من سنين عدة روت سائحة مسلمة للهند ما يلي : "في رحلتنا السياحية هناك، توقفوا بنا في قرية من قري المنبوذين الهنود، من فرط الفقر و العوز لم أنزل مع سائحين غربيين آخرين من الحافلة. كنت أتأمل أحوال هؤلاء البؤساء من النافذة. فإذا بسائح أروبي صرح "يستحيل علي هؤلاء الناس النهضة، فهم بنظام التمييز الطبقي هذا لن يمكنهم بلوغ الرفاهية التي ننعم بها نحن."
و في المدة الأخيرة زارت صديقة لي في مهمة مهنية الهند، و من بين الملاحظات التي ابدتها كان إهتمام الهنود بقطاع التعليم :"طوروا نظام لا يترك للطفل مجال للضجر، أشبعوهم شعور قومي و إفتخار بالجذور و العقيدة الهندوستانية، رسموا لهم أهداف تعيد امجادهم و تعدهم بمستقبل سيد و زاهر.""كل شيء مرتب، بزة موحدة للذكور و الإناث و أما المعلمين فينظر لهم كطبقة مميزة عالية الكفاءة."
بقيت لأيام أفكر في هذه الإنطباعات، لأخلص إلي هذه النتيجة :
أي نهضة لا تستند إلي منظومة تعليمية هادفة محكوم عليها بالفشل فكل الأمم نهضت بفئاتها المتعلمة و في مثال الهند بالذات نظام التمييز الطبقي الذي نراه عائقا كبيرا في طريق التطور الإجتماعي إعتبره رجال الدين الهنود تزكية لفئة قائدة تتولي مهمة الإرتقاء بالهند لمصاف الدول المتحضرة، مع العلم عقيدة هؤلاء الهندوس قائمة علي الإيمان بملايين من الآلهة، 330 مليون إله بالتحديد و رغما من ذلك فهم أدركوا بأن للنهضة ثمن عليهم بدفعه، فلا بد من ضبط حياة الفرد منذ طفولته وفق برنامج صارم لا وجود فيه لفراغ و عطالة بل إلتزام كامل بضوابط أخلاقية تقضي بإتباع نهج معين في يوميات الفرد لبلوغ الهدف المنشود : رقيه و تطوير ذاته و محيطه و المساهمة الفعالة في النهوض بمجتمعه ككل.
نحن هنا في جزء من العالم العربي الإسلامي، أنظمة بث الأنترنت "هواي"صينية الصنع، إذا ما وسيلة الإتصال و الوحدات المركزية للحواسيب مصنوعة في الصين، و عقول أدمغتنا لا تجد إلي حد الساعة من يفتح لها المجال لتنبغ و تخترع وفق إستراتيجية نهضة حضارية شاملة، فكيف بنا نتطلع إلي غد أفضل ؟
هذا و الجيل المتخرج من مدارسنا و جامعاتنا لا يملك مناعة أخلاقية عقائدية و لا بوصلة تحدد له وجهته الحضارية، فالأبوة و الأمومة في مجتمعاتنا المسلمة لا تعدو أن تكون تزاوج و توالد و ضمان حد أدني لأبناء تنقصهم الكثير من العوامل مثل الدعم النفسي و العاطفي و الروحي، فهم يأتون إلي عالم سنة التدافع فيه علي أشدها و لا أحد يخبرهم بالدور الذي يتعين عليهم القيام به للنهوض بأمة الإسلام. فجيل اليوم و الغد مشغول بهموم أنانية كتحقيق الذات ماديا أما أن ينظر إلي وجوده بنظارات أخري تدعوه إلي تصحيح الأوضاع من منطلق الرسالة الربانية التي حملنا إياها رب العالمين، فهذا مستبعد.
فمسلم هذا الزمان يعيش يوم بيوم، لا أفق له و لا شعور بالمسؤولية يحدوه، فهل بمثل هذا النموذج البائس ستنهض مجتمعاتنا من سباتها العميق ؟ لا أعتقد ذلك. كي تنهض الأمة، علي الأفراد و الجماعات أن يتحلوا بقدر كبير من مغالبة النفس الأمارة بالسوء و في تلك المجاهدة مشقة و تضحيات و تعب و لا بد ان نقدر علي ذلك لا مفر، و إلا سيمحينا التاريخ بجرة قلم.