تحولات خطاب الإسلاميين بعد كامب ديفيد
صلاح الدين حسن
التوقيع على الاتفاقية بحضور السادات وكل من بيجين وكارتر
بعد مرور ثلاثة عقود على كامب ديفيد يبدو التساؤل المركزي بالنسبة للإسلاميين حول مدى ما يمكن أن يكون قد حدث من تغيير في خطاب الإسلاميين حيال قضايا الصراع مع إسرائيل، وما إذا كان هناك جديد حول مراجعات للإسلاميين بشأن إعادة النظر حول كامب ديفيد والتفكير بشكل مختلف عن ذي قبل بمسألة القبول بالدولة العبرية.
الإجابة على هذا التساؤل بحسب آراء الخبراء وقيادات الحركات والاتجاهات الإسلامية تكشف عن اتجاهين أساسين؛ أحدهما يرى أن مواقف وخطابات الإسلاميين لم ينلها تغيير، وأن مفارقة الخطاب الأيديولوجي للإسلاميين تعني خسارة الرصيد الجماهيري؛ بالمقابل ثمة رأي آخر يذهب إلى أن ثلاثين عاما حملت من المتغييرات بالنسبة للإسلاميين ما جعل بعضهم يصوغ خطابا مغايرا وينحت مفردات على خلاف المألوف، ويفسر البعض هذا التغيير باعتباره نزوعا برجماتيا جراء ارتباط بعض الإسلاميين بفلك السياسة والخضوع لمنطق الضغوطات والإكراهات التي تفرضه، وبحسب أنصار هذا الرأي فإن موقف الإسلاميين أو بالأحرى بعض الإسلاميين المتغيير هنا لا يعدو أن يكون مجرد تغيير تكتيكي مرحلي، وليس تغييرا في إستراتيجية تلك الحركات.
حماس وتغيير الخطاب
بداية يفرق محمد ضريف –الخبير المغربي في شئون الحركات الإسلامية– بين موقف الإسلاميين بعد اتفاقية كامب ديفيد وبين موقفهم بعد اتفاقية أوسلو، ويؤكد على أنه اختلف نسبيا بعد الاتفاقية الأخيرة، ويرجع ضريف هذا التحول إلى التحول في موقف حماس التي يؤكد على أنها طورت خطابها؛ فحماس –حسب ضريف– لم تقف ضد أوسلو في حد ذاتها، بل وقفت ضد المنحنى الذي يمكن أن تؤدى إليه أوسلو، ولذلك فحماس قبلت بفكرة الدولتين كما أن الجماعات الإسلامية لم ترفض أوسلو جملة وتفصيلا، وأصبحت تربط موقفها بحماس طالما أن حماس قبلت بتطوير خطابها وأصبحت تربط قضية المقاومة بدفع إسرائيل إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، ولم ينكر ضريف موقف الإسلاميين المبدئي الرافض لكل الاتفاقات الموقعة مع الكيان الصهيوني من كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو واعتبار جميع هذه الاتفاقات اتفاقات استسلام أكثر منها سلام كما تعتبر هذه الحركات أن الصراع مع إسرائيل هو صراع وجود لا صراع حدود.
البرجماتية والأيديولوجية
ويرى حسن أبو هنية المحلل السياسي الأردني أن خطاب الحركات الإسلامية في مجملها لم يطرأ عليه تغيير من ناحية الشكل؛ فهي مازالت ترى أن إسرائيل هي العدو، والقضية الفلسطينية مازلت هي القضية المركزية في فكر هذه الحركات وفى وعيها، ويرى هنية أنه في حين أن الإسلاميين تعاملوا مع النظم العلمانية غير الديمقراطية داخل بلدانهم ببرجماتية سياسية فإنهم لم يتعاملوا في ملف الصراع العربي الإسرائيلي بذات البرجماتية، بل تعاملوا بمنطق أيديولوجي، ولم يفصلوا بين قراءة الواقع والنص..
واستشهد هنية بالإخوان المسلمون في الأردن وكذلك الإخوان في مصر بأن خطابهم المعلن حتى الآن ما زال يردد مقولة فلسطين من البحر للنهر؛ إلا أن هنية رصد بعض التغييرات التي طرأت في خطاب الإسلاميين غير الظاهري، وذلك عبر إشارات ودلالات يراها ستنتهي نهاية المطاف بتغيير خطاب معظم تلك الحركات وعلى رأسها الحركة الأم الإخوان المسلمون، وحتى جماعة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
ولكن هنية يربط ذلك بحدوث تغييرات في خطاب حركة حماس الذي يؤكد هنية على أنه قد طرأ عليه تغييرات بالفعل قرأها هنية في طرح حماس فكرة الهدنة مع إسرائيل، حتى إن ربطتها حماس بنص ديني ومحاولة تأويله كربط فكرة الهدنة مع إسرائيل بمعاهدة صلح الحديبية التي أجراها النبي مع كفار قريش، وقرأ هنية تلك التحولات في مسألة قبول حماس فكرة دخول الانتخابات أصلا؛ الأمر الذي أحدث حينها اختلافات كبيرة داخل الحركة تسببت في انشقاق بعض كوادرها، كما يرى هنية أن الصراع بين فتح وحماس على محاولة الهيمنة على الواقع الفلسطيني اضطر حماس إلى إرسال إشارات ورسائل إلى أمريكا -وخاصة أوباما- فحواها أننا يمكن أن نكون بديلا عن فتح وحتى عن منظمة التحرير الفلسطينية، وليس أدل على ذلك من قبول حماس فكرة حل الدولتين.
