مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/10/01 21:19
الحمض النووي ضمن اكتشافات العصر
الحمض النووي ضمن  أهم اكتشافات العصر
 
كشفت السنوات الاخيرة عن اكتشاف  تطوير الحمض النووي او ما يسمى البصمة الوراثية و باختصار الرمزية يطلق عليه  DNA أوADN ، حيث دفعت النتائج العلمية البحثية الى اكتشاف هذا المركب الجيني  و اقحامه في مجال الاثبات الجنائي لمرتكبي الجريمة على اختلاف أنواعها و طرقها ، فما هو هذا الاكتشاف العلمي و من أين كانت الانطلاقة ؟
يعرف الدكتور سعد الدين مسعد هلالي البصمة الوراثية في كتابه المعنون ب : البصمة الوراثية و علائقها الشرعية –دراسة فقهية مقارنة- على أنها مركب وصفي من كلمتين "البصمة " و " الوراثية" ، و البصمة كلمة عامية تعني العلامة ، تقول بصم القماش أي رسم عليه ،و قد أقر مجمع اللغة العربية لفظ البصمة بمعنى أثر الختم بالأصبع ، تقول بصم  بصما أي ختم بطرف أصبعه.
و الوراثة علم يبحث في انتقال صفات الكائن الحي من جيل لأخر و تفسير الظواهر المتعلقة بطريقة هذا الانتقال. فمن اين بدأ هذا الاكتشاف العلمي ؟.
الحقبة التاريخية لهذا الاكتشاف بدأت من سنة 1951 حيث اجتمع كريك مع العالم الأمريكي جيمس واتسون و كان يكبر كريك بأحد عشر عاما ، و قد حددا الاثنان التركيب الجزئي للدنا (DNA) و توصلا عام 1953 الى اقتراح التركيب الجزيء للحمض الريبي منقوص الأكسجين أي الحمض النووي ، عبر اقتراحهما للتركيب الثلاثي الأبعاد للحلزون المزدوج للدنا ، و نشر ذلك في مقال علمي في مجلة nature  المرموقة بتاريخ 25 نيسان /أفريل 1953 ، و الدنا هي المادة الأساسية المسؤولة عن التحكم الوراثي لوظائف الكائنات الحية  ، و هذا الاكتشاف يعد احدى المنجزات العلمية الهامة في القرن العشرين .
و في السنة الدراسية 1953-1954 ، التحق كريك بمشروع بنية البروتين The Protein Structure Project ، في معهد " البولي تكنيك" في بروكلين بالولايات المتحدة الأمريكية و بعد عودته استقر ليتعاون مع واتسون عام 1955 و طورا معا نظرية عامة عن التركيب الجزيئي للفيروسات الصغيرة ، و في عام 1962 حصل فرنسيس كريك بالاشتراك مع جيمس واتسون على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا و الطب ، كما حصل واتسون و كريك على جوائز رفيعة من عدد من الهيئات العلمية المرموقة في بلدان عدة ّ.
و من أقوال فرنسيس كريك في هذا الصدد " أن جميع مظاهر الحياة تقريبا مهندسة على المستوى الجزيء و من دون تفهم الجزيئات لن نحصل سوى على فهم سطحي للحياة ذاتها معنى ذلك اأ المركبات الحيوية في أصلها هي عبارة عن جزيئات  من تراكم الذرات التي لا تبدو للعين المجردة .
