الاستفزازات المتصاعدة والتهديدات العلنية بإمكانية شن حرب نووية، ووقائية، وشاملة، أو حتى محدودة، في شبه الجزيرة الكورية ينطبق عليها بنسبة 100% تأكيدات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش بـ: "أن العالم دخل عصر الفوضى الخطيرة، والبشرية في الطريق لتدمير نفسها بنفسها، في ظل الإفلات التام من العقاب، وتنافس الدول لجعل ترسانتها النووية أسرع وأكثر سرية، مع إيجاد مناطق جديدة للصراع والتقاتل، والتزود بأسلحة خارج كل أطر القانون الدولي".
في تصريحات أدلى بها يوم الخميس الماضي، أدان جوتيريش –بشدة- إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ وتطوير الأسلحة النووية، مؤكدا أنه يتوجب على بيونج يانج تنفيذ 6 قرارات دولية، هي: 1718، 1874، 2094، 2270، 2321، و2375.
في اليوم نفسه لإعلان إدانة بيونج يانج، بشدة، أكد زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، أن بلاده لن تتردد في القضاء على الشطر الجنوبي، إذا تعرض 0.001 ملم - فقط - من أراضيها لهجوم، وقال: "إذا تجرأ العدو إلى استخدام القوة، سنتخذ قرارًا سيغير التاريخ، ولن نتردد في حشد كل القوى العظمى للقضاء على العدو".
كوريا الشمالية كانت قد أعلنت أنها نجحت في تجربة إطلاق صواريخ باليستية، طويلة ومتوسطة المدى، تعمل بالوقود الصلب، وتتمتع بسرعة تفوق الصواريخ التي تستخدم الوقود السائل، كما اختبرت نظام أسلحة نووية تحت الماء، وأطلقت صواريخ كروز 4 مرات خلال 10 أيام، وتتهيأ لإجراء تجربة نووية سابعة خلال العام الحالي، بما يتماشى مع خطتها الدفاعية الخمسية، التي دخلت عامها الرابع.
صحيفة نيويورك تايمز نقلت على لسان مسئولين في الإدارة الأمريكية أن التصريحات الأخيرة للزعيم الكوري الشمالي تبدو أكثر عدوانية، وينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، وأشاروا إلى أنهم لا يرون خطرًا فوريًا لحرب واسعة النطاق في شبه الجزيرة الكورية، ويمكن أن تنفذ بيونج يانج ضربات تتجنب التصعيد الفوري.
كبير الباحثين في مؤسسة هيريتيدج الأمريكية، بروس كلينجر، قال: "من الخطر الرد على تصريحات كوريا الشمالية التحريضية والتهديدية بشكل مفرط، ولكن سيكون من الخطر –أيضًا- تجاهل المؤشرات التي تفيد باحتمال أن تشن هجومًا إستراتيجيًا خطيرًا". أشار كلينجنر إلى أنه لم يتم رصد أي مؤشر يفيد باستعداد كوريا الشمالية لشن حرب شاملة، لكنّ هناك احتمالًا كبيرًا بحدوث اشتباكات عسكرية بالمنطقة منزوعة السلاح أو المناطق الحدودية بين الكوريتين، ولم يستبعد - أيضًا - احتمال أن تجري بيونج يانج تجربتها النووية السابعة، وأن تطلق صواريخ باليستية عابرة للقارات باتجاه اليابان.
كوريا الجنوبية ردت على تهديدات الشطر الشمالي بإطلاق تحذيرات بالغة القوة، وردت على لسان وزير الدفاع، شين وان-سيك، جاء فيها: "إذا بدأ نظام كيم جونج أون حربًا، فإنه يجب على الجنود الكوريين الجنوبيين العمل كقوة غير مرئية تحمي البلاد، وتدمر العدو في أقصر وقت ممكن لإنهاء نظامه الحاكم".
في الوقت نفسه، أظهر استبيان للرأي أجرته مؤسسة جالوب كوريا أن 91% من الكوريين الجنوبيين يرون أن نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية أمر مستحيل، فيما كانت النسبة 77.6% فقط في العام الماضي، وبالتالي، بلغت معدلات تأييد تسلح كوريا الجنوبية بأسلحة نووية 72.8%، مسجلة – بذلك - نسبة أعلى من 70% للعام الثاني على التوالي، في استبيان يبلغ هامش الخطأ فيه + أو – 3%.
