حتى لا يتأخر النصر
د . عبد الكريم بكار
هل طال النفق الذي نسير فيه أكثر مما ينبغي وأكثر مما هو متوقع ؟ وهل طال انتظارنا للنصر الكبير والإصلاح الشامل والازدهار العام أكثر مما كنا نظن ؟
أعتقد أن ذلك صحيح . ويمكن لكل ذلك أن يستمر عقوداً أو قروناً . وهناك إمكانية للانتكاس والارتداد على الأعقاب ؛ فالتدهور لا قعر له ، ولا حدود تجعله يتوقف .
لماذا لا يقدُم البشير وينبلج الفجر الجديد ؟
ربما كان السؤال الأكثر دقة : لماذا يقدُم البشير ويلوح النصر الحاسم ؛ ونحن لم نغيِّر في أنفسنا وسلوكاتنا وعلاقاتنا ، ولا نشعر أننا نتقدم بخطى ثابتة في الاتجاه الصحيح ؟
إن التخلص من وضعية الشَّرْذَمة والانكسار والوهن يحتاج إلى الكثير من العمل والكدح ، ويحتاج إلى الكثير من العلم والفهم ، كما يحتاج إلى التوقف عن الممارسات السيئة أو بالغة السوء . وأود هنا أن أشير إلى الملمحين الآتيين :
1 - علينا أن نكف عن ممارسة دور الضحية ودور المظلومين الذين اعتُدي عليهم ، وسُلبت حقوقهم . الأمة تعزو تخلفها إلى الاستعمار القديم والجديد ، والمدارس تعزو إخفاقها في تخريج جيل يعرف ويحب المعرفة إلى تقصير الأسر أو تقصير الجهات العليا في إمدادها بحاجاتها ، والموظف المفصول من وظيفته يشكو ظلم رؤسائه ... وهكذا فإنك لا تواجه إلا المظلومين ، ولا تواجه ظالمين أو معتدين . كل واحد فينا يذكر محاسن ذاته ، ويتحدث عن الأعمال العظيمة التي قام بها ...
ومن النادر أن نجد فرداً أو جماعة أو فريقاً يتحدث عن إخفاقاته أو أخطائه ، ومن النادر جداً أن تجد كاتباً من كتّابنا يتحدث عن قصور معالجته لمسألة من المسائل أو يقول : إن هذه المسألة لم تتضح في ذهنه على النحو المطلوب . كل شيء على ما يرام . كلنا ضحايا . نحن لم نفعل إلا ما يجب فعله . والآخرون دائماً هم المذنبون وهم المطالبون بالتغيير !!
لا شك أن شيئاً مما نقوله صحيح ، لكن الأصح منه هو ما لا نقوله . الحقيقة المؤكدة هي أن إساءاتنا لأنفسنا هي أكبر بكثير من إساءات الآخرين لنا ، بل لا يستطيع الغرب والشرق وكل الخصوم والمنافسين أن يفعلوا بنا أسوأ مما فعلناه بأنفسنا ، والله جل وعلا قال لمن هم أكرم منا وأتقى وأنبل : ( قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ) ( آل عمران : 165 ) .
2 - من غير الممكن الحصول على الازدهار الروحي والعمراني من غير ترسيخ فضيلة ( الصدق ) في حياتنا ، ومن أهم مظاهر الصدق ولوازمه تحمل المسؤولية بأريحية عن أعمالنا . ولهذا فنحن في حاجة إلى أن نرسخ في تقاليدنا الثقافية وفي أعرافنا ونظمنا وقوانيننا سهولة الاعتراف بالخطأ ، والاستعداد لتحمل النتائج المترتبة عليه عوضاً عما هو سائد اليوم من القول : كلنا مسؤول ، وكلنا مقصِّر ، وعلى الجميع أن يصلح شؤونه ، إن هذا الكلام صحيح في مجمله ، ولكن التعميم الزائد عن الحد يُفضي إلى عكس المطلوب ؛ حيث تكون المحصلة النهائية عدم وجود مسؤول تمكن محاسبته . عدم تحديد المسؤولية يعني عدم الخوف من وقوع العقوبة ، وعدم الخوف من وقوع العقوبة يعني استمرار الأخطاء واستفحالها ، وربما كانت حرية التعبير المنضبط بضوابط الشريعة الغراء هي الشرط الأساس لذلك . إن أجواء الكبت والقهر لا تساعد أبداً على تكوين الأشخاص النبلاء ولا تنشئة جيل يبادر إلى الخير ، ويتحمل مسؤولية ما عمل .
