ما أعظم العبادات في ديننا الإسلامي، تعطي دفعات جديدة، يرتقي بها المسلم إلى مراتب السعادة في الدارين، تجدنا عند الصلاة، بمجرد تكبيرة الإحرام نـنسلخ كلية من متاعب الدنيا و مشاغلها، فنعيش في جو الراحة النفسية و الجسمية معا، و تأتي الزكاة لتطهير هذه النفس من الشوائب التي علقت بها، فإذا أذن مؤذن الإفطار هتفت تلك القلوب التي صامت عن كل ما نهى الله تبارك و تعالى عنه، لتروي عطشها بما أحله الله لها من الطيبات ... تستقبل الدول الإسلامية و العربية بعد بضعة أيام شهر رمضان بسعادة عارمة، و ترصّع مساجدها و شوارعها بالزينة و الرايات المرحّبة بهذا الشهر، كأنما كل ما مرّ عليها من أيام و شهور خلال السنة، ليس إلا محطة انتظار زمنية يتشوق من يجلس فيها إلى قدوم رمضان. بين الجزائر و تونس و مصر و تركيا اختلفت تفاصيل العادات و التقاليد، و تفرّدت كل واحدة من هذه المدن بتقليد خاص في الاحتفال برمضان، ولكن الجامع بينها جميعا، هو التعبّد لله و الصلاة و سيادة الشعور بالسعادة مهما كانت طبقة الصائم الاجتماعية. هناك عادات و تقاليد لشهر رمضان الكريم، توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى اعتقد البعض أنها من الشعائر الواجب المحافظة عليها، و لا تكتمل الفرحـــة و البهجة بهذا الشهر إلا بها، و دخل عليها العديد من الأمور المستحدثة التي لم تكن في أجيال السلف الصالح، و هذا حدا بالبعض إلى القول بأنها من البدع، تستوقفني بعض المحطات التي يمر عليها بنو آدم، و لا يعطون لها ما تستحقه من تفكير، و من تخطيط، و من تنفيذ، اللهم إلا اللمم مما تتصوره معتقداتهم و عاداتهم التي ترعرعوا عليها، و أخدت منهم كل مأخذ...بحيث صاروا يرونها هي المنبع و هي الأساس، منها على سبيل المثال لا الحصر، منها الافراط في النفقات و الاستهلاك بصفة عامة، مع أن المسلم مأمور بتجنب ذلك، سواء أكان ذلك في رمضان أم في غير رمضان، و لكن للأسف الشديد نجد أن معظم الناس في شهر رمضان يخالفون تلك القواعد الإسلامية في مجال الإنفاق و الاستهلاك، و هذا يسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها. فنجد أنه في شهر رمضان يزداد الإسراف و التبذير و يتجه الإنفاق نحو الترف و المظهرية، و هذا يقود بطبيعة الحال إلى سلسلة من الآثار السيئة مما يسبب العديد من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية على حد سواء... يأمرنا ديننا الحنيف بالإنفاق في طاعة الله و في مجال الطيبات دون إسراف أو تبذير أو ترف،، و أن يكون الإنفاق معتدلاً وسطًا، فيقول الله تبارك و تعالى في وصف عباد الرحمن: "و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قوامًا(67)) (الفرقان) و يقــول الرسول صلى الله عليه و سلم: "كلوا و اشربوا و تصدقوا و البسوا، ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة (رواه ابن ماجه. و في رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو: أن رسول صلى الله عليه و سلم قال: "كلوا و اشربوا و تصدقوا من غير مخيلة و لا ترف، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده" (رواه أحمد و النسائي. إن الفهم الصحيح لفريضة الصيام، يظهرنا على أنها تطهير للنفس و المال و المجتمع، و أن الصوم عباده صحيحة، و عقيدة سليمة، و أنه صبر و جهاد و تضحية و مشقة، و ليست ترفيها و مظهرية.، فالمحاسبة و المراقبة الذاتية قبل و أثناء الإنفاق و الاستهلاك و التفكر و التدبر في النتائج المترتبة على الإسراف و التبذير و الترف و المظهرية واجبة... و من شق عليه الحساب في الدنيا سهل عليه في الآخرة، و هذا العلاج نجده في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم " إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن كان خيراً فأمضه، و إن كان غياً فانته عنه " (عن عبادة بن الصامت). و في هذا الشأن يقول عمر بن الخطاب: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و تهيأوا للعرض الأكبر" كما يجب على المسلم أن يتذكر الفقراء، و المساكين، و المجاهدين، و أن يتذكر الوقوف أمام الله للمحاسبة الأخروية، ليس في رمضان وحده، بل في كل الأوقات. إن المحاسبة و المراقبة الذاتية الدائمة و المستمرة، تجعل الفرد المسلم الصائم حازماً مع نفسه يكبح هواها و يفطمها عن شهواتها و مطالبها و يجعلها تسير في طريق الإسلام. ثالثاً: الاقتداء و التأسـي بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و الصحابة من بعده، في سلوكهم و نفقاتهم في شهر رمضان، و لا سيما من حيث الاقتصـــاد، و يتذكـــر حديث رسـول الله صلى الله عليه و سلم الذي قال فيه: "ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان فاعلاً لا محاله، فثلث لطعامه، و ثلث لشرابه، و ثلث لنفسه" (رواه أبن ماجه و قال حسن صحيح).