كما يرى هنية أن هناك تخوفا من قبل الأنظمة العربية من نجاح حماس في فتح خط ساخن مع الإدارة الأمريكية؛ لأن هذا التحول في موقف حماس سيدفع باقي الحركات الإسلامية الأخرى كـ’’الإخوان المسلمون’’ في مصر وفي الأردن و’’العدالة والتنمية’’ مثلا إلى تغيير خطابها وليس العكس، وأضاف هنية أن حماس تريد أن تلعب دور البديل، كما ربط هنية بين الضغط على جماعة الإخوان في مصر حاليا وبين محاولة الجماعة وحماس فتح حوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة بما يعنى محاولتها إلى الحلول محل الأنظمة ولعبها دور البديل وتغيير المعادلة وقلب موازين اللعبة، كما لا يستبعد هنية حدوث ذلك، مؤكدا أنه هناك تبادلية ولا يمكن الفصل بين الداخل والخارج، أما فيما يتعلق بجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية فلا يستبعد هنية قبولها بقواعد اللعبة السياسية الجديدة موضحا ذلك بقدرة إيران بالضغط على حركة الجهاد في سبيل دخول إيران اللعبة السياسية الجديدة وتحقيق مكاسب سياسية، ويخلص هنية إلى أن المرحلة القادمة ستشهد إعادة تشكيل المنطقة وتغيير الموازين فيها وذلك في خلال الأشهر الستة القادمة.
التغيير والسلطة
أما ضياء رشوان الخبير في شئون الحركات الإسلامية فيؤكد أنه لم يلحظ أي تغيير في خطاب الإسلاميين بعد مرور ثلاثين عاما على كامب ديفيد، ولم يرصد أي تغيير في خطابها مشيرا إلى أن جميع التيارات الإسلامية رفضتها وما زالت ترفضها، ويضيف رشوان إلى أن موقف أي قوى سياسية إسلامية أو غيرها يختلف تماما عندما تكون في الحكم، موضحا أن هناك مسئوليات ستقع على كاهلها ومطالبة من شعبها عن أجندتها التي ستتعامل بها في القضايا الداخلية والخارجية، وهذا كما يرى رشوان سيجعلها تتعامل بواقعية أكثر وتضعها أمامها تحديات الواقع، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على التيارات الأخرى المناوئة للصلح مع إسرائيل.
ويرى وحيد عبد المجيد الباحث والمحلل السياسي أن موقف الإسلاميين لم يطرأ عليه تغيير ملحوظ فيما بعد مرحلة كامب ديفيد، ويرجع عبد المجيد عدم التغيير إلى الشلل المصابة به عملية السلام؛ الأمر الذي يعتبره عبد المجيد ليس له محل، إلا أنه يرى أن هناك تعاملا مع واقع مفروض مستشهدا بما ورد في برنامج حزب الإخوان من الإقرار بالاتفاقيات الدولية المبرمة من قبل الدولة والاعتراف بها إلا أنه لم ير في ذلك تغييرا في خطاب الجماعة بقدر ما هو اعتراف بواقع قائم.
الواقع الدولي
ويؤيد عبد الغني عماد –المفكر اللبناني– ما ذهب إليه رشوان من أن خطاب الإسلاميين في مجمله لم يطرأ عليه تغيير من الموقف من عملية السلام مع إسرائيل أو ما يسمى بالتطبيع، وما يزال معارضا لها، في حين يرى عماد أن التغيير الذي حدث هو تغيير برجماتي وليس تغييرا في الإستراتيجية فرضه الواقع الدولي، والمتغيرات الدولية التي حدثت على الواقع، واستشهد عماد في هذا السياق بحركة المقاومة الإسلامية حماس التي اضطرت إلى تغيير في مواقفها، لكن لا يرجعه عماد إلى تغيير أيديولوجي.. بل إلى تغيير تكتيكي فرضته طبيعة المرحلة؛ وهو ما أدى بها إلى التعامل مع الكيان الصهيوني لتسيير أمور حياتية وواقعية تمس المواطن الفلسطيني، وشدد عماد على أنه لا يمكن المراهنة على حدوث تحول جذري في مواقف تلك الحركات حتى في الآجل البعيد، ووصف عماد الوضع الحالي بأنه مجرد ’’تعامل’’، ولكن يمكن القول أن هناك تفكيرا لبداية تعامل واقعي تفرضه مقتضيات الظروف لن يتحول إلى تغيير في أيديولوجيات هذه الحركات، وسيقتصر على التعامل البرجماتي فقط مع الواقع الجديد، وهذا لن يؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل، وإنما يؤدي إلى تعامل قد يؤدي إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، ويرجح عماد ما ذهب إليه بقوله إن التركيبة العقائدية لا تسمح بالاعتراف بإسرائيل؛ لأنه لو فعلت لفقدت مبررات وجودها ومصدر قوتها الذي حقق لها التفوق على الآخرين.
موقف الإخوان
محمد حبيب وبجواره مجسم لمسجد قبة الصخرة
ويرفض محمد حبيب –نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون- كل ما قيل عن أن هناك تغييرا في موقف الجماعة تجاه موقفها في قضية الصراع العربي الصهيوني، ويؤكد على أن الجماعة رفضت ومازالت ترفض كل الاتفاقات الموقعة مع هذا الكيان، ويرى حبيب أن كامب ديفيد كان لها أثر سلبي من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أثرت على العلاقات بين الدول، وحث حبيب النظام المصري على أن يراجع حساباته فيما يتعلق بالاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، وأوضح حبيب أن ما يطرحونه بشأن المعاهدة هو كيفية مراجعة النظام نفسه لمثل هذه الاتفاقات، وأن النظام إما أن يمضى فيها أو يعدل بنودها أو يقوم بإلغائها.