و في سياق آخر يقول الأستاذ مريع بن عبد الله بن سعيد آل جار الله في مؤلفه "خريطة الجينوم البشري و الاثبات الجنائي " أن الألفية الثالثة ستشهد تقدما غير مسبوق في فهم الانسان لنفسه ، و ما ينطوي على هذا الفهم من نتائج على المستقبل البشري ، لقد سمى بعضهم العصر الذي تعيشه البشرية اليوم بالعصر الجينومي ( The Genomic Fra) ،لأن اكتشاف الانسان لأحرف الجينوم سيترك بصمات واضحة على مستقبل الانسانية ، و قد بلغ الأمر ببعض المفكرين أن يشبهوا الخطورة التي تنجم عن اكتشاف الانسان لأحرف الجينوم بالقنبلة الجينومية (The Genomic Bomb) ،و يعتقد بعضهم أن معرفة اللغة الجينومية هي خطوة اولى في الطريق الذي سيمكن الانسان من التحكم بجيناته و عندما يصل الانسان الى هذه الدرجة الرفيعة من العلم سيكون قد حاز قدرا من الحكمة التي قرر استخدامها ، و بالتالي سيغير العالم الذي نعرفه اليوم ، و قد يكون أول ضحايا هذا التغيير هو الانسان ذاته ،و هكذا فان الخمسين سنة القادمة ستكون مليئة بالمفاجآت  ، و يجب القول أن ما تحت أيدينا اليوم من معلومات عن مادة الحياة هو انجاز عظيم يتمثل في ايجاد الأبجدية التي كتبت فيها قصة الانسان..
طبعا هذا رأي كاتب المؤلف نفسه ، و لكن أعتقد أن حكومات الدول المتطورة خاصة و التي تبن مشاريع البحاث العلمية  ستسعى لسن قوانين تنظم طريقة استغلال البصمة الوراثية بما يكفل احترام خصوصيات الانسان و التي تنص عليها  القوانين المدافعة على حقوق الانسان و منها ما نصت عليه توصيات فريق الخبراء المعني برصد البصمة الوراثية التابع للإنتربول .فما الهدف يا ترى من قاعدة البيانات ؟
الهدف من قاعدة بيانات البصمة الوراثية:
يساهم انشاء قاعدة بيانات وطنية للحمض النووي في تحقيق نتائج ايجابية في العدالة الجنائية من خلال زيادة القدرة على حل الجريمة و ردعها ، فالقدرة على تقييم الصورة التحليلية للحمض النووي عبر مقارنتها بمجموعة كبيرة من بيانات أخرى لصور تحليلية للحمض النووي قد تعزز انفاذ القانون في :
-مكافحة الجريمة الخطيرة ، على غرار القتل و الاعتداءات الجنسية و غيرها من الاعتداءات.
-مكافحة الجريمة المتكررة التي تؤثر جدا في المجتمع على غرار عمليات السطو و سرقة السيارات.
-تحديد الجناة المحتمل تورطهم في الجريمة و كذلك الربط بين مسارح الجريمة كجزء من سلسلة.
-ازالة أفراد مشتبه بهم من التحقيق و تبرئة المحكوم عليهم ظلما.
-المساعدة في تحديد هوية الأشخاص المفقودين و الرفات البشرية مجهولة الهوية.
-مكافحة انواع معينة من الجريمة العابرة للحدود ، على غرار تهريب الأشخاص و الاهاب و الاتجار بالمخدرات .
-انشاء أداة قوية و فعالة من حيث التكلفة في مجال مكافحة الجريمة.
 و لا يخفى على أحد ان محتويات قاعدة بيانات البصمة الوراثية في العادة هي صورة تحليلية من الأفراد و صور تحليلية من مسارح الجريمة ، و ينبغي الحصول على عينات البصمة الوراثية من مرتكبي الجرائم الناشطين لا سيما من يظهرون درجات عالية من نزعة في  معاودة الاجرام ،و تشمل مجموعة المجرمين الملزمين بتقديم عينات البصمة الوراثية :
*الأفراد المدانين بارتكاب جرائم خطيرة أو عنيفة.
*الأفراد المدانين بارتكاب جرائم ماسة بالممتلكات.
*الأفراد الملزمين بتقديم عينات نتيجة الاشتباه فيهم أو توقيفهم.
هذا فيما يخص أهمية قاعدة البيانات التي تحتوي على عينات للبصمة الوراثية لاستخدامها في مجال الاثبات الجريمة و متابعة الفارين من العدالة ، لكن الى أي حد ستحقق البصمة الوراثية توازنا في مدى تقبل الباحثين و رجال القانون و المختصين لهذا الدليل و اقحامه بصفة نهائية و له جانب سلبي في الكشف عن خصوصيات الأفراد و بالتالي المساس بحقوق الانسان ؟.
