مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/05/15 21:49
الجريمة الالكترونية و تقنية الاجرام المستحدث

الجريمة الإلكترونية

وتقنية الإجرام المستحدث

 

 

إنَّ مفهوم الجريمة الإلكترونية مفهوم واسع، فهي كل جريمة تتمُّ بوسيلة إلكترونية؛ كالحواسيب مثلاً؛ وذلك باستخدام شبكات الإنترنت من خلال غرف الدردشة واختراق البريد الإلكتروني ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي؛ بهدف إلحاق الأذى والضرر لفرد أو مجموعة من الأفراد، وحتى لدولة من الدول، تكون ضمن برنامج الاستهداف الحربي أو الاقتصادي، أو الإضرار بسمعتها أو العكس، ويَبقى الهدف واحدًا، هو الكشف عن قضايا مُتستَّر عليها، أو نشر معلومات لفائدة طرف أو أطراف أخرى من باب التسريب.

 

والجريمة الإلكترونية قد تمسُّ اقتصاد الدولة وأمنها السلمي لتشمل قضايا التجسس الإلكتروني، والمثال الحيُّ على ذلك هو التسريبات التي قام بها المتعاقِد مع الأمن القومي الأمريكي إدوارد سنودن، الذي كشف عن برامج للتجسُّس الأمريكي تمسُّ شخصيات سياسية وكذا دولاً، من باب الإخبار عن برامجها وأسرارها، وأيضًا توجد جرائم السرقات المالية، وكذا الجرائم العابرة للحدود.

 

من جهة أخرى، يشمل هذا النوع من الجرائم نوعًا من الاحتيال، الذي يقوم به موظَّفون ماليون فاسِدون؛ وذلك بإدخال معلومات وبيانات خاطئة، والقيام بعمليات توقيع مزوَّرة لأجل الاستيلاء على أموال رجال الأعمال والمُستثمِرين، من خلال سرقة بطاقات ائتمانهم واستِعمالها؛ وذلك بانتحال صفة مزورة، كما بإمكان المستغلين للتكنولوجيا الحديثة استعمالها للمساس بأمن دولة من الدول؛ وذلك بهدف تحقيق برنامج إرهابي أو تفجيري، وتكون الحواسيب والأجهزة الإلكترونية كالهواتف النقالة هي وسائل تنفيذ تلك الجرائم، وهذا ما يعتقده الكثير من المحلِّلين والخبراء مستقبلاً أن تكون مثل هذه الجرائم هي وسائل إعلان الحرب، وبذلك تُصبح قاعدة لتلك الهجمات وتبادُل التُّهم، وأغلب مَن يُنفِّذ هذه الجرائم هم قراصنة يُوصفون بأصحاب القبَّعات السوداء، لهم من الخبرة والذكاء ما يُخوِّلهم لارتكاب مثل هذ الجرائم بطريقة ناجحة، وبالتالي تدخل التقنية الإلكترونية خانة الاتهام، وتُصبح وسيلةً إجرامية ولكن بطريقة مُستحدَثة جدًّا؛ حيث لا يُقابل الجاني ضحيته مباشرة، بل عن بُعْد، وبمجرد الضغط على الأزرار واستخدام المعلومة الرقمية للوصول إلى الهدف المسطَّر، وهنا يُمكن إدراج تعريف للدليل الرقمي[1]، وهو الدليل المأخوذ من أجهزة الكمبيوتر، ويكون في شكل مجالات أو نبضات مغناطيسية أو كهربائيَّة يُمكن تجميعها باستخدام برامج تطبيقيَّة وتكنولوجيا، وهي مكوِّن رقميٌّ لتقديم معلومات في أشكال متنوِّعة؛ مثل النصوص المكتوبة، أو الصُّوَر، أو الأصوات، أو الأشكال والرسوم؛ من أجل اعتماده أمام أجهزة إنفاذ وتطبيق القانون، والذي يُلاحظ على هذا التعريف أنه يَحصر مفهوم الدليل الرقمي على ذلك الدليل الذي يتمُّ استِخراجه من الحاسب الآلي.

