عبد الحميد الصيد، أسس التربية الإسلامية في السيرة النبوية، الدار العربية للكتاب، ط2، ليبيا-تونس، 1993م.
– زهران، حامد عبد السلام، علم النفس الاجتماعي، عالم الكتب، القاهرة، ط4، 1977م.
– زيادة، رضوان، كيفن جيه أوتول، صراع القيم بين الإسلام والغرب، دار الفكر، دمشق، ط1، 1431ه/2010م.
– سورطي، يزيد عيسى، الدور الاغترابي للتربية في الوطن العربي، المجلة التربوية، الكويت، العدد 67، مج 17، يونيو 2003م.
– سورطي، يزيد عيسى، فلسفة التربية في العالم الإسلامي: المشكلات والحلول، المجلة التربوية، جامعة الكويت، العدد 37، مج 10، خريف 1995م.
– الصائم، محمد عثمان، تحديات العولمة ودور التربية الإسلامية في مواجهتها، المجلة التربوية، الكويت، العدد 81، دجنبر 2006م.
– صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1973م.
– الصمدي، خالد، القيم الإسلامية في المناهج الدراسية، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو – 1424ه/2003.
– عباس، محجوب، أصول الفكر التربوي في الإسلام، جدارا للكتاب العالمي، عمان – الأردن، ط1، 2006م.
– عبد الحميد، محسن، تجديد الفكر الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينا، 1416هـ /1995م.
– عبد الوهاب، ليلى، مشكلات الشباب والتعليم الجامعي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993م.
– عبود، عبد الغني، طبيعة الخطاب التربوي السائد ومشكلاته، إسلامية المعرفة، بيروت – لبنان، 2002م.
– العُمري، عبد العزيز بن إبراهيم، أبعاد إدارية واقتصادية واجتماعية وتقنية في السيرة النبوية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، ط1، 1426ه/2005م.
– عيد، عريب محمد، الخطاب النبوي خريطة البيان العربي، دراسة في اللسانيات النفسية والاجتماعية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2015م.
– الغامدي، عبد الرحمان بن حجر، مدخل إلى التربية الإسلامية، دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض، 1418هـ.
– الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار ابن حزم، بيروت – لبنان، ط1، 1426هـ/2005م.
– الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، أيها الولد، دار البشائر الإسلامية، ط4، لبنان – بيروت ،1431هـ /2010م.
– الفاسي، علال، دفاع عن الشريعة، الفصل التاسع: مميزات الشريعة، الفصل العاشر: محاسن الشريعة، 1996م.
– فريد، أحمد، التربية على منهج أهل السنة والجماعة، الدار السلفية للنشر والتوزيع، المدينة المنورة، ط2، 2006م.
– فوارس، هيفاء فياض، التأصيل التشريعي للتربية الإسلامية في ضوء علم أصول الفقه، المجلة التربوية، جامعة الكويت، العدد 115، مج 29، رمضان 1436ه/يونيو 2015م.
– القادري، أحمد رشيد، الفكر التربوي الإسلامي، دار جرير، عمان – الأردن، 1426هـ/2005م.
– الكيلاني، ماجد عرسان، أهداف التربية الإسلامية، دراسة مقارنة بين أهداف التربية الإسلامية والأهداف التربوية المعاصرة، مكتبة دار التراث، المدينة المنورة، ط2، 1408ه/1988م.
– الكيلاني، ماجد عرسان، تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، مكتبة دار بن كثير، دمشق – بيروت، ط2، 1405ه/1985م.
– الكيلاني، ماجد عرسان، الفكر التربوي عند ابن تيمية، مكتبة دار التراث، المدينة المنورة، ط2، 1407ه/1986م.
– الكيلاني، ماجد عرسان، فلسفة التربية الإسلامية، دار القلم، دمشق، 1987م.
– المالكي، عبد الرحمان، القيم التربوية في تدريس التربية الإسلامية، المجلة التربوية، جامعة الكويت، العدد 91، يونيو 2009م.
– المغراوي، أبو سهل محمد بن عبد الرحمن، موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (أكثر من 9000 موقف لأكثر من 1000 عالم على مدى 15 قرنًا)، المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، القاهرة – مصر، النبلاء للكتاب، مراكش – المغرب، ط: 1، 1428ه/2007م.
– ملكاوي، فتحي حسن، نصوص من التراث التربوي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينيا – الولايات المتحدة الأمريكية، ط1، 1439هـ/2018م.
