طويت صفحة الإنتخابات الرئاسية الفرنسية لأبريل 2022، لكن ملف القوميين الفرنسيين مفتوح منذ أكثر من أربعة عقود و إتخذ زخم خاص في الآونة الأخيرة. لا بد لنا من وقفة، نتعرض إلي صلب الصراع القائم حاليا في الغرب المؤسساتي.
ولي زمن يسار، يمين، حزب التجمع الوطني لمارين لوبان يعرف نفسه علي أنه أولا و أخيرا ممثلا للوطنيين القوميين ليس إلا. و هذا يأخذ بنا إلي منحي هام : الصدام الحاصل يقع علي مستوي مشاريع المجتمع، الليبراليين بكل أطيافهم إشتراكيون و خضر و ...هؤلاء يريدون مجتمع بلا هوية قيمية و لا مرجعية تاريخية سوي مباديء فضفاضة جسدتها الثورة الفرنسية الحرية للجميع في كل شيء، هذا هو شعارهم بينما الوطنيين القوميين لهم طرح مخالف و معارض تماما، فهم متمسكون أشد التمسك بتراثهم الديني و التاريخي و القيمي، فقيم التماسك العائلي و الولاية للرجل و الإنتماء المتجذر لأمة فرنسية و كنيسة كاثولكية مع معارضتهم للإجهاض و الشذوذ الجنسي و مساواة مطلقة بين الجنسين أدي في النهاية إلي تصادم علي المستوي السياسي. فالصدام في الغرب ليس بين المؤسسة السياسية و بين المسلمين بصفة عامة، بل في نظري الخلاف بين طرحين كلاهما له وجهة نظر ناحية العديد من القضايا مثل الهجرة بصفة عامة، فالوطنيين يريدون هجرة مقننة و من نفس الإنتماء الحضاري الجغرافي التاريخي و الجهة المقابلة لا إعتراض لها علي هجرة المسلمين، بإعتبار ان دولهم علمانية و علي المسلم المهاجر أو الحاصل علي الجنسية الغربية إحترام قوانين البلد المضيف. ناهيك عن إختلاف الرؤي بشكل جذري في ملفات أخري كالطاقة، هؤلاء يؤيدون الطاقة النووية و أولئك يعارضونها لاجئين إلي طاقة الرياح و الهيدروجين و بين خطاب إقتصادي و مراهنة علي الطبقات المتوسطة و الدنيا و من يري في المؤسسات و الشركات الكبري و العولمة، طوق النجاة.
فالوطنيين القوميين شأنهم يتعاظم مع فشل التيار الغالب علي إدارة ديمقراطيات مأّزومة. ففوز رئيس وزراء المجر السيد أوربان في الإنتخابات الأخيرة و التقدم المحسوس لحزب التجمع الوطني الفرنسي و خروج بريطانيا من الإتحاد الأروبي كلها أدلة ملموسة عن تراجع معسكر العولمة المنفتحة علي الثقافات و الحدود و إقتصاد السوق.
عرت أزمة كورنا كوفيد-19 الواقع الحياتي في الغرب، أدركوا متأخرين أن تبعيتهم لإقتصاد و إنتاج الصين بات لا يطاق و مارين لوبان مثلا تريد حماية أكثر للإقتصاد الفرنسي لهذا طرحت في برنامجها شعار إعادة المال للفرنسيين و مراجعة العديد من الإتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي و قد فعلها قبلها دونالد ترامب عبر إتفافية ألينا و التي تضم، كندا، أمريكا و المكسيك. فما حملته العولمة من تعددية ثقافية و عرقية في بلد واحد هددت مكونات هويته، لهذا نري دول أوروبية شرقية رافضة لفكرة الهجرة الغير النظامية و اللجوء العشوائي أو الهجرة الإفتصادية من دول الجنوب. هذا و من جانب آخر، يعتمد الإتحاد الأوروبي مرجعية قانونية جد متحررة في العديد من القضايا مما يتعارض أحيانا مع دساتير ماحفظة كدولة بولونيا، فنري هذه الدولة و المجر مثلا يفضلان التعاطي مع خصوصيتهما و الدفاع عنها غير عابئين بالإجراءات العقابية.
بإختصار، المحافظون البيض في الغرب مصرين علي موقفهم و رافضين بشدة التنازل عن سيادة القرار و الإختيار بينما انصار الإنفتاح الثقافي و العرقي و الإقتصادي لا رجعة لهم عن النموذج الأمثل للتعايش و التبادل و المشاركة الجماعية في صياغة مصير واحد.
من سينتصر ؟ فوصول رئيس من التجمع الوطني الفرنسي إلي سدة الحكم مسألة وقت ليس أكثر و التنافر الحاصل بين الوافدين الجدد و السكان الأصليين و نهاية الإستعانة بالنفط و الغاز الروسيين و إنعكاسات الحرب في أوكرنيا سيدفع لمزيد من الحماية و الإنكفاء علي النفس و أي كانت شعبية التقدميين و مشاريعهم، فلا مجال لتجاهل المد القومي الساخط علي تحرر بلا ضوابط، لهذا نخلص إلي هذه النتيجة، سيشهد الغرب الكثير من الإضطرابات و إرتفاع كبير في المديونية و تضخم لا معقول و أزمات متوالية و متداخلة و نرجو الإستفادة من كل ذلك بحيث لا نقع في أخطاءه و نعمل بجد من أجل نهضة واعدة.