 

إذًا نَستنتِج من هذا التعريف أن الدليل الرقمي يتمتَّع بصفة الحداثة، وهو من الأدلة التي أفرزها التطور التكنولوجي، لكنَّ مشروعية الأخذ به تقتضي أن يكون هذا الدليل قد قبله المشرِّعُ ضمنَ أدلة الاثبات، وهذا ما يجعلنا نتساءل حول أسبقية ظهور بعض المستجَّدات العلمية مقارَنةً بغَيرها؛ بحيث لا يكون فيه لا تَقنين قانوني ينظم هذه المستجدات والتطورات العلمية والقانونية، ولا وجود أيضًا للترتيب في استظهار أدلة الإثبات الجنائي، فعندما يكون المجرمون هدفهم الأساسي هو الهجوم والتعدي على الغير بقصد الإضرار النفسي والمعنوي، فهنا يتحول الحاسوب إلى أداة لتنفيذ الجريمة، وليس وسيلة للتطور والاستغلال الجيد للتكنولوجيا وللتقنية الحديثة نحو المسار الذي يُحقِّق المسعى الإيجابي في نهضة ورقي المجتمعات، وبذلك تكون الجريمة الإلكترونية تحصيلاً سلبيًّا لإيجابيات التقنية الحديثة، كسرقة الهُويَّة وحرب المعلومات والاحتيال، ونشر المحتوى الفاحش والمُسيء للقيَم، وكلُّها مضامين للجريمة الإلكترونية، وهي تشكِّل مُضايقات وتهديدًا للأمن الشخصي والقومي، فهل كان احتواء القانون واضحًا للتقليل من انتشار وتوسُّع هذا النوع من الجريمة السريعة والخطيرة في آنٍ؟ وهل تُعتبر فئة القصَّر في منأى عن ضرر هذه الجريمة؟ ولماذا هذه الفئة بالذات؟

 

بالنسبة للتشريع القانوني، ففي الجزائر مثلاً جاء قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية خاليين من أي نصٍّ صريح يُعاقب على هذه الجريمة، ولم يُحدِّد لها تكييفًا قانونيًّا واضحًا، ما عدا ما نصَّت عليه المادة 65 الفقرة 5 من قانون الإجراءات الجزائية حول اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتِقاط الصُّوَر، كما يلي:

إذا اقتضَتْ ضرورة التحري في الجريمة المتلبَّس بها، أو التحقيق الابتدائي في جرائم المخدرات أو الجريمة المنظَّمة العابرة للحدود الوطنية، أو الجرائم الماسَّة بأنظمة المعالجة الآلية للمُعطيات، أو جرائم تبييض الأموال، أو الإرهاب، أو الجرائم المتعلِّقة بالتشريع الخاص بالصرف، وكذا جرائم الفساد، يجوز لوكيل الجمهورية المختص أن يأذَنَ بما يأتي:

 اعتِراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية.

 

 وضع الترتيبات التقنية دون موافَقة المعنيِّين من أجل التقاط وتثبيت وبث وتسجيل الكلام المتفوَّه به بصفة خاصة أو سرية من طرف شخص أو عدة أشخاص في أماكن خاصة أو عمومية، أو التقاط صور لشخص أو عدة أشخاص يوجدون في مكان خاص.

 

وعليه، يبدو من نص المادة أنها لم تتطرَّق إلى الجريمة الإلكترونية بتفاصيلها، وبنوعية استعمال التقنية الحديثة، ما يطرح تساؤلاً حول مدى تأخر القانون الجنائي بكل فروعه في التقنين القانوني الأمثل ضمانًا للحقوق وحفاظًا للأسرار الخاصة بالأفراد وبالدول، وهذا من وظيفة القانون الجنائي الدولي، الذي لا بدَّ أن يسنَّ قانونًا دوليًّا يُجبِر الدول على ضرورة تنظيم استعمال التقنية والأجهزة الإلكترونية، ما يمنع المجرمين من استغلالها الاستغلال المضر بحرية الأفراد والحقوق اللصيقة بهم، فإن كانت هذه التقنية الحديثة قد سهَّلت العديد من الإجراءات؛ كإمضاء العقود بين الأفراد والمؤسَّسات، واستخراج وثائق الهوية، وصرْف المبالغ عند عقد أي صفقة مالية، فإن قراصنة الإعلام الآلي اكتشفوا البديل لإيجابية هذه التقنية ضمانًا لجرائمهم، فأصبحت لا تشكِّل ضمانًا أساسيًّا يطمئنُّ إليه المتعاملون في مشاريعهم، بل أصبحوا لا يثقون كثيرًا في ائتمان التكنولوجيا الحديثة، وتجدهم اليوم يتردَّدون في إبرام النفقات الكبرى خشيةً من الخسارة التي تَطولهم؛ بسبب القرصنة، أو انتحال شخصية المتعامل، مثل ما حدث لشبكة حواسيب سوني في الولايات المتحدة أواخر سنة 2014، حينما تعرَّضت لجرائم إلكترونية كبَّدتها خسائر مالية فادحة بسبب تسريب أفلام لم يتمَّ عرضها على دور السينما، كذلك سرقة العديد من البيانات والمعلومات، هذا ما عطل عمل الشركة لمدة من الزمن.