والله الموفق .
د . عبد الكريم بكار
هل طال النفق الذي نسير فيه أكثر مما ينبغي وأكثر مما هو متوقع ؟ وهل طال انتظارنا للنصر الكبير والإصلاح الشامل والازدهار العام أكثر مما كنا نظن ؟
أعتقد أن ذلك صحيح . ويمكن لكل ذلك أن يستمر عقوداً أو قروناً . وهناك إمكانية للانتكاس والارتداد على الأعقاب ؛ فالتدهور لا قعر له ، ولا حدود تجعله يتوقف .
لماذا لا يقدُم البشير وينبلج الفجر الجديد ؟
ربما كان السؤال الأكثر دقة : لماذا يقدُم البشير ويلوح النصر الحاسم ؛ ونحن لم نغيِّر في أنفسنا وسلوكاتنا وعلاقاتنا ، ولا نشعر أننا نتقدم بخطى ثابتة في الاتجاه الصحيح ؟
إن التخلص من وضعية الشَّرْذَمة والانكسار والوهن يحتاج إلى الكثير من العمل والكدح ، ويحتاج إلى الكثير من العلم والفهم ، كما يحتاج إلى التوقف عن الممارسات السيئة أو بالغة السوء . وأود هنا أن أشير إلى الملمحين الآتيين :
1 - علينا أن نكف عن ممارسة دور الضحية ودور المظلومين الذين اعتُدي عليهم ، وسُلبت حقوقهم . الأمة تعزو تخلفها إلى الاستعمار القديم والجديد ، والمدارس تعزو إخفاقها في تخريج جيل يعرف ويحب المعرفة إلى تقصير الأسر أو تقصير الجهات العليا في إمدادها بحاجاتها ، والموظف المفصول من وظيفته يشكو ظلم رؤسائه ... وهكذا فإنك لا تواجه إلا المظلومين ، ولا تواجه ظالمين أو معتدين . كل واحد فينا يذكر محاسن ذاته ، ويتحدث عن الأعمال العظيمة التي قام بها ...
ومن النادر أن نجد فرداً أو جماعة أو فريقاً يتحدث عن إخفاقاته أو أخطائه ، ومن النادر جداً أن تجد كاتباً من كتّابنا يتحدث عن قصور معالجته لمسألة من المسائل أو يقول : إن هذه المسألة لم تتضح في ذهنه على النحو المطلوب . كل شيء على ما يرام . كلنا ضحايا . نحن لم نفعل إلا ما يجب فعله . والآخرون دائماً هم المذنبون وهم المطالبون بالتغيير !!
لا شك أن شيئاً مما نقوله صحيح ، لكن الأصح منه هو ما لا نقوله . الحقيقة المؤكدة هي أن إساءاتنا لأنفسنا هي أكبر بكثير من إساءات الآخرين لنا ، بل لا يستطيع الغرب والشرق وكل الخصوم والمنافسين أن يفعلوا بنا أسوأ مما فعلناه بأنفسنا ، والله جل وعلا قال لمن هم أكرم منا وأتقى وأنبل : ( قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ) ( آل عمران : 165 ) .
2 - من غير الممكن الحصول على الازدهار الروحي والعمراني من غير ترسيخ فضيلة ( الصدق ) في حياتنا ، ومن أهم مظاهر الصدق ولوازمه تحمل المسؤولية بأريحية عن أعمالنا . ولهذا فنحن في حاجة إلى أن نرسخ في تقاليدنا الثقافية وفي أعرافنا ونظمنا وقوانيننا سهولة الاعتراف بالخطأ ، والاستعداد لتحمل النتائج المترتبة عليه عوضاً عما هو سائد اليوم من القول : كلنا مسؤول ، وكلنا مقصِّر ، وعلى الجميع أن يصلح شؤونه ، إن هذا الكلام صحيح في مجمله ، ولكن التعميم الزائد عن الحد يُفضي إلى عكس المطلوب ؛ حيث تكون المحصلة النهائية عدم وجود مسؤول تمكن محاسبته . عدم تحديد المسؤولية يعني عدم الخوف من وقوع العقوبة ، وعدم الخوف من وقوع العقوبة يعني استمرار الأخطاء واستفحالها ، وربما كانت حرية التعبير المنضبط بضوابط الشريعة الغراء هي الشرط الأساس لذلك . إن أجواء الكبت والقهر لا تساعد أبداً على تكوين الأشخاص النبلاء ولا تنشئة جيل يبادر إلى الخير ، ويتحمل مسؤولية ما عمل .
والله الموفق .