في ظل الظروف العالمية الآنية، كثيرون فتشوا عن الريادة الأمريكية و لاموا قيادة الرئيس ترامب السيئة، متناسين أن سمة ما بعد العولمة الهموم القومية، فكل دولة منطوية علي مشاكلها و أزماتها و وباء كورونا كوفيد-19 أثبت بما لا يدعو للشك أن أي كانت عظمة دولة، فهم رئيسها مواطنيه في المقام الأول و الأخير....
هل حلت ريادة أمريكا و الصين الحروب و الأزمات الإقتصادية و التمييز الصارخ بين دول غنية و أخري فقيرة ؟
لا، كل ما عشناه منذ الحروب الأوروبية و إنهزام فرنسا في 1870، كان تكريس لمنطق القوة الباطشة أي كان شكل هذه القوة و زمن العولمة بالذات غرر بالكثيرين و أولهم الدول المتطورة التي لم تجد أقنعة بالعدد الكاف لحماية مواطنيها في ذروة جائحة كورونا كوفيد-19.
و كيف تكون ريادة و الداخل منهار و هذا ما أتي بدونالد ترامب للبيت الأبيض، فالسياسيين في أمريكا فشلوا في إقناع ناخبين أمريكيين بنجاعة النظام الإقتصادي المتبع، و قادم الأيام مثقل بالإخفاقات و الإضطرابات الإجتماعية في الشمال مثل الجنوب، لا فرق.
يتعين علينا حاليا الإستجابة لمستلزمات الوقاية من وباء كورونا كوفيد-19 و إعادة النظر في متطلبات التنمية كالمراهنة علي نتاج المعرفة في مجالات مثل الصحة و الإتصالات و التعليم. السبيل الوحيد لمراكمة الثروة كان و لا يزال الإستغلال المتبصر لمواردنا البشرية و المادية. في بلدنا كنا في حاجة إلي وباء لمراجعة ميزانية الدولة و كيفية صرفها و تقديم دور البحث العلمي علي إقتصاد الإستيراد...
في دول مثل أوروبا و أمريكا، عقارب الساعة ستضبط علي درء المفاسد التي إنجرت عنها عولمة جردتهم من سلاح الحماية، فتصادموا فيما بينهم مع تنامي مشاعر العداء لصين متضخمة.
من سيدفع الثمن ؟ الطبقات الكادحة إلا أن الجميع سيكون معني بقرارات مصيرية في ميادين الصحة و البيئة و الإقتصاد الرقمي، إنتهي زمن الطاقة الأحفورية و أمريكا و ألمانيا عولوا علي إستبدالها بالطاقة الخضراء النظيفة منذ مدة، و بسبب ذلك سيتناقص إهتمام واشنطن بالخليج الفارسي و ها أن البنتاغون يدرس جديا عملية سحب القوة العسكرية الأمريكية من سيناء. و يتحتم حينها علي دول العالم العربي الإسلامي المضي قدما في مشروع الوحدة الذي دشنه الوزير الأول السابق الماليزي الدكتور محمد مهاتير، فبدون توافق علي أهداف مشتركة بيننا، سنبقي في حالة تبعية مطلقة. فالتكامل واجب، في زمن الحاجة فيه كبيرة إلي تضامن و تعاون.
و الهم الإقتصادي يقرر المصير السياسي للطبقة السياسية في أي دولة، فليس هناك خيار آخر سوي ترشيد الفعل و النفقات و منح الفرصة للجميع لصنع غد سيد. تتلخص مفاتيح الريادة الحضارية في حسن التسيير و التعايش مع الإختلاف و إعتماد إقتصاد منتج مع إكتفاء ذاتي في المواد الأولية.
ليس بوسع مسؤولينا تأجيل النظر في قضايا حيوية كالحكم الراشد و بلورة خطة تعطي الإمتياز لأدمغتنا و إمكاناتنا، سنشهد مزيد من الإنغلاق علي الذات و سطوة الأنانية هنا و هناك و لن يسكت بعد اليوم المهمشين، في بلادنا علي الأقل طوي للأبد الحراك الوطني المبارك صفحة إستبداد الأنا الفاسدة...