وقال حبيب: إن ما يقوله الإخوان في هذا الصدد هو أن تشكل لجنة يشارك فيها أشخاص على مستوى عال في الإستراتيجية وفي الأمن القومي وفقهاء في القانون الدستوري والدولي ثم تعرض نتيجة هذه الدراسة على المؤسسات الديمقراطية في البلاد والتي تكون مختارة على أساس ديمقراطي فعلا، ثم إذا توصلت إلى قرار عرض الأمر على استفتاء شعبي وفق الإرادة الحرة للشعب.. ورفض حبيب أن يكون مثل هذه الآراء تشكل تغييرا في خطاب الجماعة، وقال: هذه اللهجة التي أتحدث بها هي نفس اللهجة القديمة، ولم يتغير شيء في خطاب الإخوان، وقال: نطالب النظام بهذا المطلب لكنه يرفض، وأكد على ذلك بقوله رؤيتنا للكيان الصهيوني أنه كيان محتل لأرض العروبة والإسلام، ووجوده وممارساته خطر وتهديد مباشر للأمن القومي المصري، وكشف حبيب عن أن ما ورد في برنامج حزب الإخوان من أنهم يقبلون بكل الاتفاقات الدولية التي أبرمتها الدولة المصرية ليس على إطلاقه، وأنه يستثنى من ذلك الاتفاقات التي وقعتها مصر مع الكيان الصهيوني، وأضاف نحن نعترف بالاتفاقات الدولية الموقعة مع دول ليست محتلة لأرضنا، وشدد حبيب على أن الإخوان ليس لديهم تكتيك مرحلي كما يقول البعض، وإنما هو من ثوابت الجماعة، ويكرر حبيب هذا الكيان مغتصب ونحن شرعت لنا مقاومته.
وفي رده على سؤال حول كيفية التعامل مع الواقع السياسي الدولي إذا تولى الإخوان السلطة قال حبيب: ’’دعنا نعبر النهر أولا’’.. ولكن حبيب رجع ونفى أن تكون هذه المقولة إشارة إلى تغيير في موقف الإخوان مستقبلا، وقال: لنفرض إننا شكلنا حزبا بعد عمر طويل.. سنضع في برنامجه أن من ثوابت هذا الحزب أن القضية الفلسطينية قضية محورية ومركزية، وأن هذا الكيان مغتصب لأرض العروبة ولابد من مقاومته، وأنهى حبيب حديثه معنا بقوله: ’’فيما يتعلق بالمتغيرات سنجتهد وفيما يتعلق بالثوابت فلا’’.
توجه السلفيين
وإذا كان هناك ثمة تغيير طرأ على موقف جماعة الإخوان في مصر والأردن فإن الأمر يختلف عند السلفيين الحركيين، وهو ما ظهر واضحا في حديث النائب السلفي عادل المعاودة -عضو كتلة الأصالة الإسلامية ورئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب البحريني- لـ’’إسلام أون لاين’’ فهو يرى أن كامب ديفيد وضعت المسمار الأول في نعش الصمود العربي; حيث إن آثارها لم تقتصر على مصر فقط، بل امتدت إلى العالم العربي كله من الخليج إلى المحيط، باعتبار أن مصر مركز المنطقة برمتها.
كما يؤكد المعاودة أنها نجحت بامتياز في تحييد الدور المصري، وإخراج القوة المصرية من الصراع، ونتج عن ذلك آثار مدمرة تلحق بالعرب بعد أن انكشفوا تماما على إثر هذا الخروج الكبير. ويرى المعاودة أن تغيير الخطاب يجب أن يكون في تجاوز الجدل حول ما إذا كانت كامب ديفيد هي الخيار الوحيد المتاح آنذاك أم لا؟ إلى تغيير الواقع السلبي الذي أوجدته واستمر حتى اللحظة الحالية.
والحل في نظر المعاودة يتمثل في وضع إطار لإستراتيجية شاملة للمواجهة مع العدو الصهيوني تنطلق من أن طرق ’’تسوية’’ الصراع معه بهذه الطريقة ليست ناجحة ولم توفر أمنا ولا سلاما حقيقيا للبلدان العربية، بل حتى لم ترجع الأرض سالمة كاملة إلى أهلها، ولم تحافظ على أرواح الرجال والأطفال والشيوخ والنساء، بل تصاعد القتل والتنكيل والتجويع والحصار. ويخلص المعاودة إلى أن الحل في الوحدة الحقيقية ثم الإعداد للجهاد.
