في مقالي السابق أشرت إلى النموذج التضامني النبيل لجمهورية كوبا الصديقة مع قضية العرب المركزية بفلسطين، وتنضم جمهوريتا جنوب إفريقيا وفنزويلا، ومعها دول وشعوب كثيرة، إلى قائمة الشرف، بما أبدعت في إظهار مشاعرها وتضامنها.
فقد سجلت جنوب إفريقيا جدارتها بالتقدم بطلب رسمي إلى محكمة العدل الدولية بـ لاهاي، لبدء اتخاذ إجراءات ضد الكيان العنصري الصهيوني، لارتكابه أعمال إبادة جماعية وتطهير عرقي في غزة، تنفيذًا لوعد قطعه رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، بعدم التسامح -أبدًا- مع جرائم الحرب التي يرتكبها هولاكو العصر.
حيثيات اتهام الكيان العنصري الصهيوني بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني لم تتوقف عند حد اتباع جنرالات الحرب المجرمين لمنهج مشين "من لم يمت بالقصف والدمار الشامل يموت من الجوع والعطش".
أيضًا، وضمن الحيثيات، يمكن إضافة تلويح سلطة الاحتلال -غير الشرعي- باستخدام النووي، وتشبيه شعب عربي –أعزل- بالحيوانات، وأطفال الظلام، وتدمير محطات الكهرباء والماء والمستشفيات، والحرمان من الغذاء والدواء والوقود، وغيرها.
جمهورية فنزويلا الصديقة ضربت مثالًا ملهمًا آخر للنموذج التضامني الكوبي، ولعل مقطعًا تليفزيونا - شاهده كثيرون - يظهر الرئيس نيكولاس مادورو وهو مرتديًا الكوفية الفلسطينية، ويخاطب جمهورًا من مواطنيه: "فلسطين اصمدي.. قاومي".
دعا الرئيس مادورو الرأي العام العالمي للتمسك بتطبيق العقوبات الرادعة تجاه قتلة الشعب الفلسطيني، ووقف المذبحة، وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ونصرة أكثر قضية عادلة في التاريخ، وهي حق الشعب الفلسطيني العيش بسلام.
ما أود التنويه إليه، بمناسبة طلب توجيه الاتهام إلى الكيان العنصري الصهيوني بارتكاب جرائم حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في فلسطين، أن التهمة نفسها يجب أن توجه إلى الولايات المتحدة بتهمة ارتكاب جريمة مماثلة ضد كوبا.
فعلى مدى 6 عقود، تتبع الولايات المتحدة المنهج المشين –نفسه- تجاه كوبا: "من لم يمت بالقصف والدمار يموت من الجوع والعطش" وهو ما ترتكبه إسرائيل فعليًا مع شعب فلسطين، ومن اللافت أن تتشابه الأطماع التوسعية للدولتين المتحالفتين.
معلوم أنه منذ رحيل المستعمر الإسباني لم تخف الولايات المتحدة أطماعها في أن تصبح كوبا -الجزيرة الكاريبية القريبة من حدودها- امتدادًا للإمبراطورية والنفوذ الأمريكي حتى ولو أصبحت مدنها والعاصمة، هافانا، مرتعًا للسفه واللهو والترفيه!
اتخذت الولايات المتحدة موقفًا عدائيًا من الثورة الكوبية، فور انتصارها في الأول من يناير عام 1959، ودبرت واشنطن العديد من المؤامرات العسكرية، إما بشكل مباشر أو عن طريق عملاء، لاستعادة سيطرتها ونفوذها في الجزيرة الكاريبية.
عندما استعصت الثورة الكوبية على الاستكبار الأمريكي، ورفضت هافانا الإذعان وقبول الاستسلام، كشرت الإدارات المتعاقبة بالبيت الأبيض عن أنيابها، باتباع منهج الحصار، حتى ولو تسبب في أن يموت الشعب الكوبي من الجوع والعطش!
بالضبط كما دفع –ويدفع- الشعب العربي الفلسطيني، من السياسات الاستيطانية والتوسعية الصهيونية، التي وصلت إلى حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، تعاني كوبا -وشعبها الصامد- من موقف مماثل على مدار العقود الستة الماضية.
على عكس المواقف العدائية الأمريكية أكدت -وتؤكد- كوبا أن لديها الرغبة والإرادة لبناء علاقة محترمة وحضارية مع حكومة الولايات المتحدة، على أساس المساواة والاحترام المتبادل، وهو ما ظهرت آثاره -نسبيًا- فيما بين السنوات 2015-2017.
هافانا تتمتع بمكانة عالية على الساحة الدولية لمساهمتها لصالح الحوار والسلام، وترتبط بعلاقات صداقة، حتى مع عواصم قد تختلف معها سياسيًا وأيديولوجيًا، ولا توجد مشاعر معادية للشعب الأمريكي في كوبا، بحكم تمتع البلدين بعلاقات ثقافية قوية، وجوارهما في أراضٍ مشتركة بخليج المكسيك، غير أن تعزيز الحصار الاقتصادي والمالي والتجاري، في عهد ترامب، ضاعف من معاناة الشعب الكوبي.
31 قرارًا أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، آخرها في شهر نوفمبر الماضي، تدعو واشنطن لرفع الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه على كوبا، بتأييد 187 دولة، ومعارضة دولتين فقط، هما الولايات المتحدة وإسرائيل.. وكفى!!
*نقلا عن بوابة الأهرام