مظالم الأخوة في الله..حلول و بدائل
سميرة بيطام
سميرة بيطام
نصوص القرآن الكريم مليئة بالعبر المتضمنة لتبجيل علاقة الأخوة في الله، الصادقة صدق النوايا والعزم، ففي سورة الأنفال وصف لألفة القلوب بإذن من الله دونما سعي أو تخطيط أو تحفيز، مصداقا لقوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 63).
ففي هذه الآية الكريمة تفصيل جميل لقدسية المحبة في الله، في أنه تعالى هو من يؤلف ويؤاخي بين عباده، لأنها عزته وحكمته عز وجل، فلو كان للبشر منطق حسي ذواق لنعمة الله لما قصر في حقوق الأخوة والمحبة في الله.
إذ نجد في سيرة الصحابة أنه بقدر ما ترتفع مقامات هذه العلاقة المبنية لوجه الله تعالى، فتتخذ لها من تقوى الإيمان ركيزة متينة للوصول بهذه الرابطة إلى ما يحبه الله ويرضاه، فتصبح بذلك نموذجًا يقتدى به لغير العارفين بأبجديات هذه الصلة، لأنها فن ورقي أخلاق وإيثار من طرف للطرف الآخر.. هذا هو الجمال بأحقيته على ضوء الإخلاص، فالمبدأ هو الله، والغاية هي كذلك الله، إلا أنه تنشب عن هذه العلاقة مظالم بسبب أو مسببات.
إذن، في الوقت الذي من المفروض فيه السمو بالكبرياء لله عز وجل، إلا أنه تفتح أبواب الشيطان على مصراعيها لنعطي له بأنفسنا فرصة لينفث سم التفرقة بيننا، فيتغلغل القلق والتوتر في مجاري دمائنا في أقدس وأمتن علاقة، ويتحول بذلك الحب إلى كراهية، ليكون البادئ أظلم لأحد الطرفين على اختلاف أساليب الشتات ، لتكون القطيعة
سيفًا حادا يقطع حبال المتانة بعد أن شدت بأوثق عرى الإيمان بسواعد التقوى النقية الطاهرة.
وبالموازاة نجد في سورة الزخرف قوله تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ} (الزخرف: 67)، فهنا شرط الأخوة الحقيقية هو التقوى، فإن لم يحافظ المحبون في الله على هذا الشرط الأساسي حتمًا سيتسلل الضعف والشك، وبالتالي تنمو في القلوب أمراض
نفسية لم تكن موجودة في بداية العلاقة، مثل الحسد والغيرة، وقد يصل الأمر إلى محاولة الانتقام، لإفشال أي مشروع في التفوق، سواء في مجال العمل أو الدراسة أو الزواج.
وإذا حافظ المحبون على شرط التقوى يأتيهم وعد الله بالأجر العظيم، وهو الجنة، وقد ورد ذلك في نصوص عديدة من القرآن الكريم منها: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ} (الزخرف: 72- 73)، إذن لماذا لا نستخلص الحلول لأنفسنا و بانفسنا من الشرعية السمحة في حالة نشوب
نزاع أو خلاف بين أختين تحابتا في الله أو بين أخوين تحابا في الله، وهذا باتباع الخطوات التالية:
* عند اللقاء وجهًا لوجه تستحب المصارحة، وطرح الإشكالات القائمة بروح أخوية، وليست عدائية، حتى يعم الهدوء والتفاهم جلسة الحوار، والابتعادُ قدر المستطاع عن الغوغائية، وتكرار عناصر المشكلة والخلاف حتى لا يتسرب الملل واليأس إلى قلوب المتحاورين، لأنه عامل فشل ، و ليس عامل توفيق و نجاح لبلوغ المراد من اللقاء.
*عند اللقاء، يجب البحث عن الحلول بطريقة سلسة وبسيطة ترضي الطرفين بعيدًا عن لغة التعالي والتكبر والإعجاب بالنفس، لأن هذا من مداخل الشيطان، والعياذ بالله، وهنا تزداد الأضغان والأحقاد.
* في حالة عدم التفاهم في اللقاء الأول، يستحب الانصراف واللجوء إلى أسلوب آخر لتلطيف الأجواء، مثل فكرة إهداء هدية، فهذا من شأنه إذابة جليد الكراهية والتعصب بالرأي.
* محاولة تهدئة مواضع الخلاف في المشكلة باختيار أسلوب الوعظ وإسداء النصيحة، ولتكن الحجة القائمة عند عدم التفاهم هي آية قرآنية أو حديث نبوي شريف.
* في حالة عدم الوصول إلى حل نهائي للخلاف أو إلى نتيجة، من الأحسن اللجوء إلى طرف ثالث، كأن يكون صديقًا مقربًا للطرفين المتخاصمين لإجراء الصلح، ومن الأحسن أن يكون صلحًا شفافًا قائمًا على ركيزة الوفاء والوضوح، وليس مجرد وعود كاذبة، ثم العودة من جديد الى بؤرة الخلاف.
إن البدائل لحل المظالم الناشئة في علاقة الأخوة في الله كثيرة ومفيدة، منها الهجر الجميل، ولكن ليس بطويل المدى حتى لا تصاب المشاعر بالفتور وتقسو القلوب، بالعكس يكون على فترات قصيرة ليحن كلا الطرفين لبعضهما البعض، خاصة إن كانت فيه جوانب إحسان كثيرة ، فلهذا الاحسان يمكن تجاوز أزمة الخلاف باقتدار ،ثم
الإحسان له تأثير في القلوب مصداقا لقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم} (فصلت: 34- 35)، فالصبر على المكاره فيه مصابرة و مجاهدة للنفس و هو ليس بالأمر الهين.
إذن، فلنبادر بالعفو والصفح الجميل لنصنع أجرنا بأيدينا، ونكبل محاولات الشيطان وحزبه للإيقاع بنا في فخ القطيعة المحرمة شرعًا، وسنجد حتمًا ثمرة جهادنا في جنات النعيم، وما الدنيا إلا ساعة، فلتكن طاعة الله قاموسًا نستلهم منه أدبيات الحياة بفنون العيش الكريم تحت ظلال القرآن و السنة النبوية.