مراجعات الجماعة الإسلامية
وإذا كان هذا موقف سلفيي البحرين فإن موقف الجماعة الإسلامية يبدو أنه قد تحول جذريا، وهو ما ظهر في التصريحات التي فجرها ناجح إبراهيم نائب مسئول الجماعة خلال تصريحاته الخاصة لـ’’إسلام أون لاين’’؛ فقد أشار إبراهيم إلى أنه تبين بعد سنوات طويلة من البحث والدراسة أن كامب ديفيد رغم سلبياتها الكثيرة فإنها كانت أفضل المتاح أمام مصر وقتها، وأن مصر بظروفها المحلية والإقليمية والدولية لن تستطيع أن تعيش باستمرار في حالة حرب متصلة مع إسرائيل، وأنها لا تملك القدرة العسكرية ولا السياسية أو الاقتصادية لتحرير فلسطين كلها، وأنها لم تسع في حرب من حروبها لتحرير فلسطين، ورصد إبراهيم التغييرات التي طرأت على فكره بعد دخوله السجن ودراسته المتعمقة للأمر كله وللصراع العربي الإسرائيلي من أوله وآخره، ودراسته المتعمقة للفقه الإسلامي وكذلك الوضعي والقانون الدولي تبين له أن الشريعة الإسلامية أباحت الصلح مع كل أحد (مسلمين وغير مسلمين ويهود ونصارى وبوذيين.. وأي ملة مهما كانت).
ناجح إبراهيم اعتبر الاتفاقية أفضل ما كان متاحاً أمام مصر
وقال إبراهيم: إن ظن البعض من شباب الحركة الإسلامية من السبعينيات وحتى اليوم بعدم جواز الصلح مع اليهود أو غيرهم لا يمت للفقه بصلة؛ لأنه من وجهة نظر إبراهيم ’’كلام سياسي’’. ويرى إبراهيم أن الضابط في الصلح مع أي عدو من اليهود أو غيرهم من أي ملة هو تحقيق أكبر قدر من المصلحة الشرعية للأوطان المسلمة، ولذا أجاز الفقهاء الصلح حتى على الشرط الجائر ما دام ذلك يصب في مصلحة للإسلام والمسلمين ويحققها، واستدل إبراهيم بقبول الرسول (صلى الله عليه وسلم) للشروط المجحفة في صلح الحديبية رغم رفض كثير من الصحابة؛ لذلك وكراهيتهم للصلح في بدايته ثم قبولهم به ورضاهم عنه في نهاية المطاف، وأشار إبراهيم إلى أن اتفاقيات الصلح إنما تعبر عن واقع كل قوة على الأرض، ولا تعبر عن حق وباطل؛ لأن إبراهيم يرى أن هناك فرقا بين الحق المطلق وبين ما يفترضه الصلح على الأطراف، ويوضح: أي أن هناك فرقا بين المشروعية الدينية للأمور والمشروعية الواقعية؛ فاحتلال إسرائيل لفلسطين غير مشروع من الناحية الدينية، ومن ناحية الحلال والحرام، ولكنه أمر واقع، وتعاطيك مع هذا الواقع لا يعطيه المشروعية الدينية، وإقرار الدولة بوجود إسرائيل كدولة في إحدى المعاهدات هو إقرار للواقع وليس بيانا لحكم شرعي، وهو يختلف عن الإقرار الشرعي الديني، وهذا يحل الإشكالية التي تتولد لدى الشباب المسلم الذي يتخبط في هذا الأمر.
واستشهد إبراهيم ايضا بما قام به صلاح الدين الأيوبي هو ونور الدين محمود بعقد معاهدات كثيرة مع الصليبيين أقرهم فيها على الإمارات الصليبية التي احتلوها عنوة وقسرا ودون وجه حق، وكانت هذه المعاهدات في مجملها توقف التقاتل بينهم وتقر كلا منها على ما يحوزه من بلاد، ولم يعترض أحد من العلماء والفقهاء في عصرهما على ذلك بحجة أنه إقرار شرعي للصليبيين على احتلال بلاد المسلمين، ويرى إبراهيم أنه لا علاقة بين المعاهدات والإقرار الشرعي أو الأحكام الشرعية، ولكنها إقرار واقعي مؤقت توجبه المصلحة وتفرضه موازين القوى.
وأضاف: من السهل جدا المطالبة بإلغاء اتفاقية أو هدم صلح، فتلك النداءات التبسيطية تدغدغ عواطف الكثيرين وتجد لها صدى جميلا في نفوسهم، ولكن من العسير الصعب أن يتحمل قائد ما عبء التفاوض مع أعدائه ومحاولة اقتناص مصالح أمته وأوطانه قدر المستطاع.
وأشار إبراهيم إلى أن الذين يحملون معاهدة كامب ديفيد كل السلبيات التي حدثت في المجتمع المصري كله بعد المعاهدة هؤلاء قد جعلوا منها شماعة للتخلف والرشوة والأمية والفساد والبيروقراطية وكل الأدواء التي ضربت المجتمع المصري في مقتل. وهل كامب ديفيد أسوأ من معاهدات الاستسلام التي فرضتها أمريكا على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وحرمتها من امتلاك أي قوة عسكرية؟. و رغم كل السوء في هذه المعاهدة فإن اليابان أصبحت من أعظم القوى الاقتصادية في العالم .. المشكلة فينا نحن.
وتساءل المتحدث هل كانت كامب ديفيد سبباً في هذه النسبة الفظيعة من الأمية والرشوة والفساد الذي عم المجتمع المصري بشكل مخيف، وما الذي كان يمنعنا من اتخاذ حالة السلم والأمان للبناء والتنمية للمجتمع المصري بناء صحيحاً سليماً من كل النواحي الاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية؟. وهل الدول العربية التي لم تعقد كامب ديفيد تقدمت أو تطورت أم أن شأنها شأن الآخرين في كل المناحي السلبية؟.وهذه تركيا لها أوثق العلاقات العسكرية والسياسية مع إسرائيل والغرب.. ولكن كل شئ فيها يسير إلى الأمام وتتقدم الدولة باضطراد في كل المجالات، فالمشكلة فينا في الأساس.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي مصري
.إسلام اون لاين
صلاح الدين حسن
التوقيع على الاتفاقية بحضور السادات وكل من بيجين وكارتر
بعد مرور ثلاثة عقود على كامب ديفيد يبدو التساؤل المركزي بالنسبة للإسلاميين حول مدى ما يمكن أن يكون قد حدث من تغيير في خطاب الإسلاميين حيال قضايا الصراع مع إسرائيل، وما إذا كان هناك جديد حول مراجعات للإسلاميين بشأن إعادة النظر حول كامب ديفيد والتفكير بشكل مختلف عن ذي قبل بمسألة القبول بالدولة العبرية.
