مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/01/24 22:46
مسرح الجريمة حاوي الأدلة الجنائية
مسرح الجريمة حاوي الأدلة الجنائية
سميرة بيطام
 
تناولت في مقال سابق عن تعريف مسرح الجريمة و بيان أنواعه ، و لا يكاد يخلو موضوع  جنائي عن الجريمة إلا و يكون مسرح الجريمة هو المطلوب لخوض مغامرة التحقيق و البحث عن الجاني و المجرم .
فالحس الفكري و الاستشعار المعلوماتي لدى محقق الجريمة لا يفارقان مخيلة جبلت على التفكير و التدقيق في كل أثر يتم الحصول عليه من مخلفات جسم الجاني أو الضحية ،و الواقع العلمي يؤكد أن البحوث العلمية لا تزال تجدد لها الرؤيا عن عالم الاجرام بكل أبعاده القانونية و الاجتماعية و النفسية ،و امتد التفكير الى أسلوب يمكن القول أنه فلسفي لما يحتويه من فكرة فنية و تحليلية هدفها خدمة الفرد و المجتمع على السواء ،و تحقيق الأمن و السلام المنشودين في القوانين الداخلية و الدولية، و ما الأساليب التقنية و المعلوماتية المستعملة إلا دليل على تطور التوجه الفكري لرجال الشرطة و البحث الجنائي و كذا رجال القانون و أهل الاختصاص من محللين نفسانيين و اجتماعيين في فهم الظاهرة الاجرامية.
مرة بدر سؤال من طالبة أعدها نجيبة بامتياز و هي تسأل :
كيف يمكن تقرير ما اذا توفيت الضحية بسم حاد على العلم أن السموم تتحلل بسرعة أثناء عملية التعفن ،و من ثم يستحيل تقرير ما اذا كان الشخص قد توفي بالسم و ليس بشيء آخر كما أن مسرح الجريمة بفحص الضحية يعطي اكثر من دلالات و احتمالات للموت.
صحيح ما طرح سابقا مع العلم أنه يجب تقرير علم في السموم يدرس أنواعه و مميزاته و طريق الكشف عنها و ربطها بالأدلة الجنائية الأخرى ، لأن من السموم ما لا يتحلل بسرعة مثل القصدير و الزرنيخ ، و بالتالي بعض السموم يمكن الكشف عنها بوقت طويل ، أما  في التسمم الحاد فلا يمكن ذلك  لأنه لا ينفذ في أنسجة العظام  و بالتالي اذا وجدت أعضاء سليمة يكون هذا دليل مباشر على أن التسمم كان حادا و بالتالي يمكن معرفة نوعه ،أما باقي السموم فيمكن الكشف عنها في الأظافر و الشعر و لو تعرض جسم الضحية للحرق تضيع نسبة كبيرة من السموم و بالتالي تنقص فرصة الكشف عنها بنسبة معينة و لذلك يعد عامل السرعة للحضور الى مسرح الجريمة مهم جدا.
إلا ان هناك عوامل فيزيولوجية تساعد على معرفة السبب الحقيقي للوفاة و هي شكل الوجه و اتساع الذقن ووضع عظام الوجنتين و محجرا العينين ، و اجراء التطابق بين صورة الوجه و الجمجمة من شانها أن تبين الفارق و لكن هذا يحتاج الى مختص  و خبرة نحات متمرس في المهنة ليتم ضبط المقاييس بدقة.
فقد يحدث أن تموت الضحية بطلقة رصاص بعد أن تكون تناولت سما طويل المفعول ، و بالتالي فمعرفة السبب الحقيقي للوفاة يصنع الفارق ، و يحتاج الأمر لبذل جهد دقيق و بتركيز عالي النظر و أحيانا و في بعض الجرائم يتم وضع  السلاح في يد الضحية بعد قتلها بالسم لتمويه المحقق و صرف نظره الى السبب الحقيقي و بالتالي آثار المستخرج من القذيفة و حافة قطعة منزلق المسدس ان ما كان اوتوماتيكيا و على ظرف الطليقة