الجريمة بين يقظة رجل التحقيق و انفلات الأدلة الجنائية(2)
سميرة بيطام
يواصل المحامي معن ادعيس حديثه عن صلاحيات جهاز الشرطة و الذي يمت بصلة وثيقة بعالم الاجرام في كشف ثنايا عقده الغامضة ليتحدث عن القضاء الأمريكي و الذي يسير على هدي القضاء الانجليزي ( و هنا اشارة مني الى تتابع الدول في تطبيق القوانين على خطى دول أخرى ، ما يفسر عدم الاستقلالية في النهل من مصادر وطنية لا علاقة لها بالغير من الدول مثل ما هو حاصل في القانون الجزائري و الذي لا يزال يتبع القانون النابليوني) ، ليشير الى أن نقطة التحول المهمة في هذا التوجه كانت في قضية فيدرالية في العام 1914 و التي قضى فيها باستبعاد كل دليل مستمد من تفتيش أو ضبط غير قانونيين و قد قضت المحكمة العليا بسريان قاعدة استبعاد الدليل المتحصل بوسائل غير مشروعة على محاكم الولايات المتحدة سنة 1949 بقولها " التفتيش أو الضبط غير القانوني يعتبر انتقاصا من حقوق التعديل الدستوري الرابع و لو كان تطبيقا لقانون الولاية، و أمن الأشخاص في حياتهم الخاصة ضد تعديلات البوليس و تجاوزاته "كما أن استبعاد الأدلة المتحصل عليها عن طريق غير قانوني ليس قصرا على اجراءات التفتيش التي يقوم بها البوليس ، و انما تشمل كل الاجراءات غير المشروعة المنتجة لأدلة اثبات في القضية الجنائية ، فإذا أقدم البوليس على قبض غير قانوني كان هذا القبض باطلا و يبطل معه ما استمد منه من أدلة كالاعتراف و التفتيش ، كما أن القضاء الأمريكي يستبعد شهادة الشهود اذا جاء اكتشافهم نتيجة تفتيش باطل حكم القضاء باستبعاد الأدلة المستمدة من معلومات تم الحصول عليها بالانتقاص من الحقوق الدستورية.سميرة بيطام
طيب عودة للقانون الجزائري فانه لا يوجد قانون أو نص صريح خاص بالأدلة الجنائية و تفاصيل تحريزها و نقلها من مسرح الجريمة ما عدا القانون الذي صدر حديثا و المتعلق بالبصمة الوراثية و الذي سأفرد له مقالا مفصلا على عكس القانون الكندي (CML-3802) الصادر عن الميثاق الكندي للحقوق و الحريات و هو تشريع دستوري في كندا ألحق بالدستور الكندي و اعتبرت بنود الدستور السابقة كفصل ثاني و ذلك في 17 أفريل 1982 الأمر الذي يشرح تخصيص كندا لقانون الدليل خاصا بالأدلة الجنائية ما يطرح علامة استفهام حول مدى تأخر القانون الجزائري في ضبط مسائل الجريمة بأبعادها القانونية و كذا توضيح مفصل للأدلة الجنائية خاصة و أن العالم يشهد تسارعا كبيرا في التنويع في طريقة ارتكاب الجريمة و الحرص على عدم ترك أي أثر أو دليل من شانه ان يكشف عن الفاعل الحقيقي ما يجعلني أتساءل مرة أخرى : هل فيه موازنة قانونية بين الجريمة و طريقة الكشف عنها على النحو الصحيح باحتواء القانون الجنائي لتفاصيل الكشف عنها ؟ و هل بإمكان رجل التحقيق أن يلم بتفاصيل الجريمة و الدليل باعتماده على ترخيصات قانونية من شأنها الحفاظ على مسرح الجريمة و تأمين الدليل الجنائي على النحو الذي يسهل عليه الوصول الى الجاني الحقيقي؟.
و التساؤل الآخر : الى أي مدى يمكن أن تتطور القوانين الجزائرية المتعلقة بقانون العقوبات و قانون الاجراءات الجزائية و غيرها من اللوائح التنظيمية لتصبح في الصدارة مع الدول المتقدمة في التقنين القانوني الجنائي كدولة الامارات العربية المتحدة مثلا؟..
لا بد من اعادة صياغة قوانين جديدة تتماشى مع الذهنية الاجرامية في الجزائر و حتى الذهنية الخارجية لإعطاء الاحتواء القانوني بعده الكامل في تطويق الجريمة بشتى أنواعها و مساعدة رجال القانون و الخبراء و المختصين في علم الأدلة الجنائية لأن يرسموا خطوطا واضحة في طريقة التحري الجنائي بعيدا عن البروتوكولات المعتمدة روتينيا و المعتمد في طرق مسح مسرح الجريمة و هذا يتطلب تفصيلات أخرى سأتحدث عنها لاحقا ، حيث أن الحفاظ على هذه الأخيرة شكلت نقطة مهمة في تسهيل العمل على رجال الأمن ، على النحو السريع و المأمن في الحفاظ على الأدلة الجنائية على النحو الدقيق ما يوفر الوقت باحتساب العامل الزمني و الذي يعد ضروريا في بعض القضايا الاستعجالية و كذا تسهيل فك خيوط الجريمة على المتحري و تنوير أروقة العدالة بأحكام موزونة بالمنطق القانوني و الأخلاقي و الانساني تطبيقا لمبدأ المحاكمات العادلة .
يتبع...