الإجابة على هذا التساؤل بحسب آراء الخبراء وقيادات الحركات والاتجاهات الإسلامية تكشف عن اتجاهين أساسين؛ أحدهما يرى أن مواقف وخطابات الإسلاميين لم ينلها تغيير، وأن مفارقة الخطاب الأيديولوجي للإسلاميين تعني خسارة الرصيد الجماهيري؛ بالمقابل ثمة رأي آخر يذهب إلى أن ثلاثين عاما حملت من المتغييرات بالنسبة للإسلاميين ما جعل بعضهم يصوغ خطابا مغايرا وينحت مفردات على خلاف المألوف، ويفسر البعض هذا التغيير باعتباره نزوعا برجماتيا جراء ارتباط بعض الإسلاميين بفلك السياسة والخضوع لمنطق الضغوطات والإكراهات التي تفرضه، وبحسب أنصار هذا الرأي فإن موقف الإسلاميين أو بالأحرى بعض الإسلاميين المتغيير هنا لا يعدو أن يكون مجرد تغيير تكتيكي مرحلي، وليس تغييرا في إستراتيجية تلك الحركات.
حماس وتغيير الخطاب
بداية يفرق محمد ضريف –الخبير المغربي في شئون الحركات الإسلامية– بين موقف الإسلاميين بعد اتفاقية كامب ديفيد وبين موقفهم بعد اتفاقية أوسلو، ويؤكد على أنه اختلف نسبيا بعد الاتفاقية الأخيرة، ويرجع ضريف هذا التحول إلى التحول في موقف حماس التي يؤكد على أنها طورت خطابها؛ فحماس –حسب ضريف– لم تقف ضد أوسلو في حد ذاتها، بل وقفت ضد المنحنى الذي يمكن أن تؤدى إليه أوسلو، ولذلك فحماس قبلت بفكرة الدولتين كما أن الجماعات الإسلامية لم ترفض أوسلو جملة وتفصيلا، وأصبحت تربط موقفها بحماس طالما أن حماس قبلت بتطوير خطابها وأصبحت تربط قضية المقاومة بدفع إسرائيل إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، ولم ينكر ضريف موقف الإسلاميين المبدئي الرافض لكل الاتفاقات الموقعة مع الكيان الصهيوني من كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو واعتبار جميع هذه الاتفاقات اتفاقات استسلام أكثر منها سلام كما تعتبر هذه الحركات أن الصراع مع إسرائيل هو صراع وجود لا صراع حدود.
البرجماتية والأيديولوجية
ويرى حسن أبو هنية المحلل السياسي الأردني أن خطاب الحركات الإسلامية في مجملها لم يطرأ عليه تغيير من ناحية الشكل؛ فهي مازالت ترى أن إسرائيل هي العدو، والقضية الفلسطينية مازلت هي القضية المركزية في فكر هذه الحركات وفى وعيها، ويرى هنية أنه في حين أن الإسلاميين تعاملوا مع النظم العلمانية غير الديمقراطية داخل بلدانهم ببرجماتية سياسية فإنهم لم يتعاملوا في ملف الصراع العربي الإسرائيلي بذات البرجماتية، بل تعاملوا بمنطق أيديولوجي، ولم يفصلوا بين قراءة الواقع والنص..
واستشهد هنية بالإخوان المسلمون في الأردن وكذلك الإخوان في مصر بأن خطابهم المعلن حتى الآن ما زال يردد مقولة فلسطين من البحر للنهر؛ إلا أن هنية رصد بعض التغييرات التي طرأت في خطاب الإسلاميين غير الظاهري، وذلك عبر إشارات ودلالات يراها ستنتهي نهاية المطاف بتغيير خطاب معظم تلك الحركات وعلى رأسها الحركة الأم الإخوان المسلمون، وحتى جماعة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
ولكن هنية يربط ذلك بحدوث تغييرات في خطاب حركة حماس الذي يؤكد هنية على أنه قد طرأ عليه تغييرات بالفعل قرأها هنية في طرح حماس فكرة الهدنة مع إسرائيل، حتى إن ربطتها حماس بنص ديني ومحاولة تأويله كربط فكرة الهدنة مع إسرائيل بمعاهدة صلح الحديبية التي أجراها النبي مع كفار قريش، وقرأ هنية تلك التحولات في مسألة قبول حماس فكرة دخول الانتخابات أصلا؛ الأمر الذي أحدث حينها اختلافات كبيرة داخل الحركة تسببت في انشقاق بعض كوادرها، كما يرى هنية أن الصراع بين فتح وحماس على محاولة الهيمنة على الواقع الفلسطيني اضطر حماس إلى إرسال إشارات ورسائل إلى أمريكا -وخاصة أوباما- فحواها أننا يمكن أن نكون بديلا عن فتح وحتى عن منظمة التحرير الفلسطينية، وليس أدل على ذلك من قبول حماس فكرة حل الدولتين.
