إن تزيين الباطل وإلباسه ثوب الحق والصحة حيلة شيطانية قديمة، مارسها الشيطان مع آدم فقال {قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120]، فأضفى على المخالفة والنهي صبغة مُحببة لئلا تنفر منها النفس، فأصبح العصيان طلبًا للخلد وملك لا يبلى، فكيف لا يُشتهى حينذاك! وهذا ما أُنبئ وأنبأ عنه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. أُشرب الناس هذه الخدعة الشيطانية على نطاق واسع، وهو مشاهد في واقعنا المعاصر، فالخمر تسمى مشروبات روحية، والشذوذ الجنسي حرية شخصية، والخلاعة فن، والربا فوائد.. إنها حيلة يراد بها قطع الروابط بين تلك المحرمات وأدلتها الشرعية، لأنهم لو سموا الفواحش باسمها لما وجد المغرضون سبيلًا لتهوينها في قلوب العباد، وما هي إلا فترة من الزمن تتربى الأجيال على تحريف مسميات الباطل، حتى تألفها وتصبح تلك المنكرات أمرًا اعتياديًا مألوفاً، فتضيع الأحكام الشرعية وتلك هي الطامة الكبرى. يقول ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان: «فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله»، ثم يقول: «وأي فرق بين هذا وبين ما فعلته اليهود من استحلال ما حرم الله عليهم من الشحوم بتغيير اسمه وصورته فإنهم أذابوه حتى صار ودكا وباعوه وأكلوا ثمنه وقالوا: إنما أكلنا الثمن لا المثمن فلم نأكل شحما». فصنيعهم كصنيع اليهود، غضوا الطرف عن وجود المعنى المحرم، واستحلوا ما حرم الله اتكاءً على انتفاء الاسم الذي أطلقه عليه الشرع.
قد طالت حرب المصطلحات هذه قلب القضايا العقدية والمنهجية والفكرية، فغدا تفريغ الدين من محتواه واختزاله في أطر ضيقة كسَمِّ الخياط وتمييع أحكامه وقبول التعددية ولو كانت إلحادًا، صار كل ذلك تنويرًا ووسطية واعتدالًا، في الوقت الذي قد يرمى المتدين المتمسك بشعائر دينه بالمتشدد المتعصب، بل تعدى إلى أكثر من ذلك، فصار من يدافع عن أرضه ضد الأعداء المحتلين إرهابيا متطرفًا، كما هو حال المقاومة الفلسطينية التي تناضل ضد المحتل الصهيوني، يلصق البعض بها تهمة الإرهاب، مع أن حقها في الدفاع عن أرضها مشروع تكفله الشرائع السماوية والقوانين الدولية وكل الأعراف الإنسانية.
القاعدة الفقهية المعروفة تقول: «الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني، لَا للألفاظ والمباني»، فإن كان هذا هو شأن ما بين العباد، فكيف بما كان بين العباد وخالقهم من تشريعات وأحكام؟ هل يُلتفت إلى ما أحدثه الناس من مصطلحات براقة وتسمية المنكرات بها تدليسًا ويُعرض عن حقائقها؟ إنها دعوة لعدم الانسياق وراء تلك الخدعة الشيطانية، إننا مطالبون من أجل صيانة جناب الشريعة أن نسمي المنكرات باسمها، بل وبتحرير المصطلحات الوافدة التي يرددها البعض دون تمحيص، حتى تظل الأحكام الشرعية واضحة جلية كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.