 

أما ما يُنسب لضحايا الجريمة الإلكترونية كونهم من الأطفال القصَّر؛ حيث نجد ارتباط هذه الفئة من المستخدمين للإنترنت لسبب الترفيه أكثر منه لشيء آخر، وقد يتحوَّل استِعمال التقنية إلى حدوث جريمة بقصْد أو بغير قصد، وهذا ما صرَّح به المستشار القانوني عبدالله الحمداني في موقع "الإمارات اليوم" في دراسته الجديدة التي أعدها حول الجريمة الإلكترونية؛ حيث قال: "إنه في الآونة الأخيرة عرفت الجريمة الإلكترونية ارتفاعًا كبيرًا، والتي يتورط فيها الأطفال المراهقون؛ وذلك بسبب استخدام نوعية جديدة من الهواتف المتحرِّكة حيث تعمل بنظام الأكواد؛ مثل: "الآيفون" و"بلاك بيري"، التي تسمح بتواصل الشخص المضيف بالمُرسل بمجرَّد الاتصال، ومن دون معرفة جنس أو عمر المتصل، خصوصًا عبر برامج "الواتس آب"، وبعد التواصل تَحدُث مشكلات غير مأمونة؛ كاستغلال الفتيات جنسيًّا وماليًّا، والذين تمَّت إدانتهم بهذه التهم"، مشيرًا في نفس الوقت إلى أن القليل من هذه القضايا يصل إلى المحاكم؛ خوفًا على السمعة ومِن الفضيحة؛ إذ يرفض الأهل تقديم شكوى للمَحاكم، ويُفضِّلون التستُّر عليها بدل الإعلان عنها للكشف عن مُرتكبيها ومعاقبتهم، خصوصًا إذا كانت الجريمة موجَّهة إلى بناتهم، كما أنه لوحظ العديد من الأبناء لا يقومون بتبليغ ذويهم عن تعرُّضهم لمثل هذه الخديعة الإلكترونية خوفًا من العقاب واهتزاز الثقة بينهم وبين أوليائهم، وهنا يُطرَح إشكال آخر فيما يخص إعداد الإحصائيات الحقيقية عن الجريمة الإلكترونية؛ إذ لا يُمكن الحصول على الرقم الحقيقي لنسبتها ومدى تطوُّرها بسبب عدم التصريح بها لأجهزة الأمن، كما ذكر سابقًا.

 

وفي هذا السياق نجد القانون الإماراتي قنَّن نصوصًا قانونية حول الجريمة الإلكترونية؛ مثل ما ورد في نص المادة 9 من القانون الاتحادي رقم 02 / 2006:

"كل من استعمل الشبكة العنكبوتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في تهديد أو ابتزاز شخص آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبالغرامة التي لا تزيد على 50 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، فإن كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادِشة للشرف أو الاعتبار، كانت العقوبة السجن مدة لا تزيد عن 10 سنوات".

 

نلاحظ أن هذا النص صريح ويُحيط ذكرًا بمُخلَّفات الجريمة الإلكترونية، وما من شأنه ضمان حقوق المجني عليهم، فكلما كان القانون محيطًا بخطر أي فعل إجرامي، كان الردع والتخويف وبث الترهيب فيمَن تُسوِّل له نفسه التجرُّؤَ على الغير بالإساءة والأذية، وكلما كانت في القانون ثغرات ونقائص، سعى المُجرم ليستغلَّ تلك الثغرة ليَنجو من فعله الإجرامي.