كما يرى هنية أن هناك تخوفا من قبل الأنظمة العربية من نجاح حماس في فتح خط ساخن مع الإدارة الأمريكية؛ لأن هذا التحول في موقف حماس سيدفع باقي الحركات الإسلامية الأخرى كـ’’الإخوان المسلمون’’ في مصر وفي الأردن و’’العدالة والتنمية’’ مثلا إلى تغيير خطابها وليس العكس، وأضاف هنية أن حماس تريد أن تلعب دور البديل، كما ربط هنية بين الضغط على جماعة الإخوان في مصر حاليا وبين محاولة الجماعة وحماس فتح حوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة بما يعنى محاولتها إلى الحلول محل الأنظمة ولعبها دور البديل وتغيير المعادلة وقلب موازين اللعبة، كما لا يستبعد هنية حدوث ذلك، مؤكدا أنه هناك تبادلية ولا يمكن الفصل بين الداخل والخارج، أما فيما يتعلق بجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية فلا يستبعد هنية قبولها بقواعد اللعبة السياسية الجديدة موضحا ذلك بقدرة إيران بالضغط على حركة الجهاد في سبيل دخول إيران اللعبة السياسية الجديدة وتحقيق مكاسب سياسية، ويخلص هنية إلى أن المرحلة القادمة ستشهد إعادة تشكيل المنطقة وتغيير الموازين فيها وذلك في خلال الأشهر الستة القادمة.
التغيير والسلطة
أما ضياء رشوان الخبير في شئون الحركات الإسلامية فيؤكد أنه لم يلحظ أي تغيير في خطاب الإسلاميين بعد مرور ثلاثين عاما على كامب ديفيد، ولم يرصد أي تغيير في خطابها مشيرا إلى أن جميع التيارات الإسلامية رفضتها وما زالت ترفضها، ويضيف رشوان إلى أن موقف أي قوى سياسية إسلامية أو غيرها يختلف تماما عندما تكون في الحكم، موضحا أن هناك مسئوليات ستقع على كاهلها ومطالبة من شعبها عن أجندتها التي ستتعامل بها في القضايا الداخلية والخارجية، وهذا كما يرى رشوان سيجعلها تتعامل بواقعية أكثر وتضعها أمامها تحديات الواقع، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على التيارات الأخرى المناوئة للصلح مع إسرائيل.
ويرى وحيد عبد المجيد الباحث والمحلل السياسي أن موقف الإسلاميين لم يطرأ عليه تغيير ملحوظ فيما بعد مرحلة كامب ديفيد، ويرجع عبد المجيد عدم التغيير إلى الشلل المصابة به عملية السلام؛ الأمر الذي يعتبره عبد المجيد ليس له محل، إلا أنه يرى أن هناك تعاملا مع واقع مفروض مستشهدا بما ورد في برنامج حزب الإخوان من الإقرار بالاتفاقيات الدولية المبرمة من قبل الدولة والاعتراف بها إلا أنه لم ير في ذلك تغييرا في خطاب الجماعة بقدر ما هو اعتراف بواقع قائم.
الواقع الدولي
ويؤيد عبد الغني عماد –المفكر اللبناني– ما ذهب إليه رشوان من أن خطاب الإسلاميين في مجمله لم يطرأ عليه تغيير من الموقف من عملية السلام مع إسرائيل أو ما يسمى بالتطبيع، وما يزال معارضا لها، في حين يرى عماد أن التغيير الذي حدث هو تغيير برجماتي وليس تغييرا في الإستراتيجية فرضه الواقع الدولي، والمتغيرات الدولية التي حدثت على الواقع، واستشهد عماد في هذا السياق بحركة المقاومة الإسلامية حماس التي اضطرت إلى تغيير في مواقفها، لكن لا يرجعه عماد إلى تغيير أيديولوجي.. بل إلى تغيير تكتيكي فرضته طبيعة المرحلة؛ وهو ما أدى بها إلى التعامل مع الكيان الصهيوني لتسيير أمور حياتية وواقعية تمس المواطن الفلسطيني، وشدد عماد على أنه لا يمكن المراهنة على حدوث تحول جذري في مواقف تلك الحركات حتى في الآجل البعيد، ووصف عماد الوضع الحالي بأنه مجرد ’’تعامل’’، ولكن يمكن القول أن هناك تفكيرا لبداية تعامل واقعي تفرضه مقتضيات الظروف لن يتحول إلى تغيير في أيديولوجيات هذه الحركات، وسيقتصر على التعامل البرجماتي فقط مع الواقع الجديد، وهذا لن يؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل، وإنما يؤدي إلى تعامل قد يؤدي إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، ويرجح عماد ما ذهب إليه بقوله إن التركيبة العقائدية لا تسمح بالاعتراف بإسرائيل؛ لأنه لو فعلت لفقدت مبررات وجودها ومصدر قوتها الذي حقق لها التفوق على الآخرين.
موقف الإخوان
محمد حبيب وبجواره مجسم لمسجد قبة الصخرة
ويرفض محمد حبيب –نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون- كل ما قيل عن أن هناك تغييرا في موقف الجماعة تجاه موقفها في قضية الصراع العربي الصهيوني، ويؤكد على أن الجماعة رفضت ومازالت ترفض كل الاتفاقات الموقعة مع هذا الكيان، ويرى حبيب أن كامب ديفيد كان لها أثر سلبي من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أثرت على العلاقات بين الدول، وحث حبيب النظام المصري على أن يراجع حساباته فيما يتعلق بالاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، وأوضح حبيب أن ما يطرحونه بشأن المعاهدة هو كيفية مراجعة النظام نفسه لمثل هذه الاتفاقات، وأن النظام إما أن يمضى فيها أو يعدل بنودها أو يقوم بإلغائها.