– منصور، عصام محمد، الفكر التربوي المعاصر والبرجماتية، دار الخليج، 2014م.
– المودني، عبد اللطيف، المدرسة المغربية ومسارات التربية على القيم المشتركة، دفاتر التربية والتكوين، الدار البيضاء، العدد 5، شتنبر 2011م.
– النحلاوي، عبد الرحمان، أصول التربية الإسلامية وأساليبها، دار الفكر، دمشق، ط2، 1403ه/ 1983م.
«««««
– الإطار المرجعي الخاص بمادة التربية الإسلامية، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، المملكة المغربية، 2016م.
– الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المملكة المغربية، المطبعة الرسمية، 2002م.
[1] -الكيلاني، ماجد عرسان، الفكر التربوي عند ابن تيمية، مكتبة دار التراث، المدينة المنورة، ط2، 1407ه/1986م، ص252.
[2] – أوزي، أحمد، المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، العدد الخامس، 2016م، ص4.
[3] – بلقزيز، عبد الإله، الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2002م، ص264-265.
[4] -القادري، أحمد رشيد، الفكر التربوي الإسلامي، دار جرير، عمان – الأردن، 1426هـ/2005م، ص13.
[5] -صبري، نعمان ساجد، مجلة الأستاذ، كلية التربية ابن رشد، بغداد، العدد 209 – المجلد، 1435هإ/2014م، ص399.
[6] -عبد الحميد، محسن، تجديد الفكر الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينا، 1416هـ/1995م، ص36.
[7] – البهي، محمد، الفكر الإسلامي في تطوره، دار الفكر، مصر، ط1، 1971م٬ ص7.
[8] – تجديد الفكر الاسلامي، م س، ص36.
[9] -الغامدي، عبد الرحمان بن حجر، مدخل إلى التربية الإسلامية، دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض، 1418هـ، ص3.
[10] -البيضاوي، ناصر الدين، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، تحقيق محمد صبحي حلاق ومحمود أحمد الأطرش، دار الرشيد دمشق، ط1، 2000م، مج 1/13.
[11] -الأصفهاني، الراغب، مفردات القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1412هـ، كتاب الراء، ص184.
[12] -الزنتاني، عبد الحميد الصيد، أسس التربية الإسلامية في السيرة النبوية، الدار العربية للكتاب، ط2، ليبيا-تونس، 1993م، ص24.
[13] – الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، أيها الولد، دار البشائر الإسلامية، ط4، بيروت لبنان،1431ه/2010م، ص128.
[14] -الأبراشي، محمد عطية، روح التربية والتعليم، دار الفكر العربى للطباعة والنشر، القاهرة مصر، 1998م، ص7.
[15] – أسس التربية الإسلامية في السيرة النبوية، م س، ص22.
[16] -زهران، حامد عبد السلام، علم النفس الاجتماعي، عالم الكتب، القاهرة، ط4، 1977م،ص213.
[17] -رزقي، حورية، لغة الخطاب التربوي في صحيح البخاري، أطروحة لنيل درجة دكتوراه العلوم، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الآداب واللغات، الجزائر، 1436هـ/2015م، ص26.
[18] -ابن تيمية، أحمد تقي الدين، مجموع الفتاوي، جمع وترتيب: عبد الرحمان بن محمد بن القاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، ط1، 2004م، 10/97.
[19] -عبود، عبد الغني، طبيعة الخطاب التربوي السائد ومشكلاته، إسلامية المعرفة، بيروت – لبنان، 2002م، العدد 29، ص48.
[20] -عباس، محجوب، أصول الفكر التربوي في الإسلام، جدارا للكتاب العالمي، عمان – الأردن، ط1، 2006م، ص10.
[21] -إسماعيل، علي سعيد، الفكر التربوي الإسلامي وتحديات المستقبل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1427هـ/2006م، ص37.
[22] -الرشدان، عبد الله زاهي، الفكر التربوي الإسلامي، دار وائل، عمان – الأردن، ط1، 2004م، ص265-268.
[23] -فريد، أحمد، التربية على منهج أهل السنة والجماعة، الدار السلفية للنشر والتوزيع، المدينة المنورة، ط2، 2006م، ص8.
[24] – المغراوي، أبو سهل محمد بن عبد الرحمن، موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (أكثر من 9000 موقف لأكثر من 1000 عالم على مدى 15 قرنًا)، المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، القاهرة – مصر، النبلاء للكتاب، مراكش – المغرب، ط: 1،1428 ه/2007م، ص 373.
