د/محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهر
ينبغي للجان الفنية التي تضع المناهج الدراسية لطلابنا؛ أن تراعي في اختيار الموضوعات المدروسة ؛ أن تكون ذات قيمة إنسانية حقيقية مضافة إلى رصيد القيم الإنسانية، وأن تكون في خدمة قضايا مجتمعها، فلا تكون في واد، وقضايا المجتمع في واد آخر، وإلا شعر الطالب بالاغتراب والانفصام بين ما يدرسه وبين ما يعيشه!
وقد يبدو الموضوع لأول وهلة بعيدا عن حاجة المجتمع؛ لكونه مثلا في الشعر الجاهلي، أو في تاريخ الحضارات القديمة، أو فيما لم يعد له وجود في العالم المعاصر، كمسألة الرق!
وهنا يأتي دور القراءة العميقة للنص، ومحاولة استخراج المعاني الجديدة الكامنة فيه، فيما يمكن تسميته بالقراءة الماورائية، وهي التي تجعل النص يبدو دائما متجددا، وكأن الله قد ابتعث كاتبه؛ ليكتبه لعصر جديد، بأسلوب جديد، وفكر جديد!
وإن هذا النوع من القراءة هو الذي أنتج لنا هذا التراث العلمي الهائل لعلماء المسلمين في كل الفنون، حتى إن الكتاب الواحد ليتعاقب على خدمته الواحد تلو الواحد، في كل جيل من الأجيال، وكل منهم يضيف إلى رصيد من سبقه، ويضع بصمته الخاصة في كل كتاب، بما يناسب حال عصره ومجتمعه؛ شرحا وتحليلا وتنكيتا وتذييلا وتعقيبا واستدراكا ونظما واختصارا، فنشأ ما يمكن تسميته بعملية استيلاد الكتب، وهي من مفاخر العقل المسلم، ومن أسرار تميزه عن سائر العقول، حتى حصل لنا من طريقها تراث علمي لم يحصل مثله لأمة من الأمم!