وقال حبيب: إن ما يقوله الإخوان في هذا الصدد هو أن تشكل لجنة يشارك فيها أشخاص على مستوى عال في الإستراتيجية وفي الأمن القومي وفقهاء في القانون الدستوري والدولي ثم تعرض نتيجة هذه الدراسة على المؤسسات الديمقراطية في البلاد والتي تكون مختارة على أساس ديمقراطي فعلا، ثم إذا توصلت إلى قرار عرض الأمر على استفتاء شعبي وفق الإرادة الحرة للشعب.. ورفض حبيب أن يكون مثل هذه الآراء تشكل تغييرا في خطاب الجماعة، وقال: هذه اللهجة التي أتحدث بها هي نفس اللهجة القديمة، ولم يتغير شيء في خطاب الإخوان، وقال: نطالب النظام بهذا المطلب لكنه يرفض، وأكد على ذلك بقوله رؤيتنا للكيان الصهيوني أنه كيان محتل لأرض العروبة والإسلام، ووجوده وممارساته خطر وتهديد مباشر للأمن القومي المصري، وكشف حبيب عن أن ما ورد في برنامج حزب الإخوان من أنهم يقبلون بكل الاتفاقات الدولية التي أبرمتها الدولة المصرية ليس على إطلاقه، وأنه يستثنى من ذلك الاتفاقات التي وقعتها مصر مع الكيان الصهيوني، وأضاف نحن نعترف بالاتفاقات الدولية الموقعة مع دول ليست محتلة لأرضنا، وشدد حبيب على أن الإخوان ليس لديهم تكتيك مرحلي كما يقول البعض، وإنما هو من ثوابت الجماعة، ويكرر حبيب هذا الكيان مغتصب ونحن شرعت لنا مقاومته.
وفي رده على سؤال حول كيفية التعامل مع الواقع السياسي الدولي إذا تولى الإخوان السلطة قال حبيب: ’’دعنا نعبر النهر أولا’’.. ولكن حبيب رجع ونفى أن تكون هذه المقولة إشارة إلى تغيير في موقف الإخوان مستقبلا، وقال: لنفرض إننا شكلنا حزبا بعد عمر طويل.. سنضع في برنامجه أن من ثوابت هذا الحزب أن القضية الفلسطينية قضية محورية ومركزية، وأن هذا الكيان مغتصب لأرض العروبة ولابد من مقاومته، وأنهى حبيب حديثه معنا بقوله: ’’فيما يتعلق بالمتغيرات سنجتهد وفيما يتعلق بالثوابت فلا’’.
توجه السلفيين
وإذا كان هناك ثمة تغيير طرأ على موقف جماعة الإخوان في مصر والأردن فإن الأمر يختلف عند السلفيين الحركيين، وهو ما ظهر واضحا في حديث النائب السلفي عادل المعاودة -عضو كتلة الأصالة الإسلامية ورئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب البحريني- لـ’’إسلام أون لاين’’ فهو يرى أن كامب ديفيد وضعت المسمار الأول في نعش الصمود العربي; حيث إن آثارها لم تقتصر على مصر فقط، بل امتدت إلى العالم العربي كله من الخليج إلى المحيط، باعتبار أن مصر مركز المنطقة برمتها.
كما يؤكد المعاودة أنها نجحت بامتياز في تحييد الدور المصري، وإخراج القوة المصرية من الصراع، ونتج عن ذلك آثار مدمرة تلحق بالعرب بعد أن انكشفوا تماما على إثر هذا الخروج الكبير. ويرى المعاودة أن تغيير الخطاب يجب أن يكون في تجاوز الجدل حول ما إذا كانت كامب ديفيد هي الخيار الوحيد المتاح آنذاك أم لا؟ إلى تغيير الواقع السلبي الذي أوجدته واستمر حتى اللحظة الحالية.
والحل في نظر المعاودة يتمثل في وضع إطار لإستراتيجية شاملة للمواجهة مع العدو الصهيوني تنطلق من أن طرق ’’تسوية’’ الصراع معه بهذه الطريقة ليست ناجحة ولم توفر أمنا ولا سلاما حقيقيا للبلدان العربية، بل حتى لم ترجع الأرض سالمة كاملة إلى أهلها، ولم تحافظ على أرواح الرجال والأطفال والشيوخ والنساء، بل تصاعد القتل والتنكيل والتجويع والحصار. ويخلص المعاودة إلى أن الحل في الوحدة الحقيقية ثم الإعداد للجهاد.
مراجعات الجماعة الإسلامية
وإذا كان هذا موقف سلفيي البحرين فإن موقف الجماعة الإسلامية يبدو أنه قد تحول جذريا، وهو ما ظهر في التصريحات التي فجرها ناجح إبراهيم نائب مسئول الجماعة خلال تصريحاته الخاصة لـ’’إسلام أون لاين’’؛ فقد أشار إبراهيم إلى أنه تبين بعد سنوات طويلة من البحث والدراسة أن كامب ديفيد رغم سلبياتها الكثيرة فإنها كانت أفضل المتاح أمام مصر وقتها، وأن مصر بظروفها المحلية والإقليمية والدولية لن تستطيع أن تعيش باستمرار في حالة حرب متصلة مع إسرائيل، وأنها لا تملك القدرة العسكرية ولا السياسية أو الاقتصادية لتحرير فلسطين كلها، وأنها لم تسع في حرب من حروبها لتحرير فلسطين، ورصد إبراهيم التغييرات التي طرأت على فكره بعد دخوله السجن ودراسته المتعمقة للأمر كله وللصراع العربي الإسرائيلي من أوله وآخره، ودراسته المتعمقة للفقه الإسلامي وكذلك الوضعي والقانون الدولي تبين له أن الشريعة الإسلامية أباحت الصلح مع كل أحد (مسلمين وغير مسلمين ويهود ونصارى وبوذيين.. وأي ملة مهما كانت).