زعيم كوريا الجنوبية، يون صوك-يول، وصف نتائج الاستبيان الداعية لامتلاك أسلحة نووية بأنها فكرة غير واقعية، وقال: "على الرغم من أن هذا الأمر لن يستغرق وقتًا طويلًا، بسبب تفوق كوريا الجنوبية في العلوم والتكنولوجيا، إلا أن سول ستواجه – في حالة امتلاك سلاح نووي - عقوبات وضربة قوية لاقتصادها".
شدد الرئيس يون على أن التعاون الثلاثي بين سول وطوكيو وواشنطن سيكون أكثر فائدة، ليس - فقط - في التعامل مع تهديدات كوريا الشمالية، ولكن - أيضًا - لإظهار القيادة المشتركة للسلام والازدهار بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ وبقية العالم.
في هذه الأجواء الملتهبة - التي تبدو كـ "الكابوس" المؤرق والكارثي - الناتج عن "عسكرة" شبه الجزيرة الكورية، تجدر الإشارة إلى موقفي دولتين مهمتين هما: الصين وروسيا. فبينما أعربت بكين عن أملها بأن تتمكن الأطراف المعنية من حل مخاوفها المعقولة من خلال الحوار والمفاوضات، مع الحفاظ على الهدوء وضبط النفس، ذكر تقرير نشرته وكالة الأنباء الكورية الشمالية أن بيونج يانج وبكين اتفقتا على مواصلة تعزيز التعاون التكتيكي والتنسيق الثنائي، من أجل الدفاع عن المصالح الأساسية المشتركة، بمناسبة الاحتفال بمرور 75 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
من جانبها، أرجعت موسكو التوتر المتزايد في شبه الجزيرة الكورية إلى ما أسمته السياسة الاستفزازية وغير المسئولة للولايات المتحدة، بدفع حلفائها الإقليميين نحو تنفيذ خطط عسكرية عدوانية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وأعربت روسيا عن عزمها تطوير التعاون مع بيونج يانج بما يتوافق مع القانون الدولي، ويحقق السلام بالمنطقة.
العلاقات الروسية-الكورية الشمالية، وتحديدا في المجال العسكري، توثقت بعد القمة التي جمعت بين الرئيس بوتين والزعيم كيم بأقصى شمال روسيا في شهر سبتمبر الماضي، وتجري الاستعدادات –حاليًا- لقيام بوتين بزيارة لبيونج يانج، من المتوقع إتمامها عقب الانتخابات الرئاسية الروسية المقررة في مارس المقبل.
وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، سمحت روسيا بالإفراج عن جزء من الأصول الكورية الشمالية المجمدة، كما تقوم بتزويدها الشطر الشمالي بالنفط المكرر، متجاوزة حدود العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة ضد بيونج يانج، وتحديدًا، بعد قيام الأخيرة بتزويد موسكو بالأسلحة والمعدات لاستخدامها في حرب أوكرانيا.
مخاوف سول وواشنطن وطوكيو، في إطار تعاونهم الأمني الثلاثي، تزايدت بشدة نتيجة للتقارب بين بيونج يانج وموسكو، ودعا نائب وزير خارجية كوريا الجنوبية، تشونج بيونج-وون، روسيا للتصرف بمسئولية، والامتثال الصارم لالتزاماتها بقرارات مجلس الأمن، والوقف الفوري للعلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية.
بقي أن أشير إلى تعثر تحديد جدول زمني لعقد قمة ثلاثية "مؤجلة"- ربما إلى ما بعد شهر مايو المقبل- بين كوريا الجنوبية واليابان والصين، وحسب وكالة أنباء كيودو اليابانية: "تراقب بكين -عن كثب- نتائج انتخابات عامة ستجري في كوريا الجنوبية خلال شهر أبريل، بالإضافة إلى انخفاض معدلات تأييد حكومة رئيس مجلس الوزراء الياباني، فوميئو كيشيدا، وفي ضوئهما سيتقرر الجدول الزمني".
*نقلاً عن بوابة الأهرام