تناول الأستاذ فيصل مساعد العنزي في مؤلفه " أثر الاثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الانسان " ، ان الدول وجدت نفسها في مواجهة مع مجرمين هجروا  الوسائل التقليدية في تنفيذ الجرائم الى ما استحدثه التطور من منجزات ،و اختراعات حديثة ،حيث برز الجانب السلبي لهذه الاختراعات و التطور التكنولوجي فكان واجبا على هذه الدول ان تواجه هذا الاجرام المنظم بأساليب حديثة ، و متطورة تتماشى معه ان لم تتفوق عليه للحد من خطورته و العمل على مكافحته ، لهذا لجأت الدول و الحكومات للأساليب العلمية الحديثة لمكافحة الاجرام المتطور ،و من الأساليب التي لجات اليها مراقبة المحادثات التليفونية و التنصت عليها و تسجيل الأحاديث الشخصية اذا اقتضى الأمر ذلك ، و ضبط الخطابات و الرسائل و المطبوعات ،و الاطلاع عليها لاستخدامها كأدلة اثبات في بعض الوقائع الاجرامية و من تلك الأساليب أيضا عمليات تحليل الدم و المخلفات البشرية التي يعثر عليها في مكان الجريمة مثل رفع البصمات و استخدام جهاز الكشف عن الكذب أثناء استجواب المتهم أو استخدام التنويم المغناطيسي في نفس الاجراءات أو قياس ضغط المتهم عقب طرح أسئلة معينة لمعرفة مدى تأثير تلك الأسئلة عليه.
لكن هذا لايكفي فالتقنية في تطور مذهل و مستمر ، فمثلا استخدام مصل الحقيقة يعد أحد  الاكتشافات الجديدة التي تستخدم في تعطيل التحكم الارادي الفردي و نزع حواجز عقل الانسان الباطن بما يمكن من معرفة المعلومات المختزنة في داخل النفس البشرية فيفضي بما في داخله من مؤثرات عاطفية و صدمات سابقة تعرض لها في حالة الادراك ،و الوعي ، فالتحليل  التخديري يمثل في مجموعة طريقة بحث نفسي و مرضي تمارس بمعرفة طبيب مؤهل علميا عن طريق الحقن في الوريد بمحاليل مركبة متغيرة في تركيباتها الكيميائية ، و لكنها متماثلة في تأثيرها على الجهاز العصبي المركزي و هي تعمل على أن يكون الشخص في حالة انفكاك عن الوعي و استرخاء أي في حالة تقليل لليقظة.
كلها تقنيات الهدف منها هو البحث عن الحقيقة و لكن قد يقع استغلال مناف لحرمة الانسان و يقع تزييف لمكونات الحمض النووي و يتم تغيير مسرح الجريمة فتظل الحقيقة و يصبح المتهم بريئا و البرىء متهما على أساس أن البصمة الوراثية المتحصل عليها في مكان الجريمة هي لذاك البريء أصلا ، و تقرير الخبرة قدم تحليلا لمكونات الأثر البيولوجي للجاني على أن الأثر هو له و ليس لغيره ، فالعلم هنا سلاح ذو حدين ، فبقدر ما يساعد على اختزال الزمن و الجهد و الوسيلة بقدر ما يفتح مجال آخر من تزييف للحقائق ، فتتضارب الحقيقة مع الظن و تتيه المعالم الحقيقية لمرتكب الجريمة الفعلي  لحين اكتشاف آخر يحد من استغلال التقنية فيما يضر بمصالح الغير ، و هذا ما ستكشفه لنا السنوات القادمة من ابحاث و استكشافات ما دام العلم في تطور و مادامت التكنولوجيا في استحداث مستمر...
 
 
 

أضافة تعليق