ناجح إبراهيم اعتبر الاتفاقية أفضل ما كان متاحاً أمام مصر
وقال إبراهيم: إن ظن البعض من شباب الحركة الإسلامية من السبعينيات وحتى اليوم بعدم جواز الصلح مع اليهود أو غيرهم لا يمت للفقه بصلة؛ لأنه من وجهة نظر إبراهيم ’’كلام سياسي’’. ويرى إبراهيم أن الضابط في الصلح مع أي عدو من اليهود أو غيرهم من أي ملة هو تحقيق أكبر قدر من المصلحة الشرعية للأوطان المسلمة، ولذا أجاز الفقهاء الصلح حتى على الشرط الجائر ما دام ذلك يصب في مصلحة للإسلام والمسلمين ويحققها، واستدل إبراهيم بقبول الرسول (صلى الله عليه وسلم) للشروط المجحفة في صلح الحديبية رغم رفض كثير من الصحابة؛ لذلك وكراهيتهم للصلح في بدايته ثم قبولهم به ورضاهم عنه في نهاية المطاف، وأشار إبراهيم إلى أن اتفاقيات الصلح إنما تعبر عن واقع كل قوة على الأرض، ولا تعبر عن حق وباطل؛ لأن إبراهيم يرى أن هناك فرقا بين الحق المطلق وبين ما يفترضه الصلح على الأطراف، ويوضح: أي أن هناك فرقا بين المشروعية الدينية للأمور والمشروعية الواقعية؛ فاحتلال إسرائيل لفلسطين غير مشروع من الناحية الدينية، ومن ناحية الحلال والحرام، ولكنه أمر واقع، وتعاطيك مع هذا الواقع لا يعطيه المشروعية الدينية، وإقرار الدولة بوجود إسرائيل كدولة في إحدى المعاهدات هو إقرار للواقع وليس بيانا لحكم شرعي، وهو يختلف عن الإقرار الشرعي الديني، وهذا يحل الإشكالية التي تتولد لدى الشباب المسلم الذي يتخبط في هذا الأمر.
واستشهد إبراهيم ايضا بما قام به صلاح الدين الأيوبي هو ونور الدين محمود بعقد معاهدات كثيرة مع الصليبيين أقرهم فيها على الإمارات الصليبية التي احتلوها عنوة وقسرا ودون وجه حق، وكانت هذه المعاهدات في مجملها توقف التقاتل بينهم وتقر كلا منها على ما يحوزه من بلاد، ولم يعترض أحد من العلماء والفقهاء في عصرهما على ذلك بحجة أنه إقرار شرعي للصليبيين على احتلال بلاد المسلمين، ويرى إبراهيم أنه لا علاقة بين المعاهدات والإقرار الشرعي أو الأحكام الشرعية، ولكنها إقرار واقعي مؤقت توجبه المصلحة وتفرضه موازين القوى.
وأضاف: من السهل جدا المطالبة بإلغاء اتفاقية أو هدم صلح، فتلك النداءات التبسيطية تدغدغ عواطف الكثيرين وتجد لها صدى جميلا في نفوسهم، ولكن من العسير الصعب أن يتحمل قائد ما عبء التفاوض مع أعدائه ومحاولة اقتناص مصالح أمته وأوطانه قدر المستطاع.
وأشار إبراهيم إلى أن الذين يحملون معاهدة كامب ديفيد كل السلبيات التي حدثت في المجتمع المصري كله بعد المعاهدة هؤلاء قد جعلوا منها شماعة للتخلف والرشوة والأمية والفساد والبيروقراطية وكل الأدواء التي ضربت المجتمع المصري في مقتل. وهل كامب ديفيد أسوأ من معاهدات الاستسلام التي فرضتها أمريكا على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وحرمتها من امتلاك أي قوة عسكرية؟. و رغم كل السوء في هذه المعاهدة فإن اليابان أصبحت من أعظم القوى الاقتصادية في العالم .. المشكلة فينا نحن.
وتساءل المتحدث هل كانت كامب ديفيد سبباً في هذه النسبة الفظيعة من الأمية والرشوة والفساد الذي عم المجتمع المصري بشكل مخيف، وما الذي كان يمنعنا من اتخاذ حالة السلم والأمان للبناء والتنمية للمجتمع المصري بناء صحيحاً سليماً من كل النواحي الاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية؟. وهل الدول العربية التي لم تعقد كامب ديفيد تقدمت أو تطورت أم أن شأنها شأن الآخرين في كل المناحي السلبية؟.وهذه تركيا لها أوثق العلاقات العسكرية والسياسية مع إسرائيل والغرب.. ولكن كل شئ فيها يسير إلى الأمام وتتقدم الدولة باضطراد في كل المجالات، فالمشكلة فينا في الأساس.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي مصري
.إسلام اون لاين