[25] – العُمري، عبد العزيز بن إبراهيم، أبعاد إدارية واقتصادية واجتماعية وتقنية في السيرة النبوية، ط1، 1426ه/2005م، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، ص37.
[26] – موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية، م س، ص374.
[27] -الكيلاني، ماجد عرسان، تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، مكتبة دار بن كثير، دمشق – بيروت، ط2، 1405ه/1985م، ص 85-87.
[28] – تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، م س، ص 88.
[29] -ابن ثابت، أبو حنيفة، العالم والمتعلم، تحقيق محمد رواس قلعة وعبد الوهاب الندوي، مكتبة الهدى، حلب- سوريا، ط1، 1392ه/1972م، ص34-38.
[30] -البيهقي، أبي بكر أحمد بن الحسين، مناقب الشافعي، تحقيق السيد أحمد صفر، دار التراث، القاهرة، 1391ه/1971م، ص282.
[31] – ابن عبد البر، جامع بيان العلم، تحقيق حسن السندوبي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، 1388ه/1968م، 1/159.
[32] – الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار ابن حزم، بيروت – لبنان، ط1، 1426هـ/2005م، 1/11.
[33] – الفكر التربوي عند ابن تيمية، م س، ص253.
[34] – تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، م س، ص197-199.
[35] -الفكر التربوي عند ابن تيمية، م س، ص252.
[36] – تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، م س، ص226.
[37] – ابن خلدون، ولي الدين عبد الرحمن بن محمد، المقدمة، دار الجيل، د. ت، ص597.
[38] – م ن، ص589.
[39] -الدريج، محمد، الدليل التربوي، تقديم عام للفكر التربوي المحدث خلال القرن 18 و19، ط1، 1412هـ/1992م، ص49-50.
[40] – منصور، عصام محمد، الفكر التربوي المعاصر والبرجماتية، دار الخليج، 2014م، ص131.
[41] -الحازمي، خالد بن حامد، أصول التربية الإسلامية، دار عالم الكتب، المدينة المنورة، ط1، 1420ه/2000م، ص9.
[42] -عبد الوهاب، ليلى، مشكلات الشباب والتعليم الجامعي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993م، ص47.
[43] -اسماعيل، علي سعيد، التعليم على أبواب القرن الحادي والعشرين، عالم الكتب، القاهرة، ص47.
[44] – أصول التربية الإسلامية، م س، ص10.
[45] -ملكاوي، فتحي حسن، نصوص من التراث التربوي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينيا – الولايات المتحدة الأمريكية، ط1، 1439هـ/2018م، ص21.
[46] – تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، م س، ص211.
[47] – تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، م س، ص267.
[48] -الكيلاني، ماجد عرسان، أهداف التربية الإسلامية، دراسة مقارنة بين أهداف التربية الإسلامية والأهداف التربوية المعاصرة، مكتبة دار التراث، المدينة المنورة، ط2، 1408ه/1988م، ص39-40
[49] – الفكر التربوي عند ابن تيمية، م س، ص252.
[50] -سورطي، يزيد عيسى، فلسفة التربية في العالم الإسلامي: المشكلات والحلول، المجلة التربوية، جامعة الكويت، العدد 37، مج 10، خريف 1995م، ص161-163.
[51] – الفكر التربوي عند ابن تيمية، م س، ص257.
[52] – فلسفة التربية في العالم الإسلامي، م س، ص149.
[53] -منصور، عصام محمد، الفكر التربوي المعاصر والبرجماتية، دار الخليج، الأردن، ط3، 2009، ص32.
[54] – أصول التربية الإسلامية، م س، ص10.
[55] -إسماعيل، سيف الدين عبد الفتاح، العلاقات الدولية في الإسلام: مدخل القيم، إطار جامع لدراسات العلاقات الدولية في الإسلام، المعد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1419ه/1999م، ص186.
[56] -العلاقات الدولية في الإسلام: مدخل القيم، م س، ص192.
[57] -الرشدان، عبد الله زاهي، الفكر التربوي الإسلامي، دار وائل، عمان – الأردن، ط1، 2004م، ص62.
[58] -الصائم، محمد عثمان، تحديات العولمة ودور التربية الإسلامية في مواجهتها، المجلة التربوية، الكويت، العدد 81، دجنبر 2006م، ص246.
[59] – أصول التربية الإسلامية، م س، ص6.
