مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/08/13 13:33
تأملات في الربع الأخير من سورة الفرقان..الزواج طبيعة وشريعة!

د.محمد إبراهيم العشماوي 

الأستاذ في جامعة الأزهر 

 

حضرت عقد زواج، فقرأ القارئ الربع الأخير من سورة الفرقان، وفيه قول الله تعالى:" وهو الذي خلق من الماء بشرا، فجعله نسبا وصهرا".

وحين تأملت هذه الآية الكريمة وجدتها قد سبقت بقوله تعالى في أول الربع:"وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا"

وفيه من لطائف الإشارات: التنبيه على أن الزواج سنة كونية من سنن الله، وآية من آياته في الأنفس والآفاق، حيث مهد للحديث عن النسب والمصاهرة وما فيهما من اختلاف الطبائع، بالحديث عن مرج البحرين المختلفين بالعذوبة والملوحة، ومع هذا فلا يطغى أحدهما على الآخر، كأنه يقول: اعتبروا بتلك الآية في النسب والمصاهرة، وتقاربوا ولا تتجانسوا!

وهذا يفضي إلى احتفاظ كل من الرجل والمرأة بطبيعته دون ذوبان أو تلاشي، مع نوع من التقارب والتمازج يحصل به التفاهم، وتستقيم به الحياة، بحيث يبدوان في مرأى العين كأنهما كيان واحد، وهما في الحقيقة اثنان!

ثم بعد هذه الآية بقليل تذكر السورة آية كونية أخرى تومئ إلى أن الزواج وما ينشأ عنه من الولد؛ سنة من سنن الله الكونية، فيقول تعالى:" وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا".

يعني أن الليل والنهار كلاهما يخلف الآخر، كما يخلف الولد أباه فيصير زوجا وأبا، وكما تخلف البنت أمها فتصير زوجا وأما، وهكذا تستمر الخلافة، إلى ما شاء الله!

وبعد هذا التمهيد عن حديث النسب والمصاهرة بآيتين كونيتين في مرج البحرين واختلاف الليل والنهار؛ يقع الحديث عن عباد الرحمن، كأنه إيماء إلى الأزواج أن يتصفوا بصفاتهم؛ لتتم سعادتهم، والتي من بينها حفظ فراش الزوجية مما يدنسه: "ولا يزنون!" 

ثم يقع الختام عن ختام صفاتهم أحسن موقع، على أبلغ وجه وآكده، وهم يدعون ربهم قائلين:"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما، أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما"!

وكم كنت سعيدا بهذا الفتح الإلهي الذي جاء لوقته، دون إعداد، وتذكرت وصية شيخنا العلامة المبصر شيخ المفسرين الدكتور إبراهيم الدسوقي خميس - رحمه الله - حين قال لي: لا تتكلم في المناسبات بالكلام المعهود، وأعمل فكرك في استخراج المعاني الجديدة، ولو أن تأتي بآية من القرآن فتفسرها، أو حديث فتشرحه!

وضرب لي مثلا(سورة الضحى)، وقال: إن من خير ما يقال في مناسبة المولد النبوي الشريف: تفسير هذه السورة ونحوها، بدلا من قصة المولد التي يحفظها الناس!

رضي الله عن مشايخنا جميعا، كم علمونا وفهمونا، وأتحفونا بفوائد تكتب بماء العيون، فاللهم ارحم حيهم وميتهم، وشاهدهم وغائبهم، وكبيرهم وصغيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وارفع بالخير ذكرهم يا رب العالمين!

أضافة تعليق