مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
النموذج الحضاري الغربي
النموذج الحضاري الغربي
معالج د. محمد عمارة

منذ الاحتكاك الحضاري بين العرب والعالم الإسلامي وخاصة إبان الغزوة الاستعمارية الحديثة التي بدأت بحملة نابليون بونابرت (1769-1821م) على مصر (1213هـ - 1798م).. بدأ النموذج الحضاري الغربي الوضعي العلماني يخايل عقول قطاع من النخبة العربية الإسلامية ليكون هو المرجعية في النهوض الإسلامي المنشود.

حدث ذلك في العديد من الميادين:

• ففي مذاهب الحرية بدأت الليبرالية الغربية تجتذب انتباه وانتماء قطاع من المثقفين العرب والمسلمين.

• وفي القومية والوطنية بمعناها الغربي بدأت شخصيات بل وأحزاب تسير في هذا الاتجاه.

• وفي المذاهب الاجتماعية وفلسفات الأموال والثروات بدت الرأسمالية اتجاها مختار الكثيرين.. بينما اجتذبت الاشتراكية وحتى الشيوعية أنظار الآخرين.

• وفي مكانة المرأة في المجتمع وعلاقات النساء بالرجال أخذ قطاع عريض من الرجال والنساء يرى في النموذج الغربي البديل لما كانت عليه المرأة المسلمة في ظل حقبة تراجعنا الحضاري تحت حكم المماليك والعثمانيين.

لكن قطاعا كبيرا من النخبة الإسلامية ومعه جمهور الأمة قد تحفظ على هذا النموذج الغربي في التقدم والنهوض ولفت الأنظار إلى تميز المرجعية الإسلامية في الموقف من المرأة عن الواقع البائس الذي انحدرت إليه المرأة في المجتمعات الإسلامية إبان عصر التراجع والجمود.

وفي قضية تحرير المرأة تحديدا كان الرفض الإسلامي للنموذج الغربي حاضرا وبارزا في اغلب الأحايين فالجبرتي (1167-1277هـ) (1754-1822م) مؤرخ العصر الذي عاين النموذج الفرنسي في التعامل مع المرأة إبان الحملة الفرنسية على مصر قد نبه إلى خطر وضرر هذا النموذج المنحل على منظومة القيم الإسلامية فقال:

’’تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء، وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلي مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن، وكان ذلك التداخل أولا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه، فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أهلها وأخذوا ما استحسنوا من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأخروهن على طريقتهن في كامل الأحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر.

ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات فى حوز الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهم لهن وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بناسومتها فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس إلي الشهوات وخصوصا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجهن رغبة في سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة لعقد الإسلام وينطق بالشهادتين لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها وصار مع حكام الأخطاط منهم النساء المسلمات متزييات بزيهم ومشوا معهم في الأخطاط للنظر في أمور الرعية والأحكام العادية والأمر والنهي والمناداة وتمشي المرأة بنفسها أو معها بعض أترابها وأضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرقون لهن الناس مثل ما يمر الحاكم ويأمرن وينهين في الأحكام.

ومنها أنه لما أوفي النيل إدرعه ودخل الماء إلي الخليج وجرت فيه السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم وكثائف مطبوعاتهم وخصوصا إذا دبت الحشيشة في رؤوسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد كلامهم شيء كثير’’.
.إسلامنا
أضافة تعليق