أريج التقوى
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 - 3]؛ أيُّ مخرجٍ من عنفوان هذه الآية الكريمة، وأيُّ رزق بغير حساب هو جزاءٌ من الله لكل مَن اتَّقاه؟!
إن كان على المخرج، فهو الخروج من الضيق والشدة، وهو الفرج والنصر، وإن كان على الرزق دونما حساب، فهو الثواب، ويكون بالدعاء، والصلاة، والاستغفار، لكن بشرط هو التقوى، هو لزام جوهري، والتزام أساسي للظفر بجائزة الصبر، والاحتساب، وحسن التوكُّل على الله.. فهل كان للخاطرِ مَيْل للعودة إلى نقطة البداية حال الضعف واليأس والتعب والملل؟
هنا بيت القصيد، وهنا تبرز قوى المؤمن حتى في جوارحه، فالقوة ليست بقوة الساعد، أو فتول العضلات؛ إنما هي قوة التحمُّل بالصبر المحمود، دونما تذمُّر أو سخط.
إنه كلام الله في آياته، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه القول الحق، هي آيةٌ عظيمة جاءت على سياق شرط التقوى، فمتى ما تحقَّق هذا الشرط، تحقَّق الجواب عن السؤال، وتحقق الطلب عن تضرع وتذلل، وتحقق المراد عن تمنٍّ ورجاء.
في فَيْنة الضيق وفَيْنة الفرج عنوان التأمل.. جمال للتمتع.. ثناء وشكر لما آلت بنا فينة التحول مع تمازج العَبَرات في أنْ لا شيء ركن إلى حاله؛ إنما هدأت قلوبنا عن نبض الألم، وانتقل بنا الزَّوْرَق إلى الفرح والانشراح، بعد أن خِلْنا أن الضيق مستمر، لكنها:
ضاقتْ فلمَّا استحكمتْ حلقاتُها
فُرِجتْ وكنتُ أظنُّها لا تُفرَجُ
|
لكن سُنَّة الأوَّلين كانت لنا كالنبراس، في أن الله هو الفارج، هو الناصر، هو المؤيد، هو المتعال، سبحانك لك الحمد والشكر، شكرًا يليق بمقام وجهك وعظيم سلطانك.
لكم أحببتُ أثناء لحظات الفرج أن أنقل صدى الفرج إلى كل مهموم، وإلى كل مريض متألم؛ لأني أحب سماع الآهات بترديد التصبر، فمنها أستقي صمتي، ومنها أنسج حكمة العصر في أن الألم موجود في كل مكان، وأن المتألِّمين هم في رحلة الابتلاء، يمتطون سفينة القدر.. صحيح لا أحد يلعب دور الآخر، لكني ألِفتُ رنة المعاناة؛ لأني ركبت - ولأعوام متتالية - قطار التجارِب، لكم كان قطاري سريعًا على سكة الضعف، لكن صبري كان أسرعَ في الوصول إلى نهاية المحطة؛ لذا لم يَعُدْ يفاجئني، لا بكاء، ولا أنين، ولا صراخ، هو للثكالى أجود من صوت الطفولة في سنوات الصبا.
لكنه الأريج من أفق الأمل يرسل نسمات الصباح، في أنه يوم جديد بقطرات الندى؛ ليعلن عن نهاية المتاعب، والضيق، والمظالم، وختامها في نهاية زخم الآهات.
يكفي أننا نغلق كتبًا هي كالأسطورة في سرد مستمر؛ لأنه لكل شيء نهاية، مثلما كانت للبداية مفاتيح لقواميس ترجمة أحداث آخر الزمان.
لم يحدث شيء، كل ما في الأمر أنه ابتلاء، وفي ثقافة الابتلاءات عنوان لمسيرة التحمُّل، والسجود على سجاد الطهارة في أنك يا ألله وحدك مَن حبلُه متين، فكان الشرط في تقوى الصفاء والنور المشعِّ من قلوب راضية لقضائك وقدرك - سبحانك.
أنا أيضًا أغلقتُ كتابي على عبق أريج التقوى؛ لأنام في سكينة؛ لأنه لن يكون للتقوى بديل لراحة روحي، وسكون سَرِيرتي على وتر الرضا، والاحتساب لله - عز وجل - بعد طول عناء، فكان الدرس وكان الختام بالعودة إلى الله في كل كرب، والشكر له مع كل فرج.
فيا أريجًا كن للقائمين المجدِّين، نفسًا منعشًا لثلث الليل الطويل.
كانت متاعب الحياة كدرًا، لكنها مع التقوى أضحت سكنًا.
يقينًا وإيمانًا بالواحد الأحد، بدت محنة الابتلاء منحة للأبد.