[60] -الباشا، عبد الرحمان رأفة، صور من حياة التابعين، دار الأدب الإسلامي، ط15، 1418ه/1998م، ص5.
[61] -رشدان، محمود، الإحباط والهدر التربوي في التعليم العالي في الأردن: الواقع والطموح، موضوع مؤتمر نظمته جامعة الزرقاء الأهلية، تقرير شادية التل، 16-17 ماي 2000م.
[62] -خنيجر، محمد الصغير، الفكر التربوي التراثي، مجلة علوم التربية، الرباط، المجلد 2، العدد 11، أكتوبر 1996م، ص113.
[63] – إحياء علوم الدين، م س، ص10.
[64] -جما، فريد، الغزالي والتربية، المجلة العربية للتربية، الكويت، المجلد 6، العدد1، ماي 1986م، ص32.
[65] -النحلاوي، عبد الرحمان، أصول التربية الإسلامية وأساليبها، دار الفكر، دمشق، ط2، 1403ه/1983م، ص108.
[66] – الإطار المرجعي الخاص بمادة التربية الإسلامية، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، المملكة المغربية، 2016م.
[67] – أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم الحديث 4813، وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه بلفظ « ترى المؤمنين»، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، حديث رقم5688.
[68] -الجنيدي الحسيني، محمد غسان، مبادئ في الفكر التربوي، سلسلة دراسات وأبحاث، دمشق – سورية، 1433ه/2012م، ص21-91 بتصرف.
[69] -زيادة، رضوان – كيفن جيه أوتول- صراع القيم بين الإسلام والغرب، دار الفكر، دمشق، ط1، 1431ه/2010م، ص21.
[70] -الجابري، محمد عابد، العقل الأخلاقي العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت – لبنان، 2001م، ص54.
[71] -الكيلاني، ماجد عرسان، فلسفة التربية الإسلامية، دار القلم، دمشق، 1987م، ص92.
[72] – العقل الأخلاقي العربي، م س، ص56.
[73] -خليفة، محمد، ارتقاء القيم، عبد اللطيف مجلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 160، ص59-60.
[74] -أوزي، أحمد، المراهق والعلاقات المدرسية، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1994م، ص164.
[75] -صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1973م، ص175.
[76] -بوغازي، الطاهر، أثر القيم الثقافية الخارجية على قيم الأسرة، مجلة علوم التربية، الرباط، العدد السابع والخمسون – أكتوبر 2013م، ص34-35.
[77] – القيم الإسلامية في المناهج الدراسية، م س، ص24.
[78] – العقل الأخلاقي العربي، م س، ص56.
[79] – لغة الخطاب التربوي في صحيح البخاري، م س، ص 34.
[80] -عيد، عريب محمد، الخطاب النبوي خريطة البيان العربي، دراسة في اللسانيات النفسية والاجتماعية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2015م، ص48.
[81] – أهداف التربية الإسلامية، م س، ص217.
[82] – الفاسي، علال، دفاع عن الشريعة، الفصل التاسع: مميزات الشريعة، سلسلة الجهاد الأكبر، 1996م، ص75.
[83] – القيم الإسلامية في المناهج الدراسية، م س، ص31.
[84] – خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، م س، ص263-264.
[85] – أصول التربية الإسلامية، م س، ص49.
[86] -فوارس، هيفاء فياض، التأصيل التشريعي للتربية الإسلامية في ضوء علم أصول الفقه، المجلة التربوية، جامعة الكويت، العدد 115، مج 29، رمضان 1436ه/يونيو 2015م، ص285.
[87] -دفاع عن الشريعة، م س، ص127-137.
[88] -المالكي، عبد الرحمان، القيم التربوية في تدريس التربية الإسلامية، المجلة التربوية، جامعة الكويت، العدد 91، يونيو 2009م، ص143.
[89] – الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المملكة المغربية، المطبعة الرسمية، 2002م.
[90] -المودني، عبد اللطيف، المدرسة المغربية ومسارات التربية على القيم المشتركة، دفاتر التربية والتكوين، الدار البيضاء، العدد 5، شتنبر 2011م، ص12. (مقال مترجم تحت عنوان: المدرسة والقيم / OBIN, Jean-Pierre, Les valeurs et l’école, 2003)
[91] – التومي، عبد الرحمان، القيم والكفايات، مجلة النداء التربوي، الرباط، العدد 11، 1423هـ/2002م، ص10.
[92] – التربية على منهج أهل السنة والجماعة، م س، ص12.
**منار الإسلام