 

وأنوِّه بالذكر أن هناك بعضَ الدول تسعى لتقنين قانون أو إحداث تعديلات على قوانينها لاحتواء خطر الجريمة الإلكترونية، وهنا يَطرق ذهني سؤالٌ، وهو: كيف ترضى أيُّ دولة بإدخال مُستحدَثات جديدة للتداول بين أفراد مُجتمعِها، ولا تُقيم له قانونًا داخليًّا يُنظِّمها للحد من خطورتها؟ والقياس على ذلك كمن يسعى لاستيراد سلعة غذائية للاستهلاك دونما معرفة الخواطر الجانبية لهذه السلعة، والإشكال هذا مطروح بكثرة لدى دول العالم الثالث، ثم كيف ترضى لنفسها الاستيراد النوعي لهذه الموادِّ بغية الاستهلاك وفقط، بدل تعلم الصَّنعة لمُقابلة التكنولوجيا الحديثة بأخرى أحدث منها؟ خاصة إن هي أحيطت بنماذج للتسيير والاستغلال الأمثل، فيغلب الطابع الإيجابي للتقنية على الجانب السلبي، وهو ما من شأنه أن يؤثر على توجه القيم والأخلاق نحو ما يفيد الأمَّة، وليس ما يُدمِّرها ويخرِّب أواصر التواصل الاجتماعي الذي ينظمه الشرع والقانون، ومن هذا المُنطلَق كان لا بدَّ مِن إحاطة فئة المراهقين القصَّر بضرورة توعيتهم بالجانب السلبي لاستعمال التقنية؛ حتى لا يتعلَّموا ما يَضرُّهم؛ وإنما ليستفيدوا مما يتاح أمامهم من معلومات وبحر شاسع من المعرفة، فيكون الاستغلال الأمثل نحو التعلم الأمثل فيما يفيد البناء الحضاري، وبما يقوم أعمدة النمو والرقي، فأي دول تُريد لها الارتقاء إنما تتطلَّع لمستقبل واعد يُستثمَر فيه عقلُ شبابها؛ بحسن تدبير كفاءتهم، وتوجيه نضجهم العقلي الأمثل نحو العطاء الدائم، وليس باتجاه الانحراف الإجرامي، الذي من شأنه إحداث خلل كبير بين المأمول والمحصول عليه من فساد للعقول، وخسارة للأخلاق، وتضييع لطاقات تَلتهِب نشاطًا وحيويةً، ومن هنا يمكن إدراج بعض سلبيات الإنترنت لأجل توعية شبابنا بهذا السلاح ذي الحدَّين؛ ومنها:

 الالتفات نحو المواقع الإباحية، والتي تزرع في نفسية المراهق الإدمان عليها وممارسة السلوكات الجنسية التي يُحرِّمها ديننا الحنيف، وبالتالي نشوء جيل ضعيف البنية الجسدية والاكتِساب الخلُقي، وغير قادر على تحمُّل المسؤوليات؛ بسبب عدم الاستقامة الأخلاقية.

 

 تشكيل غُرف للدردشة غير المُجديَة وغير المفيدة، التي من شأنها إضاعة الوقت من خلال تعلُّم الطريقة السلبية في التحادُث باستخدام الألفاظ الدنيئة التي لا تمثل الكيان المسلم على الإطلاق، وبالتالي نقْل عقْل المُراهِق نحو الخيال أكثر منه نحو الواقع الحقيقي من خلال هذا العالم الافتراضي، الذي لا يقوم على ركائز مَتينة من الصدق والواقعية في طريقة التحادث، وكذا التواصل.

 

 يسمح الإنترنت بتبادل الصوَر الخليعة والمحرَّمة، وكذا الملفات غير المفيدة لا في العلم ولا في الخلُق، وهو ما يدفع بالتدني بالمستوى المعرفي بالعرف المُجتمعي الذي يبث في شخصية المراهق ضرورة التمسك بالعادات الصحيحة قبل حلول عالم الإنترنت عليه، بمعنى الوعي الأمثل بكيفية استغلال الإنترنت في التعلم والمعرفة، وترك ما هو مناقض للأخلاق وللقيم التي تربى عليها المراهق منذ صغره، ومن هنا يرسم بينه وبين عقيدته خطًّا أحمر لا يُمكن تخطيه لا بنفسه ولا بغيره بواسطة هذه التكنولوجيا الحديثة.

