مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/08/26 19:12
و كاد الحلم يخذل

وكاد الحلم يخذل

 

 

بِلَوْعَةِ الصدق مع الأيام ناقشت عُمْرَ النضج في عقلي، إن كنت أدركت قمة الفهم والإتقان لهذه الحياة، فيما إن كان فعلاً الود هو الود، والصدق هو الصدق، والشر هو الشر، أطرقت رأسي طويلاً إلى أسفل، ليس خذلانًا من سوء الفهم؛ وإنما لطول الحقيقة عني، حتى لازمت المرات تلو المرات نكسات التوقف قليلاً، وربما كثيرًا؛ لأستوعب أن بعض مشاوير الحياة لم تكن التي رسمتُها بأحلامي، وتألقت لأجلها برسم الأماني، مع كل من أخبرتهم أني أبغي خيرًا، وبناءً، وصرحًا متينًا في حارتي، بل قريتي، عفوًا في أمتي، فمِنَ الإكبار بالأمم ألا أنسى انتمائي لخير أمة أُخرجت للناس.

 

لاقيت تجاوبًا واستماعًا طيبًا، ولما هممت بنقش أول حرف في واقعي، سقط القلم من بين أناملي مرة، لكني استعدته بصبر، إلا أنه تسلل من بين أناملي، ولكني أدركته ثانية، ولو أني أعي جيدًا أني في خوف من المستقبل بحاسة أشعرتني أن خَطْبًا ما قد يكون له الوقع على صفحاتي، فكان أنْ بدأتُ أقرأ قراءات أخرى جديدة، لم أكن أُجِيد قراءتها، لكنَّ المخفيَّ من الحياة أظهَرَ نفسَهُ؛ ليُعلمني أن ثمة نواقضَ لآمالي وطموحاتي، فسكتُّ برهة إلى حين ينقشع عني الظلام، وليس الغيم؛ لأن وقع الظلام له التأثير الأكبر من مرور غيم فاتر.

 

الممرات، صدقًا سكن الألم بداخلي إلى أن المرادفات من الأمور لها الحق في أن تحتل حيزًا من كلمات الأمل والتفاؤل والإبداع، لم أسكت هنا برهةً، لكني تأملت هُنَيْهَة إلى حيث السكن لشوارد نظراتي، كنت أرسلها في كل مكان من حولي؛ عَلَّنِي أجد إسقاطًا لما أردته من مخطط أحلامي، لم أجد إلا دروبًا صعبة المسلك، منها ما كان طبيعيًّا، ومنها ما كان من صنع البشر.

 

صُدِمْتُ بشدة، وتألمت لوقت طويل، لكنها الحقيقة، وأنا من لم تكن تعرف أن الحياة هكذا؛ مرة سحابة من رضًا، وألف مرة غيوم من غموض يَلُفُّني أنا في ذاتي، ناهيك عن مكسبي، صرت أشعر بغربة عن نفسي، وكأني لست أنا مَنْ حلم بالأمس، وأرسل ابتسامة أمل لسنة قادمة أو لسنوات، أصبحتُ لا أثق في أن دوام الحال من المحال، لكني وثقت أن دوام الحلم من المحال أن يتحقق، لما يخونني أصحاب القرار الذين شاركوني آراءهم وابتسامتهم معي، فهل من ثقة بعد اليوم في مجامع جديدة، وبالتزام الكلمة والفعل؟

 

أظنني أخطأت لما شاركت معي من أردت منهم تأييدًا لملامح حلمي، في أني أبغي سندًا يمنعني حينما أخطئ، ويشجعني حينما أصيب، لكني لم أكتفِ بهذا فقط، ولم أرتَقِ لهذا فقط، بل إني تعودت البراءة في كل شيء، حتى في ابتسامتي، رويدًا رويدًا، هي الأيام يداولها الله بين الناس، وتأتي عواقب الأمور كما لو أن من خان اليومَ سيخونه غيره، وبنفس الموقف، إنها الأيام من تثأر، وليست الضمائر؛ فأصحاب الهمم العالية لا يلتفتون إلى من كسر فيهم نشوة التلذذ بحقيقة الحلم، الذي سيصبح حقيقة مهما مر من الزمن، سيتحقق وبأجندة أمل.

 

دعوني أتنهَّد قليلاً؛ لأني تذكرت اللحظةَ لقطةَ اغتيال لأجمل صورة رسمْتُها بأملي، وهي أن أُسْعِدَ من حولي، وأسَلِّم على كل أخواتي بالأحضان في أن المراد تحقق، لكني أفقْتُ من نومي فجأة، وأنا أتوسد وسادتي على صوت أذان الفجر، استرجعت لقطات من حلمي الذي خِلْتُه تحقَّق، لكني وجدت نفسي كنت أحلم، ولو أن هذا الحلم الذي كان في نومي هو نفسه حلمي في اليقظة، مع فارق أنَّ حلم الواقع خذلني فيه الكثير، أما حلم النوم، فصوت الأذان قطع عني استكمال البقية منه.

 

لما استيقظت للصلاة، كبَّرْتُ كثيرًا، واستغفرت كثيرًا، وحمدت الله أن جعل لنا فواصل منقطعة في حياتنا؛ حتى لا نأسى على ما فاتنا، ولا نفرح بما آتانا؛ ليبقى ميزان الاعتدال هو:

يا صاحبَ الهمِّ إن الهمَّ منفرج
أَبْشِرْ بخيرٍ فإن الفارج اللهُ 
واليأسُ يقطعُ أحيانًا بصاحبه 
لا تيأسَنَّ فإن الكافيَ اللهُ 
اللهُ يُحْدِثُ بعد العسرِ ميسَرَةً 
لا تجزعَنَّ فإن الصانع اللهُ 
إذا بُلِيتَ فثِقْ بالله وارضَ به 
إن الذي يكشفُ البلوى هو اللهُ
والله ما لك غير الله من أحد 
فحسْبُك اللهُ في كلٍّ لك اللهُ 

 

أما أنا، فسأظل أحلم وأحلم؛ حتى يتحقق الحلم، وسيتحقق رغم أنف الجاحدين، بإذن الله تتحقق أحلامنا، إن هي قِيسَت بميزان التقوى والطهر والتفاؤل.

 

ألا قل لمن بات لي حاسدًا 
أتدري على من أسأتَ الأدبْ
أسأتَ على اللهِ في صنعِه 
وأنك لم ترضَ لي ما وهبْ 
فكان جزاؤُك أنْ خصَّنِي 
وسَدَّ عليك طريقَ الطلبْ 

 

قد يتعثر الحلم، وقد يخذل، ولكن مع الإصرار والتوكل على الله يتحقق بإذنه تعالى، فصبر جميل، ويقين كثير، نلقى المراد قد تحقق.




أضافة تعليق