د.محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهر
عن شبيب بن أبي روح عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فقرأ الروم، فالتبس عليه، فلما صلى قال: "ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور؟ فإنما يلبس علينا القرآن أولئك". رواه النسائي.
ورواه أحمد وعبد الرزاق والبزار وغيرهم بنحوه، وفيه اختلاف في سنده، وقد حسنه بعضهم.
وقد سألني سائل: هل المعنى الوارد في هذا الحديث خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عام؟
فأجبت بأنه عام، وفيه من عجائب الأسرار أنه كلما صفا باطن الإنسان كوشف بمن حوله، وربما تأثر باطنه لشدة صفائه بكدورات أهل الكدر؛ ولهذا ندب إلى تصفية الباطن عند مجالسة الصالحين لشدة صفاء قلوبهم؛ فإنها كالمرايا المجلوة تعكس ما تراه حولها، وتتأثر به، ومن وصايا شيخنا الخطيب - رضي الله عنه - عند مجالسة الصالحين:
ولا تخطر بقلبك غير خير
فإن قلوبهم صارت مرايا!
جلاها ذكرهم والخوف منه
وصومهمو وتركهم الخطايا!
وجم نوافل وكثير صمت
وإحسان وتحسين النوايا!
وإذا كان التقصير في الطهارة الظاهرة سببا باطنيا من أسباب التباس القراءة على الإمام؛ فكيف بمن يتركها بالكلية ويصلي بغير وضوء؟!
بل كيف بمن يترك الطهارة القلبية، فيصلي وقلبه مشحون برذائل الأخلاق من الغل والحقد والحسد والرياء وحب الدنيا؟!
وقد كان شيخنا الخطيب - رضي الله عنه - لا يشرح درس الحديث في المعهد الأحمدي المبارك إلا على طهارة، ويدعو طلابه إلى التطهر تعظيما لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينعقد لسانه عن الكلام إذا وجد من بين الطلاب من يكون على جنابة!
وقد حدثني شيخنا الدكتور صفوت زيد أستاذ الأدب والنقد في جامعة الأزهر - رحمه الله - وهو من تلاميذ شيخنا الخطيب في المعهد الأحمدي؛ أن الشيخ مرة بعد أن كتب الحديث على السبورة، وأراد أن يشرح الدرس؛ انعقد لسانه عن الكلام، وظل يخرج من الفصل ويرجع، حتى انتهى إلى طالب فقال له: ((يا ولدي، قطعت عني أنوار النبوة!
اخرج من الفصل، ولن أكتبك غائبا!)).
فخرج الطالب، فانطلق الشيخ يشرح الدرس، كأن لم يكن به بأس!
وحين سأل الطلاب زميلهم عن السر في ذلك؛ أجابهم بأنه كان على جنابة، ولم يتمكن من الاغتسال!
وقد تواترت هذه الحكاية عن شيخنا الخطيب حتى إذا ذكرت كراماته كانت على رأس تلك الكرامات!