يمكن تحديد ماركة المسدس و بمعرفة طراز السلاح كما يمكن معرفة باقي العوامل ، حتى الطلقة الكاذبة و هنا مهم جدا معرفة مسارها لمعرفة ان ما كان فيه دفاع من الضحية ودفع الجاني مما تسبب في طلق العيار الناري ، و لو أن فيه  صعوبة التحقيق و التحري الجنائي في سيناريو الفعل المرتكب و طريقته و زمنه أيضا ، فالغموض يلف كل مكان وكل أثر و كل آلة استخدمت لارتكاب الجريمة ، و لذلك فان استدعاء الطبيب الشرعي الى مسرح الجريمة لن يختزل المهمة الجنائية في البحث لأن الطبيب الشرعي يعرف أهمية الأدلة الجنائية الموجودة في مسرح الجريمة ،و منه حضور جميع الأخصائيين  يمكن أن يعطي معلومات توافقية مبدئيا لحين تمام التحقيق و تشريح الجثة و فحص كل الاثار البيولوجية و المادية التي تم العثور عليها حتى تراب مسرح الجريمة ان ما تم الحادث في غابة أو بستان أو على الطريق فيمكن أن يحمل دليلا قد لا يبدو واضحا للوهلة الأولى إلا بعد تحليل التراب و تحليل المواد العالقة به كالدم أو اللعاب أو العرق أو بقايا السجائر أو المشروب  ،و قد جرى العمل في الولايات المتحدة الأمريكية على تواجد الضابط و الطبيب الشرعي في نفس المكان لأن كل واحد يكمل الآخر في عمله ، و يكتمل التوافق عند اعادة تمثيل الجريمة مع وجوب أن يكون كل طرف ملم بعمل الآخر حتى يتم تبادل الطرفان لملاحظاتهما.
أما ادارة مسرح الجريمة فهي بطبيعة الحال تعود لضابط الشرطة  بالنظر الى الأساليب العلمية العالية التقنية المستخدمة من جهاز الشرطة ، حيث يقول "اينار جوفال" الأستاذ بجامعة "لند" بالسويد في مؤلفه الطب الشرعي عن موضوع "تفتيش مسرح الجريمة "من أن الطبيب الذي ألف هذا الكتاب أنه يستطيع في حالات عديدة أن يضيف استنتاجات في مجال تخصصه و عليه أن يشترك في التفتيش كلما كانت معرفته قادرة على اضافة جديد و العمل يجب أن يكون مقسما بين الطبيب الشرعي و ضابط الشرطة ، و يستطرد في مؤلفه أن القاعدة الأولى في تفتيش مسرح الجريمة هي أنه لا يجب نقل أو تحريك أي شيء خاصة الجثة إلا في حالة حوادث المرور التي تقتضي اجراءات خاصة ، كما يحدث أحيانا أن يتم استدعاء الطبيب لمعاينة الوفاة و هنا يمكن للطبيب أن يدخل مسرح الجريمة اذا امكن للضابط أن يقطع بحدوث الوفاة و ما يفيد ذلك هو ملاحظة العلامات التي اعقبت الوفاة و بالتالي ليس للطبيب ان يدخل مسرح الجريمة قبل الضابط.
و يمكن استنتاج  أن التعرف على شخصية المجني عليه أي الضحية و كذلك تحديد وقت الوفاة من أولويات المرحلة المهمة في التحقيق و الغرض من ذلك هو الكشف عن الظروف التي حدثت فيها الوفاة و يمكن في هذا المجال ان يتعاون الطبيب في ذلك .ليبقى مسرح الجريمة العنوان الغامض للجريمة لحين تمام التحقيق الجنائي بكل فصوله و معرفة الجاني الحقيقي و سبب الموت النهائي  الذي يأخذ المحقق الى أن يفترض أكثر من فرضية  و أكثر من احتمال و ما لم يحسن الشك لن يمكنه الوصول للحقيقة و ما أصعبها من مهمة تحتاج لشخصية بارعة و ذكية جدا في الميدان.
 

التالي : علامات موت المجني عليه بعد ارتكاب الجريمة
 

 
 
 

أضافة تعليق