 

 تحميل الأغاني المعارضة لنسق التربية والخلق القويم، ما يجعل المراهق يحفظها عن ظهر قلب، ولو قارن حفظه للقرآن ولهذه الأغاني لوجد فرقًا شاسعًا، وهو ما يفسره إدمانه الشديد لهذه الميوعة الإعلامية، التي تخدم مجتمعات منحلة أخلاقيًّا، وتسعى عبر شبكاتها لأن تزرع الفوضى الأخلاقية والبلبلة الروحية في نفسية الشباب المسلم، فينتقل من استعمال التقنية لإشباع الحاجات الجنسية إلى الممارسة الفعلية للإجرام بمُختلف وسائله وأنواعه، ويصل الأمر في بعض الأُسَر إلى ارتكاب ما يُسمَّى زنا المحارم، والذي سأفرد له موضوعًا خاصًّا بإذن الله تعالى.

 

إذًا حينما تتحوَّل التقنية الحديثة إلى وسيلة لارتكاب الجريمة الإلكترونية، هنا تتعدَّد المسؤوليات للحد من هذا الخطر الزاحف، ولا يتوقف فقط على أجهزة الأمن الحد منها؛ فهي لن تتمكَّن من مراقبة سلوك الجاني كل لحظة، ومن هنا يَبدو دور الأسرة والمدرسة والجامعة بمواردها البشرية ومناهجها التعليمية في حسن احتِضان المُراهق وتوجيه سلوكه توجيهًا صحيحًا؛ ليَنشأ فردًا سويًّا قبل أن يُصبح مجرمًا يتذمَّر منه المجتمع والمقربون، فإلى مَن يَبكي تحت ظلال الندم ارع ابنتك وراقبها، وارع ابنك وراقب صُحبتَه، وكن له - أيها الوالد وأيتها الوالدة - نعم الصديق؛ حتى لا يفتقد للإشباع العاطفي فيسعى حثيثًا للبحث عنه في عالم افتراضي خياليٍّ مُدمِّر للشخصية المتَّزنة، وهو نداء موجَّه أيضًا للسلطات الحاكمة أن تُحسن تقنين القوانين وتُساير كل التطورات الحاصلة في عجلة التواصل الاجتماعي؛ لمراقبة الجديد الذي لن يَبقى جديدًا بعالمه الباهِر والسريع؛ لأنه سيتحوَّل إلى آلية للإجرام السريع، وغير المرئي، مما يصعِّب من عملية التحقيق والتحرِّي، وبذلك تضيع الحقوق، وتُخلق الفوضى، ويسود المجتمعَ الخوفُ والاضطراب، ومنه عدم الاستمتاع بالحياة المنظمة والمحترمة، التي يصنع قوامها قانونٌ رادع وصرامة في تطبيق مواده على الكل دونما استِثناء، ومن غير أي محسوبية أو توجه، فالجريمة الإلكترونية هي واجهة لسوء استخدام التقنية الحديثة، فلنُحسن اختيار الأنفع والأجود بتحرِّي البرامج والملفات ووسائل التواصل، ولنزرع الوازع الديني كرقيب على الضمير؛ حتى لا يغفل عن ضبط النفس وردعها؛ لكيلا ينزلق العقل والفكر معًا نحو هاوية الضياع والخسارة، والخسارة التي أقصدها هي خسارة القيم والدروع الشبابية التي بها تبني كل دولة صرحها المجيد من الحضارة العلمية والأخلاقية معًا.

 

وسيكون المقال القادم بإذن الله مخصصًا لجريمة التحرش الجنسي، فابقوا معي.



[1] سميرة بيطام: حجية الدليل البيولوجي أمام القاضي الجنائي، مذكرة أعدت لنيل درجة الماجستير في تخصُّص: القانون الجنائي، كلية الحقوق، جامعة الجزائر1، السنة الجامعية 2013 - 2014، (ص: 148)، مأخوذ عن الأستاذ طارق محمد الجملي: الدليل الرقمي في مجال الإثبات الجنائي، ورقة عمل مقدمة للمؤتمر المغربي الأول حول المعلوماتية والقانون، والمنعقد بطرابلس يومي 28 - 29 / 10 / 2009 نظمته أكاديمية الدراسات العليا، (ص: 3).




أضافة تعليق